الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                      كشاف القناع عن متن الإقناع

                                                                                                                      البهوتي - منصور بن يونس البهوتي

                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                      باب المواقيت ( وهي ) جمع ميقات وهو لغة الحد ، وشرعا ( مواضع وأزمنة معينة لعبادة مخصوصة ) وقد بدأ بالمواضع فقال : ( وميقات أهل المدينة ) المنورة ذو الحليفة [ ص: 400 ] بضم الحاء وفتح اللام وهي أبعد المواقيت ( وبينها وبين مكة عشر مراحل ، وبينها وبين المدينة ستة أميال ) أو سبعة ، وتعرف الآن بأبيار علي .

                                                                                                                      ( و ) ميقات أهل الشام و ( أهل مصر و ) أهل المغرب الجحفة بضم الجيم وسكون الحاء المهملة .

                                                                                                                      ( وهي قرية كبيرة ) جامعة على طريق المدينة وكان اسمها : مهيعة فجحف السيل بأهلها فسميت الجحفة وهي ( خربة بقرب رابغ الذي يحرم منه الناس الآن على يسار الذاهب إلى مكة ، ومن أحرم من رابغ فقد أحرم قبل محاذاة الجحفة بيسير ) ، وتلي ذا الحليفة في البعد ( بينها وبين مكة ثلاث مراحل وقيل : أكثر ) وهي على ستة أميال من البحر وثمان مراحل من المدينة ( والثلاثة الباقية ) من المواقيت ( بين كل منها وبين مكة مرحلتان ) ، فهي متساوية أو متقاربة .

                                                                                                                      ( و ) ميقات أهل اليمن وهو كل ما كان على يمين الكعبة من بلاد الغور ، والنسبة إليه يمني على القياس ويمان على غير القياس ، يلملم ويقال : ألملم ، لغتان ، وهو جبل معروف .

                                                                                                                      ( و ) ( ميقات أهل نجد اليمن و ) أهل ( نجد الحجاز ) ، قال صاحب المطالع : وهو ما بين جرش الماء إلى سواد الكوفة ، وكلها من عمل اليمامة .

                                                                                                                      وقال ابن خطيب الدهشة : وأوله من ناحية العراق ذات عرق وآخره سواد العراق ، ( و ) أهل ( الطائف : قرن ) وهو جبل بسكون الراء ويقال له : قرن المنازل وقرن الثعالب .

                                                                                                                      ( و ) ميقات أهل المشرق والعراق وخراسان : ذات عرق وهي قرية خربة قديمة من علاماتها المقابر القديمة وعرق هو الجبل المشرف على العقيق .

                                                                                                                      وفي المبدع وشرح المنتهى : ذات عرق منزل معروف سمي به ; لأن فيه عرقا وهو الجبل الصغير وقيل : العرق : الأرض السبخة تنبت الطرفاء ، ( وهذه المواقيت كلها ثبتت بالنص ) لحديث ابن عباس ، قال { : وقت النبي صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة ، ولأهل الشام الجحفة ، ولأهل نجد قرن المنازل ولأهل اليمن يلملم هن لهن ، ولمن أتى عليهن من غير أهلهن لمن يريد الحج والعمرة ، ومن كان دونهن فمهله من أهله ، وكذلك أهل مكة يهلون منها } وعن ابن عمر نحوه وعن عائشة { أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل العراق ذات عرق } رواه أبو داود والنسائي وعن جابر نحوه مرفوعا رواه مسلم ، .

                                                                                                                      وما في البخاري عن عمر قال : " لما فتح هذان المصران أتوا عمر بن الخطاب فحد لهم [ ص: 401 ] ذات عرق " فالظاهر : أنه خفي النص فوافقه برأيه فإنه موافق للصواب وما رواه أحمد والترمذي وحسنه عن ابن عباس { أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المشرق العقيق وهو واد قبل ذات عرق بمرحلة أو مرحلتين يلي الشرق } تفرد به يزيد بن أبي زياد وهو شيعي مختلف فيه وقال ابن معين وأبو زرعة : لا يحتج به .

                                                                                                                      قال ابن عبد البر : ذات عرق ميقاتهم بإجماع ( والأفضل : أن يحرم من أول الميقات وهو الطرف الأبعد عن مكة ) احتياطا .

                                                                                                                      ( وإن أحرم من الميقات من الطرف الأقرب من مكة جاز ) لإحرامه من الميقات ( فهي ) أي : المواقيت السابقة ( لأهلها الذين تقدم ذكرهم ) ولمن مر عليها من غير أهلها ممن يريد حجا أو عمرة .

                                                                                                                      ( فإن مر الشامي أو المدني أو غيرهما ) كالمصري ( على غير ميقات بلده ) كالشامي يمر بذي الحليفة ( فإنه يحرم من الميقات الذي مر عليه ; لأنه صار ميقاته ومن منزله دون الميقات أي : بين الميقات ومكة ) كأهل خليص وعسفان ( فميقاته : من موضعه ) لخبر ابن عباس ( فإن كان له منزلان جاز أن يحرم من أقربهما إلى مكة والأولى ) أن يحرم من البعيد عن مكة كما تقدم في طرفي الميقات ( وأهل مكة ومن بها ) أي : بمكة ( من غيرهم سواء كانوا في مكة أو في الحرم ) كمنى ومزدلفة .

                                                                                                                      ( إذا أرادوا العمرة فمن الحل ) ; لأن { النبي صلى الله عليه وسلم أمر عبد الرحمن بن أبي بكر أن يعمر عائشة من التنعيم } متفق عليه ولأن أفعال العمرة كلها في الحرم فلم يكن بد من الحل ليجمع في إحرامه بين الحل والحرم بخلاف الحج فإنه يخرج إلى عرفة فيحصل الجمع ومن أي الحل أحرم جاز ( ومن التنعيم أفضل ) للخبر السابق .

                                                                                                                      ( وهو ) أي : التنعيم ( أدناه ) أي : أقرب الحل إلى مكة وقال أحمد كلما تباعد فهو أعظم للأجر وفي التلخيص والمستوعب : الجعرانة " لاعتماره صلى الله عليه وسلم منها " ( ويأتي آخر صفة الحج ) عند الكلام على صفة العمرة ( فإن أحرموا ) أي أهل مكة وحرمها ( وحرمها من مكة أو من الحرم انعقد ) إحرامهم بالعمرة لأهليتهم له ومخالفة الميقات لا تمنع الانعقاد كمن أحرم بعد الميقات ( وفيه دم ) لمخالفة الميقات كمن جاوز الميقات بلا إحرام .

                                                                                                                      ( ثم إن خرج إلى الحل قبل إتمامها ) أي : العمرة ( ولو بعد الطواف ) أجزأته عمرته عن عمرة الإسلام ; لأن الإحرام من المحل المشروع له ليس شرطا لصحة النسك ( وكذا ) تجزيه العمرة ( إن لم يخرج ) [ ص: 402 ] إلى الحل لما سبق ( قدمه في المغني قال الشيخ والزركشي : هو المشهور إذ فوات الإحرام من الميقات لا يقتضي البطلان ) ; لأن الإحرام من الميقات ليس شرطا .

                                                                                                                      ( فإن أحرم من مكة ) أو الحرم ( قارنا فلا دم عليه ) لأجل إحرامه بالعمرة من مكة تغليبا للحج على العمرة لاندراجها فيه وسقوط أفعالها ( وإن أرادوا ) أي : الذين بمكة أو الحرم ( الحج ) فإنهم ( يحرمون من مكة مكيا كان ) الحاج ( أو غيره إذا كان فيها ) أي : مكة ( من حيث شاء منها ) لقول جابر { أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم لما حللنا أن نحرم من الأبطح } رواه مسلم ( ونصه ) في رواية حرب من المسجد .

                                                                                                                      وفي الإيضاح والمبهج : ( من تحت الميزاب ) ويسمى الحطيم .

                                                                                                                      ( ويجوز ) إحرامه ( من سائر الحرم ) لما تقدم .

                                                                                                                      ( و ) يجوز إحرامه ( من الحل كالعمرة ) وكما لو خرج إلى الميقات الشرعي ومنع القاضي وأصحابه وجوب إحرامه من مكة والحرم ( ولا دم عليه ) لعدم الدليل على وجوبه ( ومن لم يكن طريقه على ميقات ) من المواقيت السابقة كعيدان فإنها في طرق العرب ( أو عرج عن الميقات ) بأن مشى في طريق لا تمر عليه .

                                                                                                                      ( فإذا حاذى أقرب المواقيت إليه ) أي : إلى طريقه ( أحرم ) لقول عمر " انظروا حذوها من قديد رواه البخاري ولأنه يعرف بالاجتهاد والتقدير فإذا اشتبه دخله الاجتهاد كالقبلة .

                                                                                                                      ( ويستحب الاحتياط مع جهل المحاذاة ) إذ الإحرام قبل الميقات جائز وتأخيره عنه حرام ( فإن تساويا ) أي : الميقاتان ( في القرب إليه ) أي : إلى طريقه ( ف ) إنه يحرم ( من ) حذو أبعدهما عن مكة من طريقه ( ومن لم يحاذ ميقاتا أحرم عن مكة بقدر مرحلتين ) فإن أحرم ثم علم بعد أنه قد جاوز ما يحاذي الميقات غير محرم فعليه دم قاله في الشرح .

                                                                                                                      ( ومن لم يحاذ ميقاتا أحرم عن مكة بقدر مرحلتين ) قاله في الرعاية قال في المبدع وهو متجه إن تعذر معرفة المحاذاة ومعناه في الفروع .

                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                      الخدمات العلمية