المسألة الخامسة عشرة : قوله : { وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي } وقد بينا سبب نزول هذه الآية في سورة القصص وغيرها : { } . أن امرأة جاءت إلى [ ص: 594 ] النبي صلى الله عليه وسلم فوقفت عليه ، وقالت : يا رسول الله ; إني وهبت لك نفسي . الحديث إلى آخره
وورد في ذلك للمفسرين خمسة أقوال : الأول : نزلت في ، خطبها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة بنت الحارث ، فجعلت أمرها إلى جعفر بن أبي طالب عمه . العباس
وقيل : وهبت نفسها له ; قاله الزهري ، وعكرمة ، ، ومحمد بن كعب . وقتادة
الثاني : أنها نزلت في أم شريك الأزدية ، وقيل العامرية ، واسمها غزية ; قاله علي بن الحسين ، وعروة ، والشعبي .
الثالث : أنها . زينب بنت خزيمة أم المساكين
الرابع : أنها . أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط
الخامس : أنها خولة بنت حكيم السلمية .
قال القاضي : أما سبب نزول هذه الآية فلم يرد من طريق صحيح ، وإنما هذه الأقوال واردة بطرق من غير خطم ولا أزمة ، بيد أنه روي عن ابن العربي ابن عباس أنهما قالا : لم يكن عند النبي صلى الله عليه وسلم امرأة موهوبة . ومجاهد
وقد بينا الحديث الصحيح في مجيء المرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ووقوفها عليه ، وهبتها نفسها له من طريق سهل وغيره في الصحاح ، وهو القدر الذي ثبت سنده ، وصح نقله .
والذي يتحقق أنها لما قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : وهبت نفسي لك ; فسكت عنها ، حتى قام رجل فقال : زوجنيها يا رسول الله إن لم تكن لك بها حاجة .
ولو كانت هذه الهبة غير جائزة لما سكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ; لأنه لا يقر على الباطل إذا سمعه ، حسبما قررناه في كتب الأصول .
ويحتمل أن يكون سكوته ; لأن الآية قد كانت بالإحلال [ ص: 595 ] ويحتمل أن يكون سكت منتظرا بيانا ; فنزلت الآية بالتحليل والتخيير ; فاختار تركها وزوجها من غيره .
ويحتمل أن يكون سكت ناظرا في ذلك حتى قام الرجل لها طالبا .
وقد روى ، عن مسلم أنها قالت : كنت أغار من اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقالت : أما تستحي امرأة أن تهب نفسها ، حتى أنزل الله : { عائشة ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء } فقلت : ما أرى ربك إلا يسارع في هواك .
فاقتضى هذا اللفظ أن من وهبت نفسها للنبي عدة ، ولكنه لم يثبت عندنا أنه تزوج منهن واحدة أم لا .
المسألة السادسة عشرة : قوله : { وامرأة } المعنى أحللنا لك امرأة تهب نفسها من غير صداق فإنه أحل له في الآية قبلها أزواجه اللاتي آتى أجورهن .
وهذا معنى يشاركه فيه غيره ; فزاده فضلا على أمته أن أحل له الموهوبة ، ولا تحل لأحد غيره .