ولما بشرهم بالتمكين، أشار لهم إلى مقداره بقوله: وليبدلنهم وأشار إلى عدم استغراق هذا الأمن العام لجميع الزمان بإثبات الجار فقال: من بعد خوفهم هذا الذي هم فيه الآن أمنا أي عظيما بمقدار هذا الخوف، في زمن النبوة وخلافتها; ثم أتبع ذلك نتيجته بقوله تعليلا للتمكين وما معه: يعبدونني أي وحدي; وصرح بالمراد بيانا لحال العبادة النافعة بقوله: لا يشركون بي شيئا ظاهرا ولا باطنا، لأن زمانهم يكون زمن عدل، فلا يتحابون فيه بالرغبة والرهبة، روى في الأوسط عن الطبراني رضي الله عنه قال: أبي بن كعب المدينة ، وآوتهم الأنصار - رضي الله عنهم أجمعين، رمتهم العرب من قوس واحدة فنزلت ليستخلفنهم في الأرض الآية. ولقد صدق الله سبحانه ومن أصدق من الله حديثا - ففتح سبحانه لهم البلاد، ونصرهم على جبابرة العباد، فأذلوا رقاب الأكاسرة، واستعبدوا أبناء القياصرة، ومكنوا شرقا وغربا مكنة لم تحصل قبلهم لأمة من الأمم، كما قال صلى الله عليه وسلم لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم يعرف ذلك من طالع فتوح البلاد، وأجمعها وأحسنها النصف الثاني من سيرة إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها [ ص: 306 ] وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها الحافظ أبي الربيع بن سالم الكلاعي ، وكتاب شيخه ابن حبيش أيضا جامع، ولا أعلم شيئا أنفع في رسوخ الإيمان، بعد حفظ القرآن، من مطالعة السير والفتوح، وسيرة جامعة للأمرين، ونظمي للسيرة في القصيدة التي أولها: الكلاعي
ما بال جفنك هامي الدمع هامره وبحر فكرك وافي الهم وافره
أجمع السير - يسر الله إكمال شرحها، آمين.
ولما قتلوا رضي الله عنه، وخرجوا على عثمان ثم ابنه علي رضي الله عنهما، نزع الله ذلك الأمن كما أشير إليه ب "من" وتنكير "أمنا" وجاء الخوف واستمر يتطاول ويزداد قليلا قليلا إلى أن صار في زماننا هذا إلى أمر عظيم - والله المستعان. الحسن
ولما كان التقدير: فمن ثبت على دين الإسلام، وانقاد لأحكامه واستقام، نال هذه البشرى، عطف عليه قوله: ومن كفر أي بالإعراض عن الأحكام أو غيرها; أو هو عطف على يعبدونني [ ص: 307 ] لأن معناه: ومن لم يعبدني.
ولما كان الفاسق الكامل إنما هو من مات على كفره فحبط عمله، فكان بذلك كفره مستغرقا لزمانه دون من مات مسلما وإن كان كافرا في جميع ما مضى له قبل ذلك، أسقط الجار فقال: بعد ذلك أي الاستخلاف العظيم على الوجه المشروح فأولئك البعداء من الخير هم خاصة الفاسقون أي الخارجون من الدين خروجا كاملا، لا تقبل معه معذرة، ولا تقال لصاحبه عثرة، بل تقام عليهم الأحكام بالقتل وغيره، ولا يراعى فيهم ملام، ولا تأخذ بهم رأفة عند الانتقام، كما تقدم في أول السورة فيمن لزمه الجلد، ولعل الآية مشيرة إلى أهل الردة.