ولما لم يذكر لهم جوابا، علم أنه لهوانهم، لأنه ما جرأهم على [ ص: 251 ] العصيان إلا صفة الإحسان، فلا يصلح لهم إلا الخزي والهوان، ولأن الإيمان لا يصح إلا بالغيب قبل العيان.
ولما كان ربما وقع في وهم أن ضلالهم مع الإمعان في البيان، لعجز عن هدايتهم أو توان، قال عاطفا [على] ما تقديره: إني لا أردكم لأني لم أضلكم في الدنيا للعجز عن هدايتكم فيها، بل لأني لم أرد إسعادكم، ولو شئت لهديتكم، [صارفا القول إلى مظهر العظمة لاقتضاء المقام لها:] ولو شئنا أي: بما لنا من العظمة التي تأبى أن يكون لغيرنا شيء يستقل به أو يكون في ملكنا ما لا نريد لآتينا كل نفس أي: مكلفة لأن الكلام فيها هداها أي: جعلنا هدايتها ورشدها وتوفيقها للإيمان وجميع ما يتبعه من صالح الأعمال في يدها متمكنة منها.
ولما استوفى الأمر حده من العظمة، لفت الكلام إلى الإفراد، دفعا للتعنت وتحقيقا لأن المراد بالأول العظمة فقال: ولكن أي: لم أشأ ذلك لأنه حق القول مني وأنا من لا يخلف الميعاد، لأن الإخلاف إما لعجز أو نسيان أو حاجة ولا شيء من ذلك يليق بجنابي، أو يحل بساحتي، وأكد لأجل إنكارهم فقال مقسما: لأملأن جهنم [ ص: 252 ] التي هي محل إهانتي وتجهم أعدائي بما تجهموا أوليائي من الجنة أي: الجن طائفة إبليس، وكأنه أنثهم تحقيرا لهم عند من يستعظم أمرهم لما دعا إلى تحقيرهم من مقام الغضب وبدأ بهم لاستعظامهم لهم ولأنهم الذين أضلوهم والناس أجمعين حيث قلت لإبليس: لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين فلذلك شئت كفر الكافر وعصيان العاصي بعد أن جعلت لهم اختيارا، وغيبت العاقبة عنهم، فصار الكسب ينسب إليهم ظاهرا، والخلق في الحقيقة والمشيئة لي.