المسألة الخامسة : إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله } . قوله : {
وهذا فيه قولان : أحدهما : يغنيهم الله من فضله بالنكاح ، كقوله : { وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته } يعني النكاح من غيره .
الثاني : يغنيهم بالمال ، وهو اختيار جماعة من السلف ; فروي عن أنه قال : [ ص: 394 ] عجبت لمن لا يرغب في الباءة ، والله يقول : { ابن عمر إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله } . ومن حديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { أبي هريرة } . فإن قلنا : قد نجد الناكح لا يستغني . قلنا : عنه ثلاثة أجوبة : ثلاثة كلهم حق على الله عونه : المجاهد في سبيل الله ، والناكح يريد العفاف ، والمكاتب يريد الأداء
الأول : أنه يغنيه بإيتاء المال ، وقد يوجد ذلك .
الثاني : يغنيه عن الباءة بالعفة .
الثالث : يغنيه بغنى النفس ، ولا يلزم أن يكون هذا كله على الدوام ; بل لو كان في لحظة واحدة لصدق الوعد .
وقد رأيت بعض علمائنا يقول : إن هذا على الخصوص كما قدمناه في الجواب الأول . وفي بعض الآثار : " الناكح معان ، والمكاتب معان ، وباغي الرجعة معان " .
المسألة السادسة : فإن قيل : هذه الآية وإن وردت بلفظ واحد فإنها قد تناولت مختلفات الأحكام ; منها واجب ، ومنها غير واجب ، ومنها في البالغ ، ومنها في الصغير ، ومنها في الثيب ، ومنها في البكر .
قلنا : هذا لا يؤثر في الخطاب ; فإن ذلك كثير في القرآن ; وأقرب منه الآية التي تلوناها آنفا في قوله : { ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن } إلى آخر الاثني عشر وجها ، وكل واحد يختلف في بابه ، والخطاب مشترك فيهم ، وإن كان الحكم يختلف في التعلق بهم .
[ ص: 395 ] المسألة السابعة : في هذه الآية دليل على تزويج الفقير ، ولا يقولن كيف أتزوج وليس لي مال ؟ فإن رزقه ورزق عياله على الله ، { وقد زوج النبي صلى الله عليه وسلم الموهوبة من بعض أصحابه ، وليس له إلا إزار واحد } ، وليس لها بعد هذا فسخ النكاح بالإعسار ; لأنها عليه دخلت ; وإنما يكون ذلك على الحكم إذا دخلت على اليسار ، فخرج معسرا ، أو طرأ الإعسار بعد ذلك ، والله أعلم .