( الفرق الثالث والسبعون والمائة بين قاعدة ما يبطل التتابع في صوم الكفارات والنذور وغير ذلك وبين قاعدة ما لا يبطل التتابع )
اعلم أن هذه من المواضع المشكلة فإن
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالكا رحمه الله تعالى قال في المدونة إذا
nindex.php?page=treesubj&link=2532_2519_3778_3784أكل في صوم [ ص: 195 ] الظهار أو القتل أو النذر المتتابع ناسيا أو مجتهدا أو مكرها أو وطئ نهارا غير المظاهر منها ناسيا قضى يوما متصلا بصومه فإن لم يفعل ابتدأ الصوم من أوله فإن
nindex.php?page=treesubj&link=23275_23276وطئ المظاهر منها ليلا أو نهارا أول صومه أو آخره ناسيا أو عامدا ابتدأ الصوم ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله إن وطئها ليلا لم يبطل صومه ووافقنا
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة في هذه المسألة ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة الفطر يبطل التتابع مطلقا وخالفهما
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل وعللا ذلك بأن الفطر باختياره بخلاف المرض والإغماء عند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي كالمرض خلافا
nindex.php?page=showalam&ids=11990لأبي حنيفة ، وكذلك الحامل والمرضع كالمريض عنده .
وقال
أبو الطاهر من أصحابنا إن أفطر جاهلا فقولان نظرا إلى أن الجاهل هل يلحق بالعامد أم لا وفي السهو والخطأ ثلاثة أقوال ثالثها التفرقة بين السهو فيجزئ والخطأ فلا يجزئ ويبتدي لأن معه تمييزه بخلاف السهو وسبب الخلاف هل التتابع مأمور به فيقدح فيه النسيان أو التفريق محرم فلا تضر ملابسته سهوا فإن المحرمات لا يأثم الإنسان بملابستها مع عدم القصد كشرب الخمر ساهيا أو وطئ أجنبية جاهلا بأنها أجنبية أو أكل طعاما نجسا أو حراما مغصوبا غير عالم به فإن الإجماع منعقد في هذه الصور كلها على عدم الإثم ( قلت ) وهذه الفتاوى كلها مشكلة من جهة أن لفظ الكتاب العزيز أمر متعلق بطلب وهو قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=4فصيام شهرين متتابعين } ومعناه ليصم شهرين متتابعين فيكون خبرا معناه الأمر أو يكون التقدير فالواجب عليه صيام شهرين
[ ص: 196 ] متتابعين .
وهذا هو الأظهر ؛ لأنه أقرب لموافقته الظاهر من بقاء الخبر خبرا على حاله ونستفيد الوجوب من قوله تعالى فالواجب عليه واللفظ على كل تقدير متعلق بطلب لا يدفع فكيف يتخيل أنه من باب النهي على أحد الاحتمالين اللذين ذكرهما
ابن بشير ولا يمكن الاعتماد في ذلك على أن التتابع إذا كان واجبا كان تركه محرما فإن كل واجب تركه محرم وكل محرم تركه واجب فالوجوب من لوازم التحريم والتحريم من لوازم الوجوب في النقيض المقابل فالذي يصح في الآية أن التتابع ليس من باب المحرم وأنه يرجع إلى تحريم التفريق هذا بعيد ، وإذا تقرر أنه ليس من المحرمات بقي الإشكال من جهة أن المطلوب صوم شهرين متتابعين ولم يأت بهما المكلف في تلك الصور كلها الناسي والمجتهد والمكره وكل هؤلاء فرقوا ولم يقع فعلهم مطابقا لمقتضى الطلب فوجب البقاء في العهدة كما أن الله تعالى طلب الصلاة بالنية والطهارة والستارة ونحوها من الشروط فمن نسي أحد هذه الأشياء أو اجتهد فأخطأ فيها أو أكره على عدمها بطلت الصلاة ، وكذلك
nindex.php?page=treesubj&link=2519إذا أكره على الأكل والشرب في رمضان أو نسي أو اجتهد فأخطأ فإن صومه يبطل ونظائره كثيرة في الشريعة فما بال التتابع خرج عن هذا النمط في الكفارات والمنذورات هذا وجه الإشكال .
وكذلك ما قاله
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أيضا في الإغماء فينبغي أن يبطل التتابع كما تبطل الصلاة والصوم بالإغماء ، وكذلك المرض عند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة مثله فالكل مشكل والذي
[ ص: 197 ] يظهر في بادي الرأي أن التفريق متى حصل بأي طريق كأن وجب ابتداء الصوم كما قلناه في جميع النظائر المتقدمة لأن الصوم بوصف التتابع لم يحصل ومتى لم يحصل المطلوب الشرعي مع إمكان الإتيان به وجب الإتيان به هذا هو القاعدة
( والجواب ) عن هذا الإشكال ببيان قاعدة وهي أن
nindex.php?page=treesubj&link=20588_20490_27824_20589الأحكام الشرعية على قسمين خطاب وضع وخطاب تكليف فخطاب الوضع هو نصب الأسباب والشروط والموانع والتقديرات الشرعية وخطاب التكليف هو الأحكام الخمسة الوجوب والتحريم والندب والكراهة والإباحة فأما خطاب الوضع فلا يشترط فيه علم المكلف ولا قدرته ولا إرادته كالتوريث بالأنساب والإنسان لا يعلم بذلك ولا هو من قدرته ولا إرادته فيدخل الميراث في ملكه وإن لم يشعر به ولذلك نوجب الضمان على الصبيان والمجانين والغافلين ونطلق بالإضرار ونوجب الظهر بالزوال والصوم برؤية الهلال إلى غير ذلك مما هو من خطاب الوضع وخطاب التكليف يشترط فيه العلم والقدرة والإرادة فما لا قدرة له عليه لا يكلف به ، وكذلك ما لم يبلغه لا يلزمه حتى يعلم به غير أن التمكن من العلم يقوم مقام العلم في التكليف
. وقد تقدمت هذه القاعدة مبسوطة فإذا وضحت فنقول المتابعة من باب خطاب التكليف ؛ لأن الصوم مكلف به وصفة المكلف به مكلف بها والتتابع صفة الصوم فتكون مكلفا بها ، فيكون من باب التكليف فلذلك يسقط التكليف بها في تلك
[ ص: 198 ] الأحوال لمنافاة النسيان والإكراه والمرض والإغماء ونحوها التكليف لطفا من الله تعالى بالعباد وعدم وطء المظاهر منها قبل التكفير شرط لقوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=4من قبل أن يتماسا } والمفهوم من قول القائل افعل كذا قبل كذا أن التقدم شرط ولذلك يصدق قولنا
nindex.php?page=treesubj&link=11011_27123_21205استأذن المرأة في النكاح وأحضر الولي قبل العقد أن هذين شرطان ، وكذلك استتر قبل الصلاة وتطهر وانو أن هذه الأمور شروط ، وإذا كان هذا الكلام يفيد الشرطية كان تقدم العدم شرطا فلذلك قدح فيه النسيان وغيره فإن ما لا يشترط فيه العلم والقدرة يثبت مطلقا وما يثبت مطلقا اعتبر مطلقا ، فيكون شرطا في جميع الحالات فيؤثر فقده والتكليف لما كان العلم والقدرة شرطين فيه فقد التكليف عند عدمهما فإذا علمت ذلك فالمفهوم من قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=4من قبل أن يتماسا } أنه يصوم شهرين متتابعين ليس قبلهما وطء ولا في أثنائهما وطء فهذان أمران قد يتغير أحدهما بتقدم الوطء فاستحال بعد ذلك أن يصدق أنه يصوم شهرين متتابعين ليس قبلهما وطء لأجل تقدم الوطء وبقي الآخر وهو أنه يصوم شهرين متتابعين ليس في خلالهما وطء والقاعدة أن المتعذر يسقط اعتباره والممكن يستصحب فيه التكليف لقوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=16فاتقوا الله ما استطعتم } ، ولقوله عليه السلام {
nindex.php?page=hadith&LINKID=9510إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم } فلذلك قلنا يبتدي الصوم في الظهار متتابعا إذا وطئها قبله وإن كان وصف تقدم عدم الوطء قد تعذر ؛ لأنه الممكن الباقي .
وأما في النذر ونحوه فيأتي
[ ص: 199 ] بيوم غير اليوم الذي أفطر فيه ناسيا يصله بآخر صيامه تكملة للعدة لا لتحصيل وصف التتابع في جميع الصوم ، بل في آخره فقط ؛ لأن تحصيله في أثناء الصوم قد تعذر فأفطر ناسيا وبقي تحصيله في آخره ممكنا فوجب الممكن وسقط المتعذر على القاعدة المتقدمة ، وكذلك في جميع الكفارات وأنواع الصوم المتتابع فاندفع الإشكال بهذه القاعدة بفضل الله تعالى .
( مسألة ) قال
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك رحمه الله
nindex.php?page=treesubj&link=20544إذا تطوع بالصوم أو بالصلاة ونحوهما مما يجب بالشروع وعرض عارض يقتضي فساده ناسيا أو مجتهدا لم يجب قضاء الصوم والصلاة وإن أفطر متعمدا أو أبطل الصلاة وجب القضاء على قاعدة الوجوب بالشروع مع أن قاعدة الوجوب بالشروع تقتضي القضاء مطلقا ألا ترى أن الصلوات الخمس وصوم رمضان يقضيهما إذا فسدا بأي طريق كان فكان يلزمه هنا كذلك وهو إشكال كبير فإن الواجب ينبغي أن لا يختلف حاله
( والجواب ) عنه أن وجوب التطوعات عنده مأخوذ من قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=33ولا تبطلوا أعمالكم } نهى سبحانه وتعالى عن الإبطال ، فيكون الإكمال واجبا مكلفا به والتكليف يشترط فيه القدرة والعلم على القاعدة المتقدمة فلا يجب الإتمام حالة عدم القدرة والعلم فلا يجب القضاء كذلك .
وإذا تعمد الإفساد اندرجت هذه الحالة في التكليف لحصول القدرة والعلم فوجب القضاء لقوله عليه السلام في الحديث الصحيح
nindex.php?page=showalam&ids=25لعائشة وحفصة رضي الله عنهما في صوم التطوع {
nindex.php?page=hadith&LINKID=13739اقضيا يوما مكانه } وكانتا عامدتين لإفساد
[ ص: 200 ] ذلك اليوم في حالة يثبت فيها التكليف فبقيت الحالة التي لا يثبت فيها التكليف على مقتضى الأصل ؛ لأن القضاء إنما يجب بأمر جديد فيقتصر به حيث ورد ( فإن قلت ) الصوم في رمضان والصلوات الخمس يقضيان مطلقا فلم لا أقضي هذا مطلقا ، قلت المشهور في علم الأصول أن القضاء إنما يجب بأمر جديد فيتبع ذلك الأمر على حسب وروده ، وقد ورد الأمر بالقضاء في الواجب المتصل مع العذر وعدمه لقوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=184فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } والمرض عذر ، وقد وجب معه القضاء فلذلك أوجبنا القضاء مطلقا ولم يرد لنا في التطوعات مثل ذلك ، بل في صورة عدم العذر خاصة فاقتصر عليها ؛ لأن وجوب القضاء تبع للأمر به كما تقدم فهذا هو تلخيص الفرق بين قاعدة ما يبطل التتابع وقاعدة ما لا يبطله وشرط قاعدة خطاب الوضع وقاعدة خطاب التكليف .
( الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالسَّبْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُبْطِلُ التَّتَابُعَ فِي صَوْمِ الْكَفَّارَاتِ وَالنُّذُورِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَبْطُلُ التَّتَابُعُ )
اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ مِنْ الْمَوَاضِعِ الْمُشْكِلَةِ فَإِنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكًا رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا
nindex.php?page=treesubj&link=2532_2519_3778_3784أَكَلَ فِي صَوْمِ [ ص: 195 ] الظِّهَارِ أَوْ الْقَتْلِ أَوْ النَّذْرِ الْمُتَتَابِعِ نَاسِيًا أَوْ مُجْتَهِدًا أَوْ مُكْرَهًا أَوْ وَطِئَ نَهَارًا غَيْرُ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا نَاسِيًا قَضَى يَوْمًا مُتَّصِلًا بِصَوْمِهِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ابْتَدَأَ الصَّوْمَ مِنْ أَوَّلِهِ فَإِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=23275_23276وَطِئَ الْمُظَاهَرَ مِنْهَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا أَوَّلَ صَوْمِهِ أَوْ آخِرَهُ نَاسِيًا أَوْ عَامِدًا ابْتَدَأَ الصَّوْمَ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إنْ وَطِئَهَا لَيْلًا لَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهُ وَوَافَقْنَا
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبُو حَنِيفَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=11990وَأَبُو حَنِيفَةَ الْفِطْرُ يُبْطِلُ التَّتَابُعَ مُطْلَقًا وَخَالَفَهُمَا
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَعَلَّلَا ذَلِكَ بِأَنَّ الْفِطْرَ بِاخْتِيَارِهِ بِخِلَافِ الْمَرَضِ وَالْإِغْمَاءِ عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ كَالْمَرَضِ خِلَافًا
nindex.php?page=showalam&ids=11990لِأَبِي حَنِيفَةَ ، وَكَذَلِكَ الْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ كَالْمَرِيضِ عِنْدَهُ .
وَقَالَ
أَبُو الطَّاهِرِ مِنْ أَصْحَابِنَا إنْ أَفْطَرَ جَاهِلًا فَقَوْلَانِ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْجَاهِلَ هَلْ يَلْحَقُ بِالْعَامِدِ أَمْ لَا وَفِي السَّهْوِ وَالْخَطَأِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ ثَالِثُهَا التَّفْرِقَةُ بَيْنَ السَّهْوِ فَيُجْزِئُ وَالْخَطَأِ فَلَا يُجْزِئُ وَيَبْتَدِي لِأَنَّ مَعَهُ تَمْيِيزَهُ بِخِلَافِ السَّهْوِ وَسَبَبُ الْخِلَافِ هَلْ التَّتَابُعُ مَأْمُورٌ بِهِ فَيَقْدَحُ فِيهِ النِّسْيَانُ أَوْ التَّفْرِيقُ مُحَرَّمٌ فَلَا تَضُرُّ مُلَابَسَتُهُ سَهْوًا فَإِنَّ الْمُحَرَّمَاتِ لَا يَأْثَمُ الْإِنْسَانُ بِمُلَابَسَتِهَا مَعَ عَدَمِ الْقَصْدِ كَشُرْبِ الْخَمْرِ سَاهِيًا أَوْ وَطِئَ أَجْنَبِيَّةً جَاهِلًا بِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ أَوْ أَكَلَ طَعَامًا نَجِسًا أَوْ حَرَامًا مَغْصُوبًا غَيْرَ عَالِمٍ بِهِ فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا عَلَى عَدَمِ الْإِثْمِ ( قُلْت ) وَهَذِهِ الْفَتَاوَى كُلُّهَا مُشْكِلَةٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ لَفْظَ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ أَمْرٌ مُتَعَلِّقٌ بِطَلَبٍ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=4فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ } وَمَعْنَاهُ لِيَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فَيَكُونُ خَبَرًا مَعْنَاهُ الْأَمْرُ أَوْ يَكُونُ التَّقْدِيرُ فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرَيْنِ
[ ص: 196 ] مُتَتَابِعَيْنِ .
وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ لِمُوَافَقَتِهِ الظَّاهِرَ مِنْ بَقَاءِ الْخَبَرِ خَبَرًا عَلَى حَالِهِ وَنَسْتَفِيدُ الْوُجُوبَ مِنْ قَوْله تَعَالَى فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ وَاللَّفْظُ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ مُتَعَلِّقٌ بِطَلَبٍ لَا يُدْفَعُ فَكَيْفَ يُتَخَيَّلُ أَنَّهُ مِنْ بَابِ النَّهْيِ عَلَى أَحَدِ الِاحْتِمَالَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا
ابْنُ بَشِيرٍ وَلَا يُمْكِنُ الِاعْتِمَادُ فِي ذَلِكَ عَلَى أَنَّ التَّتَابُعَ إذَا كَانَ وَاجِبًا كَانَ تَرْكُهُ مُحَرَّمًا فَإِنَّ كُلَّ وَاجِبٍ تَرْكُهُ مُحَرَّمٌ وَكُلَّ مُحَرَّمٍ تَرْكُهُ وَاجِبٌ فَالْوُجُوبُ مِنْ لَوَازِمِ التَّحْرِيمِ وَالتَّحْرِيمُ مِنْ لَوَازِمِ الْوُجُوبِ فِي النَّقِيضِ الْمُقَابِلِ فَاَلَّذِي يَصِحُّ فِي الْآيَةِ أَنَّ التَّتَابُعَ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْمُحَرَّمِ وَأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى تَحْرِيمِ التَّفْرِيقِ هَذَا بَعِيدٌ ، وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ بَقِيَ الْإِشْكَالُ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمَطْلُوبَ صَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ وَلَمْ يَأْتِ بِهِمَا الْمُكَلَّفُ فِي تِلْكَ الصُّوَرِ كُلِّهَا النَّاسِي وَالْمُجْتَهِدُ وَالْمُكْرَهُ وَكُلُّ هَؤُلَاءِ فَرَّقُوا وَلَمْ يَقَعْ فِعْلُهُمْ مُطَابِقًا لِمُقْتَضَى الطَّلَبِ فَوَجَبَ الْبَقَاءُ فِي الْعُهْدَةِ كَمَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى طَلَب الصَّلَاةَ بِالنِّيَّةِ وَالطَّهَارَةِ وَالسِّتَارَةِ وَنَحْوِهَا مِنْ الشُّرُوطِ فَمَنْ نَسِيَ أَحَدَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَوْ اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فِيهَا أَوْ أُكْرِهَ عَلَى عَدَمِهَا بَطَلَتْ الصَّلَاةُ ، وَكَذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=2519إذَا أُكْرِهَ عَلَى الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِي رَمَضَانَ أَوْ نَسِيَ أَوْ اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَإِنَّ صَوْمَهُ يَبْطُلُ وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ فِي الشَّرِيعَةِ فَمَا بَالُ التَّتَابُعِ خَرَجَ عَنْ هَذَا النَّمَطِ فِي الْكَفَّارَاتِ وَالْمَنْذُورَاتِ هَذَا وَجْهُ الْإِشْكَالِ .
وَكَذَلِكَ مَا قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ أَيْضًا فِي الْإِغْمَاءِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَبْطُلَ التَّتَابُعُ كَمَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ بِالْإِغْمَاءِ ، وَكَذَلِكَ الْمَرَضُ عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ nindex.php?page=showalam&ids=11990وَأَبُو حَنِيفَةَ مِثْلُهُ فَالْكُلُّ مُشْكِلٌ وَاَلَّذِي
[ ص: 197 ] يَظْهَرُ فِي بَادِي الرَّأْيِ أَنَّ التَّفْرِيقَ مَتَى حَصَلَ بِأَيِّ طَرِيقٍ كَأَنْ وَجَبَ ابْتِدَاءً الصَّوْمُ كَمَا قُلْنَاهُ فِي جَمِيعِ النَّظَائِرِ الْمُتَقَدِّمَةِ لِأَنَّ الصَّوْمَ بِوَصْفِ التَّتَابُعِ لَمْ يَحْصُلْ وَمَتَى لَمْ يَحْصُلْ الْمَطْلُوبُ الشَّرْعِيُّ مَعَ إمْكَانِ الْإِتْيَانِ بِهِ وَجَبَ الْإِتْيَانُ بِهِ هَذَا هُوَ الْقَاعِدَةُ
( وَالْجَوَابُ ) عَنْ هَذَا الْإِشْكَالِ بِبَيَانِ قَاعِدَةٍ وَهِيَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=20588_20490_27824_20589الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ عَلَى قِسْمَيْنِ خِطَابُ وَضْعٍ وَخِطَابُ تَكْلِيفٍ فَخِطَابُ الْوَضْعِ هُوَ نَصْبُ الْأَسْبَابِ وَالشُّرُوطِ وَالْمَوَانِعِ وَالتَّقْدِيرَاتِ الشَّرْعِيَّةِ وَخِطَابُ التَّكْلِيفِ هُوَ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ الْوُجُوبُ وَالتَّحْرِيمُ وَالنَّدْبُ وَالْكَرَاهَةُ وَالْإِبَاحَةُ فَأَمَّا خِطَابُ الْوَضْعِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ عِلْمُ الْمُكَلَّفِ وَلَا قُدْرَتُهُ وَلَا إرَادَتُهُ كَالتَّوْرِيثِ بِالْأَنْسَابِ وَالْإِنْسَانُ لَا يَعْلَمُ بِذَلِكَ وَلَا هُوَ مِنْ قُدْرَتِهِ وَلَا إرَادَتِهِ فَيَدْخُلُ الْمِيرَاثُ فِي مِلْكِهِ وَإِنْ لَمْ يَشْعُرْ بِهِ وَلِذَلِكَ نُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَى الصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ وَالْغَافِلِينَ وَنُطَلِّقُ بِالْإِضْرَارِ وَنُوجِبُ الظُّهْرَ بِالزَّوَالِ وَالصَّوْمَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ وَخِطَابُ التَّكْلِيفِ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعِلْمُ وَالْقُدْرَةُ وَالْإِرَادَةُ فَمَا لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَيْهِ لَا يُكَلَّفُ بِهِ ، وَكَذَلِكَ مَا لَمْ يَبْلُغْهُ لَا يَلْزَمُهُ حَتَّى يَعْلَمَ بِهِ غَيْرَ أَنَّ التَّمَكُّنَ مِنْ الْعِلْمِ يَقُومُ مَقَامَ الْعِلْمِ فِي التَّكْلِيفِ
. وَقَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مَبْسُوطَةً فَإِذَا وَضَحَتْ فَنَقُولُ الْمُتَابَعَةُ مِنْ بَابِ خِطَابِ التَّكْلِيفِ ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ مُكَلَّفٌ بِهِ وَصِفَةُ الْمُكَلَّفِ بِهِ مُكَلَّفٌ بِهَا وَالتَّتَابُعُ صِفَةُ الصَّوْمِ فَتَكُونُ مُكَلَّفًا بِهَا ، فَيَكُونُ مِنْ بَابِ التَّكْلِيفِ فَلِذَلِكَ يَسْقُطُ التَّكْلِيفُ بِهَا فِي تِلْكَ
[ ص: 198 ] الْأَحْوَالِ لِمُنَافَاةِ النِّسْيَانِ وَالْإِكْرَاهِ وَالْمَرَضِ وَالْإِغْمَاءِ وَنَحْوِهَا التَّكْلِيفُ لُطْفًا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِالْعِبَادِ وَعَدَمِ وَطْءِ الْمُظَاهِرِ مِنْهَا قَبْلَ التَّكْفِيرِ شَرْطٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=4مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا } وَالْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ افْعَلْ كَذَا قَبْلَ كَذَا أَنَّ التَّقَدُّمَ شَرْطٌ وَلِذَلِكَ يَصْدُقُ قَوْلُنَا
nindex.php?page=treesubj&link=11011_27123_21205اسْتَأْذِنْ الْمَرْأَةَ فِي النِّكَاحِ وَأَحْضِرْ الْوَلِيَّ قَبْلَ الْعَقْدِ أَنَّ هَذَيْنِ شَرْطَانِ ، وَكَذَلِكَ اسْتَتِرْ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَتَطَهَّرْ وَانْوِ أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ شُرُوطٌ ، وَإِذَا كَانَ هَذَا الْكَلَامُ يُفِيدُ الشَّرْطِيَّةَ كَانَ تَقَدُّمُ الْعَدَمِ شَرْطًا فَلِذَلِكَ قَدَحَ فِيهِ النِّسْيَانُ وَغَيْرُهُ فَإِنَّ مَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعِلْمُ وَالْقُدْرَةُ يَثْبُتُ مُطْلَقًا وَمَا يَثْبُتُ مُطْلَقًا اُعْتُبِرَ مُطْلَقًا ، فَيَكُونُ شَرْطًا فِي جَمِيعِ الْحَالَاتِ فَيُؤَثِّرُ فَقْدُهُ وَالتَّكْلِيفُ لَمَّا كَانَ الْعِلْمُ وَالْقُدْرَةُ شَرْطَيْنِ فِيهِ فُقِدَ التَّكْلِيفُ عِنْدَ عَدَمِهِمَا فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَالْمَفْهُومُ مِنْ قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=4مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا } أَنَّهُ يَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ لَيْسَ قَبْلَهُمَا وَطْءٌ وَلَا فِي أَثْنَائِهِمَا وَطْءٌ فَهَذَانِ أَمْرَانِ قَدْ يَتَغَيَّرُ أَحَدُهُمَا بِتَقَدُّمِ الْوَطْءِ فَاسْتَحَالَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يُصَدَّقَ أَنَّهُ يَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ لَيْسَ قَبْلَهُمَا وَطْءٌ لِأَجْلِ تَقَدُّمِ الْوَطْءِ وَبَقِيَ الْآخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ يَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ لَيْسَ فِي خِلَالِهِمَا وَطْءٌ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْمُتَعَذِّرَ يَسْقُطُ اعْتِبَارُهُ وَالْمُمْكِنَ يُسْتَصْحَبُ فِيهِ التَّكْلِيفُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=16فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } ، وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=9510إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ } فَلِذَلِكَ قُلْنَا يَبْتَدِي الصَّوْمَ فِي الظِّهَارِ مُتَتَابِعًا إذَا وَطِئَهَا قَبْلَهُ وَإِنْ كَانَ وَصْفُ تَقَدُّمِ عَدَمِ الْوَطْءِ قَدْ تَعَذَّرَ ؛ لِأَنَّهُ الْمُمْكِنُ الْبَاقِي .
وَأَمَّا فِي النَّذْرِ وَنَحْوِهِ فَيَأْتِي
[ ص: 199 ] بِيَوْمٍ غَيْرِ الْيَوْمِ الَّذِي أَفْطَرَ فِيهِ نَاسِيًا يَصِلُهُ بِآخِرِ صِيَامِهِ تَكْمِلَةً لِلْعِدَّةِ لَا لِتَحْصِيلِ وَصْفِ التَّتَابُعِ فِي جَمِيعِ الصَّوْمِ ، بَلْ فِي آخِرِهِ فَقَطْ ؛ لِأَنَّ تَحْصِيلَهُ فِي أَثْنَاءِ الصَّوْمِ قَدْ تَعَذَّرَ فَأَفْطَرَ نَاسِيًا وَبَقِيَ تَحْصِيلُهُ فِي آخِرِهِ مُمْكِنًا فَوَجَبَ الْمُمْكِنُ وَسَقَطَ الْمُتَعَذِّرُ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ ، وَكَذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْكَفَّارَاتِ وَأَنْوَاعِ الصَّوْمِ الْمُتَتَابِعِ فَانْدَفَعَ الْإِشْكَالُ بِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ بِفَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى .
( مَسْأَلَةٌ ) قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=20544إذَا تَطَوَّعَ بِالصَّوْمِ أَوْ بِالصَّلَاةِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يَجِبُ بِالشُّرُوعِ وَعَرَضَ عَارِضٌ يَقْتَضِي فَسَادَهُ نَاسِيًا أَوْ مُجْتَهِدًا لَمْ يَجِبْ قَضَاءُ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَإِنْ أَفْطَرَ مُتَعَمِّدًا أَوْ أَبْطَلَ الصَّلَاةَ وَجَبَ الْقَضَاءُ عَلَى قَاعِدَةِ الْوُجُوبِ بِالشُّرُوعِ مَعَ أَنَّ قَاعِدَةَ الْوُجُوبِ بِالشُّرُوعِ تَقْتَضِي الْقَضَاءَ مُطْلَقًا أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ وَصَوْمَ رَمَضَانَ يَقْضِيهِمَا إذَا فَسَدَا بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ فَكَانَ يَلْزَمُهُ هُنَا كَذَلِكَ وَهُوَ إشْكَالٌ كَبِيرٌ فَإِنَّ الْوَاجِبَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَخْتَلِفَ حَالُهُ
( وَالْجَوَابُ ) عَنْهُ أَنَّ وُجُوبَ التَّطَوُّعَاتِ عِنْدَهُ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=33وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ } نَهَى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْ الْإِبْطَالِ ، فَيَكُونُ الْإِكْمَالُ وَاجِبًا مُكَلَّفًا بِهِ وَالتَّكْلِيفُ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقُدْرَةُ وَالْعِلْمُ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَلَا يَجِبُ الْإِتْمَامُ حَالَةَ عَدَمِ الْقُدْرَةِ وَالْعِلْمِ فَلَا يَجِبُ الْقَضَاءُ كَذَلِكَ .
وَإِذَا تَعَمَّدَ الْإِفْسَادَ انْدَرَجَتْ هَذِهِ الْحَالَةُ فِي التَّكْلِيفِ لِحُصُولِ الْقُدْرَةِ وَالْعِلْمِ فَوَجَبَ الْقَضَاءُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ
nindex.php?page=showalam&ids=25لِعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=13739اقْضِيَا يَوْمًا مَكَانَهُ } وَكَانَتَا عَامِدَتَيْنِ لِإِفْسَادِ
[ ص: 200 ] ذَلِكَ الْيَوْمِ فِي حَالَةٍ يَثْبُتُ فِيهَا التَّكْلِيفُ فَبَقِيَتْ الْحَالَةُ الَّتِي لَا يَثْبُتُ فِيهَا التَّكْلِيفُ عَلَى مُقْتَضَى الْأَصْلِ ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ إنَّمَا يَجِبُ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ فَيَقْتَصِرُ بِهِ حَيْثُ وَرَدَ ( فَإِنْ قُلْت ) الصَّوْمُ فِي رَمَضَانَ وَالصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ يُقْضَيَانِ مُطْلَقًا فَلِمَ لَا أَقْضِي هَذَا مُطْلَقًا ، قُلْت الْمَشْهُورُ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ أَنَّ الْقَضَاءَ إنَّمَا يَجِبُ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ فَيُتَّبَعُ ذَلِكَ الْأَمْرُ عَلَى حَسَبِ وُرُودِهِ ، وَقَدْ وَرَدَ الْأَمْرُ بِالْقَضَاءِ فِي الْوَاجِبِ الْمُتَّصِلِ مَعَ الْعُذْرِ وَعَدَمِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=184فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } وَالْمَرَضُ عُذْرٌ ، وَقَدْ وَجَبَ مَعَهُ الْقَضَاءُ فَلِذَلِكَ أَوْجَبْنَا الْقَضَاءَ مُطْلَقًا وَلَمْ يَرِدْ لَنَا فِي التَّطَوُّعَاتِ مِثْلُ ذَلِكَ ، بَلْ فِي صُورَةِ عَدَمِ الْعُذْرِ خَاصَّةً فَاقْتَصَرَ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْقَضَاءِ تَبَعٌ لِلْأَمْرِ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فَهَذَا هُوَ تَلْخِيصُ الْفَرْقِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُبْطِلُ التَّتَابُعَ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يُبْطِلُهُ وَشَرْطُ قَاعِدَةِ خِطَابِ الْوَضْعِ وَقَاعِدَةِ خِطَابِ التَّكْلِيفِ .