المطلب السادس: رهن ماله
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: أن يرهنه لحق لا يتعلق باليتيم، ونحوه:
إذا سواء كان للولي أو غيره، فللعلماء في ذلك قولان: ارتهن الولي مال اليتيم بدين لغير اليتيم،
القول الأول: عدم الجواز.
[ ص: 280 ] وهو قول جمهور أهل العلم.
وحجته:
1- ما تقدم من الدليل على عدم جواز قربان مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن، وفي رهن مال اليتيم لحق لا يتعلق به قربان له لا بالتي هي أحسن.
لما يترتب على ذلك من حبس ماله بغير مصلحة تعود إليه.
2- أن رهن مال اليتيم بدين غيره لا يجوز كما لا يجوز قضاء دين الغير بمال اليتيم; إذ رهن ماله إيفاء عند إيفاء الراهن للحق.
ونوقش: بأنه قياس مع الفارق; لأن حقيقة الإيفاء إزالة ملك اليتيم من غير عوض يقابله، والرهن نصب حافظ لمال اليتيم مع بقاء ملكه.
وأجيب: بأن نصب الحافظ وهو المرتهن ليس لحظ اليتيم، وإنما لحظ غيره، وأيضا بقاء المال في يد الولي أكثر نفعا; لأنه يقوم على تنميته وتثميره.
3- أن رهن مال اليتيم بدين غيره حبس لماله بغير عوض يقابله.
القول الثاني: أن الولي إذا ارتهن مال اليتيم بدين لنفسه جاز استحسانا.
وبه قال أبو حنيفة، ومحمد بن الحسن.
وحجته:
1- قياس رهن مال اليتيم على إيداعه.
[ ص: 281 ] ولعله يناقش من وجهين:
الوجه الأول: أن إيداع مال اليتيم إنما هو لمصلحته وحظه كخوف على ماله من ضياع أو سرقة ونحو ذلك، بخلاف رهنه لأمر لا يتعلق باليتيم، فلمصلحة غيره.
الوجه الثاني: أن هناك فرقا بين الوديعة والرهن، فالوديعة عقد جائز يمكن فسخه في أي وقت، أما الرهن فلازم من قبل المرتهن لا يمكن فسخه إلا برضاه.
2- أن المرتهن ينظر في مال اليتيم أكثر من الولي; لأنه لو تلف هذا المال لضمنه.
ونوقش من وجهين:الأول: عدم التسليم; إذ الولي أكثر شفقة على حفظ مال اليتيم من المرتهن؛ لأن المرتهن يقصد الحصول على حقه فقط بخلاف الولي.
الثاني: أن القول بأن المرتهن يضمن إذا هلك الرهن غير مسلم؛ إذ هو أمين، والأمين لا يضمن إلا بالتعدي أو التفريط.
الترجيح:
الراجح -والله أعلم- قول جمهور أهل العلم، وأنه ليس للولي ولا غيره رهن مال اليتيم بأمر لا يتعلق به; إذ هو من قربانه لا بالتي هي أحسن.
والقاعدة: أن من تصرف لغيره، فتصرفه تصرف مصلحة لا اختيار وتشه.