الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( فصل ) :

                                                                                                                                وأما شرائط الفرضية فبعضها شرط الأهلية وبعضها شرط المحلية أما .

                                                                                                                                شرط الأهلية فنوعان : .

                                                                                                                                أحدهما الإسلام وأنه شرط ابتداء هذا الحق فلا يبتدأ بهذا الحق إلا على مسلم بلا خلاف ; لأن فيه معنى العبادة والكافر ليس من أهل وجوبها ابتداء فلا يبتدأ به عليه .

                                                                                                                                وكذا لا يجوز أن يتحول إليه في قول أبي حنيفة ، وعند أبي يوسف ومحمد يجوز حتى إن الذمي لو اشترى أرض عشر من مسلم فعليه الخراج عنده ، وعند أبي يوسف عليه عشران [ ص: 55 ] وعند محمد عليه عشر واحد .

                                                                                                                                وجه قول محمد أن الأصل أن كل أرض ابتدأت بضرب حق عليها أن لا يتبدل الحق بتبدل المالك كالخراج ، والجامع بينهما أن كل واحد منهما مؤنة الأرض لا تعلق له بالمالك حتى يجب في أرض غير مملوكة فلا يختلف باختلاف المالك ، وأبو يوسف يقول : لما وجب العشر على الكافر كما قاله محمد فالواجب على الكافر باسم العشر يكون مضاعفا كالواجب على التغلبي ويوضع موضع الخراج .

                                                                                                                                ولأبي حنيفة أن العشر فيه معنى العبادة والكافر ليس من أهل وجوب العبادة فلا يجب عليه العشر كما لا تجب عليه الزكاة المعهودة ولهذا لا تجب عليه ابتداء كذا في حالة البقاء وإذا تعذر إيجاب العشر عليه فلا سبيل إلى أن ينتفع الذمي بأرضه في دار الإسلام من غير حق يضرب عليها فضربنا عليها الخراج فالخراج الذي فيه معنى الصغار كما لو جعل داره بستانا واختلفت الرواية عن أبي حنيفة في وقت صيرورتها خراجية ذكر في السير الكبير أنه كما اشترى صارت خراجية وفي رواية أخرى لا تصير خراجية ما لم يوضع عليها الخراج وإنما يؤخذ الخراج إذا مضت من وقت الشراء مدة يمكنه أن يزرع فيها سواء زرع ، أو لم يزرع كذا ذكر في العيون في رجل باع أرض الخراج من رجل وقد بقي من السنة مقدار ما يقدر المشتري على زرعها فخراجها على المشتري ، وإن لم يكن بقي ذلك القدر فخراجها على البائع .

                                                                                                                                واختلفت الرواية عن محمد في موضع هذا العشر ذكر في السير الكبير أنه يوضع موضع الصدقة ; لأن قدر الواجب لما لم يتغير عنده لا تتغير صفته أيضا .

                                                                                                                                وروي عنه أنه يوضع موضع الخراج ; لأن مال الصدقة لا يؤخذ فيه لكونه مالا مأخوذا من الكافر فيوضع موضع الخراج .

                                                                                                                                ولو اشترى مسلم من ذمي أرضا خراجية فعليه الخراج ولا تنقلب عشرية ; لأن الأصل أن مؤنة الأرض لا تتغير بتبدل المالك إلا لضرورة وفي حق الذمي إذا اشترى من مسلم أرض عشر ضرورة ; لأن الكافر ليس من أهل وجوب العشر فأما المسلم فمن أهل وجوب الخراج في الجملة فلا ضرورة إلى التغيير بتبدل المالك .

                                                                                                                                ولو باع المسلم من ذمي أرضا عشرية فأخذها مسلم بالشفعة ففيها العشر ; لأن الصفقة تحولت إلى الشفيع كأنه باعها منه فكان انتقالا من مسلم إلى مسلم .

                                                                                                                                وكذلك لو كان البيع فاسدا فاستردها البائع منه لفساد البيع عادت إلى العشر ; لأن البيع الفاسد إذا فسخ يرتفع من الأصل ويصير كأن لم يكن فيرتفع بأحكامه ولو وجد المشتري بها عيبا فعلى رواية السير الكبير ليس له أن يردها بالعيب ; لأنها صارت خراجية بنفس الشراء فحدث فيها عيب زائد في يده وهو وضع الخراج عليها فمنع الرد بالعيب لكنه يرجع بحصة العيب .

                                                                                                                                وعلى الرواية الأخرى له أن يردها ما لم يوضع عليها الخراج لعدم حدوث العيب فإن ردها برضا البائع لا تعود عشرية بل هي خراجية على حالها عند أبي حنيفة ; لأن الرد برضا البائع بمنزلة بيع جديد ، والأرض إذا صارت خراجية لا تنقلب عشرية بتبدل المالك .

                                                                                                                                ولو اشترى التغلبي أرضا عشرية فعليه عشران في قول أبي حنيفة وأبي يوسف ، وعند محمد عليه عشر واحد أما محمد فقد مر على أصله أن كل مؤنة ضربت على أرض أنها لا تتغير بتغير حال المالك ، وفقهه ما ذكرنا وهما يقولان الأصل ما ذكره محمد لكن يجوز أن تتغير إذا وجد المغير وقد وجد ههنا وهو قضية عمر رضي الله عنه فإنه صالح بني تغلب على أن يؤخذ منهم ضعف ما يؤخذ من المسلمين بمحضر من الصحابة فإن أسلم التغلبي ، أو باعها من مسلم لم يتغير العشران عند أبي حنيفة ، وعند أبي يوسف يتغير إلى عشر واحد .

                                                                                                                                وجه قوله إن العشرين كانا لكونه نصرانيا تغلبيا إذ التضعيف يختص بهم وقد بطل بالإسلام فيبطل التضعيف ، ولأبي حنيفة أن العشرين كانا خراجا على التغلبي والخراج لا يتغير بإسلام المالك لما ذكرنا أن المسلم من أهل وجوب الخراج في الجملة ولا يتفرع التغير على أصل محمد ; لأنه كان عليه عشر واحد قبل الإسلام والبيع من المسلم فيجب عشر واحد كما كان ، وهكذا ذكر الكرخي في مختصره أن عند محمد يجب عشر واحد ، وذكر الطحاوي في التغلبي يشتري أرض العشر من مسلم أنه يؤخذ منه عشران في قولهم والصحيح ما ذكره الكرخي لما ذكرنا من أصل محمد رحمه الله ولو اشترى التغلبي أرض عشر فباعها من ذمي فعليه عشران لما ذكرنا أن التضعيف على التغلبي بطريق الخراج والخراج لا يتغير بتبدل المالك وروى الحسن عن أبي حنيفة أن عليه الخراج ; لأن التضعيف يختص بالتغلبي والله أعلم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية