الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                وعلى هذا تخرج تسمية المهر على السمعة والرياء أنها تصح أو لا تصح .

                                                                                                                                وجملة الكلام فيه أن السمعة في المهر إما أن تكون في قدر المهر ، وإما أن تكون في جنسه فإن كانت في قدر المهر بأن تواضعا في السر والباطن ، واتفقا على أن يكون المهر ألف درهم لكنهما يظهران في العقد ألفين لأمر حملهما على ذلك ، فإن لم يقولا : ألف منهما سمعة ، فالمهر ما ذكراه في العلانية وذلك ألفان ; لأن المهر ما يكون مذكورا في العقد والألفان مذكورتان في العقد فإذا لم يجعلا الألف منهما سمعة صحت تسمية الألفين وإن قالا الألف منهما سمعة ، فالمهر ما ذكراه في السر وهو الألف في ظاهر الرواية عن أبي حنيفة ، وهو قول أبي يوسف ومحمد ، وروي عن أبي حنيفة أن المهر ما أظهراه وهو الألفان .

                                                                                                                                ( وجه ) هذه الرواية أن المهر هو المذكور في العقد ; لأنه اسم لما يملك به البضع ، والذي يملك به البضع هو المذكور في العقد وأنه يصلح أن يكون مهرا ; لأنه مال معلوم فتصح تسميته ويصير مهرا ولا تعتبر المواضعة السابقة ( وجه ) ظاهر الرواية أنهما لما قالا : الألف منهما سمعة فقد هزلا بذلك قدر الألف حيث لم يقصدا به مهرا ، والمهر مما يدخله الجد والهزل ففسدت تسميته قدر الألف والتحقت بالعدم ، فبقي العقد على ألف ، وإن كانت السمعة من جنس المهريات تواضعا واتفقا في السر والباطن على أن يكون المهر ألف درهم ، ولكنهما يظهران في العقد مائة دينار ، فإن لم يقولا : رياء وسمعة فالمهر ما تعاقدا عليه لما قلنا ، وإن قالا : رياء وسمعة فتعاقدا على ذلك فلها مهر مثلها في ظاهر الرواية عن أبي حنيفة ، ورواية عنه أن لها مهر العلانية مائة دينار .

                                                                                                                                ( وجه ) هذه الرواية على نحو ما ذكرنا أن المائة [ ص: 287 ] دينار هي المذكورة في العقد ، والمهر اسم للمذكور في العقد لما بينا فيعتبر المذكور ولا تعتبر المواضعة السابقة ( وجه ) ظاهر الرواية أن ما تواضعا عليه وهو الألف لم يذكراه في العقد ، وما ذكراه وهو المائة دينار ما تواضعا عليه فلم توجد التسمية فيجب مهر المثل كما لو تزوجها ولم يسم لها مهرا هذا الذي ذكرنا إذا لم يتعاقدا في السر والباطن على أن يكون للمهر قدر أو جنس ثم يتعاقدا على ما تواضعا واتفقا عليه .

                                                                                                                                فأما إذا تعاقدا في السر على قدر من المهر أو جنس منه ثم اتفقا وتواضعا في السر على أن يظهرا في عقد العلانية أكثر من ذلك أو جنسا آخر ، فإن لم يذكرا في المواضعة السابقة أن ذلك سمعة ، فالمهر ما ذكراه في العلانية في قول أبي حنيفة ومحمد ، ويكون ذلك زيادة على المهر الأول ، سواء كان من جنسه أو من خلاف جنسه ، فإن كان من خلاف جنسه ، فجميعه يكون زيادة على المهر الأول ، وإن كان من جنسه فقدر الزيادة على المهر الأول يكون زيادة .

                                                                                                                                وروي عن أبي يوسف أنه قال : المهر مهر السر ( وجه ) قوله : أن المهر ما يكون مذكورا في العقد ، والعقد هو الأول ; لأن النكاح لا يحتمل الفسخ والإقالة ; فالثاني لا يرفع الأول فلم يكن الثاني عقدا في الحقيقة فلا يعتبر المذكور عنده ، فكان المهر هو المذكور في العقد الأول .

                                                                                                                                ( وجه ) قولهما : أنهما قصدا شيئين استئناف العقد وزيادة في المهر ، واستئناف العقد لا يصح ; لأن النكاح لا يحتمل الفسخ ، والزيادة صحيحة فصار كأنه زاد ألفا أخرى أو مائة دينار ، وإن ذكرا في المواضعة السابقة أن الزيادة أو الجنس الآخر سمعة ، فالمهر هو المذكور في العقد الأول ، والمذكور في العقد الثاني لغو ; لأنهما هزلا به حيث جعلاه سمعة ، والهزل يعمل في المهر فيبطله والله أعلم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية