ولما كان الرجل الكامل من عرف الرجال بالحق، بدأ بما أشار إليه ثم أعقبه بمن يعرف الشيء للإلف به، ثم بمن يعرف الحق بالرجال فقال: أم لم يعرفوا رسولهم أي الذي أتاهم بهذا القول الذي لا قول مثله، ويعرفوا نسبه وصدقه وأمانته، وما فاتهم به من معالي الأخلاق حتى أنهم لا يجدون فيه - إذا حقت الحقائق - نقيصة يذكرونها، ولا صمة يتخيلونها، كما دلت عليه الأحاديث الصحاح منها حديث رضي الله عنه الذي في أول أبي سفيان بن حرب في سؤال البخاري هرقل ملك الروم له عن شأنه صلى الله عليه وسلم فهم أي فتسبب عن جهلهم به أنهم له أي نفسه أو للقول الذي أتى به منكرون فيكونوا ممن جهل الحق لجهل حال الآتي به، فلم يحرز [ ص: 166 ] شيئا من رتبتي الناس، لا رتبة العلماء الناقدين، ولا رتبة الجهال المتقلدين، وفي هذا غاية التوبيخ لهم بجهلهم وبعنادهم بأنهم يعرفون أنه أصدق الخلق وأعلاهم في كل معنى جميل ثم يكذبونه.