وممن أوجب الوضوء في القبلة ابن مسعود وابن عمر والزهري [ ص: 124 ] وزيد بن أسلم ومكحول ويحيى الأنصاري وربيعة والأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز قال والشافعي : المدنيون والكوفيون ما زالوا يرون أن القبلة من اللمس تنقض الوضوء ، حتى كان بآخرة وصار فيهم أحمد ، فقالوا : لا تنقض الوضوء . ويأخذون بحديث أبو حنيفة عروة ، ونرى أنه غلط . وعن . رواية ثانية ، لا ينقض اللمس بحال . أحمد
وروي ذلك عن علي وابن عباس وعطاء وطاوس والحسن ، وبه قال ومسروق : إلا أن يطأها دون الفرج فينتشر فيها لما روى أبو حنيفة حبيب ، عن عروة ، عن ، { عائشة } . رواه أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل امرأة من نسائه ، وخرج إلى الصلاة ، ولم يتوضأ أبو داود ، وغيرهما . وهو حديث مشهور رواه ، وابن ماجه إبراهيم التيمي عن أيضا ، ولأن الوجوب من الشرع ، ولم يرد بهذا شرع ، ولا هو في معنى ما ورد الشرع به ، وقوله : { عائشة أو لامستم النساء } أراد به الجماع ، بدليل أن المس أريد به الجماع فكذلك اللمس ; ولأنه ذكره بلفظ المفاعلة ، والمفاعلة لا تكون من أقل من اثنين ، وعن ، رواية ثالثة أن اللمس ينقض بكل حال . أحمد
وهو مذهب ، لعموم قوله تعالى : { الشافعي أو لامستم النساء } وحقيقة اللمس ملاقاة البشرتين ، قال الله تعالى مخبرا عن الجن أنهم قالوا : { وأنا لمسنا السماء } وقال الشاعر :
لمست بكفي كفه أطلب الغنى
وقرأها : { ابن مسعود أو لامستم النساء } وأما حديث القبلة فكل طرقه معلولة ، قال يحيى بن سعيد : احك عني أن هذا الحديث شبه لا شيء . وقال : نرى أنه غلط الحديثين جميعا - يعني حديث أحمد إبراهيم التيمي وحديث عروة فإن إبراهيم التيمي لا يصح سماعه من عائشة ، وعروة المذكور هاهنا عروة المزني ، ولم يدرك ، كذلك قاله عائشة قال : ما حدثنا سفيان الثوري حبيب إلا عن عروة المزني ليس هو . عروة بن الزبيروقال إسحاق : لا تظنوا أن حبيبا لقي عروة . وقال : وقد يمكن أن يقبل الرجل امرأته لغير شهوة برا بها ، وإكراما لها ، ورحمة ، ألا ترى إلى ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قدم من سفر فقبل . فالقبلة تكون لشهوة ولغير شهوة . ويحتمل أنه قبلها من وراء حائل ، واللمس لغير شهوة لا ينقض ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمس زوجته في الصلاة وتمسه . ولو كان ناقضا للوضوء لم يفعله . فاطمة
{ . إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي وإني لمعترضة بين يديه اعتراض الجنازة ، فإذا أراد أن يسجد غمزني فقبضت رجلي . عائشة } متفق عليه . وفي حديث آخر فإذا أراد أن يوتر مسني برجله قالت
وروى الحسن قال : { غير متلذذ عائشة } رواه كان النبي صلى الله عليه وسلم جالسا في مسجده في الصلاة فقبض على قدم إسحاق بإسناده وعن ، والنسائي . { عائشة } رواهما قالت فقدت النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فجعلت أطلبه ، فوقعت يدي على قدميه وهما منصوبتان ، وهو ساجد ، وهو يقول : أعوذ برضاك من سخطك ، وبمعافاتك من عقوبتك ورواه النسائي { مسلم ، إذا سجد وضعها ، وإذا قام حملها أمامة بنت أبي العاص بن الربيع } متفق عليه والظاهر أنه لا يسلم من مسها ; ولأنه لمس لغير شهوة فلم ينقض ، كلمس ذوات المحارم . وصلى النبي صلى الله عليه وسلم حاملا
يحققه [ ص: 125 ] أن اللمس ليس بحدث في نفسه وإنما نقض لأنه يفضي إلى خروج المذي أو المني ، فاعتبرت الحالة التي تفضي إلى الحدث فيها ، وهي حالة الشهوة .
( 270 ) فصل : ولا فرق بين الأجنبية وذات المحرم ، والكبيرة والصغيرة .
وقال : لا ينقض الشافعي ولا الصغيرة ، في أحد القولين ; لأن لمسهما لا يفضي إلى خروج خارج ، أشبه لمس الرجل الرجل . ولنا ، عموم النص ، واللمس الناقض تعتبر فيه الشهوة ، ومتى وجدت الشهوة فلا فرق بين الجميع . فأما لمس ذوات المحارم ، ، ففيه وجهان : أحدهما ، ينقض لعموم الآية . والثاني ، لا ينقض . لمس الميتة
اختاره الشريف أبو جعفر ; لأنها ليست محلا للشهوة ، فهي كالرجل . وابن عقيل
( 271 ) فصل : ، بل أي شيء منه لاقى شيئا من بشرتها مع الشهوة ، انتقض وضوءه به ، سواء كان عضوا أصليا ، أو زائدا . وحكي عن ولا يختص اللمس الناقض باليد الأوزاعي : لا ينقض اللمس إلا بأحد أعضاء الوضوء . ولنا ، عموم النص ، والتخصيص بغير دليل تحكم لا يصار إليه . وهذا ظاهر مذهب ولا ينقض مس شعر المرأة ، ولا ظفرها ، ولا سنها ، . ولا ينقض لمسها بشعره ولا سنه ولا ظفره ; لأن ذلك مما لا يقع الطلاق على المرأة بتطليقه ولا الظهار . الشافعي
ولا ينجس الشعر بموت الحيوان ، ولا بقطعه منه في حياته .
( 272 ) فصل : ، لم ينتقض وضوءه ، في قول أكثر أهل العلم . وقال وإن لمسها من وراء حائل مالك ينقض إن كان ثوبا رقيقا . وكذلك قال والليث : إذا غمزها من وراء ثوب رقيق لشهوة ; لأن الشهوة موجودة . وقال ربيعة : لا نعلم أحدا قال ذلك غير المروذي مالك . والليث
لنا ، أنه لم يلمس جسم المرأة ; فأشبه ما لو لمس ثيابها ، والشهوة بمجردها لا تكفي ، كما لو مس رجلا بشهوة ، أو وجدت الشهوة من غير لمس .
( 273 ) فصل : وإن ، فظاهر كلام لمست امرأة رجلا ، ووجدت الشهوة منهما نقض وضوئهما ، بملاقاة بشرتهما . الخرقي
وقد سئل عن المرأة إذا مست زوجها ؟ قال : ما سمعت فيه شيئا ، ولكن هي شقيقة الرجل . يعجبني أن تتوضأ ; لأن المرأة أحد المشتركين في اللمس ، فهي كالرجل . وينتقض وضوء الملموس إذا وجدت منه الشهوة ; لأن ما ينتقض بالتقاء البشرتين ، لا فرق فيه بين اللامس والملموس ، كالتقاء الختانين . وفيه رواية أخرى : لا ينتقض وضوء المرأة ، ولا وضوء الملموس أحمد قولان كالروايتين . ووجه عدم النقض أن النص إنما ورد بالنقض بملامسة النساء ، فيتناول اللامس من الرجال ، فيختص به النقض ، كلمس الفرج ; ولأن المرأة والملموس لا نص فيه ، ولا هو في معنى المنصوص ; لأن اللمس من الرجل مع الشهوة مظنة لخروج المذي الناقض ، فأقيم مقامه ، ولا يوجد ذلك في حق المرأة ، والشهوة من اللامس أشد منها في الملموس ، وأدعى إلى الخروج ، فلا يصح القياس عليهما ، وإذا امتنع النص والقياس لم يثبت الدليل . [ ص: 126 ] وللشافعي
( 274 ) فصل : ; لزوال الاسم ، وخروجه عن أن يكون محلا للشهوة ولا بمس رجل ولا صبي ، ولا بمس المرأة المرأة ; لأنه ليس بداخل في الآية ; ولا هو في معنى ما في الآية ; لأن المرأة محل لشهوة الرجل شرعا وطبعا ، وهذا بخلافه . ولا ينتقض الوضوء بلمس عضو مقطوع من المرأة
ولا بمس البهيمة ; لذلك . ولا بمس خنثى مشكل ; لأنه لا يعلم كونه رجلا ولا امرأة . ولا بمس الخنثى لرجل أو امرأة ; لذلك ، والأصل الطهارة ، فلا تزول بالشك ولا أعلم في هذا كله خلافا ، والله أعلم .