الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          لن

                                                          لن : لن : حرف ناصب للأفعال ، وهو نفي لقولك سيفعل ، وأصلها عند الخليل لا أن ، فكثر استعمالها فحذفت الهمزة تخفيفا ، فالتقت ألف لا ونون أن ، وهما ساكنان ، فحذفت الألف من لا لسكونها وسكون النون بعدها ، فخلطت اللام بالنون ، وصار لهما بالامتزاج والتركيب الذي وقع فيهما حكم آخر ، يدلك على ذلك قول العرب : زيدا لن أضرب ، فلو كان حكم لن المحذوفة الهمزة مبقى بعد حذفها وتركيب النون مع لام لا قبلها ، كما كان قبل الحذف والتركيب ، لما جاز لزيد أن يتقدم على أن ؛ لأنه كان يكون في التقدير من صلة أن المحذوفة الهمزة ، ولو كان من صلتها لما جاز تقدمه عليها على وجه ، فهذا يدلك أن الشيئين إذا خلطا حدث لهما حكم ومعنى لم يكن لهما قبل أن يمتزجا ، ألا ترى أن لولا مركبة من لو ولا ، ومعنى لو امتناع الشيء لامتناع غيره ، ومعنى لا النفي والنهي ، فلما ركبا معا حدث معنى آخر ، وهو امتناع الشيء لوقوع غيره ؟ فهذا في أن بمنزلة قولنا كأن ، ومصحح له ومؤنس به ، وراد على سيبويه ما ألزمه الخليل من أنه لو كان الأصل لا أن لما جاز زيدا لن أضرب ، لامتناع جواز تقدم الصلة على الموصول ، وحجاج الخليل في هذا ما قدمنا ذكره لأن الحرفين حدث لهما بالتركيب نحو لم يكن لهما مع الانفراد . الجوهري : لن حرف لنفي الاستقبال ، وتنصب به تقول : لن يقوم [ ص: 240 ] زيد . التهذيب : قال النحويون لن تنصب المستقبل ، واختلفوا في علة نصبه إياه ، فقال أبو إسحاق النحوي : روي عن الخليل فيه قولان : أحدهما أنها نصبت كما نصبت أن ، وليس ما بعدها بصلة لها لأن لن تفعل نفي سيفعل فيقدم ما بعدها عليها نحو قولك زيدا لن أضرب كما تقول زيدا لم أضرب ، وروى سيبويه عن بعض أصحاب الخليل أنه قال الأصل في لن لا أن ، ولكن الحذف وقع استخفافا ، وزعم سيبويه أن هذا ليس بجيد ولو كان كذلك لم يجز زيدا لن أضرب ، وهذا جائز على مذهب سيبويه وجميع النحويين البصريين ؛ وحكى هشام عن الكسائي في لن مثل هذا القول الشاذ عن الخليل ولم يأخذ به سيبويه ولا أصحابه . وقال الليث : زعم الخليل في لن أنه لا أن فوصلت لكثرتها في الكلام ، ألا ترى أنها تشبه في المعنى لا ولكنها أوكد ؟ تقول : لن يكرمك زيد ، معناه كأنه كان يطمع في إكرامه فنفيت ذلك ووكدت النفي بلن ، فكانت أوجب من لا . وقال الفراء : الأصل في لن ولم لا ، فأبدلوا من ألف لا نونا وجحدوا بها المستقبل من الأفعال ونصبوه بها ، وأبدلوا من ألف لا ميما وجحدوا بها المستقبل الذي تأويله المضي وجزموه بها . قال أبو بكر : وقال بعضهم في قوله تعالى فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم ؛ فلن يؤمنوا ، فأبدلت الألف من النون الخفيفة ؛ قال : وهذا خطأ ؛ لأن لن فرع للا ، إذ كانت لا تجحد الماضي والمستقبل والدائم والأسماء ، ولن لا تجحد إلا المستقبل وحده .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية