الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان التقدير: فمن جادل في الله فلا متمسك له، عطف عليه قوله في شرح حال أضدادهم: ومن يسلم أي في الحال أو الاستقبال وجهه أي قصده وتوجهه وذاته كلها. ولما كان مقصود السورة إثبات الحكمة، عدى الفعل بـ "إلى" تنبيها على إتقان الطريق بالوسائط من النبي أو الشيخ وحسن الاسترشاد في ذلك، فقال معلقا بما تقديره: ساترا وواصلا إلى الله الذي له صفات الكمال، [ ص: 189 ] فلم يبق لنفسه أمر أصلا، فهو لا يتحرك إلا بأمر من أوامره سبحانه وهو أي والحال أنه محسن أي مخلص بباطنه كما أخلص بظاهره فهو دائما في حال الشهود فقد استمسك أي أوجد الإمساك بغاية ما يقدر عليه من القوة في بادئة الأمور لترقية نفسه من حضيضها إلى أوج الروح على أيدي المسلكين الذين اختارهم لدينه، العارفين بأخطار السير وعوائق الطريق بالعروة الوثقى التي هي أوثق ما يتمسك به فلا سقوط له أصلا، فليسررك شكره فإن ربه يعليه إلى كل مراد ما دام متمسكا بها تمثيلا لحال هذا السائر بحال من سقط في بئر، أو أراد أن يرقى جبلا، فادعى له صاحبه حبلا ذا عرى فأخذ بأوثقها، فهو يعلو به إذا جره صديقه. وهو قادر [على جره] لا محالة من غير انفصام، لأن متمسكه في غاية الإحكام.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان الكل صائرين إليه، رافدين عليه: من استمسك بالأوثق، ومن استمسك بالأوهى، ومن لم يتمسك بشيء، إلا أن الأول صائر مع السلامة، وغيره مع العطب، قال مظهرا تعظيما للأمر ولئلا يقيد بحيثية عاطفا على ما تقديره: فيصير إلى الله سالما، فإلى الله عاقبته لا محالة: وإلى الله أي الملك الأعظم وحده تصير عاقبة الأمور أي كما أنه كانت منه بادئتها، وإنما خص العاقبة لأنهم مقرون بالبادئة.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية