ولما تقدم إليهن في القول وقدمه لعمومه، أتبعه الفعل فقال: وقرن أي اسكن وامكثن دائما في بيوتكن فمن كسر القاف وهم غير المدنيين جعل الماضي قرر بفتح العين، ومن فتحه فهو عنده قرر بكسرها، وهما لغتان. وعاصم
ولما أمرهن بالقرار، نهاهن عن ضده مبشعا له، فقال: ولا تبرجن [ ص: 345 ] أي تظاهرن من البيوت بغير حاجة محوجة، [فهو] من وادي أمر النبي صلى الله عليه وسلم لهن بعد حجة الوداع بلزوم ظهور الحصر تبرج الجاهلية الأولى أي المتقدمة على الإسلام وعلى ما قبل الأمر بالحجاب، بالخروج من بيت والدخول في آخر، والأولى لا تقتضي أخرى كما ذكره وعن البغوي، رضي الله عنهما أنها ما بين ابن عباس نوح وإدريس عليهما السلام، تبرج [فيها] نساء السهول وكن صباحا و [في] رجالهن دمامة، لرجال الجبال وكانوا صباحا وفي نسائهن دمامة، فكثر الفساد، وعلى هذا فلها ثانية.
ولما أمرهن بلزوم البيوت للتخلية عن الشوائب، أرشدهن إلى التحلية بالرغائب، فقال: وأقمن الصلاة أي فرضا ونفلا، صلة لما بينكن وبين الخالق لأن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر وآتين الزكاة إحسانا إلى الخلائق، وفي هذا بشارة بالفتوح وتوسيع الدنيا عليهن، فإن العيش وقت نزولها كان ضيقا عن القوت فضلا عن الزكاة.
ولما أمرهن بخصوص ما تقدم لأنهما أصل الطاعات البدنية والمالية، ومن اعتنى بهما حق الاعتناء جرتاه إلى ما وراءهما، عم وجمع في قوله: وأطعن الله أي ذاكرات ما له من صفات الكمال ورسوله [ ص: 346 ] في جميع ما يأمران به فإنه لم يرسل إلا للأمر والنهي تخليصا للخلائق من أسر الهوى.
ولما كانت هذه الآيات قد نهت عن الرذائل فكانت عنها أشرف الفضائل قال مبينا أن ذلك إنما هو لتشريف أهل النبي صلى الله عليه وسلم لتزيد الرغبة في ذلك مؤكدا دفعا لوهم من يتوهم أن ذلك لهوان أو غير ذلك من نقصان وحرمان: إنما يريد الله أي - وهو ذو الجلال والجمال بما أمركم به ونهاكم عنه من الإعراض عن الزينة وما تبعها، والإقبال عليه- عزوفكم عن الدنيا وكل ما تكون سببا له ليذهب [أي] لأجل أن يذهب عنكم الرجس أي الأمر الذي يلزمه دائما الاستقذار والاضطراب من مذام الأخلاق كلها أهل يا أهل البيت أي من كل من تكون من إلزام النبي صلى الله عليه وسلم من الرجال والنساء من الأزواج والإماء والأقارب، وكلما كان الإنسان منهم أقرب وبالنبي صلى الله عليه وسلم أخص وألزم، كان بالإرادة أحق وأجدر.
ولما استعار للمعصية الرجس، استعار للطاعة الطهر، ترغيبا لأصحاب الطباع السليمة والعقول المستقيمة، في الطاعة، وتنفيرا لهم عن المعصية فقال: ويطهركم أي يفعل في طهركم بالصيانة عن جميع القاذورات [ ص: 347 ] الحسية والمعنوية فعل المبالغ فيه، وزاد ذلك عظما بالمصدر فقال: تطهيرا