ذكر
nindex.php?page=treesubj&link=33799خروج إبراهيم بن عبد الله بن حسن بالبصرة وكيفية مقتله
كان
إبراهيم قد نزل في
بني ضبيعة من
البصرة ، في دار
الحارث بن عيسى ، وكان لا يرى بالنهار ، وكان قدومه إليها بعد أن طاف بلادا كثيرة جدا ، وجرت عليه وعلى أخيه خطوب شديدة هائلة ، وانعقد أسباب هلاكهما في أوقات متعددة ، ثم كان آخر ما استقر أمره
بالبصرة في سنة ثلاث
[ ص: 373 ] وأربعين ومائة ، بعد منصرف الحجيج .
وقيل : إن أول قدومه إليها كان في مستهل رمضان ، سنة خمس وأربعين ومائة ، بعثه أخوه إليها بعد ظهوره
بالمدينة النبوية . قاله
الواقدي . قال : وكان يدعو في السر إلى أخيه ، فلما قتل أخوه أظهر الدعوة إلى نفسه ومخالفة
المنصور في شوال من هذه السنة . والمشهور أنه قدمها قبل ذلك وأنه أظهر الدعوة في حياة أخيه ، كما قدمنا . والله أعلم .
ولما دخل
البصرة أول قدومه إليها نزل عند
يحيى بن زياد بن حسان النبطي ، وكان مختفيا عنده هذه المدة كلها ، حتى ظهر في هذه السنة ، وكان أول ظهوره في دار
أبي فروة ، وكان أول من بايعه
نميلة بن مرة ، وعفو الله بن سفيان ، nindex.php?page=showalam&ids=16496وعبد الواحد بن زياد ، وعمرو بن سلمة الهجيمي ، وعبيد الله بن يحيى بن حضين الرقاشي ، وندبوا الناس إليه ، فاستجاب له خلق كثير ، فتحول إلى دار أبي مروان في وسط
البصرة ، واستفحل أمره ، وبايعه فئام من الناس ، وتفاقم الخطب به ، وبلغ خبره إلى
nindex.php?page=showalam&ids=15337أبي جعفر المنصور ، فازداد غما إلى غمه بأخيه
محمد; وذلك لأنه ظهر قبل مقتل أخيه ، كما ذكرنا وإنما كان السبب في تعجيله الظهور
بالبصرة كتاب أخيه إليه بذلك ، فامتثل أمره ، ودعا إلى نفسه ، فانتظم أمره
بالبصرة ، وكان نائبها
للمنصور سفيان بن معاوية ، وكان ممالئا
لإبراهيم في الباطن ويبلغه أخباره ، فلا يكترث لها ، ويكذب
[ ص: 374 ] بما يخبر به منها ويود أن لو صح أمر
إبراهيم ، وقد أمده
المنصور بأميرين من أهل
خراسان معهما ألفا فارس وراجل ، فأنزلهما عنده ليتقوى بهما على محاربة
إبراهيم ، وتحول
المنصور من
بغداد - وكان قد شرع في عمارتها - إلى
الكوفة وجعل كلما اتهم رجلا من أهل
الكوفة في أمر
إبراهيم ، بعث إليه من يقتله في الليل في منزله ، وكان
الفرافصة العجلي قد هم بالوثوب
بالكوفة ، فلم يمكنه ذلك لمكان
المنصور بها ، وجعل الناس يقصدون
البصرة من كل فج عميق لمبايعة
إبراهيم ، ويفدون إليها جماعات وفرادى ، وجعل
المنصور يرصد لهم المسالح ، فيقتلونهم في الطرقات ، ويأتونه برءوسهم فيصلبها
بالكوفة ليتعظ بها الناس ، وأرسل
المنصور إلى حرب
الراوندي - وكان مرابطا
بالجزيرة في ألفي فارس لقتال
الخوارج - يستدعيه إلى
الكوفة ، فأقبل بمن معه ، فلما اجتاز ببلدة بها أنصار
لإبراهيم ، فقالوا له : لا ندعك تجتاز; لأنك إنما طلبك ليحارب
إبراهيم . فقال : ويحكم! دعوني . فأبوا فقاتلهم ، فقتل منهم خمسمائة ، وأرسل برءوسهم إلى
المنصور ، فقال : هذا أول الفتح . ولما كانت ليلة الاثنين مستهل رمضان من هذه السنة ، خرج
إبراهيم في الليل إلى مقبرة
بني يشكر في بضعة عشر فارسا ، وقدم في هذه الليلة
أبو حماد الأبرص في ألفي فارس مدادا
لسفيان بن معاوية ، فأنزلهم الأمير
[ ص: 375 ] في القصر ، ومال
إبراهيم وأصحابه ومن التف عليه وصار إليه إلى دواب أولئك العسكر وأسلحتهم ، فأخذوها جميعا ، فكان هذا أول ما أصاب ، وما أصبح الصباح إلا وقد استظهر جدا ، فصلى بالناس صلاة الصبح في المسجد الجامع ، والتفت الخلائق عليه ما بين ناظر وناصر ، وتحصن
سفيان بن معاوية نائب الخليفة بقصر الإمارة ، وجلس عنده الجنود ، فحاصرهم
إبراهيم بمن معه ، فطلب
سفيان بن معاوية الأمان ، فأعطاه الأمان ، ودخل
إبراهيم قصر الإمارة ، فبسطت له حصير ليجلس عليها في مقدم إيوان القصر ، فهبت الريح ، فقلبت الحصير ظهرا لبطن ، فتطير الناس بذلك ، فقال : إنا لا نتطير . وجلس على ظهر الحصير ، وأمر بحبس
سفيان بن معاوية مقيدا ، وأراد بذلك أن يبرئ ساحته عند
nindex.php?page=showalam&ids=15337أبي جعفر المنصور ، واستحوذ على ما كان في بيت المال ، فإذا فيه ستمائة ألف ، وقيل : ألفا ألف . فقوي بذلك جدا .
وكان
بالبصرة جعفر ومحمد ابنا
سليمان بن علي ، وهما ابنا عم الخليفة
المنصور ، فركبا في ستمائة فارس ، فأرسل إليهما
إبراهيم المضاء بن القاسم في ثمانية عشر فارسا وثلاثين راجلا ، فهزم بهؤلاء ستمائة فارس ، وأمن من بقي منهم ، وبعث
إبراهيم إلى
أهل الأهواز ، فبايعوا له وأطاعوه ، وأرسل إلى نائبها مائتي فارس عليهم
المغيرة ، فخرج إليه
محمد بن الحصين نائب البلاد في أربعة آلاف ، فهزمه
المغيرة ، واستحوذ على البلاد ، وبعث
إبراهيم إلى بلاد
فارس فأخذها ، وكذلك
واسط والمدائن والسواد ، واستفحل أمره جدا ، ولكن لما جاءه نعي أخيه
محمد انكسر جدا ، وصلى بالناس يوم العيد وهو مكسور ،
[ ص: 376 ] فقال بعضهم : والله لقد رأيت الموت في وجهه وهو يخطب الناس ، فنعى إلى الناس أخاه
محمدا ، فازداد الناس حنقا على
المنصور ، وأصبح فعسكر بالناس ، واستناب على
البصرة نميلة ، وخلف ابنه
حسنا معه .
ولما بلغ
المنصور خبره تحير في أمره ، وجعل يتأسف على ما فرق من جنده في الممالك ، وكان قد بعث مع ابنه
المهدي ثلاثين ألفا إلى
الري ، وبعث
محمد بن الأشعث إلى
إفريقية في أربعين ألفا ، والباقون مع
عيسى بن موسى بالحجاز ، ولم يبق معه في معسكره سوى ألفي فارس فكان يأمر بالنيران الكثيرة ، فتوقد ليلا ، فيحسب الناظر أن هناك جنودا كثيرة ، ثم كتب
المنصور إلى
عيسى بن موسى وهو
بالحجاز بعد قتل
محمد بن عبد الله بن حسن : إذا قرأت كتابي هذا ، فأقبل من فورك ، ودع كل ما أنت فيه . فلم ينشب أن أقبل إليه ، فقال له : اذهب إلى
إبراهيم بالبصرة ولا يهولنك كثرة من معه ، فإنهما جملا
بني هاشم المقتولان جميعا ، فابسط يدك ، وثق بما عندك ، وستذكر ما أقول لك ، فكان الأمر كما قال
المنصور .
وكتب
المنصور إلى ابنه
المهدي أن يوجه
خازم بن خزيمة في أربعة آلاف إلى
الأهواز ، فذهب إليها ، فأخرج منها نائب
إبراهيم - وهو
المغيرة - وأباحها ثلاثة أيام ، ورجع
المغيرة إلى
البصرة ، وكذلك بعث إلى كل كورة من هذه الكور التي خلعت يردونهم إلى الطاعة . قالوا : ولزم
المنصور موضع مصلاه ، فلا يبرح فيه ليلا ولا نهارا في بذلة ثياب عليه قد اتسخت ، فلم يزل مقيما هناك
[ ص: 377 ] بضعا وخمسين يوما ، حتى فتح الله عليه ، وقد قيل له في غبون ذلك : يا أمير المؤمنين ، إن نساءك قد خبثت أنفسهن لغيبتك عنهن . فانتهر القائل ، وقال : ويحك! ليست هذه أيام نساء حتى أرى رأس
إبراهيم بين يدي أو يحمل رأسي إليه . وقال بعضهم : دخلت على
المنصور وهو مهموم من كثرة ما وقع من الشرور والفتوق والخروق وهو لا يستطيع أن يتابع الكلام من شدة كربه وهمه ، وهو مع ذلك قد أعد لكل أمر ما يسد خلله ، وقد خرجت عن يده
البصرة والأهواز وأرض
فارس وواسط والمدائن وأرض
السواد ، وفي
الكوفة عنده مائة ألف سيف مغمدة ، تنتظر به صيحة واحدة ، فيثبون عليه مع
إبراهيم ، وهو مع ذلك يعرك النوائب ويمرسها ، ولم تقعد به نفسه ، وهو كما قال الشاعر :
نفس عصام سودت عصاما وعلمته الكر والإقداما فصيرته ملكا هماما
وأقبل
إبراهيم قاصدا من
البصرة إلى
الكوفة في مائة ألف مقاتل ، فأرسل إليه
المنصور عيسى بن موسى في خمسة عشر ألفا ، وعلى مقدمته
حميد بن قحطبة في ثلاثة آلاف ، وجاء
إبراهيم فنزل في
باخمرا في جحافل عظيمة ، فقال له بعض الأمراء : إنك قد اقتربت من
المنصور ، فلو أنك سرت إليه بطائفة من جيشك هذا لأخذت بقفاه; فإنه ليس عنده من الجيوش أحد يردون عنه . فقال آخرون منهم : إن الأولى أن نناجز هؤلاء الذين بإزائنا ، ثم هو في قبضتنا . فثناهم
[ ص: 378 ] ذلك عن الرأي الأول ، ولو فعلوه لتم لهم الأمر ، ثم قال بعضهم : خندق حول الجيش . فقال آخرون : إن هذا الجيش لا يحتاج إلى خندق حوله . فترك ذلك ، ثم أشار بعضهم بأن يبيت جيش
عيسى بن موسى ، فقال
إبراهيم : إنى لا أرى ذلك . فتركه ، ثم أشار آخرون بأن يجعل جيشه كراديس ، فإن غلب كردوس ثبت الآخر ، فقال آخرون : إن الأولى أن نقاتل صفوفا; لقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=4إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص [ الصف : 4 ] .
وأقبل الجيشان ، فتصافوا في
باخمرا ، وهي على ستة عشر فرسخا من
الكوفة فاقتتلوا بها قتالا شديدا ، فانهزم
حميد بن قحطبة بمن معه من المقدمة ، فجعل
عيسى يناشدهم الله في الرجوع والكرة ، فلا يلوي عليه أحد ، وثبت
عيسى بن موسى في مائة رجل من أهله ، فقيل له : لو تنحيت من مكانك هذا لئلا يحطمك جيش
إبراهيم . فقال : والله لا أزول عنه حتى يفتح الله لي أو أقتل هاهنا . وكان
المنصور قد تقدم إليه بما أخبره به بعض المنجمين; أن الناس يكون لهم جولة مع
عيسى بن موسى ، ثم يقومون إليه وتكون العاقبة له ، فاستمر المنهزمون ذاهبين فانتهوا إلى نهر بين جبلين ، فلم يمكنهم خوضه فكروا راجعين بأجمعهم ، فكان أول راجع
حميد بن قحطبة الذي كان أول من انهزم ، ثم اجتلدوا هم وأصحاب
إبراهيم ، فاقتتلوا قتالا شديدا ، وقتل من كلا الفريقين خلق كثير ، ثم انهزم أصحاب
إبراهيم ، وثبت هو في خمسمائة ، وقيل : في أربعمائة . وقيل : في سبعين رجلا . واستظهر
عيسى بن موسى وأصحابه ، وقتل
إبراهيم في جملة من قتل ، واختلط رأسه مع رءوس أصحابه ، فجعل
حميد [ ص: 379 ] يأتي بالرءوس فيعرضها على
عيسى بن موسى حتى عرفوا رأس
إبراهيم ، فبعثوه مع البشير إلى
المنصور ، وكان نيبخت المنجم قد دخل قبل مجيء
البشير على
المنصور فقال له : يا أمير المؤمنين ، أبشر فإن
إبراهيم مقتول . فلم يصدقه ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إن لم تصدقني فاحبسني ، فإن لم يكن الأمر كما ذكرت لك فاقتلني . فبينا هو عنده إذ جاء البشير بهزيمة
إبراهيم ، ولما جيء بالرأس تمثل
المنصور ببيت
معقر بن حمار البارقي :
فألقت عصاها واستقر بها النوى كما قر عينا بالإياب المسافر
ويقال : إن
المنصور لما نظر إلى الرأس بكى حتى جعلت دموعه تسقط على الرأس ، وقال : والله لقد كنت لهذا كارها ، ولكنك ابتليت بي وابتليت بك . ثم أمر بالرأس ، فنصب للناس بالسوق . وأقطع نيبخت المنجم ألفي جريب .
وذكر
صالح مولى المنصور قال : لما جيء برأس
إبراهيم جلس
المنصور مجلسا عاما ، وجعل الناس يدخلون عليه فيهنئونه ، وينالون من
إبراهيم ، [ ص: 380 ] ويقبحون الكلام فيه ابتغاء مرضاة
المنصور ، والمنصور واجم متغير اللون لا يتكلم ، حتى دخل
جعفر بن حنظلة البهراني ، فوقف فسلم ، ثم قال : أعظم الله أجرك يا أمير المؤمنين في ابن عمك ، وغفر له ما فرط من حقك . قال : فاصفر لون
المنصور ، وأقبل عليه ، وقال :
أبا خالد ، مرحبا وأهلا ، هاهنا؟! فعلم الناس أن ذلك قد وقع منه فجعل كل من جاء يقول كما قال
جعفر بن حنظلة .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12180أبو نعيم الفضل بن دكين : كان ذلك في ليلة الثلاثاء لخمس بقين من ذي القعدة من هذه السنة . يعني سنة خمس وأربعين ومائة .
ذِكْرُ
nindex.php?page=treesubj&link=33799خُرُوجِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنٍ بِالْبَصْرَةِ وَكَيْفِيَّةِ مَقْتَلِهِ
كَانَ
إِبْرَاهِيمُ قَدْ نَزَلَ فِي
بَنِي ضُبَيْعَةَ مِنَ
الْبَصْرَةِ ، فِي دَارِ
الْحَارِثِ بْنِ عِيسَى ، وَكَانَ لَا يُرَى بِالنَّهَارِ ، وَكَانَ قُدُومُهُ إِلَيْهَا بَعْدَ أَنْ طَافَ بِلَادًا كَثِيرَةً جِدًّا ، وَجَرَتْ عَلَيْهِ وَعَلَى أَخِيهِ خُطُوبٌ شَدِيدَةٌ هَائِلَةٌ ، وَانْعَقَدَ أَسْبَابُ هَلَاكِهِمَا فِي أَوْقَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ ، ثُمَّ كَانَ آخِرَ مَا اسْتَقَرَّ أَمْرُهُ
بِالْبَصْرَةِ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ
[ ص: 373 ] وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ ، بَعْدَ مُنْصَرَفِ الْحَجِيجِ .
وَقِيلَ : إِنَّ أَوَّلَ قُدُومِهِ إِلَيْهَا كَانَ فِي مُسْتَهَلِّ رَمَضَانَ ، سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ ، بَعَثَهُ أَخُوهُ إِلَيْهَا بَعْدَ ظُهُورِهِ
بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ . قَالَهُ
الْوَاقِدِيُّ . قَالَ : وَكَانَ يَدْعُو فِي السِّرِّ إِلَى أَخِيهِ ، فَلَمَّا قُتِلَ أَخُوهُ أَظْهَرَ الدَّعْوَةَ إِلَى نَفْسِهِ وَمُخَالَفَةَ
الْمَنْصُورِ فِي شَوَّالٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ . وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ قَدِمَهَا قَبْلَ ذَلِكَ وَأَنَّهُ أَظْهَرَ الدَّعْوَةَ فِي حَيَاةِ أَخِيهِ ، كَمَا قَدَّمْنَا . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَلَمَّا دَخَلَ
الْبَصْرَةَ أَوَّلَ قُدُومِهِ إِلَيْهَا نَزَلَ عِنْدَ
يَحْيَى بْنِ زِيَادِ بْنِ حَسَّانَ النَّبَطِيِّ ، وَكَانَ مُخْتَفِيًا عِنْدَهُ هَذِهِ الْمُدَّةَ كُلَّهَا ، حَتَّى ظَهَرَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ ، وَكَانَ أَوَّلُ ظُهُورِهِ فِي دَارِ
أَبِي فَرْوَةَ ، وَكَانَ أَوَّلُ مَنْ بَايَعَهُ
نُمَيْلَةَ بْنَ مُرَّةَ ، وَعَفْوَ اللَّهِ بْنَ سُفْيَانَ ، nindex.php?page=showalam&ids=16496وَعَبْدَ الْوَاحِدِ بْنَ زِيَادٍ ، وَعَمْرَو بْنَ سَلَمَةَ الْهُجَيْمِيَّ ، وَعُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ يَحْيَى بْنِ حُضَيْنٍ الرَّقَاشِيَّ ، وَنَدَبُوا النَّاسَ إِلَيْهِ ، فَاسْتَجَابَ لَهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ ، فَتَحَوَّلَ إِلَى دَارِ أَبِي مَرْوَانَ فِي وَسَطِ
الْبَصْرَةِ ، وَاسْتَفْحَلَ أَمْرُهُ ، وَبَايَعَهُ فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ ، وَتَفَاقَمَ الْخَطْبُ بِهِ ، وَبَلَغَ خَبَرُهُ إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=15337أَبِي جَعْفَرٍ الْمَنْصُورِ ، فَازْدَادَ غَمًّا إِلَى غَمِّهِ بِأَخِيهِ
مُحَمَّدٍ; وَذَلِكَ لِأَنَّهُ ظَهَرَ قَبْلَ مَقْتَلِ أَخِيهِ ، كَمَا ذَكَرْنَا وَإِنَّمَا كَانَ السَّبَبُ فِي تَعْجِيلِهِ الظُّهُورَ
بِالْبَصْرَةِ كِتَابَ أَخِيهِ إِلَيْهِ بِذَلِكَ ، فَامْتَثَلَ أَمْرَهُ ، وَدَعَا إِلَى نَفْسِهِ ، فَانْتَظَمَ أَمْرُهُ
بِالْبَصْرَةِ ، وَكَانَ نَائِبُهَا
لِلْمَنْصُورِ سُفْيَانَ بْنَ مُعَاوِيَةَ ، وَكَانَ مُمَالِئًا
لِإِبْرَاهِيمَ فِي الْبَاطِنِ وَيُبْلِغُهُ أَخْبَارَهُ ، فَلَا يَكْتَرِثُ لَهَا ، وَيُكَذِّبُ
[ ص: 374 ] بِمَا يُخْبَرُ بِهِ مِنْهَا وَيَوَدُّ أَنْ لَوْ صَحَّ أَمْرُ
إِبْرَاهِيمَ ، وَقَدْ أَمَدَّهُ
الْمَنْصُورُ بِأَمِيرَيْنِ مِنْ أَهْلِ
خُرَاسَانَ مَعَهُمَا أَلْفَا فَارِسٍ وَرَاجِلٍ ، فَأَنْزَلَهُمَا عِنْدَهُ لِيَتَقَوَّى بِهِمَا عَلَى مُحَارَبَةِ
إِبْرَاهِيمَ ، وَتَحَوَّلَ
الْمَنْصُورُ مِنْ
بَغْدَادَ - وَكَانَ قَدْ شَرَعَ فِي عِمَارَتِهَا - إِلَى
الْكُوفَةِ وَجَعَلَ كُلَّمَا اتَّهَمَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ
الْكُوفَةِ فِي أَمْرِ
إِبْرَاهِيمَ ، بَعَثَ إِلَيْهِ مَنْ يَقْتُلُهُ فِي اللَّيْلِ فِي مَنْزِلِهِ ، وَكَانَ
الْفُرَافِصَةُ الْعِجْلِيُّ قَدْ هَمَّ بِالْوُثُوبِ
بِالْكُوفَةِ ، فَلَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ لِمَكَانِ
الْمَنْصُورِ بِهَا ، وَجَعَلَ النَّاسُ يَقْصِدُونَ
الْبَصْرَةَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِمُبَايَعَةِ
إِبْرَاهِيمَ ، وَيَفِدُونَ إِلَيْهَا جَمَاعَاتٍ وَفُرَادًى ، وَجَعَلَ
الْمَنْصُورُ يَرْصُدُ لَهُمُ الْمَسَالِحَ ، فَيَقْتُلُونَهُمْ فِي الطُّرُقَاتِ ، وَيَأْتُونَهُ بِرُءُوسِهِمْ فَيَصْلُبُهَا
بِالْكُوفَةِ لِيَتَّعِظَ بِهَا النَّاسُ ، وَأَرْسَلَ
الْمَنْصُورُ إِلَى حَرْبٍ
الرَّاوَنْدِيِّ - وَكَانَ مُرَابِطًا
بِالْجَزِيرَةِ فِي أَلْفَيْ فَارِسٍ لِقِتَالِ
الْخَوَارِجِ - يَسْتَدْعِيهِ إِلَى
الْكُوفَةِ ، فَأَقْبَلَ بِمَنْ مَعَهُ ، فَلَمَّا اجْتَازَ بِبَلْدَةٍ بِهَا أَنْصَارٌ
لِإِبْرَاهِيمَ ، فَقَالُوا لَهُ : لَا نَدَعُكَ تَجْتَازُ; لِأَنَّكَ إِنَّمَا طَلَبَكَ لِيُحَارِبَ
إِبْرَاهِيمَ . فَقَالَ : وَيْحَكُمْ! دَعُونِي . فَأَبَوْا فَقَاتَلَهُمْ ، فَقَتَلَ مِنْهُمْ خَمْسَمِائَةٍ ، وَأَرْسَلَ بِرُءُوسِهِمْ إِلَى
الْمَنْصُورِ ، فَقَالَ : هَذَا أَوَّلُ الْفَتْحِ . وَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ الْاِثْنَيْنِ مُسْتَهَلَّ رَمَضَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ ، خَرَجَ
إِبْرَاهِيمُ فِي اللَّيْلِ إِلَى مَقْبَرَةِ
بَنِي يَشْكُرَ فِي بِضْعَةَ عَشَرَ فَارِسًا ، وَقَدِمَ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ
أَبُو حَمَّادٍ الْأَبْرَصُ فِي أَلْفَيْ فَارِسٍ مِدَادًا
لِسُفْيَانَ بْنِ مُعَاوِيَةَ ، فَأَنْزَلَهُمُ الْأَمِيرُ
[ ص: 375 ] فِي الْقَصْرِ ، وَمَالَ
إِبْرَاهِيمُ وَأَصْحَابُهُ وَمَنِ الْتَفَّ عَلَيْهِ وَصَارَ إِلَيْهِ إِلَى دَوَابِّ أُولَئِكَ الْعَسْكَرِ وَأَسْلِحَتِهِمْ ، فَأَخَذُوهَا جَمِيعًا ، فَكَانَ هَذَا أَوَّلَ مَا أَصَابَ ، وَمَا أَصْبَحَ الصَّبَاحُ إِلَّا وَقَدِ اسْتَظْهَرَ جِدًّا ، فَصَلَّى بِالنَّاسِ صَلَاةَ الصُّبْحِ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ ، وَالْتَفَّتِ الْخَلَائِقُ عَلَيْهِ مَا بَيْنَ نَاظِرٍ وَنَاصِرٍ ، وَتَحَصَّنَ
سُفْيَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نَائِبُ الْخَلِيفَةِ بِقَصْرِ الْإِمَارَةِ ، وَجَلَسَ عِنْدَهُ الْجُنُودُ ، فَحَاصَرَهُمْ
إِبْرَاهِيمُ بِمَنْ مَعَهُ ، فَطَلَبَ
سُفْيَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْأَمَانَ ، فَأَعْطَاهُ الْأَمَانَ ، وَدَخَلَ
إِبْرَاهِيمُ قَصْرَ الْإِمَارَةِ ، فَبُسِطَتْ لَهُ حَصِيرٌ لِيَجْلِسَ عَلَيْهَا فِي مُقَدَّمِ إِيوَانِ الْقَصْرِ ، فَهَبَّتِ الرِّيحُ ، فَقَلَبَتِ الْحَصِيرَ ظَهْرًا لِبَطْنٍ ، فَتَطَيَّرَ النَّاسُ بِذَلِكَ ، فَقَالَ : إِنَّا لَا نَتَطَيَّرُ . وَجَلَسَ عَلَى ظَهْرِ الْحَصِيرِ ، وَأَمَرَ بِحَبْسِ
سُفْيَانَ بْنِ مُعَاوِيَةَ مُقَيَّدًا ، وَأَرَادَ بِذَلِكَ أَنْ يُبَرِّئَ سَاحَتَهُ عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=15337أَبِي جَعْفَرٍ الْمَنْصُورِ ، وَاسْتَحْوَذَ عَلَى مَا كَانَ فِي بَيْتِ الْمَالِ ، فَإِذَا فِيهِ سِتُّمِائَةِ أَلْفٍ ، وَقِيلَ : أَلْفَا أَلْفٍ . فَقَوِيَ بِذَلِكَ جِدًّا .
وَكَانَ
بِالْبَصْرَةِ جَعْفَرٌ وَمُحَمَّدٌ ابْنَا
سُلَيْمَانَ بْنِ عَلِيٍّ ، وَهُمَا ابْنَا عَمِّ الْخَلِيفَةِ
الْمَنْصُورِ ، فَرَكِبَا فِي سِتِّمِائَةِ فَارِسٍ ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمَا
إِبْرَاهِيمُ الْمَضَّاءَ بْنَ الْقَاسِمِ فِي ثَمَانِيَةَ عَشَرَ فَارِسًا وَثَلَاثِينَ رَاجِلًا ، فَهَزَمَ بِهَؤُلَاءِ سِتَّمِائَةِ فَارِسٍ ، وَأَمَّنَ مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ ، وَبَعَثَ
إِبْرَاهِيمُ إِلَى
أَهْلِ الْأَهْوَازِ ، فَبَايَعُوا لَهُ وَأَطَاعُوهُ ، وَأَرْسَلَ إِلَى نَائِبِهَا مِائَتَيْ فَارِسٍ عَلَيْهِمُ
الْمُغِيرَةُ ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ
مُحَمَّدُ بْنُ الْحُصَيْنِ نَائِبُ الْبِلَادِ فِي أَرْبَعَةِ آلَافٍ ، فَهَزَمَهُ
الْمُغِيرَةُ ، وَاسْتَحْوَذَ عَلَى الْبِلَادِ ، وَبَعَثَ
إِبْرَاهِيمُ إِلَى بِلَادِ
فَارِسَ فَأَخَذَهَا ، وَكَذَلِكَ
وَاسِطُ وَالْمَدَائِنُ وَالسَّوَادُ ، وَاسْتَفْحَلَ أَمْرُهُ جِدًّا ، وَلَكِنْ لَمَّا جَاءَهُ نَعْيُ أَخِيهِ
مُحَمَّدٍ انْكَسَرَ جِدًّا ، وَصَلَّى بِالنَّاسِ يَوْمَ الْعِيدِ وَهُوَ مَكْسُورٌ ،
[ ص: 376 ] فَقَالَ بَعْضُهُمْ : وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ الْمَوْتَ فِي وَجْهِهِ وَهُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ ، فَنَعَى إِلَى النَّاسِ أَخَاهُ
مُحَمَّدًا ، فَازْدَادَ النَّاسُ حَنَقًا عَلَى
الْمَنْصُورِ ، وَأَصْبَحَ فَعَسْكَرَ بِالنَّاسِ ، وَاسْتَنَابَ عَلَى
الْبَصْرَةِ نُمَيْلَةَ ، وَخَلَّفَ ابْنَهُ
حَسَنًا مَعَهُ .
وَلَمَّا بَلَغَ
الْمَنْصُورَ خَبَرُهُ تَحَيَّرَ فِي أَمْرِهِ ، وَجَعَلَ يَتَأَسَّفُ عَلَى مَا فَرَّقَ مِنْ جُنْدِهِ فِي الْمَمَالِكِ ، وَكَانَ قَدْ بَعَثَ مَعَ ابْنِهِ
الْمَهْدِيِّ ثَلَاثِينَ أَلْفًا إِلَى
الرَّيِّ ، وَبَعَثَ
مُحَمَّدَ بْنَ الْأَشْعَثِ إِلَى
إِفْرِيقِيَّةَ فِي أَرْبَعِينَ أَلْفًا ، وَالْبَاقُونَ مَعَ
عِيسَى بْنِ مُوسَى بِالْحِجَازِ ، وَلَمْ يَبْقَ مَعَهُ فِي مُعَسْكَرِهِ سِوَى أَلْفَيْ فَارِسٍ فَكَانَ يَأْمُرُ بِالنِّيرَانِ الْكَثِيرَةِ ، فَتُوقَدُ لَيْلًا ، فَيَحْسَبُ النَّاظِرُ أَنَّ هُنَاكَ جُنُودًا كَثِيرَةً ، ثُمَّ كَتَبَ
الْمَنْصُورُ إِلَى
عِيسَى بْنِ مُوسَى وَهُوَ
بِالْحِجَازِ بَعْدَ قَتْلِ
مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنٍ : إِذَا قَرَأْتَ كِتَابِي هَذَا ، فَأَقْبِلْ مِنْ فَوْرِكَ ، وَدَعْ كُلَّ مَا أَنْتَ فِيهِ . فَلَمْ يَنْشَبْ أَنْ أَقْبَلَ إِلَيْهِ ، فَقَالَ لَهُ : اذْهَبْ إِلَى
إِبْرَاهِيمَ بِالْبَصْرَةِ وَلَا يَهُولَنَّكَ كَثْرَةُ مَنْ مَعَهُ ، فَإِنَّهُمَا جَمَلَا
بَنِي هَاشِمٍ الْمَقْتُولَانِ جَمِيعًا ، فَابْسُطْ يَدَكَ ، وَثِقْ بِمَا عِنْدَكَ ، وَسَتَذْكُرُ مَا أَقُولُ لَكَ ، فَكَانَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ
الْمَنْصُورُ .
وَكَتَبَ
الْمَنْصُورُ إِلَى ابْنِهِ
الْمَهْدِيِّ أَنْ يُوَجِّهَ
خَازِمَ بْنَ خُزَيْمَةَ فِي أَرْبَعَةِ آلَافٍ إِلَى
الْأَهْوَازِ ، فَذَهَبَ إِلَيْهَا ، فَأَخْرَجَ مِنْهَا نَائِبَ
إِبْرَاهِيمَ - وَهُوَ
الْمُغِيرَةُ - وَأَبَاحَهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، وَرَجَعَ
الْمُغِيرَةُ إِلَى
الْبَصْرَةِ ، وَكَذَلِكَ بَعَثَ إِلَى كُلِّ كُورَةٍ مِنْ هَذِهِ الْكُوَرِ الَّتِي خَلَعَتْ يَرُدُّونَهُمْ إِلَى الطَّاعَةِ . قَالُوا : وَلَزِمَ
الْمَنْصُورُ مَوْضِعَ مُصَلَّاهُ ، فَلَا يَبْرَحُ فِيهِ لَيْلًا وَلَا نَهَارًا فِي بِذْلَةِ ثِيَابٍ عَلَيْهِ قَدِ اتَّسَخَتْ ، فَلَمْ يَزَلْ مُقِيمًا هُنَاكَ
[ ص: 377 ] بِضْعًا وَخَمْسِينَ يَوْمًا ، حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ ، وَقَدْ قِيلَ لَهُ فِي غُبُونِ ذَلِكَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِنَّ نِسَاءَكَ قَدْ خَبُثَتْ أَنْفُسُهُنَّ لِغَيْبَتِكَ عَنْهُنَّ . فَانْتَهَرَ الْقَائِلَ ، وَقَالَ : وَيْحَكَ! لَيْسَتْ هَذِهِ أَيَّامَ نِسَاءٍ حَتَّى أَرَى رَأْسَ
إِبْرَاهِيمَ بَيْنَ يَدَيَّ أَوْ يُحْمَلَ رَأْسِي إِلَيْهِ . وَقَالَ بَعْضُهُمْ : دَخَلْتُ عَلَى
الْمَنْصُورِ وَهُوَ مَهْمُومٌ مِنْ كَثْرَةِ مَا وَقَعَ مِنَ الشُّرُورِ وَالْفُتُوقِ وَالْخُرُوقِ وَهُوَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُتَابِعَ الْكَلَامَ مِنْ شِدَّةِ كَرْبِهِ وَهَمِّهِ ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ قَدْ أَعَدَّ لِكُلِّ أَمْرٍ مَا يَسُدُّ خَلَلَهُ ، وَقَدْ خَرَجَتْ عَنْ يَدِهِ
الْبَصْرَةُ وَالْأَهْوَازُ وَأَرْضُ
فَارِسَ وَوَاسِطُ وَالْمَدَائِنُ وَأَرْضُ
السَّوَادِ ، وَفِي
الْكُوفَةِ عِنْدَهُ مِائَةُ أَلْفِ سَيْفٍ مُغْمِدَةٌ ، تَنْتَظِرُ بِهِ صَيْحَةً وَاحِدَةً ، فَيَثِبُونَ عَلَيْهِ مَعَ
إِبْرَاهِيمَ ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَعْرُكُ النَّوَائِبَ وَيَمْرُسُهَا ، وَلَمْ تَقْعُدْ بِهِ نَفْسُهُ ، وَهُوَ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ :
نَفْسُ عِصَامٍ سَوَّدَتْ عِصَامَا وَعَلَّمَتْهُ الْكَرَّ وَالْإِقْدَامَا فَصَيَّرَتْهُ مَلِكًا هُمَامَا
وَأَقْبَلَ
إِبْرَاهِيمُ قَاصِدًا مَنَ
الْبَصْرَةِ إِلَى
الْكُوفَةِ فِي مِائَةِ أَلْفِ مُقَاتِلٍ ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ
الْمَنْصُورُ عِيسَى بْنَ مُوسَى فِي خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفًا ، وَعَلَى مُقَدِّمَتِهِ
حُمَيْدُ بْنُ قَحْطَبَةَ فِي ثَلَاثَةِ آلَافٍ ، وَجَاءَ
إِبْرَاهِيمُ فَنَزَلَ فِي
بَاخَمْرَا فِي جَحَافِلَ عَظِيمَةٍ ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ الْأُمَرَاءِ : إِنَّكَ قَدِ اقْتَرَبْتَ مِنَ
الْمَنْصُورِ ، فَلَوْ أَنَّكَ سِرْتَ إِلَيْهِ بِطَائِفَةٍ مِنْ جَيْشِكَ هَذَا لَأَخَذْتَ بِقَفَاهُ; فَإِنَّهُ لَيْسَ عِنْدَهُ مِنَ الْجُيُوشِ أَحَدٌ يَرُدُّونَ عَنْهُ . فَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : إِنَّ الْأَوْلَى أَنْ نُنَاجِزَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ بِإِزَائِنَا ، ثُمَّ هُوَ فِي قَبْضَتِنَا . فَثَنَاهُمْ
[ ص: 378 ] ذَلِكَ عَنِ الرَّأْيِ الْأَوَّلِ ، وَلَوْ فَعَلُوهُ لَتَمَّ لَهُمُ الْأَمْرُ ، ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ : خَنْدِقْ حَوْلَ الْجَيْشِ . فَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّ هَذَا الْجَيْشَ لَا يَحْتَاجُ إِلَى خَنْدَقٍ حَوْلَهُ . فَتَرَكَ ذَلِكَ ، ثُمَّ أَشَارَ بَعْضُهُمْ بِأَنْ يُبَيِّتَ جَيْشَ
عِيسَى بْنِ مُوسَى ، فَقَالَ
إِبْرَاهِيمُ : إِنَّى لَا أَرَى ذَلِكَ . فَتَرَكَهُ ، ثُمَّ أَشَارَ آخَرُونَ بِأَنْ يَجْعَلَ جَيْشَهُ كَرَادِيسَ ، فَإِنْ غُلِبَ كُرْدُوسٌ ثَبَتَ الْآخَرُ ، فَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّ الْأَوْلَى أَنْ نُقَاتِلَ صُفُوفًا; لِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=4إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ [ الصَّفِّ : 4 ] .
وَأَقْبَلَ الْجَيْشَانِ ، فَتَصَافُّوا فِي
بَاخَمْرَا ، وَهِيَ عَلَى سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا مِنَ
الْكُوفَةِ فَاقْتَتَلُوا بِهَا قِتَالًا شَدِيدًا ، فَانْهَزَمَ
حُمَيْدُ بْنُ قَحْطَبَةَ بِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُقَدِّمَةِ ، فَجَعَلَ
عِيسَى يُنَاشِدُهُمُ اللَّهَ فِي الرُّجُوعِ وَالْكَرَّةِ ، فَلَا يَلْوِي عَلَيْهِ أَحَدٌ ، وَثَبَتَ
عِيسَى بْنُ مُوسَى فِي مِائَةِ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِهِ ، فَقِيلَ لَهُ : لَوْ تَنَحَّيْتَ مِنْ مَكَانِكَ هَذَا لِئَلَّا يَحْطِمَكَ جَيْشُ
إِبْرَاهِيمَ . فَقَالَ : وَاللَّهِ لَا أَزُولُ عَنْهُ حَتَّى يَفْتَحَ اللَّهُ لِي أَوْ أُقْتَلَ هَاهُنَا . وَكَانَ
الْمَنْصُورُ قَدْ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ بِمَا أَخْبَرَهُ بِهِ بَعْضُ الْمُنَجِّمِينَ; أَنَّ النَّاسَ يَكُونُ لَهُمْ جَوْلَةٌ مَعَ
عِيسَى بْنِ مُوسَى ، ثُمَّ يَقُومُونَ إِلَيْهِ وَتَكُونُ الْعَاقِبَةُ لَهُ ، فَاسْتَمَرَّ الْمُنْهَزِمُونَ ذَاهِبِينَ فَانْتَهَوْا إِلَى نَهْرٍ بَيْنَ جَبَلَيْنِ ، فَلَمْ يُمْكِنْهُمْ خَوْضُهُ فَكَّرُوا رَاجِعِينَ بِأَجْمَعِهِمْ ، فَكَانَ أَوَّلَ رَاجِعٍ
حُمَيْدُ بْنُ قَحْطَبَةَ الَّذِي كَانَ أَوَّلَ مَنِ انْهَزَمَ ، ثُمَّ اجْتَلَدُوا هُمْ وَأَصْحَابُ
إِبْرَاهِيمَ ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا ، وَقُتِلَ مِنْ كِلَا الْفَرِيقَيْنِ خَلْقٌ كَثِيرٌ ، ثُمَّ انْهَزَمَ أَصْحَابُ
إِبْرَاهِيمَ ، وَثَبَتَ هُوَ فِي خَمْسِمِائَةٍ ، وَقِيلَ : فِي أَرْبَعِمِائَةٍ . وَقِيلَ : فِي سَبْعِينَ رَجُلًا . وَاسْتَظْهَرَ
عِيسَى بْنُ مُوسَى وَأَصْحَابُهُ ، وَقُتِلَ
إِبْرَاهِيمُ فِي جُمْلَةِ مَنْ قُتِلَ ، وَاخْتَلَطَ رَأْسُهُ مَعَ رُءُوسِ أَصْحَابِهِ ، فَجَعَلَ
حُمَيْدٌ [ ص: 379 ] يَأْتِي بِالرُّءُوسِ فَيَعْرِضُهَا عَلَى
عِيسَى بْنِ مُوسَى حَتَّى عَرَفُوا رَأْسَ
إِبْرَاهِيمَ ، فَبَعَثُوهُ مَعَ الْبَشِيرِ إِلَى
الْمَنْصُورِ ، وَكَانَ نِيبُخْتُ الْمُنَجِّمُ قَدْ دَخَلَ قَبْلَ مَجِيءِ
الْبَشِيرِ عَلَى
الْمَنْصُورِ فَقَالَ لَهُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، أَبْشِرْ فَإِنَّ
إِبْرَاهِيمَ مَقْتُولٌ . فَلَمْ يُصَدِّقْهُ ، فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِنْ لَمْ تُصَدِّقْنِي فَاحْبِسْنِي ، فَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ كَمَا ذَكَرْتُ لَكَ فَاقْتُلْنِي . فَبَيْنَا هُوَ عِنْدَهُ إِذْ جَاءَ الْبَشِيرُ بِهَزِيمَةِ
إِبْرَاهِيمَ ، وَلَمَّا جِيءَ بِالرَّأْسِ تَمَثَّلَ
الْمَنْصُورُ بِبَيْتِ
مُعَقِّرِ بْنِ حِمَارٍ الْبَارِقِيِّ :
فَأَلْقَتْ عَصَاهَا وَاسْتَقَرَّ بِهَا النَّوَى كَمَا قَرَّ عَيْنًا بِالْإِيَابِ الْمُسَافِرُ
وَيُقَالُ : إِنَّ
الْمَنْصُورَ لَمَّا نَظَرَ إِلَى الرَّأْسِ بَكَى حَتَّى جَعَلَتْ دُمُوعُهُ تَسْقُطُ عَلَى الرَّأْسِ ، وَقَالَ : وَاللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ لِهَذَا كَارِهًا ، وَلَكِنَّكَ ابْتُلِيتَ بِي وَابْتُلِيتُ بِكَ . ثُمَّ أَمَرَ بِالرَّأْسِ ، فَنُصِبَ لِلنَّاسِ بِالسُّوقِ . وَأَقْطَعُ نِيبُخْتَ الْمُنَجِّمَ أَلْفَيْ جَرِيبٍ .
وَذَكَرَ
صَالِحٌ مَوْلَى الْمَنْصُورِ قَالَ : لَمَّا جِيءَ بِرَأْسِ
إِبْرَاهِيمَ جَلَسَ
الْمَنْصُورُ مَجْلِسًا عَامًّا ، وَجَعَلَ النَّاسُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِ فَيُهَنِّئُونَهُ ، وَيَنَالُونَ مِنْ
إِبْرَاهِيمَ ، [ ص: 380 ] وَيُقَبِّحُونَ الْكَلَامَ فِيهِ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ
الْمَنْصُورِ ، وَالْمَنْصُورُ وَاجِمٌ مُتَغَيِّرُ اللَّوْنِ لَا يَتَكَلَّمُ ، حَتَّى دَخَلَ
جَعْفَرُ بْنُ حَنْظَلَةَ الْبَهْرَانِيُّ ، فَوَقَفَ فَسَلَّمَ ، ثُمَّ قَالَ : أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فِي ابْنِ عَمِّكَ ، وَغَفَرَ لَهُ مَا فَرَّطَ مِنْ حَقِّكَ . قَالَ : فَاصْفَرَّ لَوْنُ
الْمَنْصُورِ ، وَأَقْبَلَ عَلَيْهِ ، وَقَالَ :
أَبَا خَالِدٍ ، مَرْحَبًا وَأَهْلًا ، هَاهُنَا؟! فَعَلِمَ النَّاسُ أَنَّ ذَلِكَ قَدْ وَقَعَ مِنْهُ فَجَعَلَ كُلُّ مَنْ جَاءَ يَقُولُ كَمَا قَالَ
جَعْفَرُ بْنُ حَنْظَلَةَ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12180أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ : كَانَ ذَلِكَ فِي لَيْلَةِ الثُّلَاثَاءِ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقِعْدَةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ . يَعْنِي سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ .