وإن أحد شروع في بيان حكم المتصدين لمبادئ التوبة من سماع كلام الله تعالى، والوقوف على شعائر الدين إثر بيان حكم التائبين عن الكفر والمصرين عليه، وهو مرتفع بشرط مضمر يفسره الظاهر لا بالابتداء؛ لأن إن لا تدخل إلا على الفعل.
من المشركين استجارك بعد انقضاء الأجل المضروب، أي: سألك أن تؤمنه وتكون له جارا فأجره أي: أمنه حتى يسمع كلام الله ويتدبره ويطلع على حقيقة ما تدعو إليه، والاقتصار على ذكر السماع لعدم الحاجة إلى شيء آخر في الفهم؛ لكونهم من أهل اللسن والفصاحة، و"حتى" سواء كانت للغاية أو للتعليل متعلقة بما بعدها لا بقوله تعالى: "استجارك" لأنه يؤدي إلى إعمال حتى في المضمر، وذلك مما لا يكاد يرتكب في غير ضرورة الشعر كما في قوله:
فلا والله لا يلفي أناس فتى حتاك يا ابن أبي يزيد
كذا قيل، إلا أن تعلق الإجارة بسماع كلام الله تعالى بأحد الوجهين يستلزم تعلق الاستجارة أيضا بذلك، أو بما في معناه من أمور الدين، وما روي عن - رضي الله عنه - أنه أتاه رجل من المشركين، فقال: إن أراد الرجل منا أن يأتي علي محمدا بعد انقضاء هذا الأجل لسماع كلام الله تعالى أو لحاجة قتل، قال: لا؛ لأن الله تعالى يقول: (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره" ... إلخ، فالمراد بما فيه من الحاجة هي الحاجة المتعلقة بالدين لا ما يعمها وغيرها من الحاجات الدنيوية، كما ينبئ عنه قوله: أن يأتي محمدا، فإن من يأتيه - صلى الله عليه وسلم - إنما تأتيه للأمور المتعلقة بالدين.
ثم أبلغه بعد استماعه له إن لم يؤمن مأمنه أي: مسكنه الذي يأمن فيه، وهو دار قومه ذلك يعني: الأمر بالإجارة وإبلاغ المأمن بأنهم بسبب أنهم قوم لا يعلمون ما الإسلام وما حقيقته؟ أو قوم جهلة، فلا بد من إعطاء الأمان حتى يفهموا الحق ولا يبقى لهم معذرة أصلا.