تكلم الناس في دخول الباء هاهنا ، فمنهم من قال : إنها زائدة ، كزيادتها في قوله : { تنبت بالدهن } ، وعليه حملوا قول الشاعر :
نحن بنو جعدة أصحاب الفلج نضرب بالسيف ونرجو بالفرج
أراد ونرجو الفرج . وهذا مما لا يحتاج إليه في سبيل العربية ; لأن حمل المعنى على الفعل أولى من حمله على الحرف .فيقال المعنى : ومن يهم فيه بميل يكون ذلك الميل ظلما ; لأن الإلحاد هو الميل في اللغة ، إلا أنه قد صار في عرف الشريعة ميلا مذموما ، فرفع الله الإشكال ، وبين أن الميل بالظلم هو المراد هاهنا ، والظلم في الحقيقة لغة وشرعا وضع الشيء في غير موضعه ، وذلك يكون بالذنوب المطلقة بين العبد ونفسه ، وبالذنوب المتعدية إلى الخلق ، وهو أعظم . ولذلك كان له فسطاطان : أحدهما في الحل ، والآخر في ابن عمر الحرم ; فكان إذا أراد الصلاة دخل فسطاط الحرم ، وإذا أراد الأمر لبعض شأنه دخل فسطاط الحل ، صيانة للحرم عن قولهم : كلا والله ، وبلى والله ، حين عظم الله الذنب فيه ، وبين كالبلد الحرام ، فتكون المعصية معصيتين : إحداهما بنفس المخالفة ، والثانية بإسقاط أن الجنايات تعظم على قدر عظم الزمان ، كالأشهر الحرم ، وعلى قدر عظم المكان ، البلد الحرام حرمة الشهر الحرام ، أو
فإن أشرك فيه أحد فقد أعظم الذنب ، ومن استحله متعمدا [ ص: 278 ] فقد أعظم الذنب ، ومن استحله متأولا فقد أعظم الذنب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { مكة حرمها الله يوم خلق السموات والأرض ، فهي حرام بحرمة الله لم تحل لأحد قبلي ، ولا تحل لأحد بعدي ، فإن أحد ترخص فيها بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا : إن الله أذن لرسوله ، ولم يأذن لكم } . وهذا نص . إن
وقد قال أبو شريح العدوي لعمرو بن سعيد العاصي ، وهو يبعث البعوث إلى مكة : { مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس ، لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك فيها دما ، أو يعضد بها شجرة ، فإن أحد ترخص بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا له : إن الله أذن لرسوله ، ولم يأذن لكم ، وإنما أذن له فيه ساعة من نهار ، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس ، وليبلغ الشاهد الغائب } . ائذن لي أيها الأمير أحدثك قولا قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم الغد من يوم الفتح ، سمعته أذناي ، ووعاه قلبي ، وأبصرته عيناي ، حين تكلم به : حمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : إن
فقيل لأبي شريح : ما قال لك عمرو ؟ قال : أنا أعلم منك بذلك يا أبا شريح ، إن الحرم لا يعيذ عاصيا ، ولا فارا بدم ، ولا فارا بخربة .
وهذا من احتجاج عمرو باطل ; لأن رضي الله عنه كان قائما بالحق ، عادلا في الحرم ، داعيا إلى الله سبحانه . ابن الزبير