( قوله ودعا بما يشبه ألفاظ القرآن والسنة لا كلام الناس ) أي بالدعاء الموجود في القرآن ولم يرد حقيقة المشابهة إذ القرآن معجز لا يشابهه شيء ولكن أطلقها لإرادته نفس الدعاء لا قراءة القرآن مثل { ربنا لا تؤاخذنا } { ربنا لا تزغ قلوبنا } { رب اغفر لي ولوالدي } { ربنا آتنا في الدنيا حسنة } إلى آخر كل من الآيات ، وقوله : والسنة ، يجوز نصبه عطفا على ألفاظ أي دعا بما يشبه ألفاظ السنة وهي المأثورة ومن أحسنها ما في صحيح الأدعية { مسلم } ويجوز جره عطفا على القرآن أو ما أي دعا بما يشبه ألفاظ السنة أو دعا بالسنة ، وقد تقدم أن الدعاء آخرها سنة لحديث اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال { ابن مسعود } ولفظ ، ثم ليتخير أحدكم من الدعاء أعجبه إليه فيدعو به { مسلم } وله حديث أيضا عند ، ثم ليتخير من المسألة ما شاء ، وإن كان في آخرها { أحمد } وعن دعا يعني النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد بما شاء أن يدعو ، ثم يسلم أبي أمامة { } رواه قال : قيل : يا رسول الله ، أي الدعاء أسمع ؟ قال : جوف الليل الأخير ودبر الصلوات المكتوبات الترمذي وحسنه والدبر يطلق على ما قبل الفراغ منها أي الوقت الذي يليه وقت الخروج منها ويراد به وراءه وعقبه أي الوقت الذي يليه وقت الخروج ولا يبعد أن يكون كل من الوقتين أوفق لاستماع الدعاء فيه أولى باستحبابه
وأطلق في المدعو له ولم يخصه بنفسه ; لأن السنة أن لا يخص المصلي نفسه بالدعاء لقوله تعالى { واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات } وللحديث { من صلى صلاة لم يدع فيها للمؤمنين والمؤمنات فهي خداج } ، ثم ظاهر النصوص ومن جملتها التشهد في الصلاة استحباب تقديم نفسه في الدعاء كما ثبت في سنن أبي داود وغيره { } ، وهو من آداب الدعاء ولذا قال في منية المصلي ويستغفر لنفسه ولوالديه إن كانا مؤمنين ولجميع المؤمنين والمؤمنات ، وإنما قيد بإيمانهما ; لأنه لا يجوز الدعاء بالمغفرة للمشرك ولقد بالغ كان صلى الله عليه وسلم إذا دعا بدعاء بدأ بنفسه القرافي المالكي كما نقله في شرح منية المصلي بأن قال إن الدعاء بالمغفرة للكافر كفر لطلبه تكذيب الله تعالى فيما أخبر به ، وقد صرح المفسرون بأن والدي سيدنا نوح كانا مؤمنين ، ثم ظاهر ما في المنية أنه يجوز الدعاء بالمغفرة لجميع ذنوبهم ، وقد صرح القرافي بتحريمه ; لأن فيه تكذيبا للأحاديث الصحيحة المصرحة بأنه لا بد من تعذيب طائفة من المؤمنين بالنار وخروجهم منها بشفاعة أو بغير شفاعة ، ودخولهم النار إنما هو بذنوبهم ولا يوجب الكفر كالدعاء للمشرك بها للفرق بين تكذيب الآحاد والقطعي ، وأما قول الداعي اللهم اغفر لي ولجميع المسلمين فيجوز أن يريد بالمغفرة له : المغفرة من جميع الذنوب
وأما لجميع المسلمين : فإن أراد المغفرة من حيث الجملة ولم [ ص: 350 ] يشركهم فيما طلبه لنفسه فهو جائز ، وإن أراد المغفرة لكل أحد من جميع ذنوبه فهو المحرم الذي ذكرناه وتعقبه الكرماني شارح ورده في شرح منية المصلي وأطال الكلام ، والحق أنه يكون عاصيا البخاري غير عاص بالدعاء بالمغفرة لجميع المؤمنين ; لأن العلماء اختلفوا في جواز العفو عن المشرك عقلا ، قيل بالجواز ; لأن الخلف في الوعيد كرم فيجوز من الله تعالى ، وإن كان المحققون على خلافه كما ذكره بالدعاء للكافر بالمغفرة التفتازاني في شرح العقائد ، وقد قال العلامة زين العرب في شرح المصابيح من بحث الإيمان : ليس بحتم عندنا أي أهل السنة أن يدخل النار أحد من الأمة بل العفو عن الجميع مرجو لموجب قوله تعالى { ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } وقوله تعالى { إن الله يغفر الذنوب جميعا } ا هـ .
فيجوز أن يطلب للمؤمنين لفرط شفقته على إخوانه الأمر الجائز الوقوع وإن لم يكن واقعا ، ثم في تقديم الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم على الدعاء بيان للسنة كما ذكره في مختصره للحديث الصحيح المروي في سنن الطحاوي الترمذي وغيره { } إذا صلى أحدكم فليبدأ بالحمد والثناء على الله ، ثم بالصلاة علي ، ثم بالدعاء
ولم يبين المصنف كلام الناس هنا وبينه في الكافي فقال : وفسروه بما لا يستحيل سؤاله من العباد نحو أعطني كذا وزوجني امرأة وما لا يشبه كلامهم ما يستحيل سؤاله منهم نحو اغفر لي ; لأنه يختص به عز وجل ، قال الله تعالى { ومن يغفر الذنوب إلا الله } ا هـ .
وهكذا ذكره الجمهور ، ويشكل عليه أن المغفرة كما ذكروه تختص بالله تعالى وهم فصلوا فقالوا : لو قال اللهم اغفر لعمي أو لخالي تفسد ، ذكره في الخلاصة من غير ذكر خلاف وذكر فيها أنه لو قال اللهم اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين والمؤمنات لا تفسد ولم يحك خلافا وحكى الخلاف فيما إذا قال قال اللهم اغفر لأخي الحلواني لا تفسد ، وقال ابن الفضل تفسد وصحح في المحيط الأول ، ووجهه : أنه موجود في القرآن العظيم حكاية عن موسى عليه السلام { رب اغفر لي ولأخي } ، وفي الذخيرة لو قال اللهم اغفر لزيد أو لعمرو تفسد [ ص: 351 ] صلاته ; لأنه ليس في القرآن ، والذي ظهر للعبد الضعيف أن هذه الفروع المفصلة في المغفرة مبنية على القول الضعيف الذي يفسر ما ليس من كلام الناس بما يستحيل سؤاله من العباد وكان في القرآن أو في السنة
أما على قول الجمهور والمقتصرين على الأول فلا تفصيل في سؤال المغفرة أصلا فلا تفسد الصلاة به ولذا قال في الخلاصة بعد ذكر هذه الفروع التي ذكرناها عنها .
والحاصل أنه إن سأل ما يستحيل سؤاله من الخلق لا تفسد إذا كان في القرآن وكان مأثورا ، وفي الجامع الصغير لم يشترط كونه في القرآن أو كونه مأثورا بل قال إن كان يستحيل سؤاله من الخلق لا تفسد ، وإن كان لا يستحيل تفسد ا هـ .
بلفظه ، فظهر أن التفصيل إنما هو مبني على غير ظاهر الرواية فإن الجامع الصغير من كتب ظاهر الرواية بل كل تأليف موصوف بالصغير فهو باتفاق الشيخين لمحمد بن الحسن أبي يوسف بخلاف الكبير فإنه لم يعرض على ومحمد لكن يشكل عليه ما في الفتاوى الظهيرية لو قال اللهم اغفر لعمي تفسد اتفاقا إلا أن يحمل على اتفاق المشايخ المبني على ما ذكرنا ، ولهذا قال في المجتبى ، وفي أقربائي أو أعمامي اختلاف المشايخ . ا هـ . أبي يوسف
لأنه يشكل بقوله اللهم اغفر لزيد أو لعمرو ، فإن صاحب الذخيرة قد صرح بالفساد به مع أن سؤال المغفرة مما يستحيل سؤاله من العباد ولم يذكروا فيه خلافا
ويمكن أن يقال إنه على الخلاف أيضا وإن الظاهر عدم الفساد به ، ولهذا قال في الحاوي القدسي من سنن القعدة الأخيرة الدعاء بما شاء من صلاح الدين والدنيا لنفسه ولوالديه وأستاذه وجميع المؤمنين ، وهو يفيد أنه لو لا تفسد مع أن الأستاذ ليس في القرآن فيقتضي عدم الفساد بقوله اللهم اغفر لزيد ، وفي الذخيرة وغيرها لو قال اللهم اغفر لي ولوالدي ولأستاذي لا تفسد صلاته ; لأن عينه في القرآن ولو قال اللهم ارزقني من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها تفسد ; لأن عين هذا اللفظ ليس في القرآن ، وفي الهداية اللهم ارزقني من كلام الناس لاستعمالها فيما بينهم يقال رزق الأمير الجيش وتعقبه في غاية البيان بأن إسناد الرزق إلى الأمير مجاز فإن الرازق في الحقيقة هو الله تعالى ، وقد صرح قال اللهم ارزقني بقلا وقثاء وعدسا وبصلا فخر الإسلام بأن سؤال الرزق كسؤال المغفرة وفصل في الخلاصة فقال لو قال ارزقني فلانة الأصح أنها تفسد بخلاف ارزقني الحج الأصح أنها لا تفسد ، وكذا ارزقني رؤيتك ، وفي المضمرات شرح ولو القدوري تفسد ، ولو قال اللهم اقض ديني لا تفسد ، وهو مشكل فإن الدعاء بقضاء الدين لنفسه ورد في السنة الصحيحة في قال اللهم اقض دين والدي وغيره من قوله { مسلم } فإن التفصيل بين كونه مستحيلا أولا إنما هو في غير المأثور كما هو ظاهر كلام الخانية إلا أن يقال : المراد بالمأثور أن يكون ورد في الصلاة لا مطلقا ، وهو بعيد اقض عنا الدين وأغننا من الفقر
وفي فتاوى الحجة ، ولو لا يقطع صلاته ، ولو قال اللهم العن الظالمين يقطع الصلاة . ا هـ . قال اللهم العن فلانا يعني ظالمه
وفي السراج الوهاج أن الذي يشبه كلام الناس إنما يفسدها إذا كان قبل تمام فرائضها أما إذا كان بعد التشهد لا يفسدها ; لأن حقيقة كلام الناس لا يبطلها فهذا أولى ، وإنما لم يدع بكلام الناس في آخرها للحديث { } فيقدم على المبيح ، وهو عموم قوله صلى الله عليه وسلم { إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس } ، وفي فتاوى ، ثم ليتخير أحدكم من الدعاء أعجبه إليه الولوالجي المصلي ينبغي أن يدعو في الصلاة بدعاء محفوظ لا بما يحضره ; لأنه يخاف أن يجري على لسانه ما يشبه كلام الناس فتفسد صلاته ، فأما في غير الصلاة فينبغي أن يدعو بما يحضره ولا يستظهر الدعاء ; لأن حفظ الدعاء يمنعه عن الرقة .
[ ص: 349 ]