الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              المسألة الرابعة والعشرون : قوله تعالى : { أو كفارة }

                                                                                                                                                                                                              سماه بها ليبين أن الطعام عن الصيد لا عن الهدي ، وليلحقها بأمثالها ونظائرها على ما يأتي بيانه إن شاء الله . المسألة الخامسة والعشرون : قوله تعالى : { طعام مساكين }

                                                                                                                                                                                                              قال ابن عباس : إذا قتل المحرم ظبيا ونحوه فعليه شاة تذبح بمكة ، فإن لم يجد فإطعام ستة مساكين ، فإن لم يجد فعليه صيام ثلاثة أيام ، فإن قتل أيلا أو نحوه فعليه بقرة ، فإن لم يجد أطعم عشرين مسكينا ، فإن لم يجد صام عشرين يوما ، وإن قتل نعامة أو حمارا فعليه بدنة من الإبل ، فإن لم يجد فإطعام ثلاثين مسكينا ، فإن لم يجد فصيام ثلاثين يوما ، والطعام مد مد لشبعهم وروي عنه أيضا : إن لم يجد جزاء قوم الجزاء دراهم ، ثم قومت الدراهم حنطة ، ثم صام مكان كل نصف صاع يوما . وقال : إنما أريد بالطعام الصوم ، فإذا وجد طعاما وجب جزاء .

                                                                                                                                                                                                              وروي نحوه عن النخعي ، ومجاهد ، والسدي ، وحماد ، وغيرهم . [ ص: 188 ] فأما قوله : فإن لم يجد هديا فإطعام ستة مساكين ، فقد قدمنا أنه على التخيير لا على الترتيب بما يقتضيه حرف " أو " في لسان العرب .

                                                                                                                                                                                                              وأما تقدير الطعام في الظبي بستة مساكين ، وفي البدنة بثلاثين مسكينا فليس بتقدير نافذ ; وإنما هو تحكم باختيار قيمة الطعام بالدراهم أصلا أو بدلا كما تقدم ، ثم يعطى عن كل مد يوما لا نصف صاع .

                                                                                                                                                                                                              وقد روى بكر بن عبد الله المزني : كان رجلان من الأعراب محرمين ، فحاش أحدهما صيدا فقتله الآخر ، فأتيا عمر ، وعنده عبد الرحمن بن عوف ، فقال له عمر : ما ترى ؟ قال : شاة . قال : وأنا أرى ذلك . اذهبا فأهديا شاة . فلما مضيا قال أحدهما لصاحبه : ما درى أمير المؤمنين ما يقول ، حتى سأل صاحبه . فسمعه عمر ، فردهما ، فقال : هل تقرآن سورة المائدة ؟ فقالا : لا . فقرأ عليهما : { يحكم به ذوا عدل منكم هديا } ثم قال : استعنت بصاحبي هذا .

                                                                                                                                                                                                              وعن قبيصة وصاحب له أنهما أصابا وذكر الحديث ، فقال لصاحبه : إن أمير المؤمنين لم يدر ما يقول . فسمعهما عمر . فأقبل عليه ضربا بالدرة ، وقال : تقتل الصيد وأنت محرم ، وتغمص الفتيا ، إن الله سبحانه قال في كتابه : { يحكم به ذوا عدل منكم } . وهذا عبد الرحمن بن عوف وأنا عمر .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية