واستدل بذلك على أن إبدال كلمة مكان كلمة جائز إذا كانت مؤدية معناها. وتعقبه القاضي أبو بكر في الانتصار بأنه أراد أن ينبهه على أنه لا يريد اليتيم بل الفاجر فينبغي أن يقرأ (الأثيم) وأنت تعلم أن هذا التأويل لا يكاد يتأتى فيما روي عن فإنه كالنص في تجويز الإبدال لذلك الرجل وأبعد منه عن التأويل ما أخرج ابن مسعود عن ابن مردويه أنه كان يقرئ رجلا فارسيا فكان إذا قرأ عليه أبي إن شجرت الزقوم طعام الأثيم قال: طعام اليتيم فمر به النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقال: (قل له طعام الظلام) فقالها ففصح بها لسانه، وفي الباب أخبار كثيرة جياد الأسانيد كخبر من حديث أحمد أبي هريرة . (أنزل القرآن على سبعة أحرف عليما حكيما غفورا رحيما)
وكخبره من حديث أبي بكرة كله أي القرآن شاف كاف ما لم تختم آية عذاب برحمة أو رحمة بعذاب نحو قولك تعال وأقبل وأسرع وعجل إلى غير ذلك، لكن قال : إنما كان ذلك رخصة لما كان يتعسر على كثير منهم التلاوة بلفظ واحد لعدم علمهم بالكتابة والضبط وإتقان الحفظ ثم نسخ بزوال العذر وتيسر الكتابة والحفظ، وكذا قال الطحاوي ابن عبد البر والباقلاني وآخرون، ولعله إن تحقق إبدال من أحد من الصحابة رضي الله تعالى عنهم بعده عليه الصلاة والسلام يقال: إنه كان منه قبل الاطلاع على النسخ ومتى لم يجز إبدال كلمة مكان كلمة مؤدية معناها مع الاتحاد عربية فعدم جواز ذلك مع الاختلاف عربية وفارسية مثلا أظهر، وما روي عن الإمام رضي الله تعالى عنه من أنه يرى جواز قراءة القرآن بالفارسية بشرط أداء المعاني على كمالها فقد صح عنه خلافه، وقد حقق أبي حنيفة الشرنبلالي عليه الرحمة هذه المسألة في رسالة مفردة بما لا مزيد عليه، وقد تقدم في هذا الكتاب شيء من ذلك فتذكر، والطعام ما يتناول منه من الغذاء وأصله مصدر فلذا وقع خبرا عن المؤنث ولم يطابق، وجوز أن يكون ذلك من باب قوله:
إنارة العقل مكسوف بطوع هوى وعقل عاصي الهوى يزداد تنويرا
[ ص: 133 ] فكأنه قيل: إن الزقوم طعام الأثيم