ولما كان بعض الدال على الكلام - كما مر - أصرح من بعض، فكان الإنسان قد يضمر أن يفعل ما يؤذي إذا تمكن، وقد يؤذي بفعل يفعله، ويدعي أنه قصد شيئا آخر مما لا يؤذي، قال تعالى حاملا لهم على التفطن والتنبه في الأقوال وغيرها والمقاصد الحسنة ظاهرا وباطنا، على طريق الاستئناف في جواب من ربما انتهى بظاهره، وهو عازم على أن يفعل الأذى عند التمكن: إن تبدوا أي بألسنتكم أو غيرها شيئا [أي] من ذلك وغيره أو تخفوه أي في صدوركم.
ولما كان فعل من يخفي أمرا عن الناس فعل من يظن أنه يخفى على ربه، قال مؤكدا تنبيها لفاعل ذلك على هذا اللازم لفعله ترهيبا له: فإن الله أي الذي له جميع صفات الكمال كان أزلا وأبدا به، هكذا كان الأصل ولكنه أتى بما يعمه وغيره فقال: بكل شيء أي من ذلك وغيره عليما فهو يعلم ما أسررتم وما أعلنتم وإن بالغتم في كتمه، فيجازي عليه من ثواب أو عقاب.