وكذلك
nindex.php?page=treesubj&link=7802_25554_20113محاباة الولاة في المعاملة من المبايعة والمؤاجرة والمضاربة والمساقاة والمزارعة ونحو ذلك هو من نوع الهدية ; ولهذا شاطر
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه من عماله من كان له فضل ودين لا يتهم بخيانة ; وإنما شاطرهم لما كانوا خصوا به لأجل الولاية من محاباة وغيرها وكان الأمر يقتضي ذلك ; لأنه كان إمام عدل يقسم بالسوية .
فلما تغير الإمام والرعية كان الواجب على كل إنسان أن يفعل من الواجب ما يقدر عليه ويترك ما حرم عليه ولا يحرم عليه ما أباح الله له .
وقد يبتلى الناس من الولاة بمن يمتنع من الهدية ونحوها ; ليتمكن بذلك من استيفاء المظالم منهم ويترك ما أوجبه الله من قضاء حوائجهم
[ ص: 282 ] فيكون من أخذ منهم عوضا على كف ظلم وقضاء حاجة مباحة أحب إليهم من هذا ; فإن الأول قد باع آخرته بدنيا غيره وأخسر الناس صفقة من باع آخرته بدنيا غيره ; وإنما الواجب كف الظلم عنهم بحسب القدرة وقضاء حوائجهم التي لا تتم مصلحة الناس إلا بها : من تبليغ ذي السلطان حاجاتهم وتعريفه بأمورهم ودلالته على مصالحهم وصرفه عن مفاسدهم ; بأنواع الطرق اللطيفة وغير اللطيفة ; كما يفعل ذوو الأغراض من الكتاب ونحوهم في أغراضهم .
ففي حديث
هند بن أبي هالة رضي الله عنه {
nindex.php?page=hadith&LINKID=600372عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول : أبلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغها ; فإنه من أبلغ ذا سلطان حاجة من لا يستطيع إبلاغها : ثبت الله قدميه على الصراط يوم تزل الأقدام } وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد وأبو داود في سننه عن
nindex.php?page=showalam&ids=481أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=36622من شفع لأخيه شفاعة فأهدى له عليها هدية فقبلها فقد أتى بابا عظيما من أبواب الربا } وروى
إبراهيم الحربي عن
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : السحت أن يطلب الحاجة للرجل فتقضى له فيهدى إليه هدية فيقبلها وروي أيضا عن
مسروق : أنه كلم
nindex.php?page=showalam&ids=13202ابن زياد في مظلمة فردها فأهدى له صاحبها وصيفا فرده عليه وقال : سمعت
ابن مسعود يقول : من
[ ص: 283 ] رد عن مسلم مظلمة فرزأه عليها قليلا أو كثيرا فهو سحت ; فقلت : يا
أبا عبد الرحمن ما كنا نرى السحت إلا الرشوة في الحكم قال : ذاك كفر .
فأما إذا
nindex.php?page=treesubj&link=26027_7802كان ولي الأمر يستخرج من العمال ما يريد أن يختص به هو وذووه فلا ينبغي إعانة واحد منهما إذ كل منها ظالم كلص سرق من لص وكالطائفتين المقتتلتين على عصبيه ورئاسة ; ولا يحل للرجل أن يكون عونا على ظلم ; فإن التعاون نوعان : الأول : تعاون على البر والتقوى : من الجهاد وإقامة الحدود واستيفاء الحقوق وإعطاء المستحقين ; فهذا مما أمر الله به ورسوله . ومن أمسك عنه خشية أن يكون من أعوان الظلمة فقد ترك فرضا على الأعيان أو على الكفاية ; متوهما أنه متورع . وما أكثر ما يشتبه الجبن والفشل بالورع إذ كل منهما كف وإمساك .
والثاني : تعاون على الإثم والعدوان كالإعانة على دم معصوم أو أخذ مال معصوم أو ضرب من لا يستحق الضرب ونحو ذلك فهذا الذي حرمه الله ورسوله .
نعم إذا
nindex.php?page=treesubj&link=20147_20146كانت الأموال قد أخذت بغير حق وقد تعذر ردها إلى أصحابها ككثير من الأموال السلطانية ; فالإعانة على صرف هذه
[ ص: 284 ] الأموال في مصالح المسلمين كسداد الثغور ونفقة المقاتلة ونحو ذلك : من الإعانة على البر والتقوى ; إذ الواجب على السلطان في هذه الأموال - إذا لم يمكن معرفة أصحابها وردها عليهم ولا على ورثتهم - أن يصرفها - مع التوبة إن كان هو الظالم - إلى مصالح المسلمين . هذا هو قول جمهور العلماء
كمالك وأبي حنيفة وأحمد وهو منقول عن غير واحد من
الصحابة وعلى ذلك دلت الأدلة الشرعية كما هو منصوص في موضع آخر وإن كان غيره قد أخذها فعليه هو أن يفعل بها ذلك كذلك لو امتنع السلطان من ردها : كانت الإعانة على إنفاقها في مصالح أصحابها أولى من تركها بيد من يضيعها على أصحابها وعلى المسلمين .
فإن مدار الشريعة على قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5279&ayano=64فاتقوا الله ما استطعتم } المفسر لقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=398&ayano=3اتقوا الله حق تقاته } وعلى قول النبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=9510إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم } أخرجاه في الصحيحين . وعلى أن الواجب تحصيل المصالح وتكميلها ; وتعطيل المفاسد وتقليلها فإذا تعارضت كان تحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما ودفع أعظم المفسدتين مع احتمال أدناها : هو المشروع .
والمعين على الإثم والعدوان
nindex.php?page=treesubj&link=25988_19939من أعان الظالم على ظلمه أما من
[ ص: 285 ] nindex.php?page=treesubj&link=27986_19939أعان المظلوم على تخفيف الظلم عنه أو على أداء المظلمة : فهو وكيل المظلوم ; لا وكيل الظالم ; بمنزلة الذي يقرضه أو الذي يتوكل في حمل المال له إلى الظالم . مثال ذلك ولي اليتيم والوقف إذا طلب ظالم منه مالا فاجتهد في دفع ذلك بمال أقل منه إليه أو إلى غيره بعد الاجتهاد التام في الدفع ; فهو محسن وما على المحسنين من سبيل .
وكذلك وكيل المالك من المنادين والكتاب وغيرهم الذي يتوكل لهم في العقد والقبض ودفع ما يطلب منهم ; لا يتوكل للظالمين في الأخذ .
كذلك لو وضعت مظلمة على أهل قرية أو درب أو سوق أو مدينة فتوسط رجل منهم محسن في الدفع عنهم بغاية الإمكان وقسطها بينهم على قدر طاقتهم من غير محاباة لنفسه ولا لغيره ولا ارتشاء بل توكل لهم في الدفع عنهم والإعطاء : كان محسنا ; لكن الغالب أن من يدخل في ذلك يكون وكيل الظالمين محابيا مرتشيا مخفرا لمن يريد وآخذا ممن يريد . وهذا من أكبر الظلمة الذين يحشرون في توابيت من نار هم وأعوانهم وأشباههم ثم يقذفون في النار .
وَكَذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=7802_25554_20113مُحَابَاةُ الْوُلَاةِ فِي الْمُعَامَلَةِ مِنْ الْمُبَايَعَةِ وَالْمُؤَاجَرَةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَالْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ هُوَ مِنْ نَوْعِ الْهَدِيَّةِ ; وَلِهَذَا شَاطَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ عُمَّالِهِ مَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ وَدِينٌ لَا يُتَّهَمُ بِخِيَانَةِ ; وَإِنَّمَا شَاطَرَهُمْ لَمَّا كَانُوا خُصُّوا بِهِ لِأَجْلِ الْوِلَايَةِ مِنْ مُحَابَاةٍ وَغَيْرِهَا وَكَانَ الْأَمْرُ يَقْتَضِي ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ كَانَ إمَامَ عَدْلٍ يَقْسِمُ بِالسَّوِيَّةِ .
فَلَمَّا تَغَيَّرَ الْإِمَامُ وَالرَّعِيَّةُ كَانَ الْوَاجِبُ عَلَى كُلِّ إنْسَانٍ أَنْ يَفْعَلَ مِنْ الْوَاجِبِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَيَتْرُكُ مَا حُرِّمَ عَلَيْهِ وَلَا يُحَرِّمُ عَلَيْهِ مَا أَبَاحَ اللَّهُ لَهُ .
وَقَدْ يُبْتَلَى النَّاسُ مِنْ الْوُلَاةِ بِمَنْ يَمْتَنِعُ مِنْ الْهَدِيَّةِ وَنَحْوِهَا ; لِيَتَمَكَّنَ بِذَلِكَ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْمَظَالِمِ مِنْهُمْ وَيَتْرُكُ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ مِنْ قَضَاءِ حَوَائِجِهِمْ
[ ص: 282 ] فَيَكُونُ مَنْ أَخَذَ مِنْهُمْ عِوَضًا عَلَى كَفِّ ظُلْمٍ وَقَضَاءِ حَاجَةٍ مُبَاحَةٍ أَحَبَّ إلَيْهِمْ مِنْ هَذَا ; فَإِنَّ الْأَوَّلَ قَدْ بَاعَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَا غَيْرِهِ وَأَخْسَرُ النَّاسِ صَفْقَةً مَنْ بَاعَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَا غَيْرِهِ ; وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ كَفُّ الظُّلْمِ عَنْهُمْ بِحَسَبِ الْقُدْرَةِ وَقَضَاءِ حَوَائِجِهِمْ الَّتِي لَا تَتِمُّ مَصْلَحَةُ النَّاسِ إلَّا بِهَا : مِنْ تَبْلِيغِ ذِي السُّلْطَانِ حَاجَاتِهِمْ وَتَعْرِيفِهِ بِأُمُورِهِمْ وَدَلَالَتِهِ عَلَى مَصَالِحِهِمْ وَصَرْفِهِ عَنْ مَفَاسِدِهِمْ ; بِأَنْوَاعِ الطُّرُقِ اللَّطِيفَةِ وَغَيْرِ اللَّطِيفَةِ ; كَمَا يَفْعَلُ ذَوُو الْأَغْرَاضِ مِنْ الْكُتَّابِ وَنَحْوِهِمْ فِي أَغْرَاضِهِمْ .
فَفِي حَدِيثِ
هِنْدَ بْنِ أَبِي هَالَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=600372عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : أَبْلِغُونِي حَاجَةَ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ إبْلَاغَهَا ; فَإِنَّهُ مَنْ أَبْلَغَ ذَا سُلْطَانٍ حَاجَةَ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ إبْلَاغَهَا : ثَبَّتَ اللَّهُ قَدَمَيْهِ عَلَى الصِّرَاطِ يَوْمَ تَزِلُّ الْأَقْدَامُ } وَقَدْ رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=12251الْإِمَامُ أَحْمَد وَأَبُو داود فِي سُنَنِهِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=481أَبِي أمامة الْبَاهِلِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=36622مَنْ شَفَعَ لِأَخِيهِ شَفَاعَةً فَأَهْدَى لَهُ عَلَيْهَا هَدِيَّةً فَقَبِلَهَا فَقَدْ أَتَى بَابًا عَظِيمًا مِنْ أَبْوَابِ الرِّبَا } وَرَوَى
إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=10عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : السُّحْتُ أَنْ يَطْلُبَ الْحَاجَةَ لِلرَّجُلِ فَتُقْضَى لَهُ فَيُهْدَى إلَيْهِ هَدِيَّةٌ فَيَقْبَلُهَا وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ
مَسْرُوقٍ : أَنَّهُ كَلَّمَ
nindex.php?page=showalam&ids=13202ابْنَ زِيَادٍ فِي مَظْلِمَةٍ فَرَدَّهَا فَأَهْدَى لَهُ صَاحِبُهَا وَصِيفًا فَرَدَّهُ عَلَيْهِ وَقَالَ : سَمِعْت
ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ : مَنْ
[ ص: 283 ] رَدَّ عَنْ مُسْلِمٍ مَظْلِمَةً فَرَزَأَهُ عَلَيْهَا قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا فَهُوَ سُحْتٌ ; فَقُلْت : يَا
أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا كُنَّا نَرَى السُّحْتَ إلَّا الرِّشْوَةَ فِي الْحُكْمِ قَالَ : ذَاكَ كُفْرٌ .
فَأَمَّا إذَا
nindex.php?page=treesubj&link=26027_7802كَانَ وَلِيُّ الْأَمْرِ يَسْتَخْرِجُ مِنْ الْعُمَّالِ مَا يُرِيدُ أَنْ يَخْتَصَّ بِهِ هُوَ وَذَوُوه فَلَا يَنْبَغِي إعَانَةُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إذْ كُلٌّ مِنْهَا ظَالِمٌ كَلِصِّ سَرَقَ مِنْ لِصّ وَكَالطَّائِفَتَيْن الْمُقْتَتِلَتَيْن عَلَى عَصَبَيْهِ وَرِئَاسَةٍ ; وَلَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَكُونَ عَوْنًا عَلَى ظُلْمٍ ; فَإِنَّ التَّعَاوُنَ نَوْعَانِ : الْأَوَّلُ : تَعَاوُنٌ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى : مِنْ الْجِهَادِ وَإِقَامَةِ الْحُدُودِ وَاسْتِيفَاءِ الْحُقُوقِ وَإِعْطَاءِ الْمُسْتَحَقِّينَ ; فَهَذَا مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ . وَمَنْ أَمْسَكَ عَنْهُ خَشْيَةَ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَعْوَانِ الظَّلَمَةِ فَقَدْ تَرَكَ فَرْضًا عَلَى الْأَعْيَانِ أَوْ عَلَى الْكِفَايَةِ ; مُتَوَهِّمًا أَنَّهُ مُتَوَرِّعٌ . وَمَا أَكْثَرَ مَا يَشْتَبِهُ الْجُبْنُ وَالْفَشَلُ بِالْوَرَعِ إذْ كَلٌّ مِنْهُمَا كَفٌّ وَإِمْسَاكٌ .
وَالثَّانِي : تَعَاوُنٌ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ كَالْإِعَانَةِ عَلَى دَمٍ مَعْصُومٍ أَوْ أَخْذِ مَالٍ مَعْصُومٍ أَوْ ضَرْبِ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ الضَّرْبَ وَنَحْوَ ذَلِكَ فَهَذَا الَّذِي حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ .
نَعَمْ إذَا
nindex.php?page=treesubj&link=20147_20146كَانَتْ الْأَمْوَالُ قَدْ أُخِذَتْ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَدْ تَعَذَّرَ رَدُّهَا إلَى أَصْحَابِهَا كَكَثِيرِ مِنْ الْأَمْوَالِ السُّلْطَانِيَّةِ ; فَالْإِعَانَةُ عَلَى صَرْفِ هَذِهِ
[ ص: 284 ] الْأَمْوَالِ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ كَسَدَادِ الثُّغُورِ وَنَفَقَةِ الْمُقَاتِلَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ : مِنْ الْإِعَانَةِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ; إذْ الْوَاجِبُ عَلَى السُّلْطَانِ فِي هَذِهِ الْأَمْوَالِ - إذَا لَمْ يُمْكِنْ مَعْرِفَةُ أَصْحَابِهَا وَرَدُّهَا عَلَيْهِمْ وَلَا عَلَى وَرَثَتِهِمْ - أَنْ يَصْرِفَهَا - مَعَ التَّوْبَةِ إنْ كَانَ هُوَ الظَّالِمُ - إلَى مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ . هَذَا هُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ
كَمَالِكِ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ
الصَّحَابَةِ وَعَلَى ذَلِكَ دَلَّتْ الْأَدِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ كَمَا هُوَ مَنْصُوصٌ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ قَدْ أَخَذَهَا فَعَلَيْهِ هُوَ أَنْ يَفْعَلَ بِهَا ذَلِكَ كَذَلِكَ لَوْ امْتَنَعَ السُّلْطَانُ مِنْ رَدِّهَا : كَانَتْ الْإِعَانَةُ عَلَى إنْفَاقِهَا فِي مَصَالِحِ أَصْحَابِهَا أَوْلَى مِنْ تَرْكِهَا بِيَدِ مَنْ يُضَيِّعُهَا عَلَى أَصْحَابِهَا وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ .
فَإِنَّ مَدَارَ الشَّرِيعَةِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5279&ayano=64فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } الْمُفَسِّرُ لِقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=398&ayano=3اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } وَعَلَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=9510إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرِ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ } أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ . وَعَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ تَحْصِيلُ الْمَصَالِحِ وَتَكْمِيلُهَا ; وَتَعْطِيلُ الْمَفَاسِدِ وَتَقْلِيلُهَا فَإِذَا تَعَارَضَتْ كَانَ تَحْصِيلُ أَعْظَمِ الْمَصْلَحَتَيْنِ بِتَفْوِيتِ أَدْنَاهُمَا وَدَفْعُ أَعْظَمِ الْمَفْسَدَتَيْنِ مَعَ احْتِمَالِ أَدْنَاهَا : هُوَ الْمَشْرُوعُ .
وَالْمُعِينُ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ
nindex.php?page=treesubj&link=25988_19939مَنْ أَعَانَ الظَّالِمَ عَلَى ظُلْمِهِ أَمَّا مَنْ
[ ص: 285 ] nindex.php?page=treesubj&link=27986_19939أَعَانَ الْمَظْلُومَ عَلَى تَخْفِيفِ الظُّلْمِ عَنْهُ أَوْ عَلَى أَدَاءِ الْمَظْلِمَةِ : فَهُوَ وَكِيلُ الْمَظْلُومِ ; لَا وَكِيلُ الظَّالِمِ ; بِمَنْزِلَةِ الَّذِي يُقْرِضُهُ أَوْ الَّذِي يَتَوَكَّلُ فِي حَمْلِ الْمَالِ لَهُ إلَى الظَّالِمِ . مِثَالُ ذَلِكَ وَلِيُّ الْيَتِيمِ وَالْوَقْفِ إذَا طَلَبَ ظَالِمٌ مِنْهُ مَالًا فَاجْتَهَدَ فِي دَفْعِ ذَلِكَ بِمَالِ أَقَلَّ مِنْهُ إلَيْهِ أَوْ إلَى غَيْرِهِ بَعْدَ الِاجْتِهَادِ التَّامِّ فِي الدَّفْعِ ; فَهُوَ مُحْسِنٌ وَمَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ .
وَكَذَلِكَ وَكِيلُ الْمَالِكِ مِنْ الْمُنَادِينَ وَالْكُتَّابِ وَغَيْرِهِمْ الَّذِي يَتَوَكَّلُ لَهُمْ فِي الْعَقْدِ وَالْقَبْضِ وَدَفْعِ مَا يُطْلَبُ مِنْهُمْ ; لَا يَتَوَكَّلُ لِلظَّالِمِينَ فِي الْأَخْذِ .
كَذَلِكَ لَوْ وُضِعَتْ مَظْلِمَةٌ عَلَى أَهْلِ قَرْيَةٍ أَوْ دَرْبٍ أَوْ سُوقٍ أَوْ مَدِينَةٍ فَتَوَسَّطَ رَجُلٌ مِنْهُمْ مُحْسِنٌ فِي الدَّفْعِ عَنْهُمْ بِغَايَةِ الْإِمْكَانِ وَقَسَّطَهَا بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِمْ مِنْ غَيْرِ مُحَابَاةٍ لِنَفْسِهِ وَلَا لِغَيْرِهِ وَلَا ارْتِشَاءٍ بَلْ تَوَكَّلَ لَهُمْ فِي الدَّفْعِ عَنْهُمْ وَالْإِعْطَاءِ : كَانَ مُحْسِنًا ; لَكِنَّ الْغَالِبَ أَنَّ مَنْ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ يَكُونُ وَكِيلُ الظَّالِمِينَ مُحَابِيًا مُرْتَشِيًا مَخْفَرًا لِمَنْ يُرِيدُ وَآخِذًا مِمَّنْ يُرِيدُ . وَهَذَا مِنْ أَكْبَرِ الظَّلَمَةِ الَّذِينَ يُحْشَرُونَ فِي تَوَابِيتَ مِنْ نَارٍ هُمْ وَأَعْوَانُهُمْ وَأَشْبَاهُهُمْ ثُمَّ يُقْذَفُونَ فِي النَّارِ .