الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ولو أمره رجل أن يحج عنه حجة وأمره رجل آخر أن يحج عنه فأحرم بحجة فهذا لا يخلو عن أحد وجهين : .

                                                                                                                                إما إن أحرم بحجة عنهما جميعا ، وإما إن أحرم بحجة عن أحدهما ، فإن أحرم بحجة عنهما جميعا فهو مخالف ، ويقع الحج عنه ويضمن النفقة لهما إن كان أنفق من مالهما ; لأن كل واحد منهما أمره بحج تام ولم يفعل ، فصار مخالفا لأمرهما فلم يقع حجه عنهما فيضمن لهما ; لأن كل واحد منهما لم يرض بإنفاق ماله فيضمن ، وإنما وقع الحج عن الحاج ; لأن الأصل أن يقع كل فعل عن فاعله .

                                                                                                                                وإنما يقع لغيره بجعله ، فإذا خالف لم يصر لغيره فبقي فعله له .

                                                                                                                                ولو أراد أن يجعله لأحدهما لم يملك ذلك بخلاف الابن إذا أحرم بحجة عن أبويه أنه يجزئه أن يجعله عن أحدهما ; لأن الابن غير مأمور بالحج عن الأبوين فلا تتحقق مخالفة الآمر ، وإنما جعل ثواب الحج الواقع عن نفسه في الحقيقة لأبويه ، وكان من عزمه أن يجعل ثواب حجه لهما ثم نقض عزمه وجعله لأحدهما وههنا بخلافه ; لأن الحاج متصرف بحكم الآمر ، وقد خالف أمرهما فلا يقع حجه لهما ولا لأحدهما ، وإن أحرم بحجة عن أحدهما فإن أحرم لأحدهما عينا وقع الحج عن الذي عينه ، ويضمن النفقة للآخر ، وهذا ظاهر .

                                                                                                                                وإن أحرم بحجة عن أحدهما غير عين ، فله أن يجعلها عن أحدهما أيهما شاء ما لم يتصل بها الأداء في قول أبي حنيفة ومحمد استحسانا ، والقياس أن لا يجوز له ذلك ويقع الحج عن نفسه ويضمن النفقة لهما .

                                                                                                                                وجه القياس أنه خالف الأمر ; لأنه أمر بالحج لمعين ، وقد حج لمبهم ، والمبهم غير المعين فصار مخالفا ويضمن النفقة ، ويقع الحج عن نفسه لما ذكرنا بخلاف ما إذا أحرم الابن بالحج عن أحد أبويه أنه يصح ، وإن لم يكن معينا لما ذكرنا أن الابن في حجه لأبويه ليس متصرفا بحكم الآمر حتى يصير مخالفا للآمر بل هو يحج عن نفسه ، ثم يجعل ثواب حجه لأحدهما وذلك جائز .

                                                                                                                                وههنا بخلافه .

                                                                                                                                وجه الاستحسان أنه قد صح من أصل أصحابنا أن الإحرام ليس [ ص: 215 ] من الأداء بل هو شرط جواز أداء أفعال الحج ، فيقتضي تصور الأداء ، والأداء متصور بواسطة التعيين ، فإذا جعله عن أحدهما قبل أن يتصل به شيء من أفعال الحج تعين له فيقع عنه ، فإن لم يجعلها عن أحدهما حتى طاف شوطا ثم أراد أن يجعلها عن أحدهما لم تجز عن واحد منهما ; لأنه إذا اتصل به الأداء تعذر تعيين القدر المؤدى ; لأن المؤدى قد مضى وانقضى ، فلا يتصور تعيينه فيقع عن نفسه ، وصار إحرامه واقعا له لاتصال الأداء به .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية