[ ينبغي ] ] الفائدة التاسعة والخمسون : وهي مما ينبغي التفطن له : إن رأى المفتي خلال السطور بياضا يحتمل أن يلحق به ما يفسد الجواب فليحترز منه ، فربما دخل من ذلك عليه مكروه ، فإما أن يأمر بكتابة غير الورقة ، وإما أن يخط على البياض أو يشغله بشيء ، كما يحترز منه كتاب الوثائق والمكاتيب . للمفتي أن يكون حذرا
وبالجملة فليكن حذرا فطنا ، ولا يحسن ظنه بكل أحد ، وهذا الذي حمل بعض المفتين على أنه كان يقيد السؤال عنده في ورقة ثم يجيب في ورقة السائل ، ومنهم من كان يكتب السؤال في ورقة من عنده ثم يكتب الجواب ، وليس شيء من ذلك بلازم ، والاعتماد على قرائن الأحوال ومعرفة الواقع والعادة .
الفائدة الستون : إن كان عنده من يثق بعلمه ودينه فينبغي له أن يشاوره ، ولا يستقل بالجواب ، ذهابا بنفسه وارتفاعا بها ، أن يستعين على الفتاوى بغيره من أهل العلم ، وهذا من الجهل ، فقد أثنى الله سبحانه على المؤمنين بأن أمرهم شورى بينهم ، وقال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : { [ وينبغي له أن يشاور من يثق به ] وشاورهم في الأمر } وقد كانت المسألة تنزل رضي الله عنه ، فيستشير لها من حضر من الصحابة ، وربما جمعهم وشاورهم ، حتى كان يشاور بعمر بن الخطاب رضي الله عنهما وهو إذ ذاك أحدث القوم سنا ، وكان يشاور ابن عباس كرم الله وجهه عليا وعثمان وطلحة والزبير وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين ، ولا سيما إذا قصد بذلك تمرين أصحابه وتعليمهم ، وشحذ أذهانهم . وعبد الرحمن بن عوف
قال في صحيحه : " باب إلقاء العالم المسألة على أصحابه " وأولى ما ألقى عليهم المسألة التي سئل عنها ، هذا ما لم يعارض ذلك مفسدة من إفشاء سر السائل أو تعريضه للأذى ، أو مفسدة لبعض الحاضرين ، فلا ينبغي له أن يرتكب ذلك ، وكذلك الحكم في عابر الرؤيا ، فالمفتي والمعبر والطيب يطلعون من أسرار الناس وعوراتهم على ما لا يطلع عليه غيرهم ; فعليهم استعمال الستر فيما لا يحسن إظهاره . البخاري