[ ص: 282 ] nindex.php?page=treesubj&link=31842قصة هود عليه السلام
وهو
هود بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح عليه السلام ، ويقال : إن
هودا هو
عابر بن شالخ بن سام بن نوح ، ويقال :
هود بن عبد الله بن رباح بن الجارود بن عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح عليه السلام ذكره
ابن جرير ، وكانوا عربا يسكنون
الأحقاف ، وهي
جبال الرمل ، وكانت
باليمن من
عمان وحضرموت بأرض مطلة على البحر يقال لها :
الشحر ، واسم واديهم
مغيث ، وكانوا كثيرا ما يسكنون الخيام ذوات الأعمدة الضخام ، كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=6ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد [ الفجر : 6 ، 7 ] . أي ; عاد إرم . وهم عاد الأولى ، وأما عاد الثانية فمتأخرة ، كما سيأتي بيان ذلك في موضعه . وأما عاد الأولى فهم عاد
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=7إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد [ الفجر : 7 8 ] . أي ; مثل القبيلة . وقيل : مثل العمد . والصحيح الأول ، كما بيناه في التفسير .
ومن زعم أن
إرم مدينة تدور في الأرض ، فتارة في
الشام ، وتارة في
اليمن ، وتارة في
الحجاز ، وتارة في غيرها ، فقد أبعد النجعة . وقال ما لا دليل عليه ، ولا برهان يعول عليه ، ولا مستند يركن
[ ص: 283 ] إليه ، وفي صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان ، عن
أبي ذر في حديثه الطويل في ذكر الأنبياء والمرسلين قال فيه :
. منهم أربعة من العرب ; هود ، وصالح ، وشعيب ، ونبيك يا أبا ذر . ويقال : إن
هودا عليه السلام أول من تكلم بالعربية . وزعم
nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه أن أباه أول من تكلم بها . وقال غيره أول من تكلم بها
نوح . وقيل
آدم وهو الأشبه . وقيل : غير ذلك ، والله أعلم .
ويقال للعرب الذين كانوا قبل
إسماعيل عليه السلام :
العرب العاربة . وهم قبائل كثيرة منهم ;
عاد ،
وثمود ،
وجرهم ،
وطسم ،
وجديس ،
وأميم ،
ومدين ،
وعملاق ،
وعبيل ،
وجاسم ،
وقحطان ،
وبنو يقطن ، وغيرهم . وأما
العرب المستعربة فهم من ولد
إسماعيل بن إبراهيم الخليل ، وكان
إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام أول من تكلم بالعربية الفصيحة البليغة ، وكان قد أخذ كلام العرب من
جرهم الذين نزلوا عند أمه
هاجر بالحرم ، كما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله تعالى ، ولكن أنطقه الله بها في غاية الفصاحة والبيان ، وكذلك كان يتلفظ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
والمقصود أن
عادا وهم
عاد الأولى كانوا أول من عبد الأصنام بعد الطوفان ، وكان أصنامهم ثلاثة ، صد ، وصمود ، وهرا . فبعث الله فيهم أخاهم
هودا عليه السلام فدعاهم إلى الله ، كما قال تعالى بعد ذكر قوم
نوح ، وما كان من أمرهم في سورة الأعراف :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=65وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين قال يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين قال قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما نزل الله بها من سلطان فانتظروا إني معكم من المنتظرين فأنجيناه والذين معه برحمة منا وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا وما كانوا مؤمنين [ الأعراف : 65 - 72 ] .
[ ص: 284 ] وقال تعالى بعد ذكر قصة
نوح في سورة هود :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=50وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إن أنتم إلا مفترون يا قوم لا أسألكم عليه أجرا إن أجري إلا على الذي فطرني أفلا تعقلون ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين قالوا يا هود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم فإن تولوا فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم ويستخلف ربي قوما غيركم ولا تضرونه شيئا إن ربي على كل شيء حفيظ ولما جاء أمرنا نجينا هودا والذين آمنوا معه برحمة منا ونجيناهم من عذاب غليظ وتلك عاد جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله واتبعوا أمر كل جبار عنيد وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة ألا إن عادا كفروا ربهم ألا بعدا لعاد قوم هود [ هود : 50 - 60 ] .
[ ص: 285 ] وقال تعالى في سورة :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=1قد أفلح المؤمنون بعد قصة قوم
نوح :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=31ثم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين فأرسلنا فيهم رسولا منهم أن اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون وقال الملأ من قومه الذين كفروا وكذبوا بلقاء الآخرة وأترفناهم في الحياة الدنيا ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون هيهات هيهات لما توعدون إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين إن هو إلا رجل افترى على الله كذبا وما نحن له بمؤمنين قال رب انصرني بما كذبون قال عما قليل ليصبحن نادمين فأخذتهم الصيحة بالحق فجعلناهم غثاء فبعدا للقوم الظالمين [ المؤمنون : 31 - 41 ] . وقال تعالى في سورة الشعراء بعد قصة قوم
نوح أيضا :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=123كذبت عاد المرسلين إذ قال لهم أخوهم هود ألا تتقون إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين أتبنون بكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون وإذا بطشتم بطشتم جبارين فاتقوا الله وأطيعون واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون أمدكم بأنعام وبنين وجنات وعيون إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم قالوا سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين إن هذا إلا خلق الأولين وما نحن بمعذبين فكذبوه فأهلكناهم إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم [ ص: 286 ] . وقال تعالى في سورة حم السجدة :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=15وأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون [ فصلت : 15 - 16 ] . وقال تعالى في سورة الأحقاف :
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=21واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه ألا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم قالوا أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين قال إنما العلم عند الله وأبلغكم ما أرسلت به ولكني أراكم قوما تجهلون فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين [ الأحقاف : 21 - 25 ] . وقال تعالى في الذاريات :
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=41وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم [ الذاريات : 41 - 42 ] . وقال تعالى في النجم :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=50وأنه أهلك عادا الأولى وثمود فما أبقى وقوم نوح من قبل إنهم كانوا هم أظلم وأطغى والمؤتفكة أهوى فغشاها ما غشى فبأي آلاء ربك تتمارى [ النجم : 50 - 55 ] .
[ ص: 287 ] وقال تعالى في سورة اقتربت :
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=18كذبت عاد فكيف كان عذابي ونذر إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر فكيف كان عذابي ونذر ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر [ القمر : 18 - 22 ] . وقال في الحاقة :
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=6وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية فهل ترى لهم من باقية [ الحاقة : 6 - 8 ] . وقال في سورة الفجر :
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=6ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد وثمود الذين جابوا الصخر بالواد وفرعون ذي الأوتاد الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد فصب عليهم ربك سوط عذاب إن ربك لبالمرصاد [ الفجر : 6 - 14 ] .
وقد تكلمنا على كل من هذه القصص في أماكنها من كتابنا التفسير ، ولله الحمد ، والمنة . وقد جرى ذكر
عاد في سورة براءة ، وإبراهيم ، والفرقان ، والعنكبوت ، وفي سورة ص ، وفي سورة ق ، ولنذكر مضمون القصة مجموعا من هذه السياقات مع ما يضاف إلى ذلك من الأخبار . وقد قدمنا أنهم أول الأمم عبدوا الأصنام بعد الطوفان . وذلك بين في قوله لهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=69واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة [ الأعراف : 69 ] . أي ; جعلهم أشد أهل زمانهم في الخلقة والشدة والبطش . وقال في المؤمنون :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=31ثم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين [ المؤمنون : 31 ] .
[ ص: 288 ] وهم قوم
هود على الصحيح . وزعم آخرون : أنهم
ثمود . لقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=41فأخذتهم الصيحة بالحق فجعلناهم غثاء [ المؤمنون : 41 ] . قالوا : وقوم
صالح هم الذين أهلكوا بالصيحة
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=6وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية [ الحاقة : 6 ] . وهذا الذي قالوه لا يمنع من اجتماع الصيحة والريح العاتية عليهم ، كما سيأتي في قصة
أهل مدين أصحاب الأيكة ، فإنه اجتمع عليهم أنواع من العقوبات ، ثم لا خلاف أن
عادا قبل
ثمود .
والمقصود أن
عادا كانوا عربا جفاة كافرين ، عتاة متمردين في عبادة الأصنام ، فأرسل الله فيهم رجلا منهم يدعوهم إلى الله ، وإلى إفراده بالعبادة ، والإخلاص له ، فكذبوه وخالفوه وتنقصوه فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر ، فلما أمرهم بعبادة الله ، ورغبهم في طاعته واستغفاره ، ووعدهم على ذلك خير الدنيا والآخرة ، وتوعدهم على مخالفة ذلك عقوبة الدنيا والآخرة :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=66قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة [ الأعراف 66 ] . أي ; هذا الأمر الذي تدعونا إليه سفه بالنسبة إلى ما نحن عليه من عبادة هذه الأصنام التي يرتجى منها النصر والرزق ، ومع هذا نظن أنك تكذب في دعواك أن الله أرسلك .
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=67قال يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين [ الأعراف : 67 ] . أي ; ليس الأمر كما تظنون ، ولا ما تعتقدون
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=68أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين [ الأعراف : 68 ] . والبلاغ يستلزم عدم الكذب في أصل المبلغ ، وعدم الزيادة فيه والنقص منه ، ويستلزم إبلاغه بعبارة فصيحة وجيزة جامعة مانعة ، لا لبس فيها ولا اختلاف ولا اضطراب ، وهو مع هذا البلاغ على هذه الصفة في غاية النصح لقومه ، والشفقة عليهم والحرص على هدايتهم ، لا يبتغي منهم أجرا ، ولا يطلب منهم جعلا ، بل
[ ص: 289 ] هو مخلص لله عز وجل في الدعوة إليه ، والنصح لخلقه لا يطلب أجره إلا من الذي أرسله فإن خير الدنيا والآخرة كله في يديه ، وأمره إليه ، ولهذا قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=51يا قوم لا أسألكم عليه أجرا إن أجري إلا على الذي فطرني أفلا تعقلون [ هود : 51 ] . أي ; ما لكم عقل تميزون به وتفهمون أني أدعوكم إلى الحق المبين الذي تشهد به فطركم التي خلقتم عليها ، وهو دين الحق الذي بعث الله به
نوحا ، وأهلك من خالفه من الخلق ، وها أنا أدعوكم إليه ، ولا أسألكم أجرا عليه ، بل أبتغي ذلك عند الله مالك الضر والنفع ، ولهذا قال مؤمن يس :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=21اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون [ يس : 21 - 22 ] . وقال قوم
هود له فيما قالوا :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=53يا هود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء . [ هود : 53 ] . يقولون : ما جئتنا بخارق يشهد لك بصدق ما جئت به . وما نحن بالذين نترك عبادة أصنامنا عن مجرد قولك بلا دليل أقمته ، ولا برهان نصبته ، وما نظن إلا أنك مجنون فيما تزعمه ، وعندنا ; إنما أصابك هذا أن بعض آلهتنا غضب عليك فأصابك في عقلك فاعتراك جنون بسبب ذلك ، وهو قولهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=54إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون [ هود : 54 - 55 ] . وهذا تحد منه لهم ، وتبرؤ من آلهتهم ، وتنقص منه لها ، وبيان أنها لا تنفع شيئا ولا تضر ، وأنها جماد حكمها حكمه ، وفعلها فعله ، فإن كانت كما تزعمون من أنها تنصر وتنفع وتضر ، فها أنا بريء منها لاعن لها
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=55فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون . أنتم وهي جميعا بجميع ما يمكنكم أن تصلوا
[ ص: 290 ] إليه ، وتقدروا عليه ، ولا تؤخروني ساعة واحدة ، ولا طرفة عين فإني لا أبالي بكم ، ولا أفكر فيكم ، ولا أنظر إليكم
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=56إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم . أي ; أنا متوكل على الله ومتأيد به . وواثق بجنابه الذي لا يضيع من لاذ به . واستند إليه ، فلست أبالي مخلوقا سواه ، ولست أتوكل إلا عليه ، ولا أعبد إلا إياه ، وهذا وحده برهان قاطع على أن
هودا عبد الله ورسوله ، وأنهم على جهل وضلال في عبادتهم غير الله ; لأنهم لم يصلوا إليه بسوء ، ولا نالوا منه مكروها ، فدل على صدقه فيما جاءهم به وبطلان ما هم عليه ، وفساد ما ذهبوا إليه ، وهذا الدليل بعينه قد استدل به
نوح عليه السلام قبله في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=71يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إلي ولا تنظرون [ يونس : 71 ] . وهكذا قال
الخليل عليه السلام :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=80ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شيء علما أفلا تتذكرون وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم [ الأنعام : 80 - 83 ] .
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=33وقال الملأ من قومه الذين كفروا وكذبوا بلقاء الآخرة وأترفناهم في الحياة الدنيا ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون [ المؤمنون : 33 - 35 ] .
[ ص: 291 ] استبعدوا أن يبعث الله رسولا بشريا ، وهذه الشبهة أدلى بها كثير من جهلة الكفرة قديما وحديثا ، كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=2أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس [ يونس : 2 ] . وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=94وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا [ الإسراء : 94 - 95 ] . ولهذا قال لهم
هود عليه السلام :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=63أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم . أي ; ليس هذا بعجيب فإن الله أعلم حيث يجعل رسالته . وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=35أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون هيهات هيهات لما توعدون إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين إن هو إلا رجل افترى على الله كذبا وما نحن له بمؤمنين [ المؤمنون : 35 - 39 ] . استبعدوا المعاد وأنكروا قيام الأجساد بعد صيرورتها ترابا وعظاما ، وقالوا : هيهات هيهات . أي ; بعيد بعيد هذا الوعد
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=37إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين . أي ; يموت قوم ويحيا آخرون . وهذا هو اعتقاد
الدهرية ، كما يقول بعض الجهلة من الزنادقة : أرحام تدفع ، وأرض تبلع .
وأما
الدورية فهم الذين يعتقدون أنهم يعودون إلى هذه الدار بعد كل ستة وثلاثين ألف سنة . وهذا كله كذب ، وكفر وجهل وضلال ، وأقوال باطلة ، وخيال فاسد بلا برهان ، ولا دليل يستميل عقل الفجرة الكفرة من بني آدم الذين لا يعقلون ولا يهتدون ، كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=113ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون [ الأنعام : 113 ] . وقال لهم فيما وعظهم به :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=128أتبنون بكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون . يقول لهم : أتبنون بكل مكان مرتفع بناء عظيما هائلا كالقصور ، ونحوها
[ ص: 292 ] تعبثون ببنائها ; لأنه لا حاجة لكم فيه ، وما ذاك إلا لأنهم كانوا يسكنون الخيام ، كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=6ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد .
فعاد إرم هم عاد الأولى الذين كانوا يسكنون الأعمدة التي تحمل الخيام .
ومن زعم أن إرم مدينة من ذهب وفضة ، وهي تتنقل في البلاد فقد غلط وأخطأ . وقال ما لا دليل عليه . وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=129وتتخذون مصانع . قيل : هي القصور . وقيل : بروج الحمام . وقيل : مآخذ الماء .
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=129لعلكم تخلدون . أي ; رجاء منكم أن تعمروا في هذه الدار أعمارا طويلة
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=130وإذا بطشتم بطشتم جبارين فاتقوا الله وأطيعون واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون أمدكم بأنعام وبنين وجنات وعيون إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم . وقالوا له فيما قالوا :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=70أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين . أي ; أجئتنا لنعبد الله وحده ، ونخالف آباءنا وأسلافنا ، وما كانوا عليه فإن كنت صادقا فيما جئت به فأتنا بما تعدنا من العذاب والنكال ، فإنا لا نؤمن بك ولا نتبعك ولا نصدقك ، كما قالوا :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=136سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين إن هذا إلا خلق الأولين وما نحن بمعذبين . أما على قراءة فتح الخاء فالمراد به اختلاق الأولين أي ; أن هذا الذي جئت به إلا اختلاق منك ، وأخذته من كتب الأولين هكذا فسره غير واحد من الصحابة ، والتابعين ، وأما على قراءة ضم الخاء واللام فالمراد به الدين أي ; إن هذا الدين الذي نحن عليه إلا دين الآباء والأجداد من أسلافنا ، ولن نتحول عنه ولا نتغير ولا نزال متمسكين به . ويناسب كلا القراءتين الأولى والثانية قولهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=138وما نحن بمعذبين . قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=71قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما نزل الله بها من سلطان فانتظروا إني معكم من المنتظرين .
[ ص: 293 ] أي ; قد استحقيتم بهذه المقالة الرجس ، والغضب من الله أتعارضون عبادة الله وحده لا شريك له بعبادة أصنام أنتم نحتموها ، وسميتموها آلهة من تلقاء أنفسكم اصطلحتم عليها أنتم وآباؤكم
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=71ما نزل الله بها من سلطان . أي ; لم ينزل على ما ذهبتم إليه دليلا ولا برهانا ، وإذا أبيتم قبول الحق وتماديتم في الباطل ، وسواء عليكم أنهيتكم عما أنتم فيه أم لا ، فانتظروا الآن عذاب الله الواقع بكم ، وبأسه الذي لا يرد ، ونكاله الذي لا يصد . وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=39قال رب انصرني بما كذبون قال عما قليل ليصبحن نادمين فأخذتهم الصيحة بالحق فجعلناهم غثاء فبعدا للقوم الظالمين . وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=22قالوا أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين قال إنما العلم عند الله وأبلغكم ما أرسلت به ولكني أراكم قوما تجهلون فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين . وقد ذكر الله تعالى خبر إهلاكهم في غير ما آية ، كما تقدم مجملا ومفصلا كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=72فأنجيناه والذين معه برحمة منا وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا وما كانوا مؤمنين . وكقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=58ولما جاء أمرنا نجينا هودا والذين آمنوا معه برحمة منا ونجيناهم من عذاب غليظ وتلك عاد جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله واتبعوا أمر كل جبار عنيد وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة ألا إن عادا كفروا ربهم ألا بعدا لعاد قوم هود . وكقوله :
[ ص: 294 ] nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=41فأخذتهم الصيحة بالحق فجعلناهم غثاء فبعدا للقوم الظالمين . وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=139فكذبوه فأهلكناهم إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم .
وأما تفصيل إهلاكهم ; فلما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=24فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم . كان هذا أول ما ابتدأهم العذاب أنهم كانوا ممحلين مسنتين فطلبوا السقيا ، فرأوا عارضا في السماء وظنوه سقيا رحمة فإذا هو سقيا عذاب ، ولهذا قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=24بل هو ما استعجلتم به . أي ; من وقوع العذاب . وهو قولهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=22فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين . ومثلها في الأعراف .
وقد ذكر المفسرون وغيرهم هاهنا الخبر . الذي ذكره الإمام
محمد بن إسحاق بن يسار قال : فلما أبوا إلا الكفر بالله عز وجل أمسك عنهم المطر ثلاث سنين حتى جهدهم ذلك . قال : وكان الناس إذا جهدهم أمر في ذلك الزمان فطلبوا من الله الفرج منه إنما يطلبونه بحرمه ومكان بيته . وكان معروفا عند أهل ذلك الزمان ، وبه العماليق مقيمون وهم من سلالة
عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح ، وكان سيدهم إذ ذاك رجلا يقال له
معاوية بن بكر ، وكانت أمه من
قوم عاد ، واسمها :
جلهدة ابنة الخيبري . قال : فبعث
عاد وفدا قريبا من سبعين رجلا ليستقوا لهم عند الحرم ، فمروا
بمعاوية بن بكر بظاهر
مكة فنزلوا عليه فأقاموا عنده شهرا يشربون الخمر تغنيهم الجرداتان قينتان
لمعاوية وكانوا قد وصلوا إليه في شهر ، فلما طال مقامهم عنده ، وأخذته شفقة
[ ص: 295 ] على قومه ، واستحيا منهم أن يأمرهم بالانصراف ، عمل شعرا يعرض لهم بالانصراف ، وأمر القينتين أن تغنيهم به ، فقال :
ألا يا قيل ويحك قم فهينم لعل الله يصبحنا غماما فيسقي أرض عاد إن عادا
قد أمسوا لا يبينون الكلاما من العطش الشديد فليس نرجو
به الشيخ الكبير ولا الغلاما وقد كانت نساؤهم بخير
فقد أمست نساؤهم عياما وإن الوحش يأتيهم جهارا
ولا يخشى لعادي سهاما وأنتم هاهنا فيما اشتهيتم
نهاركم وليلكم التماما فقبح وفدكم من وفد قوم
ولا لقوا التحية والسلاما
قال : فعند ذلك تنبه القوم لما جاءوا له ، فنهضوا إلى الحرم ودعوا لقومهم فدعا داعيهم ، وهو
قيل بن عتر فأنشأ الله سحابات ثلاثا ; بيضاء ، وحمراء ، وسوداء . ثم ناداه مناد من السماء : اختر لنفسك ولقومك من هذا السحاب . فقال : اخترت السحابة السوداء فإنها أكثر السحاب ماء . فناداه مناد : اخترت رمادا رمددا لا تبقي من
عاد أحدا لا والدا تترك ولا ولدا ، إلا جعلته همدا ، إلا
بني اللوذية المهدا . قال : وهو بطن من
عاد كانوا مقيمين
بمكة فلم يصبهم ما أصاب قومهم . قال : ومن بقي من أنسابهم
[ ص: 296 ] وأعقابهم هم
عاد الآخرة . قال : وساق الله السحابة السوداء التي اختارها .
قيل بن عتر بما فيها من النقمة إلى
عاد حتى تخرج عليهم من واد يقال له :
المغيث ، فلما رأوها استبشروا ، وقالوا : هذا عارض ممطرنا . فيقول تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=24بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم تدمر كل شيء بأمر ربها . أي ; كل شيء أمرت به فكان أول من أبصر ما فيها وعرف أنها ريح فيما يذكرون امرأة من
عاد يقال لها :
مهد ، فلما تبينت ما فيها صاحت ، ثم صعقت ، فلما أفاقت قالوا : ما رأيت يا
مهد ؟ قالت : رأيت ريحا فيها كشهب النار ، أمامها رجال يقودونها . فسخرها الله عليهم
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=7سبع ليال وثمانية أيام حسوما . والحسوم : الدائمة . فلم تدع من
عاد أحدا إلا هلك . قال : واعتزل
هود عليه السلام فيما ذكر لي في حظيرة هو ومن معه من المؤمنين ، ما يصيبهم إلا ما يلين عليهم الجلود ، وتلتذ الأنفس ، وإنها لتمر على
عاد بالظعن فيما بين السماء والأرض وتدمغهم بالحجارة ، وذكر تمام القصة .
وقد روى الإمام
أحمد حديثا في مسنده يشبه هذه القصة ، فقال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15945زيد بن الحباب ، حدثني
أبو المنذر سلام بن سليمان النحوي ، حدثنا
عاصم بن أبي النجود ، عن
أبي وائل ، عن
الحارث وهو ابن حسان ، ويقال :
ابن يزيد البكري . قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509756خرجت أشكو nindex.php?page=showalam&ids=386العلاء بن الحضرمي رسول الله صلى الله عليه وسلم فمررت بالربذة فإذا عجوز من بني تميم منقطع بها ، فقالت لي : يا عبد الله إن لي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجة ، فهل أنت مبلغي إليه ؟ [ ص: 297 ] قال : فحملتها فأتيت المدينة فإذا المسجد غاص بأهله ، وإذا راية سوداء تخفق ، وبلال متقلد السيف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : ما شأن الناس قالوا : يريد أن يبعث عمرو بن العاص وجها ، قال : فجلست ، قال : فدخل منزله أو قال : رحله ، فاستأذنت عليه ، فأذن لي ، فدخلت فسلمت ، فقال : هل كان بينكم وبين بني تميم شيء . فقلت : نعم . قال : وكانت لنا الدبرة عليهم ، ومررت بعجوز من بني تميم منقطع بها ، فسألتني أن أحملها إليك ، وها هي بالباب ، فأذن لها فدخلت ، فقلت : يا رسول الله إن رأيت أن تجعل بيننا وبين بني تميم حاجزا فاجعل الدهناء ، فحميت العجوز واستوفزت ، وقالت : يا رسول الله فإلى أين تضطر مضرك ؟ قال : قلت : إن مثلي ما قال الأول : معزى حملت حتفها . حملت هذه ولا أشعر أنها كانت لي خصما ، أعوذ بالله ورسوله أن أكون كوافد عاد ، قال : هيه وما وافد عاد ؟ وهو أعلم بالحديث منه ، ولكن يستطعمه ، قلت : إن عادا قحطوا ، فبعثوا وفدا لهم يقال له : قيل فمر بمعاوية بن بكر فأقام عنده شهرا يسقيه الخمر ، وتغنيه جاريتان يقال لهما : الجرادتان ، فلما مضى الشهر خرج إلى جبال تهامة ، فقال : اللهم إنك تعلم أني لم أجئ إلى مريض فأداويه ، ولا إلى أسير فأفاديه ، اللهم اسق عادا ما كنت تسقيه ، فمرت به سحابات سود ، فنودي منها : اختر . فأومأ إلى سحابة منها سوداء . فنودي منها : خذها رمادا رمددا لا تبقي من عاد [ ص: 298 ] أحدا . قال : فما بلغني أنه بعث عليهم من الريح إلا كقدر ما يجري في خاتمي هذا من الريح حتى هلكوا . قال أبو وائل : وصدق وكانت المرأة والرجل إذا بعثوا وفدا لهم ، قالوا : لا تكن كوافد عاد . وهكذا رواه
الترمذي عن
عبد بن حميد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15945زيد بن الحباب به . ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي من حديث
سلام أبي المنذر ، عن
عاصم ابن بهدلة ، ومن طريقه رواه
ابن ماجه . وهكذا أورد هذا الحديث ، وهذه القصة عند تفسير هذه القصة غير واحد من المفسرين
كابن جرير ، وغيره .
وقد يكون هذا السياق لإهلاك
عاد الآخرة فإن فيما ذكره
ابن إسحاق ، وغيره ذكرا
لمكة ، ولم تبن إلا بعد
إبراهيم الخليل حين أسكن فيها
هاجر وابنه
إسماعيل ، فنزلت
جرهم عندهم ، كما سيأتي
وعاد الأولى قبل
الخليل ، وفيه ذكر
معاوية بن بكر وشعره ، وهو من الشعر المتأخر عن زمان عاد الأولى لا يشبه كلام المتقدمين . وفيه أن في تلك السحابة شرر نار ، وعاد الأولى إنما أهلكوا بريح صرصر . وقد قال
ابن مسعود ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ، وغير واحد من أئمة التابعين : هي الباردة ، والعاتية الشديدة الهبوب
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=7سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما [ الحاقة : 7 ] . أي ; كوامل متتابعات . قيل : كان أولها الجمعة . وقيل : الأربعاء .
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=7فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية [ الحاقة : 7 ] . شبههم بأعجاز النخل التي لا رءوس لها ، وذلك لأن الريح كانت تجيء إلى أحدهم فتحمله فترفعه في الهواء ، ثم
[ ص: 299 ] تنكسه على أم رأسه فتشدخه ، فيبقى جثة بلا رأس ، كما قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=19إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر [ القمر : 19 ] . أي ; في يوم نحس عليهم ، مستمر عذابه عليهم ،
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=20تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر [ القمر : 20 ] . ومن قال : إن اليوم النحس المستمر هو يوم الأربعاء . وتشاءم به لهذا الفهم فقد أخطأ وخالف القرآن ، فإنه قال في الآية الأخرى :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=16فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات [ فصلت : 16 ] . ومعلوم أنها ثمانية أيام متتابعات ، فلو كانت نحسات في أنفسها لكانت جميع الأيام السبعة المندرجة فيها مشئومة . وهذا لا يقوله أحد ، وإنما المراد في أيام نحسات أي ; عليهم . وقال تعالى وفي عاد :
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=41إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم [ الذاريات : 41 ] . أي التي لا تنتج خيرا فإن الريح المفردة لا تنثر سحابا ولا تلقح شجرا ، بل هي عقيم لا نتيجة خير لها ، ولهذا قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=42ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم [ الذاريات : 42 ] . أي ; كالشيء البالي الفاني الذي لا ينتفع به بالكلية . وقد ثبت في الصحيحين من حديث
شعبة ، عن
الحكم ، عن
مجاهد ، عن
ابن عباس ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509757نصرت بالصبا ، وأهلكت عاد بالدبور . وأما قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=21واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه ألا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم [ الأحقاف : 21 ] . فالظاهر أن
عادا هذه هي
عاد [ ص: 300 ] الأولى فإن سياقها شبيه بسياق قوم
هود ، وهم الأولى . ويحتمل أن يكون المذكورون في هذه القصة هم
عاد الثانية . ويدل عليه ما ذكرنا ، وما سيأتي من الحديث عن
عائشة رضي الله عنها . وأما قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=24فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا [ الأحقاف : 24 ] . فإن
عادا لما رأوا هذا العارض ، وهو الناشئ في الجو كالسحاب ، ظنوه سحاب مطر فإذا هو سحاب عذاب ، اعتقدوه رحمة فإذا هو نقمة ، رجوا فيه الخير فنالوا منه غاية الشر . قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=24بل هو ما استعجلتم به [ الأحقاف : 24 ] . أي ; من العذاب ، ثم فسره بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=24ريح فيها عذاب أليم . [ الأحقاف : 24 ] . يحتمل أن ذلك العذاب هو ما أصابهم من الريح الصرصر العاتية الباردة الشديدة الهبوب التي استمرت عليهم سبع ليال بأيامها الثمانية ، فلم تبق منهم أحدا ، بل تتبعتهم حتى كانت تدخل عليهم كهوف الجبال والغيران فتلفهم وتخرجهم وتهلكهم ، وتدمر عليهم البيوت المحكمة ، والقصور المشيدة فكما منوا بقوتهم وشدتهم ، وقالوا :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=15من أشد منا قوة ؟ سلط الله الذي هو أشد منهم قوة عليهم ما هو أشد منهم قوة ، وأقدر عليهم ، وهو الريح العقيم . ويحتمل أن هذه الريح أثارت في آخر الأمر سحابة ظن من بقي منهم أنها سحابة فيها رحمة بهم ، وغياث لمن بقي منهم فأرسلها الله عليهم شررا ونارا ، كما ذكره غير واحد . ويكون هذا كما أصاب أصحاب الظلة من
أهل مدين ، وجمع لهم بين الريح الباردة ، وعذاب النار ، وهو أشد ما يكون من العذاب بالأشياء المختلفة المتضادة مع الصيحة التي ذكرها في سورة
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=1قد أفلح المؤمنون . والله أعلم .
[ ص: 301 ] وقد قال
ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا
محمد بن يحيى بن الضريس ، حدثنا
ابن فضيل ، عن
مسلم ، عن
مجاهد ، عن
ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509758ما فتح الله على عاد من الريح التي أهلكوا بها إلا مثل موضع الخاتم فمرت بأهل البادية فحملتهم ومواشيهم وأموالهم بين السماء والأرض ، فلما رأى ذلك أهل الحاضرة من عاد الريح وما فيها nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=24قالوا هذا عارض ممطرنا . [ الأحقاف : 24 ] . فألقت أهل البادية ومواشيهم على أهل الحاضرة . وقد رواه
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني ، عن
عبدان بن أحمد ، عن
إسماعيل بن زكريا الكوفي ، عن
أبي مالك ، عن
مسلم الملائي ، عن
مجاهد ،
nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ، عن
ابن عباس - كذا قال - : قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509759ما فتح على عاد من الريح إلا مثل موضع الخاتم ، ثم أرسلت عليهم فحملتهم البدو إلى الحضر ، فلما رآها أهل الحضر قالوا : هذا عارض ممطرنا مستقبل أوديتنا . وكان أهل البوادي فيها فألقي أهل البادية على أهل الحاضرة حتى هلكوا . قال : عتت على خزائنها حتى خرجت من خلال الأبواب . قلت : وقال غيره خرجت بغير حساب .
والمقصود أن هذا الحديث في رفعه نظر ، ثم اختلف فيه على مسلم الملائي ، وفيه نوع اضطراب ، والله أعلم .
وظاهر الآية أنهم رأوا عارضا ، والمفهوم منه لغة السحاب . كما دل
[ ص: 302 ] عليه حديث
الحارث بن حسان البكري إن جعلناه مفسرا لهذه القصة ، وأصرح منه في ذلك ما رواه
مسلم في صحيحه حيث قال : حدثنا
أبو الطاهر ، حدثنا
ابن وهب سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج يحدثنا عن
عطاء بن أبي رباح ، عن
عائشة رضي الله عنها قالت :
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الريح ، قال : اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها ، وخير ما أرسلت به . وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها ، وشر ما أرسلت به . قالت : وإذا تخيلت السماء تغير لونه وخرج ودخل وأقبل وأدبر ، فإذا أمطرت سري عنه ، فعرفت ذلك عائشة فسألته ، فقال : لعله يا عائشة كما قال قوم عاد : nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=24فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا . رواه
الترمذي ،
nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي ،
nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج . طريق أخرى . قال الإمام
أحمد : حدثنا هارون بن معروف ، أنبأنا عبد الله بن وهب ، أنبأنا عمرو ، وهو ابن الحارث أن أبا النضر حدثه عن سليمان بن يسار
عن عائشة أنها قالت : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعا ضاحكا قط حتى أرى منه لهواته ، إنما كان يتبسم ، وقالت : كان إذا رأى غيما أو ريحا عرف ذلك في وجهه ، قالت : يا رسول الله الناس إذا رأوا الغيم فرحوا ؛ رجاء أن يكون فيه المطر ، وأراك إذا رأيته عرف في وجهك الكراهية ؟ فقال : يا عائشة ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب ، قد عذب [ ص: 303 ] قوم نوح بالريح ، وقد رأى قوم العذاب فقالوا : هذا عارض ممطرنا . وهكذا رواه
مسلم ، عن
هارون بن معروف ، وأخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ،
وأبو داود من حديث
ابن وهب . فهذا الحديث كالصريح في تغاير القصتين ، كما أشرنا إليه أولا . فعلى هذا تكون القصة المذكورة في سورة الأحقاف خبرا عن
قوم عاد الثانية ، وتكون بقية السياقات في القرآن خبرا عن
عاد الأولى ، والله أعلم بالصواب .
وقدمنا حج
هود عليه السلام عند ذكر حج
نوح عليه السلام . وروي عن أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب أنه ذكر صفة
nindex.php?page=treesubj&link=31842قبر هود عليه السلام في بلاد
اليمن . وذكر آخرون أنه
بدمشق ، وبجامعها مكان في حائطه القبلي يزعم بعض الناس أنه قبر
هود عليه السلام ، والله أعلم .
[ ص: 282 ] nindex.php?page=treesubj&link=31842قِصَّةُ هُودٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ
وَهُوَ
هُودُ بْنُ شَالِخِ بْنِ أَرْفَخْشَدَ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَيُقَالُ : إِنَّ
هُودًا هُوَ
عَابِرُ بْنُ شَالِخِ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ ، وَيُقَالُ :
هُودُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحِ بْنِ الْجَارُودِ بْنِ عَادِ بْنِ عَوْصَ بْنِ إِرَمَ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ ذَكَرَهُ
ابْنُ جَرِيرٍ ، وَكَانُوا عَرَبَا يَسْكُنُونَ
الْأَحْقَافَ ، وَهِيَ
جِبَالُ الرَّمْلِ ، وَكَانَتْ
بِالْيَمَنِ مِنْ
عُمَانَ وَحَضْرَمَوْتَ بِأَرْضٍ مُطِلَّةٍ عَلَى الْبَحْرِ يُقَالُ لَهَا :
الشِّحْرُ ، وَاسْمُ وَادِيهِمْ
مُغِيثٌ ، وَكَانُوا كَثِيرًا مَا يَسْكُنُونَ الْخِيَامَ ذَوَاتِ الْأَعْمِدَةِ الضِّخَامِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=6أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ [ الْفَجْرِ : 6 ، 7 ] . أَيْ ; عَادَ إِرَمَ . وَهُمْ عَادٌ الْأُولَى ، وَأَمَّا عَادٌ الثَّانِيَةُ فَمُتَأَخِّرَةٌ ، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ . وَأَمَّا عَادٌ الْأُولَى فَهُمْ عَادٌ
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=7إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ [ الْفَجْرِ : 7 8 ] . أَيْ ; مِثْلُ الْقَبِيلَةِ . وَقِيلَ : مِثْلُ الْعَمَدِ . وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ ، كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي التَّفْسِيرِ .
وَمِنْ زَعْمٍ أَنَّ
إِرَمَ مَدِينَةٌ تَدُورُ فِي الْأَرْضِ ، فَتَارَةً فِي
الشَّامِ ، وَتَارَةً فِي
الْيَمَنِ ، وَتَارَةً فِي
الْحِجَازِ ، وَتَارَةً فِي غَيْرِهَا ، فَقَدْ أَبْعَدَ النُّجْعَةَ . وَقَالَ مَا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ ، وَلَا بُرْهَانَ يُعَوِّلُ عَلَيْهِ ، وَلَا مُسْتَنَدَ يَرْكَنُ
[ ص: 283 ] إِلَيْهِ ، وَفِي صَحِيحِ
nindex.php?page=showalam&ids=13053ابْنِ حِبَّانَ ، عَنْ
أَبِي ذَرٍّ فِي حَدِيثِهِ الطَّوِيلِ فِي ذِكْرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ قَالَ فِيهِ :
. مِنْهُمْ أَرْبَعَةٌ مِنَ الْعَرَبِ ; هُودٌ ، وَصَالِحٌ ، وَشُعَيْبٌ ، وَنَبِيُّكَ يَا أَبَا ذَرٍّ . وَيُقَالُ : إِنَّ
هُودًا عَلَيْهِ السَّلَامُ أَوَّلُ مَنْ تَكَلَّمَ بِالْعَرَبِيَّةِ . وَزَعَمَ
nindex.php?page=showalam&ids=17285وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ أَنَّ أَبَاهُ أَوَّلُ مَنْ تَكَلَّمَ بِهَا . وَقَالَ غَيْرُهُ أَوَّلُ مَنْ تَكَلَّمَ بِهَا
نُوحٌ . وَقِيلَ
آدَمُ وَهُوَ الْأَشْبَهُ . وَقِيلَ : غَيْرُ ذَلِكَ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَيُقَالُ لِلْعَرَبِ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَ
إِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ :
الْعَرَبُ الْعَارِبَةُ . وَهُمْ قَبَائِلُ كَثِيرَةٌ مِنْهُمْ ;
عَادٌ ،
وَثَمُودُ ،
وَجُرْهُمُ ،
وَطَسْمٌ ،
وَجَدِيسُ ،
وَأَمِيمُ ،
وَمَدْيَنُ ،
وَعِمْلَاقُ ،
وَعَبِيلٌ ،
وَجَاسِمٌ ،
وَقَحْطَانُ ،
وَبَنُو يَقْطُنَ ، وَغَيْرُهُمْ . وَأَمَّا
الْعَرَبُ الْمُسْتَعْرِبَةُ فَهُمْ مِنْ وَلَدِ
إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ ، وَكَانَ
إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ أَوَّلَ مَنْ تَكَلَّمَ بِالْعَرَبِيَّةِ الْفَصِيحَةِ الْبَلِيغَةِ ، وَكَانَ قَدْ أَخَذَ كَلَامَ الْعَرَبِ مِنْ
جُرْهُمَ الَّذِينَ نَزَلُوا عِنْدَ أُمِّهِ
هَاجَرَ بِالْحَرَمِ ، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَلَكِنْ أَنْطَقَهُ اللَّهُ بِهَا فِي غَايَةِ الْفَصَاحَةِ وَالْبَيَانِ ، وَكَذَلِكَ كَانَ يَتَلَفَّظُ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ
عَادًا وَهُمْ
عَادٌ الْأُولَى كَانُوا أَوَّلَ مَنْ عَبَدَ الْأَصْنَامَ بَعْدَ الطُّوفَانِ ، وَكَانَ أَصْنَامُهُمْ ثَلَاثَةً ، صَدٌّ ، وَصُمُودٌ ، وَهِرَا . فَبَعَثَ اللَّهُ فِيهِمْ أَخَاهُمْ
هُودًا عَلَيْهِ السَّلَامُ فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى بَعْدَ ذِكْرِ قَوْمِ
نُوحٍ ، وَمَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=65وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ [ الْأَعْرَافِ : 65 - 72 ] .
[ ص: 284 ] وَقَالَ تَعَالَى بَعْدَ ذِكْرِ قِصَّةِ
نُوحٍ فِي سُورَةِ هُودٍ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=50وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ وأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ [ هُودٍ : 50 - 60 ] .
[ ص: 285 ] وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=1قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ بَعْدَ قِصَّةِ قَوْمِ
نُوحٍ :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=31ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [ الْمُؤْمِنُونَ : 31 - 41 ] . وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ بَعْدَ قِصَّةِ قَوْمِ
نُوحٍ أَيْضًا :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=123كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ [ ص: 286 ] . وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ حم السَّجْدَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=15وَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ [ فُصِّلَتْ : 15 - 16 ] . وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأَحْقَافِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=21وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ [ الْأَحْقَافِ : 21 - 25 ] . وَقَالَ تَعَالَى فِي الذَّارِيَاتِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=41وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ [ الذَّارِيَاتِ : 41 - 42 ] . وَقَالَ تَعَالَى فِي النَّجْمِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=50وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى فَبِأَيِ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى [ النَّجْمِ : 50 - 55 ] .
[ ص: 287 ] وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ اقْتَرَبَتْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=18كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [ الْقَمَرِ : 18 - 22 ] . وَقَالَ فِي الْحَاقَّةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=6وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ [ الْحَاقَّةِ : 6 - 8 ] . وَقَالَ فِي سُورَةِ الْفَجْرِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=6أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ [ الْفَجْرِ : 6 - 14 ] .
وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الْقِصَصِ فِي أَمَاكِنِهَا مِنْ كِتَابِنَا التَّفْسِيرِ ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ ، وَالْمِنَّةُ . وَقَدْ جَرَى ذِكْرُ
عَادٍ فِي سُورَةِ بَرَاءَةَ ، وَإِبْرَاهِيمَ ، وَالْفَرْقَانِ ، وَالْعَنْكَبُوتِ ، وَفِي سُورَةِ ص ، وَفِي سُورَةِ ق ، وَلْنَذْكُرْ مَضْمُونَ الْقِصَّةِ مَجْمُوعًا مِنْ هَذِهِ السِّيَاقَاتِ مَعَ مَا يُضَافُ إِلَى ذَلِكَ مِنَ الْأَخْبَارِ . وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُمْ أَوَّلُ الْأُمَمِ عَبَدُوا الْأَصْنَامَ بَعْدَ الطُّوفَانِ . وَذَلِكَ بَيِّنٌ فِي قَوْلِهِ لَهُمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=69وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً [ الْأَعْرَافِ : 69 ] . أَيْ ; جَعَلَهُمْ أَشَدَّ أَهْلِ زَمَانِهِمْ فِي الْخِلْقَةِ وَالشِّدَّةِ وَالْبَطْشِ . وَقَالَ فِي الْمُؤْمِنُونَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=31ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ [ الْمُؤْمِنُونَ : 31 ] .
[ ص: 288 ] وَهُمْ قَوْمُ
هُودٍ عَلَى الصَّحِيحِ . وَزَعَمَ آخَرُونَ : أَنَّهُمْ
ثَمُودُ . لِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=41فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً [ الْمُؤْمِنُونَ : 41 ] . قَالُوا : وَقَوْمُ
صَالِحٍ هَمُ الَّذِينَ أُهْلِكُوا بِالصَّيْحَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=6وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ [ الْحَاقَّةِ : 6 ] . وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ لَا يَمْنَعُ مِنِ اجْتِمَاعِ الصَّيْحَةِ وَالرِّيحِ الْعَاتِيَةِ عَلَيْهِمْ ، كَمَا سَيَأْتِي فِي قِصَّةِ
أَهْلِ مَدْيَنَ أَصْحَابِ الْأَيْكَةِ ، فَإِنَّهُ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ أَنْوَاعٌ مِنَ الْعُقُوبَاتِ ، ثُمَّ لَا خِلَافَ أَنَّ
عَادًا قَبْلَ
ثَمُودَ .
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ
عَادًا كَانُوا عَرَبًا جُفَاةً كَافِرِينَ ، عُتَاةً مُتَمَرِّدِينَ فِي عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ فِيهِمْ رَجُلًا مِنْهُمْ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ ، وَإِلَى إِفْرَادِهِ بِالْعِبَادَةِ ، وَالْإِخْلَاصِ لَهُ ، فَكَذَّبُوهُ وَخَالَفُوهُ وَتَنَقَّصُوهُ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ ، فَلَمَّا أَمَرَهُمْ بِعِبَادَةِ اللَّهِ ، وَرَغَّبَهُمْ فِي طَاعَتِهِ وَاسْتِغْفَارِهِ ، وَوَعَدَهُمْ عَلَى ذَلِكَ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَتَوَعَّدَهُمْ عَلَى مُخَالَفَةِ ذَلِكَ عُقُوبَةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=66قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ [ الْأَعْرَافِ 66 ] . أَيْ ; هَذَا الْأَمْرُ الَّذِي تَدْعُونَا إِلَيْهِ سَفَهٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا نَحْنُ عَلَيْهِ مِنْ عِبَادَةِ هَذِهِ الْأَصْنَامِ الَّتِي يُرْتَجَى مِنْهَا النَّصْرُ وَالرِّزْقُ ، وَمَعَ هَذَا نَظُنُّ أَنَّكَ تَكْذِبُ فِي دَعْوَاكَ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَكَ .
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=67قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ [ الْأَعْرَافِ : 67 ] . أَيْ ; لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا تَظُنُّونَ ، وَلَا مَا تَعْتَقِدُونَ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=68أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ [ الْأَعْرَافِ : 68 ] . وَالْبَلَاغُ يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ الْكَذِبِ فِي أَصْلِ الْمُبَلِّغِ ، وَعَدَمَ الزِّيَادَةِ فِيهِ وَالنَّقْصِ مِنْهُ ، وَيَسْتَلْزِمُ إِبْلَاغَهُ بِعِبَارَةٍ فَصِيحَةٍ وَجِيزَةٍ جَامِعَةٍ مَانِعَةٍ ، لَا لَبْسَ فِيهَا وَلَا اخْتِلَافَ وَلَا اضْطِرَابَ ، وَهُوَ مَعَ هَذَا الْبَلَاغِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ فِي غَايَةِ النُّصْحِ لِقَوْمِهِ ، وَالشَّفَقَةِ عَلَيْهِمْ وَالْحِرْصِ عَلَى هِدَايَتِهِمْ ، لَا يَبْتَغِي مِنْهُمْ أَجْرًا ، وَلَا يَطْلُبُ مِنْهُمْ جُعْلًا ، بَلْ
[ ص: 289 ] هُوَ مُخْلِصٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الدَّعْوَةِ إِلَيْهِ ، وَالنُّصْحِ لِخَلْقِهِ لَا يَطْلُبُ أَجْرَهُ إِلَّا مِنَ الَّذِي أَرْسَلَهُ فَإِنَّ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ كُلَّهُ فِي يَدَيْهِ ، وَأَمْرُهُ إِلَيْهِ ، وَلِهَذَا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=51يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ [ هُودٍ : 51 ] . أَيْ ; مَا لَكُمْ عَقْلٌ تُمَيِّزُونَ بِهِ وَتَفْهَمُونَ أَنِّي أَدْعُوكُمْ إِلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ الَّذِي تَشْهَدُ بِهِ فِطَرُكُمُ الَّتِي خُلِقْتُمْ عَلَيْهَا ، وَهُوَ دِينُ الْحَقِّ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ
نُوحًا ، وَأَهْلَكَ مَنْ خَالَفَهُ مِنَ الْخَلْقِ ، وَهَا أَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ ، وَلَا أَسْأَلُكُمْ أَجْرًا عَلَيْهِ ، بَلْ أَبْتَغِي ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ مَالِكُ الضُّرِّ وَالنَّفْعِ ، وَلِهَذَا قَالَ مُؤْمِنُ يس :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=21اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [ يس : 21 - 22 ] . وَقَالَ قَوْمُ
هُودٍ لَهُ فِيمَا قَالُوا :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=53يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ . [ هُودٍ : 53 ] . يَقُولُونَ : مَا جِئْتَنَا بِخَارِقٍ يَشْهَدُ لَكَ بِصِدْقِ مَا جِئْتَ بِهِ . وَمَا نَحْنُ بِالَّذِينِ نَتْرُكُ عِبَادَةَ أَصْنَامِنَا عَنْ مُجَرَّدِ قَوْلِكَ بِلَا دَلِيلٍ أَقَمْتَهُ ، وَلَا بُرْهَانٍ نَصَبْتَهُ ، وَمَا نَظُنُّ إِلَّا أَنَّكَ مَجْنُونٌ فِيمَا تَزْعُمُهُ ، وَعِنْدَنَا ; إِنَّمَا أَصَابَكَ هَذَا أَنَّ بَعْضَ آلِهَتِنَا غَضِبَ عَلَيْكَ فَأَصَابَكَ فِي عَقْلِكَ فَاعْتَرَاكَ جُنُونٌ بِسَبَبِ ذَلِكَ ، وَهُوَ قَوْلُهُمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=54إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ [ هُودٍ : 54 - 55 ] . وَهَذَا تَحَدٍّ مِنْهُ لَهُمْ ، وَتَبَرُّؤٌ مِنْ آلِهَتِهِمْ ، وَتَنَقُّصٌ مِنْهُ لَهَا ، وَبَيَانُ أَنَّهَا لَا تَنْفَعُ شَيْئًا وَلَا تَضُرُّ ، وَأَنَّهَا جَمَادٌ حُكْمُهَا حُكْمُهُ ، وَفِعْلُهَا فِعْلُهُ ، فَإِنْ كَانَتْ كَمَا تَزْعُمُونَ مِنْ أَنَّهَا تَنْصُرُ وَتَنْفَعُ وَتَضُرُّ ، فَهَا أَنَا بَرِيءٌ مِنْهَا لَاعِنٌ لَهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=55فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ . أَنْتُمْ وَهِيَ جَمِيعًا بِجَمِيعِ مَا يُمْكِنُكُمْ أَنْ تَصِلُوا
[ ص: 290 ] إِلَيْهِ ، وَتَقْدِرُوا عَلَيْهِ ، وَلَا تُؤَخِّرُونِي سَاعَةً وَاحِدَةً ، وَلَا طَرْفَةَ عَيْنٍ فَإِنِّي لَا أُبَالِي بِكُمْ ، وَلَا أُفَكِّرُ فِيكُمْ ، وَلَا أَنْظُرُ إِلَيْكُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=56إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ . أَيْ ; أَنَا مُتَوَكِّلٌ عَلَى اللَّهِ وَمُتَأَيِّدٌ بِهِ . وَوَاثِقٌ بِجَنَابِهِ الَّذِي لَا يَضِيعُ مَنْ لَاذَ بِهِ . وَاسْتَنَدَ إِلَيْهِ ، فَلَسْتُ أُبَالِي مَخْلُوقًا سِوَاهُ ، وَلَسْتُ أَتَوَكَّلُ إِلَّا عَلَيْهِ ، وَلَا أَعْبُدُ إِلَّا إِيَّاهُ ، وَهَذَا وَحْدَهُ بُرْهَانٌ قَاطِعٌ عَلَى أَنَّ
هُودًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ ، وَأَنَّهُمْ عَلَى جَهْلٍ وَضَلَالٍ فِي عِبَادَتِهِمْ غَيْرَ اللَّهِ ; لِأَنَّهُمْ لَمْ يَصِلُوا إِلَيْهِ بِسُوءٍ ، وَلَا نَالُوا مِنْهُ مَكْرُوهًا ، فَدَلَّ عَلَى صِدْقِهِ فِيمَا جَاءَهُمْ بِهِ وَبُطْلَانِ مَا هُمْ عَلَيْهِ ، وَفَسَادِ مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ ، وَهَذَا الدَّلِيلُ بِعَيْنِهِ قَدِ اسْتَدَلَّ بِهِ
نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَبْلَهُ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=71يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ [ يُونُسَ : 71 ] . وَهَكَذَا قَالَ
الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=80وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ [ الْأَنْعَامِ : 80 - 83 ] .
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=33وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ [ الْمُؤْمِنُونَ : 33 - 35 ] .
[ ص: 291 ] اسْتَبْعَدُوا أَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ رَسُولًا بَشَرِيًّا ، وَهَذِهِ الشُّبْهَةُ أَدْلَى بِهَا كَثِيرٌ مِنْ جَهَلَةِ الْكَفَرَةِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=2أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ [ يُونُسَ : 2 ] . وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=94وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا [ الْإِسْرَاءِ : 94 - 95 ] . وَلِهَذَا قَالَ لَهُمْ
هُودٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=63أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ . أَيْ ; لَيْسَ هَذَا بِعَجِيبٍ فَإِنَّ اللَّهَ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ . وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=35أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ [ الْمُؤْمِنُونَ : 35 - 39 ] . اسْتَبْعَدُوا الْمَعَادَ وَأَنْكَرُوا قِيَامَ الْأَجْسَادِ بَعْدَ صَيْرُورَتِهَا تُرَابًا وَعِظَامًا ، وَقَالُوا : هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ . أَيْ ; بَعِيدٌ بَعِيدٌ هَذَا الْوَعْدُ
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=37إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ . أَيْ ; يَمُوتُ قَوْمٌ وَيَحْيَا آخَرُونَ . وَهَذَا هُوَ اعْتِقَادُ
الدَّهْرِيَّةِ ، كَمَا يَقُولُ بَعْضُ الْجَهَلَةِ مِنَ الزَّنَادِقَةِ : أَرْحَامٌ تَدْفَعُ ، وَأَرْضٌ تَبْلَعُ .
وَأَمَّا
الدُّورِيَّةُ فَهُمُ الَّذِينَ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُمْ يَعُودُونَ إِلَى هَذِهِ الدَّارِ بَعْدَ كُلِّ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ أَلْفَ سَنَةٍ . وَهَذَا كُلُّهُ كَذِبٌ ، وَكُفْرٌ وَجَهْلٌ وَضَلَالٌ ، وَأَقْوَالٌ بَاطِلَةٌ ، وَخَيَالٌ فَاسِدٌ بِلَا بُرْهَانٍ ، وَلَا دَلِيلٍ يَسْتَمِيلُ عَقْلَ الْفَجَرَةِ الْكَفَرَةِ مِنْ بَنِي آدَمَ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ وَلَا يَهْتَدُونَ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=113وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ [ الْأَنْعَامِ : 113 ] . وَقَالَ لَهُمْ فِيمَا وَعَظَهُمْ بِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=128أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ . يَقُولُ لَهُمْ : أَتَبْنُونَ بِكُلِّ مَكَانٍ مُرْتَفِعٍ بَنَاءً عَظِيمًا هَائِلًا كَالْقُصُورِ ، وَنَحْوِهَا
[ ص: 292 ] تَعْبَثُونَ بِبِنَائِهَا ; لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ لَكُمْ فِيهِ ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْكُنُونَ الْخِيَامَ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=6أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ .
فَعَادُ إِرَمَ هُمْ عَادٌ الْأُولَى الَّذِينَ كَانُوا يَسْكُنُونَ الْأَعْمِدَةَ الَّتِي تَحْمِلُ الْخِيَامَ .
وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ إِرَمَ مَدِينَةٌ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ ، وَهِيَ تَتَنَقَّلُ فِي الْبِلَادِ فَقَدْ غَلِطَ وَأَخْطَأَ . وَقَالَ مَا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ . وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=129وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ . قِيلَ : هِيَ الْقُصُورُ . وَقِيلَ : بُرُوجُ الْحَمَامِ . وَقِيلَ : مَآخِذُ الْمَاءِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=129لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ . أَيْ ; رَجَاءً مِنْكُمْ أَنْ تُعَمِّرُوا فِي هَذِهِ الدَّارِ أَعْمَارًا طَوِيلَةً
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=130وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ . وَقَالُوا لَهُ فِيمَا قَالُوا :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=70أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ . أَيْ ; أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ ، وَنُخَالِفُ آبَاءَنَا وَأَسْلَافَنَا ، وَمَا كَانُوا عَلَيْهِ فَإِنْ كُنْتَ صَادِقًا فِيمَا جِئْتَ بِهِ فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا مِنَ الْعَذَابِ وَالنَّكَالِ ، فَإِنَّا لَا نُؤْمِنُ بِكَ وَلَا نَتْبَعُكَ وَلَا نُصَدِّقُكَ ، كَمَا قَالُوا :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=136سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ . أَمَّا عَلَى قِرَاءَةِ فَتْحِ الْخَاءِ فَالْمُرَادُ بِهِ اخْتِلَاقُ الْأَوَّلِينَ أَيْ ; أَنَّ هَذَا الَّذِي جِئْتَ بِهِ إِلَّا اخْتِلَاقٌ مِنْكَ ، وَأَخَذْتَهُ مِنْ كُتُبِ الْأَوَّلِينَ هَكَذَا فَسَّرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ ، وَالتَّابِعَيْنِ ، وَأَمَّا عَلَى قِرَاءَةِ ضَمِّ الْخَاءِ وَاللَّامِ فَالْمُرَادُ بِهِ الدِّينُ أَيْ ; إِنْ هَذَا الدِّينَ الَّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ إِلَّا دِينُ الْآبَاءِ وَالْأَجْدَادِ مِنْ أَسْلَافِنَا ، وَلَنْ نَتَحَوَّلَ عَنْهُ وَلَا نَتَغَيَّرَ وَلَا نَزَالُ مُتَمَسِّكِينَ بِهِ . وَيُنَاسِبُ كِلَا الْقِرَاءَتَيْنِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ قَوْلُهُمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=138وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ . قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=71قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ .
[ ص: 293 ] أَيْ ; قَدِ اسْتَحَقَّيْتُمْ بِهَذِهِ الْمَقَالَةِ الرِّجْسَ ، وَالْغَضَبَ مِنَ اللَّهِ أَتُعَارِضُونَ عِبَادَةَ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ بِعِبَادَةِ أَصْنَامٍ أَنْتُمْ نَحَتُّمُوهَا ، وَسَمَّيْتُمُوهَا آلِهَةً مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِكُمِ اصْطَلَحْتُمْ عَلَيْهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=71مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ . أَيْ ; لَمْ يُنَزِّلْ عَلَى مَا ذَهَبْتُمْ إِلَيْهِ دَلِيلًا وَلَا بُرْهَانًا ، وَإِذَا أَبَيْتُمْ قَبُولَ الْحَقِّ وَتَمَادَيْتُمْ فِي الْبَاطِلِ ، وَسَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَنْهَيْتُكُمْ عَمَّا أَنْتُمْ فِيهِ أَمْ لَا ، فَانْتَظِرُوا الْآنَ عَذَابَ اللَّهِ الْوَاقِعَ بِكُمْ ، وَبَأْسَهُ الَّذِي لَا يُرَدُّ ، وَنَكَالَهُ الَّذِي لَا يُصَدُّ . وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=39قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ . وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=22قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ . وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى خَبَرَ إِهْلَاكِهِمْ فِي غَيْرِ مَا آيَةٍ ، كَمَا تَقَدَّمَ مُجْمَلًا وَمُفَصَّلًا كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=72فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ . وَكَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=58وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ . وَكَقَوْلِهِ :
[ ص: 294 ] nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=41فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ . وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=139فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ .
وَأَمَّا تَفْصِيلُ إِهْلَاكِهِمْ ; فَلَمَّا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=24فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ . كَانَ هَذَا أَوَّلَ مَا ابْتَدَأَهُمُ الْعَذَابُ أَنَّهُمْ كَانُوا مُمْحِلِينَ مُسْنِتِينَ فَطَلَبُوا السُّقْيَا ، فَرَأَوْا عَارِضًا فِي السَّمَاءِ وَظَنُّوهُ سُقْيَا رَحْمَةٍ فَإِذَا هُوَ سُقْيَا عَذَابٍ ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=24بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ . أَيْ ; مِنْ وُقُوعِ الْعَذَابِ . وَهُوَ قَوْلُهُمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=22فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ . وَمِثْلُهَا فِي الْأَعْرَافِ .
وَقَدْ ذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ وَغَيْرُهُمْ هَاهُنَا الْخَبَرَ . الَّذِي ذَكَرَهُ الْإِمَامُ
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ : فَلَمَّا أَبَوْا إِلَّا الْكُفْرَ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أُمْسِكَ عَنْهُمُ الْمَطَرُ ثَلَاثَ سِنِينَ حَتَّى جَهَدَهُمْ ذَلِكَ . قَالَ : وَكَانَ النَّاسُ إِذَا جَهَدَهُمْ أَمْرٌ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ فَطَلَبُوا مِنَ اللَّهِ الْفَرَجَ مِنْهُ إِنَّمَا يَطْلُبُونَهُ بِحَرَمِهِ وَمَكَانِ بَيْتِهِ . وَكَانَ مَعْرُوفًا عِنْدَ أَهْلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ ، وَبِهِ الْعَمَالِيقُ مُقِيمُونَ وَهُمْ مِنْ سُلَالَةِ
عِمْلِيقَ بْنِ لَاوَذَ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ ، وَكَانَ سَيِّدُهُمْ إِذْ ذَاكَ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ
مُعَاوِيَةُ بْنُ بَكْرٍ ، وَكَانَتْ أُمُّهُ مِنْ
قَوْمِ عَادٍ ، وَاسْمُهَا :
جَلْهَدَةُ ابْنَةُ الْخَيْبَرِيِّ . قَالَ : فَبَعَثَ
عَادٌ وَفْدًا قَرِيبًا مِنْ سَبْعِينَ رَجُلًا لِيَسْتَقُوا لَهُمْ عِنْدَ الْحَرَمِ ، فَمَرُّوا
بِمُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرٍ بِظَاهِرِ
مَكَّةَ فَنَزَلُوا عَلَيْهِ فَأَقَامُوا عِنْدَهُ شَهْرًا يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ تُغَنِّيهِمُ الْجَرَدَاتَانِ قَيْنَتَانِ
لِمُعَاوِيَةَ وَكَانُوا قَدْ وَصَلُوا إِلَيْهِ فِي شَهْرٍ ، فَلَمَّا طَالَ مُقَامُهُمْ عِنْدَهُ ، وَأَخَذَتْهُ شَفَقَةٌ
[ ص: 295 ] عَلَى قَوْمِهِ ، وَاسْتَحْيَا مِنْهُمْ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِالِانْصِرَافِ ، عَمِلَ شِعْرًا يُعَرِّضُ لَهُمْ بِالِانْصِرَافِ ، وَأَمَرَ الْقَيْنَتَيْنِ أَنْ تُغَنِّيَهُمْ بِهِ ، فَقَالَ :
أَلَّا يَا قَيْلُ وَيْحَكَ قُمْ فَهَيْنِمْ لَعَلَّ اَللَّهَ يُصْبِحُنَا غَمَامًا فَيَسْقِي أَرْضَ عَادٍ إِنَّ عَادًا
قَدَ أمْسَوْا لَا يُبِينُونَ اَلْكَلَامَا مِنَ الْعَطَشِ اَلشَّدِيدِ فَلَيْسَ نَرْجُو
بِهِ اَلشَّيْخَ اَلْكَبِيرَ وَلَا اَلْغُلَامَا وَقَدْ كَانَتْ نِسَاؤُهُمْ بِخَيْرٍ
فَقَدْ أَمْسَتْ نِسَاؤُهُمْ عِيَامًا وَإِنَّ اَلْوَحْشَ يَأْتِيهِمْ جِهَارًا
وَلَا يَخْشَى لِعَادِيٍّ سِهَامًا وَأَنْتُمْ هَاهُنَا فِيمَا اِشْتَهَيْتُمْ
نَهَارَكُمْ وَلَيْلَكُمُ اِلتَّمَامَا فَقُبِّحَ وَفْدُكُمْ مِنْ وَفْدِ قَوْمٍ
وَلَا لُقُّوا اَلتَّحِيَّةَ وَالسَّلَامَا
قَالَ : فَعِنْدَ ذَلِكَ تَنَبَّهَ الْقَوْمُ لِمَا جَاءُوا لَهُ ، فَنَهَضُوا إِلَى الْحَرَمِ وَدَعَوْا لِقَوْمِهِمْ فَدَعَا دَاعِيهِمْ ، وَهُوَ
قَيْلُ بْنُ عِتْرٍ فَأَنْشَأَ اللَّهُ سَحَّابَاتٍ ثَلَاثًا ; بَيْضَاءَ ، وَحَمْرَاءَ ، وَسَوْدَاءَ . ثُمَّ نَادَاهُ مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ : اخْتَرْ لِنَفْسِكَ وَلِقَوْمِكَ مِنْ هَذَا السَّحَابِ . فَقَالَ : اخْتَرْتُ السَّحَابَةَ السَّوْدَاءَ فَإِنَّهَا أَكْثَرُ السَّحَابِ مَاءً . فَنَادَاهُ مُنَادٍ : اخْتَرْتَ رَمَادًا رِمْدَدًا لَا تُبْقِي مِنْ
عَادٍ أَحَدًا لَا وَالِدًا تَتْرُكُ وَلَا وَلَدًا ، إِلَّا جَعَلَتْهُ هَمِدَا ، إِلَّا
بَنِي اللَّوْذِيَّةِ الْمُهْدَا . قَالَ : وَهُوَ بَطْنٌ مِنْ
عَادٍ كَانُوا مُقِيمِينَ
بِمَكَّةَ فَلَمْ يُصِبْهُمْ مَا أَصَابَ قَوْمَهُمْ . قَالَ : وَمَنْ بَقِيَ مِنْ أَنْسَابِهِمْ
[ ص: 296 ] وَأَعْقَابِهِمْ هُمْ
عَادٌ الْآخِرَةُ . قَالَ : وَسَاقَ اللَّهُ السَّحَابَةَ السَّوْدَاءَ الَّتِي اخْتَارَهَا .
قَيْلُ بْنُ عِتْرٍ بِمَا فِيهَا مِنَ النِّقْمَةِ إِلَى
عَادٍ حَتَّى تَخَرَّجَ عَلَيْهِمْ مِنْ وَادٍ يُقَالُ لَهُ :
الْمُغِيثُ ، فَلَمَّا رَأَوْهَا اسْتَبْشَرُوا ، وَقَالُوا : هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا . فَيَقُولُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=24بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا . أَيْ ; كُلَّ شَيْءٍ أُمِرَتْ بِهِ فَكَانَ أَوَّلُ مَنْ أَبْصَرَ مَا فِيهَا وَعَرَفَ أَنَّهَا رِيحٌ فِيمَا يَذْكُرُونَ امْرَأَةً مِنْ
عَادٍ يُقَالُ لَهَا :
مَهْدٌ ، فَلَمَّا تَبَيَّنَتْ مَا فِيهَا صَاحَتْ ، ثُمَّ صَعِقَتْ ، فَلَمَّا أَفَاقَتْ قَالُوا : مَا رَأَيْتِ يَا
مَهْدُ ؟ قَالَتْ : رَأَيْتُ رِيحًا فِيهَا كَشُهُبِ النَّارِ ، أَمَامَهَا رِجَالٌ يَقُودُونَهَا . فَسَخَّرَهَا اللَّهُ عَلَيْهِمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=7سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا . وَالْحُسُومُ : الدَّائِمَةُ . فَلَمْ تَدَعْ مِنْ
عَادٍ أَحَدًا إِلَّا هَلَكَ . قَالَ : وَاعْتَزَلَ
هُودٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِيمَا ذُكِرَ لِي فِي حَظِيرَةٍ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ، مَا يُصِيبُهُمْ إِلَّا مَا يَلِينُ عَلَيْهِمُ الْجُلُودُ ، وَتَلْتَذُّ الْأَنْفُسُ ، وَإِنَّهَا لِتَمُرُّ عَلَى
عَادٍ بِالظَّعْنِ فِيمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَتَدْمَغُهُمْ بِالْحِجَارَةِ ، وَذَكَرَ تَمَامَ الْقِصَّةِ .
وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ
أَحْمَدُ حَدِيثًا فِي مُسْنَدِهِ يُشْبِهُ هَذِهِ الْقِصَّةَ ، فَقَالَ : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=15945زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ ، حَدَّثَنِي
أَبُو الْمُنْذِرِ سَلَامُ بْنُ سُلَيْمَانَ النَّحْوِيُّ ، حَدَّثَنَا
عَاصِمُ بْنُ أَبِي النَّجُودِ ، عَنْ
أَبِي وَائِلٍ ، عَنِ
الْحَارِثِ وَهُوَ ابْنُ حَسَّانَ ، وَيُقَالُ :
ابْنُ يَزِيدَ الْبَكْرِيُّ . قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509756خَرَجْتُ أَشْكُو nindex.php?page=showalam&ids=386الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَرَرْتُ بِالرَّبَذَةِ فَإِذَا عَجُوزٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ مُنْقَطِعٌ بِهَا ، فَقَالَتْ لِي : يَا عَبْدَ اللَّهِ إِنَّ لِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجَةً ، فَهَلْ أَنْتَ مُبَلِّغِي إِلَيْهِ ؟ [ ص: 297 ] قَالَ : فَحَمَلْتُهَا فَأَتَيْتُ الْمَدِينَةَ فَإِذَا الْمَسْجِدُ غَاصٌّ بِأَهْلِهِ ، وَإِذَا رَايَةٌ سَوْدَاءُ تَخْفِقُ ، وَبِلَالٌ مُتَقَلِّدٌ السَّيْفَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقُلْتُ : مَا شَأْنُ النَّاسِ قَالُوا : يُرِيدُ أَنْ يَبْعَثَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَجْهًا ، قَالَ : فَجَلَسْتُ ، قَالَ : فَدَخَلَ مَنْزِلَهُ أَوْ قَالَ : رَحْلَهُ ، فَاسْتَأْذَنْتُ عَلَيْهِ ، فَأَذِنَ لِي ، فَدَخَلْتُ فَسَلَّمْتُ ، فَقَالَ : هَلْ كَانَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِي تَمِيمٍ شَيْءٌ . فَقُلْتُ : نَعَمْ . قَالَ : وَكَانَتْ لَنَا الدَّبْرَةُ عَلَيْهِمْ ، وَمَرَرْتُ بِعَجُوزٍ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ مُنْقَطِعٍ بِهَا ، فَسَأَلَتْنِي أَنْ أَحْمِلَهَا إِلَيْكَ ، وَهَا هِيَ بِالْبَابِ ، فَأَذِنَ لَهَا فَدَخَلَتْ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ رَأَيْتَ أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ بَنِي تَمِيمٍ حَاجِزًا فَاجْعَلِ الدَّهْنَاءَ ، فَحَمِيَتِ الْعَجُوزُ وَاسْتَوْفَزَتْ ، وَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِلَى أَيْنَ تَضْطَرُّ مُضَرَكَ ؟ قَالَ : قُلْتُ : إِنَّ مِثْلِي مَا قَالَ الْأَوَّلُ : مِعْزًى حَمَلَتْ حَتْفَهَا . حَمَلْتُ هَذِهِ وَلَا أَشْعُرُ أَنَّهَا كَانَتْ لِي خَصْمًا ، أَعُوذُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ أَنْ أَكُونَ كَوَافِدِ عَادٍ ، قَالَ : هِيهِ وَمَا وَافِدُ عَادٍ ؟ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْحَدِيثِ مِنْهُ ، وَلَكِنْ يَسْتَطْعِمُهُ ، قُلْتُ : إِنَّ عَادًا قَحَطُوا ، فَبَعَثُوا وَفْدًا لَهُمْ يُقَالُ لَهُ : قَيْلٌ فَمَرَّ بِمُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرٍ فَأَقَامَ عِنْدَهُ شَهْرًا يَسْقِيهِ الْخَمْرَ ، وَتُغَنِّيهِ جَارِيَتَانِ يُقَالُ لَهُمَا : الْجَرَادَتَانِ ، فَلَمَّا مَضَى الشَّهْرُ خَرَجَ إِلَى جِبَالِ تِهَامَةَ ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي لَمْ أَجِئْ إِلَى مَرِيضٍ فَأُدَاوِيَهُ ، وَلَا إِلَى أَسِيرٍ فَأُفَادِيَهُ ، اللَّهُمَّ اسْقِ عَادًا مَا كُنْتَ تَسْقِيهِ ، فَمَرَّتْ بِهِ سَحَابَاتٌ سُودٌ ، فَنُودِيَ مِنْهَا : اخْتَرْ . فَأَوْمَأَ إِلَى سَحَابَةٍ مِنْهَا سَوْدَاءَ . فَنُودِيَ مِنْهَا : خُذْهَا رَمَادًا رِمْدَدًا لَا تُبْقِي مِنْ عَادٍ [ ص: 298 ] أَحَدًا . قَالَ : فَمَا بَلَغَنِي أَنَّهُ بَعَثَ عَلَيْهِمْ مِنَ الرِّيحِ إِلَّا كَقَدْرِ مَا يَجْرِي فِي خَاتَمِي هَذَا مِنَ الرِّيحِ حَتَّى هَلَكُوا . قَالَ أَبُو وَائِلٍ : وَصَدَقَ وَكَانَتِ الْمَرْأَةُ وَالرَّجُلُ إِذَا بَعَثُوا وَفْدًا لَهُمْ ، قَالُوا : لَا تَكُنْ كَوَافِدِ عَادٍ . وَهَكَذَا رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ عَنْ
عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15945زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ بِهِ . وَرَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=15397النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ
سَلَّامٍ أَبِي الْمُنْذِرِ ، عَنْ
عَاصِمِ ابْنِ بَهْدَلَةَ ، وَمِنْ طَرِيقِهِ رَوَاهُ
ابْنُ مَاجَهْ . وَهَكَذَا أَوْرَدَ هَذَا الْحَدِيثَ ، وَهَذِهِ الْقِصَّةَ عِنْدَ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْقِصَّةِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ
كَابْنِ جَرِيرٍ ، وَغَيْرِهِ .
وَقَدْ يَكُونُ هَذَا السِّيَاقُ لِإِهْلَاكِ
عَادٍ الْآخِرَةِ فَإِنَّ فِيمَا ذَكَرَهُ
ابْنُ إِسْحَاقَ ، وَغَيْرُهُ ذِكْرًا
لِمَكَّةَ ، وَلَمْ تُبْنَ إِلَّا بَعْدَ
إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ حِينَ أَسْكَنَ فِيهَا
هَاجَرَ وَابْنَهُ
إِسْمَاعِيلَ ، فَنَزَلَتْ
جُرْهُمٌ عِنْدَهُمْ ، كَمَا سَيَأْتِي
وَعَادٌ الْأُولَى قَبْلَ
الْخَلِيلِ ، وَفِيهِ ذِكْرُ
مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرٍ وَشِعْرُهُ ، وَهُوَ مِنَ الشِّعْرِ الْمُتَأَخِّرِ عَنْ زَمَانِ عَادٍ الْأُولَى لَا يُشْبِهُ كَلَامَ الْمُتَقَدِّمِينَ . وَفِيهِ أَنَّ فِي تِلْكَ السَّحَابَةِ شَرَرُ نَارٍ ، وَعَادٌ الْأَوْلَى إِنَّمَا أُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ . وَقَدْ قَالَ
ابْنُ مَسْعُودٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وَابْنُ عَبَّاسٍ ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَئِمَّةِ التَّابِعِينَ : هِيَ الْبَارِدَةُ ، وَالْعَاتِيَةُ الشَّدِيدَةُ الْهُبُوبِ
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=7سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا [ الْحَاقَّةِ : 7 ] . أَيْ ; كَوَامِلَ مُتَتَابِعَاتٍ . قِيلَ : كَانَ أَوَّلَهَا الْجُمُعَةُ . وَقِيلَ : الْأَرْبِعَاءُ .
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=7فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ [ الْحَاقَّةِ : 7 ] . شَبَّهَهُمْ بِأَعْجَازِ النَّخْلِ الَّتِي لَا رُءُوسَ لَهَا ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الرِّيحَ كَانَتْ تَجِيءُ إِلَى أَحَدِهِمْ فَتَحْمِلُهُ فَتَرْفَعُهُ فِي الْهَوَاءِ ، ثُمَّ
[ ص: 299 ] تُنَكِّسُهُ عَلَى أُمِّ رَأْسِهِ فَتَشْدَخُهُ ، فَيَبْقَى جُثَّةً بِلَا رَأْسٍ ، كَمَا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=19إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ [ الْقَمَرِ : 19 ] . أَيْ ; فِي يَوْمِ نَحْسٍ عَلَيْهِمْ ، مُسْتَمِرٌّ عَذَابُهُ عَلَيْهِمْ ،
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=20تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ [ الْقَمَرِ : 20 ] . وَمَنْ قَالَ : إِنَّ الْيَوْمَ النَّحْسَ الْمُسْتَمِرَّ هُوَ يَوْمُ الْأَرْبِعَاءِ . وَتَشَاءَمَ بِهِ لِهَذَا الْفَهْمِ فَقَدْ أَخْطَأَ وَخَالَفَ الْقُرْآنَ ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=16فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ [ فُصِّلَتْ : 16 ] . وَمَعْلُومٌ أَنَّهَا ثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ ، فَلَوْ كَانَتْ نَحِسَاتٍ فِي أَنْفُسِهَا لَكَانَتْ جَمِيعُ الْأَيَّامِ السَّبْعَةِ الْمُنْدَرِجَةِ فِيهَا مَشْئُومَةً . وَهَذَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ أَيْ ; عَلَيْهِمْ . وَقَالَ تَعَالَى وَفِي عَادٍ :
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=41إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ [ الذَّارِيَاتِ : 41 ] . أَيِ الَّتِي لَا تُنْتِجُ خَيْرًا فَإِنَّ الرِّيحَ الْمُفْرَدَةَ لَا تَنْثُرُ سَحَابًا وَلَا تُلَقِّحُ شَجَرًا ، بَلْ هِيَ عَقِيمٌ لَا نَتِيجَةَ خَيْرٍ لَهَا ، وَلِهَذَا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=42مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ [ الذَّارِيَاتِ : 42 ] . أَيْ ; كَالشَّيْءِ الْبَالِي الْفَانِي الَّذِي لَا يُنْتَفَعُ بِهِ بِالْكُلِّيَّةِ . وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ
شُعْبَةَ ، عَنِ
الْحَكَمِ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509757نُصِرْتُ بِالصَّبَا ، وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ . وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=21وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ [ الْأَحْقَافِ : 21 ] . فَالظَّاهِرُ أَنَّ
عَادًا هَذِهِ هِيَ
عَادٌ [ ص: 300 ] الْأُولَى فَإِنَّ سِيَاقَهَا شَبِيهٌ بِسِيَاقِ قَوْمِ
هُودٍ ، وَهُمُ الْأُولَى . وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَذْكُورُونَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ هُمْ
عَادٌ الثَّانِيَةُ . وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَا ، وَمَا سَيَأْتِي مِنَ الْحَدِيثِ عَنْ
عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا . وَأَمَّا قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=24فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا [ الْأَحْقَافِ : 24 ] . فَإِنَّ
عَادًا لَمَّا رَأَوْا هَذَا الْعَارِضَ ، وَهُوَ النَّاشِئُ فِي الْجَوِّ كَالسَّحَابِ ، ظَنُّوهُ سَحَابَ مَطَرٍ فَإِذَا هُوَ سَحَابُ عَذَابٍ ، اعْتَقَدُوهُ رَحْمَةً فَإِذَا هُوَ نِقْمَةٌ ، رَجَوْا فِيهِ الْخَيْرَ فَنَالُوا مِنْهُ غَايَةَ الشَّرِّ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=24بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ [ الْأَحْقَافِ : 24 ] . أَيْ ; مِنَ الْعَذَابِ ، ثُمَّ فَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=24رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ . [ الْأَحْقَافِ : 24 ] . يُحْتَمَلُ أَنَّ ذَلِكَ الْعَذَابَ هُوَ مَا أَصَابَهُمْ مِنَ الرِّيحِ الصَّرْصَرِ الْعَاتِيَةِ الْبَارِدَةِ الشَّدِيدَةِ الْهُبُوبِ الَّتِي اسْتَمَرَّتْ عَلَيْهِمْ سَبْعُ لَيَالٍ بِأَيَّامِهَا الثَّمَانِيَةِ ، فَلَمْ تُبْقِ مِنْهُمْ أَحَدًا ، بَلْ تَتَبَّعَتْهُمْ حَتَّى كَانَتْ تَدْخُلُ عَلَيْهِمْ كُهُوفَ الْجِبَالِ وَالْغِيرَانِ فَتَلُفُّهُمْ وَتُخْرِجُهُمْ وَتُهْلِكُهُمْ ، وَتُدَمِّرُ عَلَيْهِمُ الْبُيُوتَ الْمُحْكَمَةَ ، وَالْقُصُورَ الْمُشَيَّدَةَ فَكَمَا مُنُوا بِقُوَّتِهِمْ وَشِدَّتِهِمْ ، وَقَالُوا :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=15مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ؟ سَلَّطَ اللَّهُ الَّذِي هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً عَلَيْهِمْ مَا هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ، وَأَقْدَرُ عَلَيْهِمْ ، وَهُوَ الرِّيحُ الْعَقِيمُ . وَيُحْتَمَلُ أَنَّ هَذِهِ الرِّيحَ أَثَارَتْ فِي آخِرِ الْأَمْرِ سَحَابَةً ظَنَّ مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ أَنَّهَا سَحَابَةٌ فِيهَا رَحْمَةٌ بِهِمْ ، وَغِيَاثٌ لِمَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ فَأَرْسَلَهَا اللَّهُ عَلَيْهِمْ شَرَرًا وَنَارًا ، كَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ . وَيَكُونُ هَذَا كَمَا أَصَابَ أَصْحَابَ الظُّلَّةِ مِنْ
أَهْلِ مَدْيَنَ ، وَجَمَعَ لَهُمْ بَيْنَ الرِّيحِ الْبَارِدَةِ ، وَعَذَابِ النَّارِ ، وَهُوَ أَشَدُّ مَا يَكُونُ مِنَ الْعَذَابِ بِالْأَشْيَاءِ الْمُخْتَلِفَةِ الْمُتَضَادَّةِ مَعَ الصَّيْحَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي سُورَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=1قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
[ ص: 301 ] وَقَدْ قَالَ
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ : حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ الضَّرِيسِ ، حَدَّثَنَا
ابْنُ فُضَيْلٍ ، عَنْ
مُسْلِمٍ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ ، عَنِ
ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509758مَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَى عَادٍ مِنَ الرِّيحِ الَّتِي أُهْلِكُوا بِهَا إِلَّا مِثْلَ مَوْضِعِ الْخَاتَمِ فَمَرَّتْ بِأَهْلِ الْبَادِيَةِ فَحَمَلَتْهُمْ وَمَوَاشِيَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَهْلُ الْحَاضِرَةِ مِنْ عَادٍ الرِّيحَ وَمَا فِيهَا nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=24قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا . [ الْأَحْقَافِ : 24 ] . فَأَلْقَتْ أَهْلَ الْبَادِيَةِ وَمَوَاشِيَهُمْ عَلَى أَهْلِ الْحَاضِرَةِ . وَقَدْ رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطَّبَرَانِيُّ ، عَنْ
عَبْدَانَ بْنِ أَحْمَدَ ، عَنْ
إِسْمَاعِيلَ بْنِ زَكَرِيَّا الْكُوفِيِّ ، عَنْ
أَبِي مَالِكٍ ، عَنْ
مُسْلِمٍ الْمُلَائِيِّ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=15992وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ - كَذَا قَالَ - : قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509759مَا فُتِحَ عَلَى عَادٍ مِنَ الرِّيحِ إِلَّا مِثْلُ مَوْضِعِ الْخَاتَمِ ، ثُمَّ أُرْسِلَتْ عَلَيْهِمْ فَحَمَلَتْهُمُ الْبَدْوَ إِلَى الْحَضَرِ ، فَلَمَّا رَآهَا أَهْلُ الْحَضَرِ قَالُوا : هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا مُسْتَقْبِلُ أَوْدِيَتِنَا . وَكَانَ أَهْلُ الْبَوَادِي فِيهَا فَأُلْقِيَ أَهْلُ الْبَادِيَةِ عَلَى أَهْلِ الْحَاضِرَةِ حَتَّى هَلَكُوا . قَالَ : عَتَتْ عَلَى خَزَائِنِهَا حَتَّى خَرَجَتْ مِنْ خِلَالِ الْأَبْوَابِ . قُلْتُ : وَقَالَ غَيْرُهُ خَرَجَتْ بِغَيْرِ حِسَابٍ .
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي رَفْعِهِ نَظَرٌ ، ثُمَّ اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى مُسْلِمٍ الْمُلَائِيِّ ، وَفِيهِ نَوْعُ اضْطِرَابٍ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَظَاهِرُ الْآيَةِ أَنَّهُمْ رَأَوْا عَارِضًا ، وَالْمَفْهُومُ مِنْهُ لُغَةً السَّحَابُ . كَمَا دَلَّ
[ ص: 302 ] عَلَيْهِ حَدِيثُ
الْحَارِثِ بْنِ حَسَّانَ الْبَكْرِيِّ إِنْ جَعَلْنَاهُ مُفَسِّرًا لِهَذِهِ الْقِصَّةِ ، وَأَصْرَحُ مِنْهُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ
مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ حَيْثُ قَالَ : حَدَّثَنَا
أَبُو الطَّاهِرِ ، حَدَّثَنَا
ابْنُ وَهْبٍ سَمِعْتُ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنَ جُرَيْجٍ يُحَدِّثُنَا عَنْ
عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ ، عَنْ
عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ :
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا عَصَفَتِ الرِّيحُ ، قَالَ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا فِيهَا ، وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ . وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا ، وَشَرِّ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ . قَالَتْ : وَإِذَا تَخَيَّلَتِ السَّمَاءُ تَغَيَّرَ لَوْنُهُ وَخَرَجَ وَدَخَلَ وَأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ ، فَإِذَا أَمْطَرَتْ سُرِّيَ عَنْهُ ، فَعَرَفَتْ ذَلِكَ عَائِشَةُ فَسَأَلَتْهُ ، فَقَالَ : لَعَلَّهُ يَا عَائِشَةُ كَمَا قَالَ قَوْمُ عَادٍ : nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=24فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا . رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=15397وَالنَّسَائِيُّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13478وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنِ جُرَيْجٍ . طَرِيقٌ أُخْرَى . قَالَ الْإِمَامُ
أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ ، أَنْبَأَنَا عَمْرٌو ، وَهُوَ ابْنُ الْحَارِثِ أَنَّ أَبَا النَّضْرِ حَدَّثَهُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ
عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ : مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَجْمِعًا ضَاحِكًا قَطُّ حَتَّى أَرَى مِنْهُ لَهَوَاتِهِ ، إِنَّمَا كَانَ يَتَبَسَّمُ ، وَقَالَتْ : كَانَ إِذَا رَأَى غَيْمًا أَوْ رِيحًا عُرِفَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ ، قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ النَّاسُ إِذَا رَأَوُا الْغَيْمَ فَرِحُوا ؛ رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْمَطَرُ ، وَأَرَاكَ إِذَا رَأَيْتَهُ عُرِفَ فِي وَجْهِكَ الْكَرَاهِيَةُ ؟ فَقَالَ : يَا عَائِشَةُ مَا يُؤَمِّنُنِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَذَابٌ ، قَدْ عُذِّبَ [ ص: 303 ] قَوْمُ نُوحٍ بِالرِّيحِ ، وَقَدْ رَأَى قَوْمٌ الْعَذَابَ فَقَالُوا : هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا . وَهَكَذَا رَوَاهُ
مُسْلِمٌ ، عَنْ
هَارُونَ بْنِ مَعْرُوفٍ ، وَأَخْرَجَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ ،
وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ
ابْنِ وَهْبٍ . فَهَذَا الْحَدِيثُ كَالصَّرِيحِ فِي تَغَايُرِ الْقِصَّتَيْنِ ، كَمَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ أَوَّلًا . فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْقِصَّةُ الْمَذْكُورَةُ فِي سُورَةِ الْأَحْقَافِ خَبَرًا عَنْ
قَوْمِ عَادٍ الثَّانِيَةِ ، وَتَكُونُ بَقِيَّةُ السِّيَاقَاتِ فِي الْقُرْآنِ خَبَرًا عَنْ
عَادٍ الْأُولَى ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .
وَقَدَّمْنَا حَجَّ
هُودٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ عِنْدَ ذِكْرِ حَجِّ
نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ . وَرُوِيَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ
عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ ذَكَرَ صِفَةَ
nindex.php?page=treesubj&link=31842قَبْرِ هُودٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي بِلَادِ
الْيَمَنِ . وَذَكَرَ آخَرُونَ أَنَّهُ
بِدِمَشْقَ ، وَبِجَامِعِهَا مَكَانٌ فِي حَائِطِهِ الْقِبْلِيِّ يَزْعُمُ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهُ قَبْرُ
هُودٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .