[ ص: 8 ] فصل
في أن
nindex.php?page=treesubj&link=18626_28899نبوة النبي - صلى الله عليه وسلم - معجزتها القرآن
الذي يوجب الاهتمام التام بمعرفة إعجاز القرآن ، أن نبوة نبينا - عليه السلام - بنيت على هذه المعجزة ، وإن كان قد أيد بعد ذلك بمعجزات كثيرة . إلا أن تلك المعجزات قامت في أوقات خاصة ، وأحوال خاصة ، وعلى أشخاص خاصة . ونقل بعضها نقلا متواترا يقع به العلم وجودا . وبعضها مما نقل نقلا خاصا ، إلا أنه حكي بمشهد من الجمع العظيم وأنهم شاهدوه ، فلو كان الأمر على خلاف ما حكي لأنكروه ، أو لأنكره بعضهم ، فحل محل المعنى الأول ، وإن لم يتواتر أصل النقل فيه . وبعضها مما نقل من جهة الآحاد ، وكان وقوعه بين يدي الآحاد .
فأما دلالة القرآن فهي عن معجزة عامة ، عمت الثقلين ، وبقيت بقاء العصرين . ولزوم الحجة بها في أول وقت ورودها إلى يوم القيامة على حد واحد ، وإن كان قد يعلم بعجز أهل العصر الأول عن الإتيان بمثله - وجه دلالته ، فيغني ذلك عن نظر مجدد في عجز أهل هذا العصر عن الإتيان بمثله . وكذلك قد يغني عجز أهل هذا العصر عن الإتيان بمثله ، عن النظر في حال أهل العصر الأول .
وإنما ذكرنا هذا الفصل ، لما حكي عن " بعضهم " أنه زعم أنه وإن كان قد عجز عنه أهل العصر الأول فليس أهل هذا العصر بعاجزين عنه ، ويكفي عجز أهل العصر الأول في الدلالة ، لأنهم خصوا بالتحدي دون غيرهم .
[ ص: 9 ] ونحن نبين خطأ هذا القول في موضعه ، إن شاء الله .
فأما الذي يبين ما ذكرناه من أن الله تعالى حين ابتعثه جعل معجزته القرآن ، وبنى أمر نبوته عليه - فسور كثيرة وآيات نذكر بعضها ، وننبه بالمذكور على غيره ، فليس يخفى بعد التنبيه على طريقه .
فمن ذلك قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=1الر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد فأخبر أنه أنزله ليقع الاهتداء به ، ولا يكون كذلك إلا وهو حجة ، ولا يكون حجة إن لم يكن معجزة .
وقال - عز وجل - :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=6وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله فلولا أن سماعه إياه حجة عليه لم يقف أمره على سماعه . ولا يكون حجة إلا وهو معجزة .
وقال - عز وجل - :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=192وإنه لتنزيل رب العالمين nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=193نزل به الروح الأمين nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=194على قلبك لتكون من المنذرين . وهذا بين جدا فيما قلناه ، من أنه جعله سببا لكونه منذرا . ثم أوضح ذلك بأن قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=195بلسان عربي مبين . فلولا أن كونه بهذا اللسان حجة ، لم يعقب كلامه الأول به .
وما من سورة افتتحت بذكر الحروف المقطعة إلا وقد أشبع فيها بيان ما قلناه . ونحن نذكر بعضها لتستدل بذلك على ما بعده .
وكثير من هذه السور إذا تأملته فهو من أوله إلى آخره مبني على لزوم حجة القرآن ، والتنبيه على وجه معجزته .
فمن ذلك سورة المؤمن . قوله - عز وجل - :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=1حم nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=2تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم . ثم وصف نفسه بما هو أهله من قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=3غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=4ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في [ ص: 10 ] البلاد فدل على أن الجدال في تنزيله كفر وإلحاد .
ثم أخبر بما وقع من تكذيب الأمم برسلهم ، بقوله - عز وجل - :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=5كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فتوعدهم بأنه آخذهم في الدنيا بذنبهم في تكذيب الأنبياء .
ورد براهينهم فقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=5فأخذتهم فكيف كان عقاب .
ثم توعدهم بالنار ، فقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=6وكذلك حقت كلمت ربك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار .
ثم عظم شأن المؤمنين بهذه الحجة ، بما أخبر من استغفار الملائكة لهم ، وما وعدهم عليه من المغفرة ، فقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=7الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم . فلولا أنه برهان قاهر لم يذم الكفار على العدول عنه ، ولم يحمد المؤمنين على المصير إليه .
ثم ذكر تمام الآيات في دعاء الملائكة للمؤمنين ، ثم عطف على وعيد الكافرين ، فذكر آيات ، ثم قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=13هو الذي يريكم آياته . فأمر بالنظر في آياته وبراهينه ، إلى أن قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=15رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق فجعل القرآن والوحي به كالروح ؛ لأنه يؤدي إلى حياة الأبد ، ولأنه لا فائدة للجسد من دون الروح . فجعل هذا الروح سببا للإنذار ، وعلما عليه ، وطريقا إليه . ولولا أن ذلك برهان بنفسه لم يصح أن يقع به الإنذار والإخبار عما يقع عند مخالفته ، ولم يكن الخبر عن الواقع في الآخرة عند ردهم دلالته من الوعيد - حجة ولا معلوما صدقه ، فكان لا يلزمهم قبوله .
فلما خلص من الآيات في ذكر الوعيد على ترك القبول ، ضرب لهم
[ ص: 11 ] المثل بمن خالف الآيات ، وجحد الدلالات والمعجزات ، فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=21أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=21كانوا هم أشد منهم قوة وآثارا في الأرض فأخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم من الله من واق .
ثم بين أن عاقبتهم صارت إلى السوأى ، بأن رسلهم كانت تأتيهم بالبينات ، وكانوا لا يقبلونها منهم . فعلم أن ما قدم ذكره في السورة بينه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
ثم ذكر قصة
موسى ويوسف - عليهما السلام - ، ومجيئهما بالبينات ، ومخالفتهم حكمها ، إلى أن قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=35الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=35كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار . فأخبر أن جدالهم في هذه الآيات لا يقع بحجة ، وإنما يقع عن جهل ، وأن الله يطبع على قلوبهم ، ويصرفهم عن تفهم وجه البرهان . لجحودهم وعنادهم واستكبارهم .
ثم ذكر كثيرا من الاحتجاج على التوحيد ، ثم قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=69ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله أنى يصرفون .
ثم بين هذه الجملة ، وإن من آياته الكتاب ، فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=70الذين كذبوا بالكتاب وبما أرسلنا به رسلنا فسوف يعلمون . إلى أن قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=78وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله .
فدل على أن الآيات على ضربين : أحدهما كالمعجزات التي هي أدلة في دار التكليف ، والثاني الآيات التي ينقطع عندها العذر ، ويقع عندها العلم الضروري ، وأنها إذا جاءت ارتفع التكليف ، ووجب الإهلاك . إلى أن قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=85فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا . فأعلمنا أنه قادر على هذه الآيات ، ولكنه إذا أقامها زال التكليف ، وحقت العقوبة على الجاحدين .
[ ص: 12 ] وكذلك ذكر في " حم " السجدة على هذا المنهاج الذي شرحنا ، فقال - عز وجل - :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=1حم nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=2تنزيل من الرحمن الرحيم nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=3كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=4بشيرا ونذيرا فلولا أنه جعله برهانا لم يكن بشيرا ولا نذيرا ، ولم يختلف بأن يكون عربيا مفصلا أو بخلاف ذلك .
ثم أخبر عن جحودهم وقلة قبولهم ، بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=4فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون . ولولا أنه حجة لم يضرهم الإعراض عنه .
وليس لقائل أن يقول : قد يكون حجة ولكن يحتاج في كونه حجة إلى دلالة أخرى ، كما أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - حجة ، ولكنه يحتاج إلى دلالة على صدقه ، وصحة نبوته .
وذلك : أنه إنما احتج عليهم بنفس هذا التنزيل ، ولم يذكر حجة غيره .
ويبين ذلك : أنه قال عقيب هذا :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=110قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي . فأخبر أنه مثلهم لولا الوحي .
ثم عطف عليه بحمد المؤمنين به المصدقين له ، فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=8إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون . ومعناه : الذين آمنوا بهذا الوحي والتنزيل ، وعرفوا هذه الحجة .
ثم تصرف في الاحتجاج على الوحدانية والقدرة ، إلى أن قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=13فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود . فتوعدهم بما أصاب من قبلهم من المكذبين بآيات الله من قوم
عاد وثمود في الدنيا . ثم توعدهم بأمر الآخرة ، فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=19ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون ، إلى انتهاء ما ذكره فيه .
ثم رجع إلى ذكر القرآن ، فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=26وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون .
[ ص: 13 ] ثم أثنى بعد ذلك على من تلقاه بالقبول ، فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=30إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا . ثم قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=36وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم .
وهذا ينبه على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يعرف إعجاز القرآن ، وأنه دلالة له على جهة الاستدلال ، لأن الضروريات لا يقع فيها نزغ الشيطان . ونحن نبين ما يتعلق بهذا الفصل في موضعه .
ثم قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=40إن الذين يلحدون في آياتنا ، إلى أن قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=41إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم وإنه لكتاب عزيز nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=42لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه . وهذا وإن كان متأولا على أنه لا يوجد فيه غير الحق مما يتضمنه من أقاصيص الأولين وأخبار المرسلين ، وكذلك لا يوجد خلف فيما يتضمنه من الأخبار عن الغيوب وعن الحوادث التي أنبأ أنها تقع في الآتي - فلا يخرج عن أن يكون متأولا على ما يقتضيه نظام الخطاب ، من أنه لا يأتيه ما يبطله من شبهة سابقة تقدح في معجزته أو تعارضه في طريقه . وكذلك لا يأتيه من بعده قط أمر يشكك في وجه دلالته وإعجازه . وهذا أشبه بسياق الكلام ونظامه .
ثم قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=44ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي فأخبر أنه لو كان أعجميا لكانوا يحتجون في رده : إما بأن ذلك خارج عن عرف خطابهم ، أو كانوا يعتذرون بذهابهم عن معرفة معناه ، وبأنهم لا يبين لهم وجه الإعجاز فيه . لأنه ليس من شأنهم ولا من لسانهم ، أو بغير ذلك من الأمور ، وأنه إذا تحداهم إلى ما هو من لسانهم وشأنهم فعجزوا عنه - وجبت الحجة عليهم به ، على ما نبينه في وجه هذا الفصل . إلى أن قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=52قل أرأيتم إن كان من عند الله ثم كفرتم به من أضل ممن هو في شقاق بعيد .
[ ص: 14 ] والذي ذكرناه من نظم هاتين السورتين ينبه على غيرهما من السور ، فكرهنا سرد القول فيها . فليتأمل المتأمل ما دللناه عليه يجده كذلك .
ثم مما يدل على هذا قوله - عز وجل - :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=50وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه قل إنما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=51أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم فأخبر أن الكتاب آية من آياته ، وعلم من أعلامه ، وأن ذلك يكفي في الدلالة ، ويقوم مقام معجزات غيره وآيات سواه من الأنبياء ، صلوات الله عليهم .
ويدل عليه قوله - عز وجل - :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=1تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=2الذي له ملك السماوات والأرض .
ويدل عليه قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=24أم يقولون افترى على الله كذبا فإن يشأ الله يختم على قلبك ويمح الله الباطل ويحق الحق بكلماته .
فدل على أنه جعل قلبه مستودعا لوحيه ، ومستنزلا لكتابه ، وأنه لو شاء صرف ذلك عنه إلى غيره . وكان له حكم دلالته على تحقيق الحق ، وإبطال الباطل مع صرفه عنه . ولذلك أشباه كثيرة تدل على نحو الدلالة التي وصفناها .
فبان بهذا وبنظائره ما قلناه ، من أن بناء نبوته - صلى الله عليه وسلم - على دلالة القرآن ومعجزته ، وصار له من الحكم في دلالته على نفسه وصدقه أنه يمكن أن يعلم أنه كلام الله تعالى ، وفارق حكمه حكم غيره من الكتب المنزلة على الأنبياء ؛ لأنها لا تدل على أنفسها إلا بأمر زائد عليها ، ووصف منضاف إليها ؛ لأن نظمها ليس معجزا ، وإن كان ما تتضمنه من الإخبار عن الغيوب معجزا .
وليس كذلك القرآن ؛ لأنه يشاركها في هذه الدلالة ، ويزيد عليها
[ ص: 15 ] في أن نظمه معجز ، فيمكن أن يستدل به عليه ، وحل في هذا من وجه محل سماع الكلام من القديم - سبحانه وتعالى - ؛ لأن
موسى - عليه السلام - لما سمع كلامه علم أنه في الحقيقة كلامه .
وكذلك من يسمع القرآن يعلم أنه كلام الله ، وإن اختلف الحال في ذلك من بعض الوجوه ؛ لأن
موسى - عليه السلام - سمعه من الله - عز وجل - ، وأسمعه نفسه متكلما ، وليس كذلك الواحد منا . وكذلك قد يختلفان في غير هذا الوجه ، وليس ذلك قصدنا بالكلام في هذا الفصل .
والذي نرومه الآن ما بيناه من اتفاقهما في المعنى الذي وصفناه ، وهو : أنه - عليه السلام - يعلم أن ما يسمعه كلام الله من جهة الاستدلال ، وكذلك نحن نعلم ما نقرؤه من هذا على جهة الاستدلال .
[ ص: 8 ] فَصْلٌ
فِي أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=18626_28899نُبُوَّةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُعْجِزَتُهَا الْقُرْآنُ
الَّذِي يُوجِبُ الِاهْتِمَامَ التَّامَّ بِمَعْرِفَةِ إِعْجَازِ الْقُرْآنِ ، أَنَّ نُبُوَّةَ نَبِيِّنَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بُنِيَتْ عَلَى هَذِهِ الْمُعْجِزَةِ ، وَإِنْ كَانَ قَدْ أُيِّدَ بَعْدَ ذَلِكَ بِمُعْجِزَاتٍ كَثِيرَةٍ . إِلَّا أَنَّ تِلْكَ الْمُعْجِزَاتِ قَامَتْ فِي أَوْقَاتٍ خَاصَّةٍ ، وَأَحْوَالٍ خَاصَّةٍ ، وَعَلَى أَشْخَاصٍ خَاصَّةٍ . وَنُقِلَ بَعْضُهَا نَقْلًا مُتَوَاتِرًا يَقَعُ بِهِ الْعِلْمُ وُجُودًا . وَبَعْضُهَا مِمَّا نُقِلَ نَقْلًا خَاصًّا ، إِلَّا أَنَّهُ حُكِيَ بِمَشْهَدٍ مِنَ الْجَمْعِ الْعَظِيمِ وَأَنَّهُمْ شَاهَدُوهُ ، فَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى خِلَافِ مَا حُكِيَ لَأَنْكَرُوهُ ، أَوْ لَأَنْكَرَهُ بَعْضُهُمْ ، فَحَلَّ مَحَلَّ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ ، وَإِنْ لَمْ يَتَوَاتَرْ أَصْلُ النَّقْلِ فِيهِ . وَبَعْضُهَا مِمَّا نُقِلَ مِنْ جِهَةِ الْآحَادِ ، وَكَانَ وُقُوعُهُ بَيْنَ يَدَيِ الْآحَادِ .
فَأَمَّا دَلَالَةُ الْقُرْآنِ فَهِيَ عَنْ مُعْجِزَةٍ عَامَّةٍ ، عَمَّتِ الثَّقَلَيْنِ ، وَبَقِيَتْ بَقَاءَ الْعَصْرَيْنِ . وَلُزُومُ الْحُجَّةِ بِهَا فِي أَوَّلِ وَقْتِ وُرُودِهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ عَلَى حَدٍّ وَاحِدٍ ، وَإِنْ كَانَ قَدْ يُعْلَمُ بِعَجْزِ أَهْلِ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ عَنِ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ - وَجْهُ دَلَالَتِهِ ، فَيُغْنِي ذَلِكَ عَنْ نَظَرٍ مُجَدَّدٍ فِي عَجْزِ أَهْلِ هَذَا الْعَصْرِ عَنِ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ . وَكَذَلِكَ قَدْ يُغْنِي عَجْزُ أَهْلِ هَذَا الْعَصْرِ عَنِ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ ، عَنِ النَّظَرِ فِي حَالِ أَهْلِ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ .
وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا هَذَا الْفَصْلَ ، لِمَا حُكِيَ عَنْ " بَعْضِهِمْ " أَنَّهُ زَعَمَ أَنَّهُ وَإِنَّ كَانَ قَدْ عَجَزَ عَنْهُ أَهْلُ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ فَلَيْسَ أَهْلُ هَذَا الْعَصْرِ بِعَاجِزِينَ عَنْهُ ، وَيَكْفِي عَجْزُ أَهْلِ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ فِي الدَّلَالَةِ ، لِأَنَّهُمْ خُصُّوا بِالتَّحَدِّي دُونَ غَيْرِهِمْ .
[ ص: 9 ] وَنَحْنُ نُبَيِّنُ خَطَأَ هَذَا الْقَوْلِ فِي مَوْضِعِهِ ، إِنْ شَاءَ اَللَّهُ .
فَأَمَّا الَّذِي يُبَيِّنُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حِينَ ابْتَعَثَهُ جَعَلَ مُعْجِزَتَهُ الْقُرْآنَ ، وَبَنَى أَمْرُ نُبُوَّتِهِ عَلَيْهِ - فَسُوَرٌ كَثِيرَةٌ وَآيَاتٌ نَذْكُرُ بَعْضَهَا ، وَنُنَبِّهُ بِالْمَذْكُورِ عَلَى غَيْرِهِ ، فَلَيْسَ يَخْفَى بَعْدَ التَّنْبِيهِ عَلَى طَرِيقِهِ .
فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=1الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ فَأَخْبَرَ أَنَّهُ أَنْزَلَهُ لِيَقَعَ الِاهْتِدَاءُ بِهِ ، وَلَا يَكُونُ كَذَلِكَ إِلَّا وَهُوَ حُجَّةٌ ، وَلَا يَكُونُ حُجَّةً إِنْ لَمْ يَكُنْ مُعْجِزَةً .
وَقَالَ - عَزَّ وَجَلَّ - :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=6وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ فَلَوْلَا أَنَّ سَمَاعَهُ إِيَّاهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ لَمْ يَقِفْ أَمْرُهُ عَلَى سَمَاعِهِ . وَلَا يَكُونُ حُجَّةً إِلَّا وَهُوَ مُعْجِزَةٌ .
وَقَالَ - عَزَّ وَجَلَّ - :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=192وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=193نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=194عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ . وَهَذَا بَيِّنٌ جِدًّا فِيمَا قُلْنَاهُ ، مِنْ أَنَّهُ جَعَلَهُ سَبَبًا لِكَوْنِهِ مُنْذِرًا . ثُمَّ أَوْضَحَ ذَلِكَ بِأَنْ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=195بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ . فَلَوْلَا أَنَّ كَوْنَهُ بِهَذَا اللِّسَانِ حُجَّةً ، لَمْ يُعَقِّبْ كَلَامَهُ الْأَوَّلَ بِهِ .
وَمَا مِنْ سُورَةٍ افْتُتِحَتْ بِذِكْرِ الْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ إِلَّا وَقَدْ أُشْبِعَ فِيهَا بَيَانُ مَا قُلْنَاهُ . وَنَحْنُ نَذْكُرُ بَعْضَهَا لِتَسْتَدِلَّ بِذَلِكَ عَلَى مَا بَعْدَهُ .
وَكَثِيرٌ مِنْ هَذِهِ السُّوَرِ إِذَا تَأَمَّلْتَهُ فَهُوَ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى لُزُومِ حُجَّةِ الْقُرْآنِ ، وَالتَّنْبِيهِ عَلَى وَجْهِ مُعْجِزَتِهِ .
فَمِنْ ذَلِكَ سُورَةُ الْمُؤْمِنِ . قَوْلُهُ - عَزَّ وَجَلَّ - :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=1حم nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=2تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ . ثُمَّ وَصَفَ نَفْسَهُ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=3غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=4مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي [ ص: 10 ] الْبِلادِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْجِدَالَ فِي تَنْزِيلِهِ كُفْرٌ وَإِلْحَادٌ .
ثُمَّ أَخْبَرَ بِمَا وَقَعَ مِنْ تَكْذِيبِ الْأُمَمِ بِرُسُلِهِمْ ، بِقَوْلِهِ - عَزَّ وَجَلَّ - :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=5كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَتَوَعَّدَهُمْ بِأَنَّهُ آخِذُهُمْ فِي الدُّنْيَا بِذَنْبِهِمْ فِي تَكْذِيبِ الْأَنْبِيَاءِ .
وَرَدَّ بَرَاهِينَهُمْ فَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=5فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ .
ثُمَّ تَوَعَّدَهُمْ بِالنَّارِ ، فَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=6وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ .
ثُمَّ عَظَّمَ شَأْنَ الْمُؤْمِنِينَ بِهَذِهِ الْحُجَّةِ ، بِمَا أَخْبَرَ مِنِ اسْتِغْفَارِ الْمَلَائِكَةِ لَهُمْ ، وَمَا وَعَدَهُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْمَغْفِرَةِ ، فَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=7الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ . فَلَوْلَا أَنَّهُ بُرْهَانٌ قَاهِرٌ لَمْ يَذُمَّ الْكُفَّارَ عَلَى الْعُدُولِ عَنْهُ ، وَلَمْ يَحْمَدِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْمَصِيرِ إِلَيْهِ .
ثُمَّ ذَكَرَ تَمَامَ الْآيَاتِ فِي دُعَاءِ الْمَلَائِكَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ ، ثُمَّ عَطَفَ عَلَى وَعِيدِ الْكَافِرِينَ ، فَذَكَرَ آيَاتٍ ، ثُمَّ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=13هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ . فَأَمَرَ بِالنَّظَرِ فِي آيَاتِهِ وَبَرَاهِينِهِ ، إِلَى أَنْ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=15رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مِنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ فَجَعَلَ الْقُرْآنَ وَالْوَحْيَ بِهِ كَالرُّوحِ ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى حَيَاةِ الْأَبَدِ ، وَلِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لِلْجَسَدِ مِنْ دُونِ الرُّوحِ . فَجَعَلَ هَذَا الرُّوحَ سَبَبًا لِلْإِنْذَارِ ، وَعَلَمًا عَلَيْهِ ، وَطَرِيقًا إِلَيْهِ . وَلَوْلَا أَنَّ ذَلِكَ بُرْهَانٌ بِنَفْسِهِ لَمْ يَصِحَّ أَنْ يَقَعَ بِهِ الْإِنْذَارُ وَالْإِخْبَارُ عَمَّا يَقَعُ عِنْدَ مُخَالَفَتِهِ ، وَلَمْ يَكُنِ الْخَبَرُ عَنِ الْوَاقِعِ فِي الْآخِرَةِ عِنْدَ رَدِّهِمْ دَلَالَتَهُ مِنَ الْوَعِيدِ - حُجَّةً وَلَا مَعْلُومًا صِدْقُهُ ، فَكَانَ لَا يَلْزَمُهُمْ قَبُولُهُ .
فَلَمَّا خَلَصَ مِنَ الْآيَاتِ فِي ذِكْرِ الْوَعِيدِ عَلَى تَرْكِ الْقَبُولِ ، ضَرَبَ لَهُمُ
[ ص: 11 ] الْمَثَلَ بِمَنْ خَالَفَ الْآيَاتِ ، وَجَحَدَ الدَّلَالَاتِ وَالْمُعْجِزَاتِ ، فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=21أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=21كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهُ مِنَ وَاقٍ .
ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ عَاقِبَتَهُمْ صَارَتْ إِلَى السُّوأَى ، بِأَنَّ رُسُلَهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ بِالْبَيِّنَاتِ ، وَكَانُوا لَا يَقْبَلُونَهَا مِنْهُمْ . فَعُلِمَ أَنَّ مَا قَدَّمَ ذِكْرَهُ فِي السُّورَةِ بَيَّنَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .
ثُمَّ ذَكَرَ قِصَّةَ
مُوسَى وَيُوسُفَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - ، وَمَجِيئَهُمَا بِالْبَيِّنَاتِ ، وَمُخَالَفَتَهُمْ حُكْمَهَا ، إِلَى أَنْ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=35الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=35كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ . فَأَخْبَرَ أَنَّ جِدَالَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ لَا يَقَعُ بِحُجَّةٍ ، وَإِنَّمَا يَقَعُ عَنْ جَهْلٍ ، وَأَنَّ اللَّهَ يَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ، وَيَصْرِفُهُمْ عَنْ تَفَهُّمِ وَجْهِ الْبُرْهَانِ . لِجُحُودِهِمْ وَعِنَادِهِمْ وَاسْتِكْبَارِهِمْ .
ثُمَّ ذَكَرَ كَثِيرًا مِنَ الِاحْتِجَاجِ عَلَى التَّوْحِيدِ ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=69أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ .
ثُمَّ بَيْنَ هَذِهِ الْجُمْلَةِ ، وَإِنَّ مِنْ آيَاتِهِ الْكِتَابَ ، فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=70الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ . إِلَى أَنْ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=78وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ .
فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْآيَاتِ عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا كَالْمُعْجِزَاتِ الَّتِي هِيَ أَدِلَّةٌ فِي دَارِ التَّكْلِيفِ ، وَالثَّانِي الْآيَاتُ الَّتِي يَنْقَطِعُ عِنْدَهَا الْعُذْرُ ، وَيَقَعُ عِنْدَهَا الْعِلْمُ الضَّرُورِيُّ ، وَأَنَّهَا إِذَا جَاءَتِ ارْتَفَعَ التَّكْلِيفُ ، وَوَجَبَ الْإِهْلَاكُ . إِلَى أَنْ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=85فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا . فَأَعْلَمَنَا أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى هَذِهِ الْآيَاتِ ، وَلَكِنَّهُ إِذَا أَقَامَهَا زَالَ التَّكْلِيفُ ، وَحَقَّتِ الْعُقُوبَةُ عَلَى الْجَاحِدِينَ .
[ ص: 12 ] وَكَذَلِكَ ذَكَرَ فِي " حم " السَّجْدَةِ عَلَى هَذَا الْمِنْهَاجِ الَّذِي شَرَحْنَا ، فَقَالَ - عَزَّ وَجَلَّ - :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=1حم nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=2تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=3كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=4بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَلَوْلَا أَنَّهُ جَعَلَهُ بُرْهَانًا لَمْ يَكُنْ بَشِيرًا وَلَا نَذِيرًا ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ بِأَنْ يَكُونَ عَرَبِيًّا مُفَصَّلًا أَوْ بِخِلَافِ ذَلِكَ .
ثُمَّ أَخْبَرَ عَنْ جُحُودِهِمْ وَقِلَّةِ قَبُولِهِمْ ، بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=4فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ . وَلَوْلَا أَنَّهُ حُجَّةٌ لَمْ يَضُرَّهُمُ الْإِعْرَاضُ عَنْهُ .
وَلَيْسَ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : قَدْ يَكُونُ حُجَّةً وَلَكِنْ يَحْتَاجُ فِي كَوْنِهِ حُجَّةً إِلَى دَلَالَةٍ أُخْرَى ، كَمَا أَنَّ الرَّسُولَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُجَّةٌ ، وَلَكِنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى دَلَالَةٍ عَلَى صِدْقِهِ ، وَصِحَّةِ نُبُوَّتِهِ .
وَذَلِكَ : أَنَّهُ إِنَّمَا احْتَجَّ عَلَيْهِمْ بِنَفْسِ هَذَا التَّنْزِيلِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ حُجَّةً غَيْرَهُ .
وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ : أَنَّهُ قَالَ عَقِيبَ هَذَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=110قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ . فَأَخْبَرَ أَنَّهُ مِثْلُهُمْ لَوْلَا الْوَحْيُ .
ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ بِحَمْدِ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ الْمُصَدِّقِينَ لَهُ ، فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=8إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ . وَمَعْنَاهُ : الَّذِينَ آمَنُوا بِهَذَا الْوَحْيِ وَالتَّنْزِيلِ ، وَعَرَفُوا هَذِهِ الْحُجَّةَ .
ثُمَّ تَصَرَّفَ فِي الِاحْتِجَاجِ عَلَى الْوَحْدَانِيَّةِ وَالْقُدْرَةِ ، إِلَى أَنْ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=13فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةً عَادٍ وَثَمُودَ . فَتَوَعَّدَهُمْ بِمَا أَصَابَ مَنْ قَبْلَهُمْ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ مِنْ قَوْمِ
عَادٍ وَثَمُودَ فِي الدُّنْيَا . ثُمَّ تَوَعَّدَهُمْ بِأَمْرِ الْآخِرَةِ ، فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=19وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ ، إِلَى انْتِهَاءِ مَا ذَكَرَهُ فِيهِ .
ثُمَّ رَجَعَ إِلَى ذِكْرِ الْقُرْآنِ ، فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=26وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ .
[ ص: 13 ] ثُمَّ أَثْنَى بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ تَلَقَّاهُ بِالْقَبُولِ ، فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=30إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا . ثُمَّ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=36وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ .
وَهَذَا يُنَبِّهُ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْرِفُ إِعْجَازَ الْقُرْآنِ ، وَأَنَّهُ دَلَالَةٌ لَهُ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِدْلَالِ ، لِأَنَّ الضَّرُورِيَّاتِ لَا يَقَعُ فِيهَا نَزْغُ الشَّيْطَانِ . وَنَحْنُ نُبَيِّنُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْفَصْلِ فِي مَوْضِعِهِ .
ثُمَّ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=40إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا ، إِلَى أَنْ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=41إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=42لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ . وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مُتَأَوَّلًا عَلَى أَنَّهُ لَا يُوجَدُ فِيهِ غَيْرُ الْحَقِّ مِمَّا يَتَضَمَّنُهُ مِنْ أَقَاصِيصِ الْأَوَّلِينَ وَأَخْبَارِ الْمُرْسَلِينَ ، وَكَذَلِكَ لَا يُوجَدُ خُلْفٌ فِيمَا يَتَضَمَّنُهُ مِنَ الْأَخْبَارِ عَنِ الْغُيُوبِ وَعَنِ الْحَوَادِثِ الَّتِي أَنْبَأَ أَنَّهَا تَقَعُ فِي الْآتِي - فَلَا يَخْرُجُ عَنْ أَنْ يَكُونَ مُتَأَوَّلًا عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ نِظَامُ الْخِطَابِ ، مِنْ أَنَّهُ لَا يَأْتِيهِ مَا يُبْطِلُهُ مِنْ شُبْهَةٍ سَابِقَةٍ تَقْدَحُ فِي مُعْجِزَتِهِ أَوْ تُعَارِضُهُ فِي طَرِيقِهِ . وَكَذَلِكَ لَا يَأْتِيهِ مِنْ بَعْدِهِ قَطُّ أَمُرٌّ يُشَكِّكُ فِي وَجْهِ دَلَالَتِهِ وَإِعْجَازِهِ . وَهَذَا أَشْبَهُ بِسِيَاقِ الْكَلَامِ وَنِظَامِهِ .
ثُمَّ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=44وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ فَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ أَعْجَمِيًّا لَكَانُوا يَحْتَجُّونَ فِي رَدِّهِ : إِمَّا بِأَنَّ ذَلِكَ خَارِجٌ عَنْ عُرْفِ خِطَابِهِمْ ، أَوْ كَانُوا يَعْتَذِرُونَ بِذَهَابِهِمْ عَنْ مَعْرِفَةِ مَعْنَاهُ ، وَبِأَنَّهُمْ لَا يَبِينُ لَهُمْ وَجْهُ الْإِعْجَازِ فِيهِ . لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِمْ وَلَا مِنْ لِسَانِهِمْ ، أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ ، وَأَنَّهُ إِذَا تَحَدَّاهُمْ إِلَى مَا هُوَ مِنْ لِسَانِهِمْ وَشَأْنِهِمْ فَعَجَزُوا عَنْهُ - وَجَبَتِ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ بِهِ ، عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ فِي وَجْهِ هَذَا الْفَصْلِ . إِلَى أَنْ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=52قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مِنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ .
[ ص: 14 ] وَالَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ نَظْمِ هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ يُنَبِّهُ عَلَى غَيْرِهِمَا مِنَ السُّوَرِ ، فَكَرِهْنَا سَرْدَ الْقَوْلِ فِيهَا . فَلْيَتَأَمَّلِ الْمُتَأَمِّلُ مَا دَلَلْنَاهُ عَلَيْهِ يَجِدْهُ كَذَلِكَ .
ثُمَّ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ - عَزَّ وَجَلَّ - :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=50وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=51أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ فَأَخْبَرَ أَنَّ الْكِتَابَ آيَةٌ مِنْ آيَاتِهِ ، وَعَلَمٌ مِنْ أَعْلَامِهِ ، وَأَنَّ ذَلِكَ يَكْفِي فِي الدَّلَالَةِ ، وَيَقُومُ مَقَامَ مُعْجِزَاتِ غَيْرِهِ وَآيَاتِ سِوَاهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ ، صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ .
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - عَزَّ وَجَلَّ - :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=1تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=2الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ .
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=24أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَأِ اللَّهِ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهِ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ .
فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ جَعَلَ قَلْبَهُ مُسْتَوْدَعًا لِوَحْيِهِ ، وَمُسْتَنْزَلًا لِكِتَابِهِ ، وَأَنَّهُ لَوْ شَاءَ صَرَفَ ذَلِكَ عَنْهُ إِلَى غَيْرِهِ . وَكَانَ لَهُ حُكْمُ دَلَالَتِهِ عَلَى تَحْقِيقِ الْحَقِّ ، وَإِبْطَالِ الْبَاطِلِ مَعَ صَرْفِهِ عَنْهُ . وَلِذَلِكَ أَشْبَاهٌ كَثِيرَةٌ تَدُلُّ عَلَى نَحْوِ الدَّلَالَةِ الَّتِي وَصَفْنَاهَا .
فَبَانَ بِهَذَا وَبِنَظَائِرِهِ مَا قُلْنَاهُ ، مِنْ أَنَّ بِنَاءَ نُبُوَّتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى دَلَالَةِ الْقُرْآنِ وَمُعْجِزَتِهِ ، وَصَارَ لَهُ مِنَ الْحُكْمِ فِي دَلَالَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَصِدْقِهِ أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى ، وَفَارَقَ حُكْمُهُ حُكْمَ غَيْرِهِ مِنَ الْكُتُبِ الْمُنْزَلَةِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَدُلُّ عَلَى أَنْفُسِهَا إِلَّا بِأَمْرٍ زَائِدٍ عَلَيْهَا ، وَوَصْفٍ مُنْضَافٍ إِلَيْهَا ؛ لِأَنَّ نَظْمَهَا لَيْسَ مُعْجِزًا ، وَإِنْ كَانَ مَا تَتَضَمَّنُهُ مِنَ الْإِخْبَارِ عَنِ الْغُيُوبِ مُعْجِزًا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْقُرْآنُ ؛ لِأَنَّهُ يُشَارِكُهَا فِي هَذِهِ الدَّلَالَةِ ، وَيَزِيدُ عَلَيْهَا
[ ص: 15 ] فِي أَنَّ نَظْمَهُ مُعْجِزٌ ، فَيُمْكِنُ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَيْهِ ، وَحَلَّ فِي هَذَا مِنْ وَجْهٍ مَحَلَّ سَمَاعِ الْكَلَامِ مِنَ الْقَدِيمِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - ؛ لِأَنَّ
مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا سَمِعَ كَلَامَهُ عَلِمَ أَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ كَلَامُهُ .
وَكَذَلِكَ مَنْ يَسْمَعِ الْقُرْآنَ يَعْلَمْ أَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ ، وَإِنِ اخْتَلَفَ الْحَالُ فِي ذَلِكَ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ ؛ لِأَنَّ
مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سَمِعَهُ مِنَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - ، وَأَسْمَعَهُ نَفْسَهُ مُتَكَلِّمًا ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوَاحِدُ مِنَّا . وَكَذَلِكَ قَدْ يَخْتَلِفَانِ فِي غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ قَصْدَنَا بِالْكَلَامِ فِي هَذَا الْفَصْلِ .
وَالَّذِي نَرُومُهُ الْآنَ مَا بَيَّنَاهُ مِنِ اتِّفَاقِهِمَا فِي الْمَعْنَى الَّذِي وَصَفْنَاهُ ، وَهُوَ : أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَعْلَمُ أَنَّ مَا يَسْمَعُهُ كَلَامُ اللَّهِ مِنْ جِهَةِ الِاسْتِدْلَالِ ، وَكَذَلِكَ نَحْنُ نَعْلَمُ مَا نَقْرَؤُهُ مِنْ هَذَا عَلَى جِهَةِ الِاسْتِدْلَالِ .