[ ص: 3 ] كتاب القرعة
أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا قال : قال الله تعالى { الشافعي وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم } إلى قوله يختصمون وقال الله عز وجل { وإن يونس لمن المرسلين إذ أبق إلى الفلك المشحون فساهم فكان من المدحضين } ( قال ) : رحمه الله تعالى الشافعي في كتاب الله عز وجل في قصة المقترعين على فأصل القرعة مريم والمقارعي يونس مجتمعة ، فلا تكون القرعة - والله أعلم - إلا بين قوم مستوين في الحجة ولا يعدو - والله تعالى أعلم - المقترعون على مريم أن يكونوا كانوا سواء في كفالتها فتنافسوها ، فلما كان أن تكون عند واحد منهم أرفق بها ; لأنها لو صيرت عند كل واحد منهم يوما ، أو أكثر وعند غيره مثل ذلك كان أشبه أن يكون أضر بها من قبل أن الكافل إذا كان واحدا كان أعطف له عليها وأعلم بما فيه مصلحتها للعلم بأخلاقها وما تقبل وما ترد وما يحسن به اغتذاؤها ، فكل من اعتنف كفالتها كفلها غير خابر بما يصلحها ، ولعله لا يقع على صلاحها حتى تصير إلى غيره فيعتنف من كفالتها ما اعتنف غيره .
وله وجه آخر يصح ; وذلك أن ولاية واحد إذا كانت صبية غير ممتنعة مما يمتنع منه من عقل يستر ما ينبغي ستره كان أكرم لها وأستر عليها أن يكفلها واحد دون الجماعة ( قال ) : ويجوز أن تكون عند كافل ويغرم من بقي مؤنتها بالحصص كما تكون الصبية عند خالتها وعند أمها ومؤنتها على من عليه مؤنتها ( قال ) : ولا يعدو الذين اقترعوا على كفالة مريم أن يكونوا تشاحوا على كفالتها ، وهو أشبه - والله تعالى أعلم - أو يكونوا تدافعوا كفالتها فاقترعوا أيهم تلزمه ، فإذا رضي من شح على كفالتها أن يمونها لم يكلف غيره أن يعطيه من مؤنتها شيئا برضاه بالتطوع بإخراج ذلك من ماله ( قال ) : وأي المعنيين كان فالقرعة تلزم أحدهم ما يدفع عن نفسه وتخلص له ما يرغب فيه لنفسه وتقطع ذلك عن غيره ممن هو في مثل حاله ( قال ) : وهكذا معنى قرعة يونس صلى الله عليه وسلم لما وقفت بهم السفينة ، فقالوا : ما يمنعها من أن تجري إلا علة بها ، وما علتها إلا ذو ذنب فيها ، فتعالوا نقترع فاقترعوا فوقعت القرعة على يونس ، عليه السلام فأخرجوه منها وأقاموا فيها .
وهذا مثل معنى القرعة في الذين اقترعوا على كفالة مريم ; لأن حال الركبان كانت مستوية وإن لم يكن في هذا حكم يلزم أحدهم في ماله شيئا لم يلزمه قبل القرعة ويزيل عن آخر شيئا كان يلزمه ، فهو يثبت على بعض حقا ويبين في بعض أنه بريء منه ، كما كان في الذين اقترعوا على كفالة مريم غرم وسقوط غرم ( قال ) : وقرعة النبي صلى الله عليه وسلم في كل موضع أقرع فيه في مثل معنى الذين اقترعوا على كفالة الشافعي مريم سواء لا يخالفه ، وذلك أنه أقرع بين مماليك أعتقوا معا ، فجعل العتق تاما لثلثهم ، وأسقط عن ثلثيهم بالقرعة ، وذلك أن المعتق في مرضه أعتق ماله ومال غيره ، فجاز عتقه في ماله ولم يجز في مال غيره ، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم العتق في ثلثه ولم يبعضه كما يجمع القسم بين أهل المواريث ولا يبعض عليهم ، وكذلك كان إقراعه لنسائه أن يقسم لكل واحدة منهن في الحضر فلما [ ص: 4 ] كان السفر كان منزلة يضيق فيها الخروج بكلهن ، فأقرع بينهن ، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه وسقط حق غيرها في غيبته بها ، فإذا حضر عاد للقسم لغيرها ، ولم يحسب عليها أيام سفرها .
وكذلك قسم خيبر فكان أربعة أخماسها لمن حضر ، ثم أقرع ، فأيهم خرج سهمه على جزء مجتمع كان له بكماله وانقطع منه حق غيره وانقطع حقه عن غيره ( أخبرنا ) عن ابن عيينة إسماعيل بن أمية عن عن يزيد بن يزيد بن جابر مكحول عن { ابن المسيب } ، أخبرنا أن امرأة أعتقت ستة مملوكين لها عند الموت ليس لها مال غيرهم ، فأقرع النبي صلى الله عليه وسلم بينهم ، فأعتق اثنين وأرق أربعة عبد الوهاب عن أيوب عن رجل عن أبي المهلب عن { عمران بن حصين الأنصار إما قال : أوصى عند موته فأعتق ستة مملوكين ليس له شيء غيرهم وإما قال : أعتق عند موته ستة مملوكين ليس له مال غيرهم ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال فيه قولا شديدا ، ثم دعاهم فجزأهم ثلاثة أجزاء ، فأقرع بينهم ، فأعتق اثنين وأرق أربعة } ، ( أخبرنا ) أن رجلا من عن مالك عن نافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { ابن عمر } فذكر الحديث ( أخبرنا ) من أعتق شركا له في عبد عن ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب أن أبي الزناد رضي الله تعالى عنه قضى في رجل أوصى بعتق رقيقه وفيهم الكبير والصغير فاستشار عمر بن عبد العزيز رجالا منهم عمر فأقرع بينهم قال خارجة بن زيد بن ثابت وحدثني رجل عن أبو الزناد الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرع بينهم ( أخبرنا ) عن مالك عن نافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { ابن عمر } . من أعتق شركا له في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة العدل ، فأعطي شركاؤه حصصهم وعتق عليه العبد ، وإلا فقد عتق منه ما عتق
( قال الربيع ) : أخبرنا قال أخبرنا الشافعي عن ابن عيينة عمرو بن دينار عن عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { سالم بن عبد الله } ، وربما قال : { إذا كان العبد بين اثنين فأعتق أحدهما نصيبه فإن كان موسرا فإنه يقوم عليه بأعلى القيمة ويعتق } ، ( أخبرنا ) قيمة لا وكس فيها ولا شطط عن ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب أن رجلا أعتق ثلث رقيقه ، فأقرع بينهم أبي الزناد ، ( أخبرنا ) أبان بن عثمان عن مالك ربيعة بن أبي عبد الرحمن أن رجلا في زمان أعتق رقيقا له جميعا لم يكن له مال غيرهم ، فأمر أبان بن عثمان بذلك الرقيق فقسموا أثلاثا ، ثم أسهم بينهم على أيهم خرج سهم الميت فيعتق ، فخرج السهم على أحد الأثلاث فعتق ، قال أبان بن عثمان : ذلك أحسن ما سمعت . مالك
( قال ) : وبهذا كله نأخذ وحديث القرعة عن الشافعي عمران بن حصين موافق قول وابن المسيب في العتق لا يختلفان في شيء حكي فيهما ولا في واحد منهما ، وذلك أن المعتق أعتق رقيقه عند الموت ولا مال له غيرهم إن كان أعتقهم عتق بتات في حياته فهكذا فيما أرى الحديث ، فقد دلت السنة على معان منها أن ابن عمر فهو وصية كعتقه بعد الموت ، فلما أقرع النبي صلى الله عليه وسلم بينهم فأعتق الثلث وأرق الثلثين استدللنا على أن المعتق أعتق ماله ومال غيره ، فأجاز النبي صلى الله عليه وسلم ماله ، ورد مال غيره ، كما لو كان الرقيق لرجل فباع ثلثهم ، أو وهبه ، فقسمناهم ثم أقرعنا ، فأعطينا المشتري إذا رضي الثلث بحصصهم أو الموهوب له الثلث والشريك الثلثين بالقرعة إذا خرج سهم المشتري أو الموهوب ، كان له ما خرج عليه سهمه وما بقي لشريكه ، فكان العتق إذا كان فيما يتحرى خروجا من ملك - كما كانت الهبة والبيع خروجا من ملك - فكان سبيلهم إذا اشترك فيهم القسم ( قال ) : ولو صح المعتق من مرضه عتقوا كلهم حين صار مالكا لهم غير ممنوع منهم ، وذلك مرض لا يدري أيموت منه أو يعيش ، وكذلك لو مات وهم يخرجون من ثلثه - عتقوا كلهم ، فلما مات وأعتق ثلثهم وأرق الثلثين كان مثل معنى حديث عتق البتات عند الموت إذا لم يصح المريض قبل الموت لا يخالفه ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { ابن عمر } ، فإذا كان المعتق الشقص له في العبد إذا كان موسرا فدفع العوض من ماله إلى شريكه عتق عليه . [ ص: 5 ] من أعتق شقصا له في عبد ، وكان له مال يبلغ قيمة العبد قوم عليه قيمة عدل ، فأعطي شركاؤه حصصهم ، وعتق عليه العبد ، وإلا فقد عتق منه ما عتق
وإذا لم يدفع العوض عتق منه ما عتق ، وكان المالك الشريك معه على ملكه ، وكل واحد من الحديثين موافق لصاحبه ، إذا أعسر المعتق لم يخرج من يد شريكه ماله بلا عوض يأخذه ، وإذا أيسر المعتق تم العتق ، وكان لشريكه العوض ، فأعطي مثل ما خرج منه وتم العتق ، وكل واحد من الحديثين يبطل الاستسعاء بكل حال ، ويتفقان في ثلاثة معان : إبطال الاستسعاء ، وثبوت الرق بعد العتق في حال عسرة المعتق ، ونفاذ العتق إن كان المعتق موسرا ، ثم ينفرد حديث عمران بن حصين بمعنيين : أحدهما ، أن عتق البتات عند الموت إذا لم يصح صاحبه وصية ، وأن الوصية تجوز لغير القرابة ، ولك أن المماليك ليسوا بذوي قرابة للمعتق ، والمعتق عربي والمماليك عجم ، وهذا يدل على خلاف ما قال بعض أهل العلم أن قول الله تبارك وتعالى : { وابن المسيب الوصية للوالدين والأقربين } منسوخة بالمواريث والآخر ، أن الوصايا إذا جوز بها الثلث ردت إلى الثلث ، وهذه الحجة في أن لا يجاوز بالوصايا الثلث ، وذلك أنه لو شاء رجل أن يقول : إنما أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم على ولم يعلمه أنه لا يجوز له أن يوصي بأكثر من الثلث ، وفي هذا حجة لنا على من زعم أن من لم يدع وارثا يعرف أوصى بماله كله ، فحديث سعد يدل على خمسة معان ، وحديث عمران بن حصين يدل على ثلاثة كلها في حديث نافع . عمران