الضرب الثاني : النوم ، وهو ناقض للوضوء في الجملة ، في قول عامة أهل العلم ، إلا ما حكي عن أبي موسى الأشعري وأبي مجلز وحميد الأعرج ، أنه لا ينقض . وعن ، أنه كان ينام مرارا مضطجعا ينتظر الصلاة ، ثم يصلي ولا يعيد الوضوء . ولعلهم ذهبوا إلى أن النوم ليس بحدث في نفسه ، والحدث مشكوك فيه ، فلا يزول عن اليقين بالشك . ولنا : قول سعيد بن المسيب صفوان بن عسال : " لكن من غائط وبول ونوم " وقد ذكرنا أنه صحيح وروى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { علي } رواه العين وكاء السه ، فمن نام فليتوضأ أبو داود ; ولأن النوم مظنة الحدث ، فأقم مقامه ، كالتقاء الختانين في وجوب الغسل أقيم مقام الإنزال . ، وابن ماجه
( 241 ) فصل : والنوم ينقسم ثلاثة أقسام ، فينقض الوضوء يسيره وكثيره ، في قول كل من يقول بنقضه بالنوم . الثاني نوم المضطجع ، إن كان كثيرا نقض ، رواية واحدة وإن كان يسيرا لم ينقض . وهذا قول نوم القاعد حماد والحكم ومالك ، وأصحاب الرأي ، وقال والثوري : لا ينقض وإن كثر إذا كان القاعد متكئا مفضيا بمحل الحدث إلى الأرض ، لما روى الشافعي ، قال : { أنس } قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . ينامون ثم يقومون فيصلون ، ولا [ ص: 114 ] يتوضئون الترمذي : هذا حديث حسن صحيح وفي لفظ قال : كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ينتظرون العشاء الآخرة حتى تخفق رءوسهم ، ثم يصلون ولا يتوضئون وهذا إشارة إلى جميعهم وبه يتخصص عموم الحديثين الأولين .
ولأنه متحفظ عن خروج الحدث ، فلم ينقض وضوءه ، كما لو كان نومه يسيرا . ولنا : عموم الحديثين الأولين ، وإنما خصصناهما في اليسير لحديث ، وليس فيه بيان كثرة ولا قلة فإن النائم يخفق رأسه من يسير النوم ، فهو يقين في اليسير ، فيعمل به وما زاد عليه فهو محتمل لا يترك له العموم المتيقن ; ولأن نقض الوضوء بالنوم يعلل بإفضائه إلى الحدث ومع الكثرة والغلبة يفضي إليه ، ولا يحس بخروجه منه ، بخلاف اليسير ، ولا يصح قياس الكثير على اليسير ، لاختلافهما في الإفضاء إلى الحدث . أنس
الثالث ما عدا هاتين الحالتين وهو نوم القائم والراكع والساجد ، فروي عن في جميع ذلك روايتان : إحداهما ينقض . وهو قول أحمد ; لأنه لم يرد في تخصيصه من عموم أحاديث النقض نص ، ولا هو في معنى المنصوص ، لكون القاعد متحفظا ، لاعتماده بمحل الحدث إلى الأرض ، والراكع والساجد ينفرج محل الحدث منهما . والثانية لا ينقض إلا إذا كثر . وذهب الشافعي إلى أن النوم في حال من أحوال الصلاة لا ينقض وإن كثر ; لما روى أبو حنيفة { ابن عباس } رواه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسجد وينام وينفخ ، ثم يقوم فيصلي ، فقلت له : صليت ولم تتوضأ وقد نمت ، فقال : إنما الوضوء على من نام مضطجعا ; فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله أبو داود ; ولأنه حال من أحوال الصلاة .
فأشبهت حال الجلوس ، والظاهر عن التسوية بين القيام والجلوس ; لأنهما يشتبهان في الانخفاض واجتماع المخرج ، وربما كان القائم أبعد من الحدث لعدم التمكن من الاستثقال في النوم ، فإنه لو استثقل لسقط . والظاهر عنه في الساجد التسوية بينه وبين المضطجع ; لأنه ينفرج محل الحدث ، ويعتمد بأعضائه على الأرض ، ويتهيأ لخروج الخارج فأشبه المضطجع . والحديث الذي ذكروه منكر . قاله أحمد أبو داود .
وقال : لا يثبت ، وهو مرسل يرويه ابن المنذر عن قتادة أبي العالية . قال : لم يسمع منه إلا أربعة أحاديث ليس هذا منها . شعبة
( 242 ) فصل : واختلفت الرواية عن في القاعد المستند والمحتبي . فعنه : لا ينقض يسيره . قال أحمد أبو داود : سمعت قيل له : الوضوء من النوم ؟ قال إذا طال . قيل : فالمحتبي ؟ قال : يتوضأ . قيل : فالمتكئ ؟ قال . الاتكاء شديد ، والمتساند كأنه أشد . يعني من الاحتباء . ورأى منها كلها الوضوء ، إلا أن يغفو . يعني قليلا . وعنه : ينقض . يعني بكل حال ; لأنه معتمد على شيء ، فهو كالمضطجع . أحمد
والأولى أنه متى كان معتمدا بمحل الحدث على الأرض أن لا ينقض منه إلا الكثير ; لأن دليل انتفاء النقض في القاعد لا تفريق فيه فيسوي بين أحواله .
( 243 ) فصل : واختلف أصحابنا في تحديد الكثير من النوم الذي ينقض الوضوء ، فقال : ليس للقليل حد يرجع إليه ، وهو على ما جرت به العادة . وقيل : حد الكثير ما يتغير به النائم عن هيئته ، مثل أن يسقط على الأرض ، ومنها أن يرى حلما . والصحيح : أنه لا حد له لأن التحديد إنما يعلم بتوقيف ، ولا توقيف في [ ص: 115 ] هذا ، فمتى وجدنا ما يدل على الكثرة ، مثل سقوط المتمكن وغيره ، انتقض وضوءه . القاضي
وإن شك في كثرته لم ينتقض وضوءه ; لأن الطهارة متيقنة ، فلا تزول بالشك .
( 244 ) فصل : ومن لم يغلب على عقله فلا وضوء عليه ; لأن النوم الغلبة على العقل ، قال بعض أهل اللغة في قوله تعالى : { لا تأخذه سنة ولا نوم } السنة : ابتداء النعاس في الرأس ، فإذا وصل إلى القلب صار نوما قال الشاعر :
وسنان أقصده النعاس فرنقت في عينه سنة وليس بنائم
ولأن الناقض زوال العقل ، ومتى كان العقل ثابتا وحسه غير زائل مثل من يسمع ما يقال عنده ويفهمه ، فلم يوجد سبب النقض في حقه . وإن ، أو خطر بباله شيء لا يدري أرؤيا أو حديث نفس ، فلا وضوء عليه . شك هل نام أم لا