367 شقيق البلخي
ومنهم الرائد العقيق ، الزاهد الحقيق أبو علي البلخي شقيق .
كان أحد الزهاد من المشرق ، وكان يقول : تطرح المكاسب والمطالب في الأسباب والمذاهب ، قدم للمعاد وتنعم [ ص: 59 ] بالوداد زلق بكفالة الوكيل فتوكل ، واجتهد فيما التزم فاحتمل ، وحقيقة الزهد الركون والسكون ، وتحول الأعضاء والغصون ، والتخلي من القرى والحصون . شقيق بن إبراهيم البلخي
حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن عبد الله البغدادي - سنة ثمان وخمسين - وحدثني عنه أولا عثمان بن محمد العثماني - سنة أربع وخمسين - ثنا عباس بن أحمد الشامي ، ثنا أبو عقيل الرصافي ، ثنا أحمد بن عبد الله الزاهد ، قال : قال علي بن محمد بن شقيق : كان لجدي ثلاثمائة قرية يوم قتل بواشكرد ، ولم يكن له كفن يكفن فيه ، قدمه كله بين يديه ، وثيابه وسيفه إلى الساعة معلق يتبركون به ، قال : وقد كان خرج إلى بلاد الترك لتجارة وهو حدث إلى قوم يقال لهم الخصوصية وهم يعبدون الأصنام ، فدخل إلى بيت أصنامهم ، وعالمهم فيه حلق رأسه ولحيته ولبس ثيابا حمراء أرجوانية ، فقال له شقيق : إن هذا الذي أنت فيه باطل ، ولهؤلاء ولك ولهذا الخلق خالق وصانع ليس كمثله شيء ، له الدنيا والآخرة قادر على كل شيء ، رازق كل شيء ، فقال له الخادم : ليس يوافق قولك فعلك ، فقال له شقيق : كيف ذاك ؟ قال : ، قال زعمت أن لك خالقا رازقا قادرا على كل شيء وقد تغيبت إلى هاهنا لطلب الرزق ولو كان كما تقول فإن الذي رزقك هاهنا هو الذي يرزقك ثم فتريح العنا شقيق : وكان سبب زهدي كلام التركي ، فرجع فتصدق بجميع ما ملك وطلب العلم .
حدثنا ، ثنا مخلد بن جعفر بن مخلد ، ثنا جعفر بن محمد الفريابي المثنى بن جامع ، قال : قال أبو عبد الله : سمعت يقول : كنت رجلا شاعرا فرزقني الله عز وجل التوبة ، وإني خرجت من ثلاثمائة ألف درهم ، وكنت مرابيا ولبست الصوف عشرين سنة ، وأنا لا أعلم حتى لقيت شقيق بن إبراهيم عبد العزيز بن رواد ، فقال : يا شقيق ليس البيان في أكل الشعير ولا لباس الصوف والشعر ، البيان : ، والثانية المعرفة أن تعرف الله عز وجل ، تعبده ولا تشرك به شيئا ، والثالثة الرضا عن الله عز وجل ، قال تكون بما في يد الله أوثق منك بما في أيدي المخلوقين شقيق : فقلت له : فسر لي هذا حتى أتعلمه ، قال : أن تعبد الله [ ص: 60 ] لا تشرك به شيئا يكون جميع ما تعمله لله خالصا من صوم أو صلاة أو حج أو غزو أو عبادة فرض أو غير ذلك من أعمال حتى يكون لله خالصا ، ثم تلا هذه الآية : ( فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا ) .
حدثنا محمد بن أحمد بن عبد الله ، ثنا العباس بن أحمد الشاشي ، ثنا أبو عقيل الرصافي ، ثنا أحمد بن عبد الله الزاهد ، قال : سمعت يقول : شقيق بن إبراهيم البلخي : الصبر على الجوع بالسرور ، لا بالفتور ، بالرضا لا بالجزع ، والصبر على العري بالفرح لا بالحزن ، والصبر على طول الصيام بالتفضل لا بالتعسف ، كأنه طاعم ناعم ، والصبر على الذل بطيب نفسه لا بالتكره ، والصبر على البؤس بالرضا لا بالسخط ، وطول الفكرة فيما يودع بطنه من المطعم والمشرب ، ويكسو به ظهره من أين ، وكيف ولعل وعسى ، فإذا كان في هذه الأبواب السبعة فقد سلك صدرا من طريق الزهاد وذلك الفضل العظيم . سبعة أبواب يسلك بها طريق الزهاد
حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن موسى ، قال : سمعت سعيد بن أحمد البلخي يقول : سمعت محمد بن عبيد ، يقول : سمعت خالي محمد بن الليث يقول : سمعت حامدا اللفاف يقول : سمعت يقول : سمعت حاتما الأصم يقول : شقيقا البلخي ، فأصبته في حرفين وهو قوله تعالى : ( عملت في القرآن عشرين سنة حتى ميزت الدنيا عن الآخرة وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها وما عند الله خير وأبقى ) .
حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، ثنا عبد الله بن محمد بن زكريا ، قال : سمعت أبا تراب الزاهد يقول : قال : قال حاتم الأصم شقيق : : أحدها معرفة الله ، والثاني معرفة نفسه ، والثالث معرفة أمر الله ونهيه ، والرابع معرفة عدو الله وعدو نفسه ، وتفسير لو أن رجلا أقام مائتي سنة لا يعرف هذه الأربعة أشياء لم ينج من النار إن شاء الله أن تعرف بقلبك أنه لا يعطي غيره ولا مانع غيره ، ولا ضار غيره ، ولا نافع غيره ، وأما معرفة النفس أن تعرف نفسك أنك لا تنفع ولا تضر ، ولا تستطيع شيئا من الأشياء ، بخلاف النفس ، [ ص: 61 ] وخلاف النفس أن تكون متضرعا إليه ، وأما معرفة أمر الله تعالى ونهيه أن تعلم أن أمر الله عليك وأن رزقك على الله ، وأن تكون واثقا بالرزق ، مخلصا في العمل ، وعلامة الإخلاص أن لا يكون فيك خصلتان : الطمع والجزع ، وأما معرفة الله أن تعلم أن لك عدوا لا يقبل الله منك شيئا إلا بالمحاربة ، والمحاربة في القلب أن تكون محاربا مجاهدا متعبا للعدو . معرفة عدو الله