[ قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=91ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=92ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون فيه ست مسائل :
الأولى : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=91ليس على الضعفاء الآية . أصل في
nindex.php?page=treesubj&link=20715سقوط التكليف عن العاجز ; فكل من عجز عن شيء سقط عنه ، فتارة إلى بدل هو فعل ، وتارة إلى بدل هو غرم ، ولا فرق بين العجز من جهة القوة أو العجز من جهة المال ; ونظير هذه الآية قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=286لا يكلف الله نفسا إلا وسعها وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=61ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج . وروى
أبو داود عن
أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=836475لقد تركتم بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا ولا أنفقتم من نفقة ولا قطعتم من واد إلا وهم معكم فيه . قالوا : يا رسول الله ، وكيف يكونون معنا وهم بالمدينة ؟ قال : حبسهم العذر . فبينت هذه الآية مع ما ذكرنا من نظائرها أنه لا حرج على المعذورين ، وهم قوم عرف عذرهم كأرباب الزمانة والهرم والعمى والعرج ، وأقوام لم يجدوا ما ينفقون ; فقال : ليس على هؤلاء حرج . ( إذا نصحوا لله ورسوله ) إذا عرفوا الحق وأحبوا أولياءه وأبغضوا أعداءه ، قال العلماء : فعذر الحق سبحانه أصحاب الأعذار ، وما صبرت القلوب ; فخرج
nindex.php?page=showalam&ids=100ابن أم مكتوم إلى
أحد وطلب أن يعطى اللواء فأخذه
nindex.php?page=showalam&ids=104مصعب بن عمير ، فجاء رجل من الكفار فضرب يده التي فيها اللواء فقطعها ، فأمسكه باليد الأخرى فضرب اليد الأخرى فأمسكه بصدره وقرأ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=144وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل [ ص: 150 ] هذه عزائم القوم . والحق يقول :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=61ليس على الأعمى حرج وهو في الأول .
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=61ولا على الأعرج حرج nindex.php?page=showalam&ids=5899وعمرو بن الجموح من نقباء
الأنصار أعرج وهو في أول الجيش . قال له الرسول عليه السلام :
إن الله قد عذرك . فقال : والله لأحفرن بعرجتي هذه في الجنة إلى أمثالهم حسب ما تقدم في هذه السورة من ذكرهم رضي الله عنهم . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود : ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف .
الثانية : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=91إذا نصحوا النصح إخلاص العمل من الغش . ومنه التوبة النصوح . قال نفطويه : نصح الشيء إذا خلص . ونصح له القول أي أخلصه له . وفي صحيح
مسلم عن
nindex.php?page=showalam&ids=155تميم الداري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=836477الدين النصيحة - ثلاثا - قلنا لمن ؟ قال : لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم
قال العلماء :
nindex.php?page=treesubj&link=18263_18274النصيحة لله إخلاص الاعتقاد في الوحدانية ، ووصفه بصفات الألوهية ، وتنزيهه عن النقائص والرغبة في محابه والبعد من مساخطه .
nindex.php?page=treesubj&link=18275_18276_18277_18278_18280_18281والنصيحة لرسوله : التصديق بنبوته ، والتزام طاعته في أمره ونهيه ، وموالاة من والاه ومعاداة من عاداه ، وتوقيره ، ومحبته ومحبة آل بيته ، وتعظيمه وتعظيم سنته ، وإحياؤها بعد موته بالبحث عنها ، والتفقه فيها والذب عنها ونشرها والدعاء إليها ، والتخلق بأخلاقه الكريمة صلى الله عليه وسلم . وكذا
nindex.php?page=treesubj&link=18624_18628_18654النصح لكتاب الله : قراءته والتفقه فيه ، والذب عنه وتعليمه وإكرامه والتخلق به .
nindex.php?page=treesubj&link=18289_18291_18292والنصح لأئمة المسلمين : ترك الخروج عليهم ، وإرشادهم إلى الحق وتنبيههم فيما أغفلوه من أمور المسلمين ، ولزوم طاعتهم والقيام بواجب حقهم . والنصح للعامة : ترك معاداتهم ، وإرشادهم وحب الصالحين منهم ، والدعاء لجميعهم وإرادة الخير لكافتهم . وفي الحديث الصحيح
nindex.php?page=hadith&LINKID=836478مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى .
[ ص: 151 ] الثالثة : قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=91ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم من سبيل في موضع رفع اسم ( ما ) أي من طريق إلى العقوبة . وهذه الآية أصل في رفع العقاب عن كل محسن . ولهذا قال علماؤنا في
nindex.php?page=treesubj&link=24367الذي يقتص من قاطع يده فيفضي ذلك في السراية إلى إتلاف نفسه : إنه لا دية له ; لأنه محسن في اقتصاصه من المعتدي عليه . وقال
أبو حنيفة : تلزمه الدية . وكذلك إذا صال فحل على رجل فقتله في دفعه عن نفسه فلا ضمان عليه ; وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي . وقال
أبو حنيفة : تلزمه لمالكه القيمة . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : وكذلك القول في مسائل الشريعة كلها .
الرابعة : قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=92ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم روي أن الآية نزلت في
nindex.php?page=showalam&ids=143عرباض بن سارية . وقيل : نزلت في
عائذ بن عمرو . وقيل : نزلت في
بني مقرن - وعلى هذا جمهور المفسرين - وكانوا سبعة إخوة ، كلهم صحبوا النبي صلى الله عليه وسلم ، وليس في الصحابة سبعة إخوة غيرهم ، وهم
النعمان ومعقل وعقيل وسويد وسنان وسابع لم يسم .
بنو مقرن المزنيون سبعة إخوة هاجروا وصحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يشاركهم - فيما ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر وجماعة - في هذه المكرمة غيرهم . وقد قيل : إنهم شهدوا
الخندق كلهم . وقيل : نزلت في سبعة نفر من بطون شتى ، وهم البكاءون أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة
تبوك ليحملهم ، فلم يجد ما يحملهم عليه ; ف
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=92تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون فسموا البكائين . وهم
سالم بن عمير من
بني عمرو بن عوف وعلبة بن زيد أخو
بني حارثة .
وأبو ليلى عبد الرحمن بن كعب من
بني مازن بن النجار .
وعمرو بن الحمام من
بني سلمة .
وعبد الله بن المغفل المزني ، وقيل : بل هو
عبد الله بن عمرو المزني .
وهرمي بن عبد الله أخو
بني واقف ،
وعرباض بن سارية الفزاري ، هكذا سماهم
أبو عمر في كتاب الدرر له . وفيهم اختلاف . قال
القشيري :
معقل بن يسار وصخر بن خنساء وعبد الله بن كعب الأنصاري ،
وسالم بن عمير ،
وثعلبة بن غنمة ،
nindex.php?page=showalam&ids=5078وعبد الله بن مغفل وآخر . قالوا :
nindex.php?page=hadith&LINKID=836479يا نبي الله ، قد ندبتنا للخروج معك ، فاحملنا على الخفاف المرفوعة والنعال المخصوفة نغز معك . فقال : nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=92لا أجد ما أحملكم عليه فتولوا وهم يبكون . وقال
ابن عباس : سألوه أن يحملهم على الدواب ، وكان الرجل يحتاج إلى بعيرين ، بعير يركبه وبعير يحمل ماءه وزاده لبعد الطريق . وقال
الحسن : نزلت في
nindex.php?page=hadith&LINKID=836480أبي موسى وأصحابه أتوا النبي صلى الله عليه وسلم ليستحملوه ، ووافق ذلك منه غضبا فقال : والله لا أحملكم [ ص: 152 ] ولا أجد ما أحملكم عليه فتولوا يبكون ; فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطاهم ذودا . فقال أبو موسى : ألست حلفت يا رسول الله ؟ فقال : إني إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني .
قلت : وهذا حديث صحيح أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ومسلم بلفظه ومعناه . وفي
مسلم : فدعا بنا فأمر لنا بخمس ذود غر الذرى . . . الحديث . وفي آخره : فانطلقوا فإنما حملكم الله . وقال
الحسن أيضا
nindex.php?page=showalam&ids=15558وبكر بن عبد الله : نزلت في
nindex.php?page=showalam&ids=5078عبد الله بن مغفل المزني ، أتى النبي صلى الله عليه وسلم يستحمله . قال
الجرجاني : التقدير أي ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم و " قلت لا أجد " . فهو مبتدأ معطوف على ما قبله بغير واو ، والجواب تولوا .
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=92تولوا وأعينهم تفيض من الدمع الجملة في موضع نصب على الحال . ( حزنا ) مصدر . ألا يجدوا نصب بأن . وقال
النحاس : قال
الفراء يجوز " أن لا يجدون " يجعل " لا " بمعنى ليس . وهو عند البصريين بمعنى أنهم لا يجدون .
الخامسة : والجمهور من العلماء على أن
nindex.php?page=treesubj&link=7947من لا يجد ما ينفقه في غزوه أنه لا يجب عليه . وقال علماؤنا : إذا كانت عادته المسألة لزمه كالحج وخرج على العادة لأن حاله إذا لم تتغير يتوجه الفرض عليه كتوجهه على الواجد . والله أعلم .
السادسة : في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=92وأعينهم تفيض من الدمع ما يستدل به على قرائن الأحوال . ثم منها ما يفيد العلم الضروري ، ومنها ما يحتمل الترديد . فالأول كمن يمر على دار قد علا فيها النعي وخمشت الخدود وحلقت الشعور وسلقت الأصوات وخرقت الجيوب ونادوا على صاحب الدار بالثبور ; فيعلم أنه قد مات . وأما الثاني فكدموع الأيتام على أبواب الحكام ; قال الله تعالى مخبرا عن إخوة
يوسف عليه السلام :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=16وجاءوا أباهم عشاء يبكون . وهم الكاذبون ; قال الله تعالى مخبرا عنهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=18وجاءوا على قميصه بدم كذب [ ص: 153 ] ومع هذا فإنها قرائن يستدل بها في الغالب فتبنى عليها الشهادات بناء على ظواهر الأحوال وغالبها . وقال الشاعر :
إذا اشتبكت دموع في خدود تبين من بكى ممن تباكى
وسيأتي هذا المعنى في " يوسف " مستوفى إن شاء الله تعالى .