[ ص: 387 ] ثم دخلت سنة ست وأربعين ومائة
فيها
nindex.php?page=treesubj&link=33758_33800تكامل بناء مدينة السلام بغداد ، وسكنها
المنصور بانيها في صفر من هذه السنة ، وكان مقيما قبل ذلك
بالهاشمية المتاخمة
للكوفة ، وكان قد شرع في بنائها في السنة الخارجة ، وقيل : في سنة أربع وأربعين ومائة . فالله أعلم .
وقد كان
nindex.php?page=treesubj&link=33758السبب الباعث له على بنائها أن
الراوندية لما وثبوا عليه
بالكوفة ، ووقى الله شرهم ، فقهرهم وقتلهم ، كما تقدم ، بقيت منهم بقية ، فخشي على جنده منهم ، فخرج من
الكوفة يرتاد لهم موضعا لبناء مدينة ، فسار في الأرض حتى بلغ
الجزيرة ، فلم ير موضعا أحسن لوضع المدينة من موضع
بغداد الذي هي فيه الآن ، وذلك بأنه موضع يغدى إليه ويراح بخيرات ما حوله في البر والبحر ، وهو محصن بدجلة والفرات ، لا يقدر أحد أن يتوصل إلى موضع الخليفة إلا على جسر ، وقد بات به
المنصور قبل بنائه ، فرأى الرياح ليلا ونهارا ، وطيب الهواء في تلك المحلة ، وقد كان موضعها قرى وديورة لعباد
النصارى وغيرهم - ذكر ذلك مفصلا بأسمائه وتعداده أبو جعفر ابن جرير رحمه الله - فحينئذ أمر
المنصور باختطاطها ، فرسموها له بالرماد ، فمشى في طرقها ومسالكها ، فأعجبه ذلك ، ثم سلم كل ربع منها لأمير يقوم
[ ص: 388 ] على بنائه ، وأحضر من كل البلاد فعالا وصناعا ومهندسين ، فاجتمع عنده ألوف منهم ، ثم كان هو
nindex.php?page=treesubj&link=33800أول من وضع لبنة فيها بيده ، وقال : بسم الله ، والحمد لله ، والأرض لله يورثها من يشاء من عباده ، والعاقبة للمتقين . ثم قال : ابنوا على بركة الله .
nindex.php?page=treesubj&link=33758_33800وأمر ببنائها مدورة ، سمك سورها من أسفله خمسون ذراعا ، ومن أعلاه عشرون ذراعا ، وجعل لها ثمانية أبواب في السور البراني ، ومثلها في الجواني ، وليس كل واحد تجاه الآخر ، ولكن أزور عن الذي يقابله ، ولهذا سميت
بغداد الزوراء ، وقيل : سميت بذلك لازورارها بسبب انحراف دجلة عندها . والله أعلم .
وبنى قصر الإمارة في وسط البلد ليكون الناس منه على حد سواء ، واختط المسجد الجامع إلى جانب القصر ، وكان الذي وضع قبلته
الحجاج بن أرطاة . وقال
ابن جرير : ويقال : إن في قبلته انحرافا يحتاج المصلي فيه أن ينحرف إلى ناحية باب
البصرة . وذكر أن مسجد الرصافة أقرب إلى الصواب منه; لأنه بني قبل القصر ، وجامع المدينة بني على القصر . فاختلت قبلته بسبب ذلك .
وذكر
ابن جرير ، عن
سليمان بن مجالد ، أن
المنصور أراد
أبا حنيفة النعمان بن ثابت على القضاء فامتنع ، فحلف
المنصور أن يتولى له ، وحلف
أبو حنيفة أن لا يفعل ، فولاه القيام بأمر المدينة وضرب اللبن وعده ، وأخذ الرجال بالعمل ، فكان
أبو حنيفة المتولي لذلك ، حتى فرغ من استتمام حائط المدينة مما
[ ص: 389 ] يلي الخندق ، وكان استتمامه في سنة تسع وأربعين ومائة .
قال
ابن جرير : وذكر عن
الهيثم بن عدي nindex.php?page=treesubj&link=33791أن المنصور عرض على أبي حنيفة القضاء والمظالم فامتنع ، فحلف أن لا يقلع عنه حتى يعمل ، فأخبر بذلك
أبو حنيفة ، فدعا بقصبة ، فعد اللبن ليبر بذلك يمين
أبي جعفر ، ومات
أبو حنيفة ببغداد .
وذكر أن
خالد بن برمك هو الذي أشار على
المنصور ببنائها ، وأنه كان مستحثا فيها ، وقد شاور
المنصور الأمراء في نقل القصر الأبيض من
المدائن إلى
بغداد لأجل قصر الإمارة بها ، فقال : لا تفعل فإنه آية في العالم ، وفيه مصلى أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب فخالفه ونقل منه شيئا كثيرا ، فلم يف ما تحصل منه بأجرة ما يصرف في حمله ، فتركه ، ونقل أبواب
واسط إلى أبواب
بغداد ، وقد كان
الحجاج نقلها من مدينة هناك كانت من بناء
سليمان بن داود ، وكانت الجن قد عملت تلك الأبواب .
وقد كانت الأسواق قريبا من قصر الإمارة ، فكانت أصوات الباعة وهوشات الأسواق تسمع منه ، فعاب ذلك بعض بطارقة
النصارى ممن قدم في بعض الرسائل من
الروم ، فأمر
المنصور بنقل الأسواق من هناك إلى موضع آخر ، وأمر
[ ص: 390 ] بتوسعة الطرقات أربعين ذراعا ، ومن بنى في شيء من ذلك هدم .
قال
ابن جرير : وذكر عن
عيسى ابن المنصور أنه قال : وجدت في خزائن
المنصور في الكتب أنه أنفق على
مدينة السلام ومسجدها الجامع وقصر الذهب بها والأسواق والفصلان والخنادق وقبابها وأبوابها أربعة آلاف ألف وثمانمائة وثلاثة وثلاثين درهما ، وكان أجرة الأستاذ من البنائين فيها كل يوم قيراط فضة ، وأجرة الصانع من الحبتين إلى الثلاث .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14231الخطيب البغدادي : وقد رأيت ذلك في بعض الكتب . وحكى عن بعضهم أنه قال : أنفق عليها ثمانية عشر ألف ألف . فالله أعلم .
وذكر
ابن جرير أن
المنصور ناقص أحد المهندسين الذي بنى له بيتا حسنا في قصر الإمارة ، فنقصه درهما عما ساومه ، وأنه حاسب بعض المستحثين على الذي كان عنده ، ففضل عنده خمسة عشر درهما ، فحبسه حتى أحضرها .
وقال الحافظ
أبو بكر الخطيب في " تاريخ بغداد " : وبناها مدورة ،
[ ص: 391 ] ولا يعرف في أقطار الدنيا كلها مدينة مدورة سواها ، ووضع أساسها في وقت اختاره له
نوبخت المنجم . ثم روى عن بعض المنجمين قال : قال لي
المنصور لما فرغ من بناء
بغداد : خذ الطالع . فنظرت في طالعها ، وكان المشتري في القوس ، فأخبرته بما تدل عليه النجوم من طول زمانها ، وكثرة عمارتها وانصباب الدنيا إليها ، وفقر الناس إلى ما فيها . قال : ثم قلت له : وأبشرك يا أمير المؤمنين ببشارة أخرى; وهي أنه لا يموت فيها أحد من الخلفاء أبدا . قال : فرأيته يبتسم ثم قال : الحمد لله ، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، والله ذو الفضل العظيم .
وذكر عن بعض الشعراء أنه قال في ذلك شعرا منه :
قضى ربها أن لا يموت خليفة بها إنه ما شاء في خلقه يقضي
وقد قرره على هذا الخطأ
الخطيب ، وسلم ذلك ولم ينقضه بشيء ، مع اطلاعه ومعرفته .
قال : وزعم بعض الناس أن الأمين قتل بدرب
الأنبار منها ، فذكرت ذلك للقاضي
nindex.php?page=showalam&ids=13961أبي القاسم علي بن المحسن التنوخي فقال :
nindex.php?page=showalam&ids=13739محمد الأمين أيضا لم يقتل بالمدينة ، وإنما قد نزل في سفينة إلى دجلة ليتنزه ، فقبض عليه في وسط
[ ص: 392 ] دجلة ، وقتل هناك ، وذكر ذلك الصولي وغيره .
وذكر عن بعض مشايخ
بغداد أنه قال : اتساع
بغداد مائة وثلاثون جريبا ، وذلك يعدل ميلين في ميلين .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد :
بغداد من
الصراة إلى
باب التبن .
وذكر
الخطيب عن بعضهم أن بين كل بابين من أبوابها الثمانية ميلا ، وقيل : أقل من ذلك . وذكر
الخطيب nindex.php?page=treesubj&link=33758صفة قصر الإمارة ، وأن فيه القبة الخضراء طولها ثمانون ذراعا ، على رأسها تمثال فرس عليه فارس في يده رمح يدور به ، فإلى أي جهة استقبلها واستمر مستقبلها ، علم أن في تلك الجهة قد وقع حدث ، فينظر في أمره الخليفة . وهذه القبة على مجلس في صدر إيوان المحكمة ، وطوله ثلاثون ذراعا ، وعرضه عشرون ذراعا ، وقد سقطت هذه القبة في ليلة برد ومطر ورعد وبرق ، ليلة الثلاثاء لسبع خلون من جمادى الآخرة ، سنة تسع وعشرين وثلاثمائة .
وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=14231الخطيب البغدادي أنه كان يباع في أيام
المنصور ببغداد الكبش بدرهم ، والحمل بأربعة دوانق ، وينادى على لحم الغنم كل ستين رطلا بدرهم ، ولحم البقر كل تسعين رطلا بدرهم ، والتمر كل ستين رطلا بدرهم ، والزيت كل
[ ص: 393 ] ستة عشر رطلا بدرهم ، والسمن كل ثمانية أرطال بدرهم ، والعسل كل عشرة أرطال بدرهم .
ولهذا الأمن والرخص كثر ساكنوها ، وعظم أهلوها ، حتى كان المار فيها لا يكاد يجتاز في الأسواق; لكثرة أهلها . قال بعض الأمراء وقد رجع من السوق : طالما طردت خلف الأرانب في هذا المكان .
وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=14231الخطيب البغدادي ، أن
المنصور جلس يوما في قصر الإمارة وعنده بعض رسل الروم ، فسمع ضجة عظيمة ، ثم أخرى ، ثم أخرى ، فقال
للربيع الحاجب : ما هذا؟ فكشف فإذا بقرة قد نفرت من جازرها هاربة في الأسواق ، فقال
الرومي : يا أمير المؤمنين ، إنك بنيت بناء لم يبنه أحد قبلك ، وفيه ثلاثة عيوب; بعده من الماء ، وقرب الأسواق منه ، وليست عنده خضرة ، والعين خضرة تحب الخضرة . فلم يرفع بها
المنصور رأسا ، ثم أمر بتغيير ذلك بعد ذلك ، وساق إليه الماء ، وبنى عنده البساتين ، وحول الأسواق من ثم إلى الكرخ .
قال
يعقوب بن سفيان : كمل بناء
بغداد في سنة ست وأربعين ومائة ، وفي سنة سبع وخمسين حول الأسواق إلى
باب الكرخ وباب الشعير وباب المحول ،
[ ص: 394 ] وأمر بتوسعة الأسواق أربعين ذراعا . وبعد شهر من ذلك شرع في بناء قصره المسمى بالخلد ، فكمل سنة ثمان وخمسين ومائة ، كما سيأتي ، وجعل أمر ذلك إلى رجل يقال له :
nindex.php?page=showalam&ids=12118الوضاح ، فبنى قصر الوضاح ، وبني للعامة جامعا لصلاة الجمعة; لا يدخلون إلى جامع مدينة
المنصور .
فأما دار الخلافة التي كانت
ببغداد فإنها كانت أولا
للحسن بن سهل ، فانتقلت من بعده إلى ابنته
بوران التي كان تزوجها
المأمون ، فطلبها منها
المعتضد - وقيل :
المعتمد - فأنعمت له بها ، واستنظرته أياما حتى تنتقل منها ، ثم شرعت في ترميمها وتبييضها وتحسينها ، ثم فرشتها بأنواع الفرش ، وعلقت فيها أنواع الستور ، وأرصدت فيها ما ينبغي للخليفة من الجواري والخدم ، بأنواع الملابس ، وجعلت في الخزائن ما ينبغي من أنواع الأطعمة والمآكل ، ثم بعثت بمفاتيحها إليه ، فلما دخلها وجد فيها ما أرصدته بها ، فهاله ذلك واستعظمه جدا ، فكان أول خليفة سكنها ، وبنى عليها سورا . ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=14231الخطيب البغدادي .
وأما التاج فبناه المكتفي على
دجلة ، وحوله القباب والمجالس والميدان والثريا وحير الوحوش .
وذكر
الخطيب صفة دار الشجرة التي كانت في زمن
المقتدر [ ص: 395 ] بالله ، وما فيها من الفرش والستور والخدم والمماليك ، والحشمة الباذخة ، وأنه كان بها أحد عشر ألف طواشي ، وسبعمائة حاجب ، وأما المماليك فألوف لا يحصون كثرة ، وسيأتي ذكر ذلك مفصلا في موضعه بعد سنة ثلاثمائة .
وذكر
الخطيب دار الملك التي بالمخرم ، وذكر الجوامع التي تقام فيها الجمعات ، وذكر الأنهار والجسور التي بها ، وما كان في ذلك في زمن
المنصور ، وما أحدث بعده إلى زمانه . وأنشد لبعض الشعراء في جسور
بغداد التي على
دجلة :
يوم سرقنا العيش فيه خلسة في مجلس بفناء دجلة مفرد
رق الهواء برقة قدامه فغدوت رقا للزمان المسعد
فكأن دجلة طيلسان أبيض والجسر فيها كالطراز الأسود
وقال آخر :
أيا حبذا جسر على متن دجلة بإتقان تأسيس وحسن ورونق
جمال وحسن للعراق ونزهة وسلوة من أضناه فرط التشوق
[ ص: 396 ] تراه إذا ما جئته متأملا كسطر عبير خط في وسط مهرق
أو العاج فيه الآبنوس مرقش مثال فيول تحتها أرض زئبق
وذكر
الصولي قال : ذكر
أحمد ابن أبي طاهر في كتاب " بغداد " أن ذرع
بغداد من الجانبين ثلاثة وخمسون ألف جريب وسبعمائة وخمسون جريبا ، وأن الجانب الشرقي ستة وعشرون ألف جريب وسبعمائة وخمسون جريبا ، وأن عدد حماماتها ستون ألف حمام ، وأقل ما في كل حمام منها خمسة نفر حمامي وقيم وزبال ووقاد وسقاء ، وأن بإزاء كل حمام خمسة مساجد ، فذلك ثلاثمائة ألف مسجد ، وأقل ما يكون في كل مسجد خمسة أنفس . يعني إماما وقيما ومؤذنا ومأمومين . ثم تناقصت بعد ذلك ، ثم دثرت بعد ذلك حتى صارت كأنها خربة; صورة ومعنى . على ما سيأتي بيانه في موضعه .
وقال
الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي : لم يكن
لبغداد في الدنيا نظير في جلالة قدرها ، وفخامة أمرها ، وكثرة علمائها وأعلامها ، وتميز خواصها وعوامها ، وعظم أقطارها ، وسعة أطرارها ، وكثرة دورها ومنازلها ، ودروبها وشوارعها ، ومحالها وأسواقها ، وسككها وأزقتها ، ومساجدها ، وحماماتها ، وخاناتها ، وطيب هوائها ، وعذوبة مائها ، وبرد ظلالها وأفيائها ،
[ ص: 397 ] واعتدال صيفها وشتائها ، وصحة ربيعها وخريفها ، وأكثر ما كانت عمارة وأهلا في أيام
الرشيد . ثم ذكر تناقص أحوالها بعد ذلك ، وهلم جرا إلى زمانه .
قلت : وكذا من بعده إلى زماننا هذا ، ولا سيما في
nindex.php?page=treesubj&link=33800أيام هولاكو بن تولى بن جنكز خان التركي الذي وضع معالمها ، وقتل خليفتها وعالمها ، وخرب دورها ، وهدم قصورها ، وأباد الخواص والعوام من أهلها في ذلك العام ، وأخذ الأموال والحواصل ، ونهب الذراري والأصائل ، وأورث بها حزنا يعدد به في البكرات والأصائل ، وصيرها مثلة في الأقاليم ، وعبرة لكل معتبر عليم ، وتذكرة لكل ذي عقل مستقيم ، وبدلت بعد تلاوة القرآن ، بالنغمات والألحان ، وإنشاد الأشعار وكان وكان ، وبعد سماع الأحاديث النبوية ، بدرس الفلسفة اليونانية ، والمناهج الكلامية ، والتأويلات القرمطية ، وبعد العلماء بالحكماء ، وبعد الخليفة العباسي ، بشر الولاة من الأناسي ، وبعد الرياسة والنباهة ، بالخساسة والسفاهة ، وبعد العباد بالأنكاد ، وبعد الطلبة المشتغلين ، بالظلمة والعيارين ، وبعد الاشتغال بفنون العلم من التفسير والفقه والحديث وتعبير الرؤيا ، بالزجل والموشح ودوبيت ومواليا ، وما أصابهم ذلك إلا ببعض ذنوبهم ، وما ربك بظلام للعبيد .
والتحول منها في هذه الأزمان - لكثرة ما فيها من المنكرات الحسية والمعنوية - والانتقال عنها إلى بلاد
الشام الذي تكفل الله بأهله ، أفضل وأكمل وأجمل .
[ ص: 398 ] وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد في " مسنده " عن
nindex.php?page=showalam&ids=481أبي أمامة الباهلي أنه قال : لا تقوم الساعة حتى يتحول خيار
أهل العراق إلى
الشام ، وشرار
أهل الشام إلى
العراق .
[ ص: 387 ] ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ
فِيهَا
nindex.php?page=treesubj&link=33758_33800تَكَامَلَ بِنَاءُ مَدِينَةِ السَّلَامِ بَغْدَادَ ، وَسَكَنَهَا
الْمَنْصُورُ بَانِيهَا فِي صَفَرٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ ، وَكَانَ مُقِيمًا قَبْلَ ذَلِكَ
بِالْهَاشِمِيَّةِ الْمُتَاخِمَةِ
لِلْكُوفَةِ ، وَكَانَ قَدْ شَرَعَ فِي بِنَائِهَا فِي السَّنَةِ الْخَارِجَةِ ، وَقِيلَ : فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ . فَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقَدْ كَانَ
nindex.php?page=treesubj&link=33758السَّبَبَ الْبَاعِثَ لَهُ عَلَى بِنَائِهَا أَنَّ
الرَّاوِنْدِيَّةَ لَمَّا وَثَبُوا عَلَيْهِ
بِالْكُوفَةِ ، وَوَقَى اللَّهُ شَرَّهُمْ ، فَقَهَرَهُمْ وَقَتَلَهُمْ ، كَمَا تَقَدَّمَ ، بَقِيَتْ مِنْهُمْ بَقِيَّةٌ ، فَخَشِيَ عَلَى جُنْدِهِ مِنْهُمْ ، فَخَرَجَ مِنَ
الْكُوفَةِ يَرْتَادُ لَهُمْ مَوْضِعًا لِبِنَاءِ مَدِينَةٍ ، فَسَارَ فِي الْأَرْضِ حَتَّى بَلَغَ
الْجَزِيرَةَ ، فَلَمْ يَرَ مَوْضِعًا أَحْسَنَ لِوَضْعِ الْمَدِينَةِ مِنْ مَوْضِعِ
بَغْدَادَ الَّذِي هِيَ فِيهِ الْآنَ ، وَذَلِكَ بِأَنَّهُ مَوْضِعٌ يُغْدَى إِلَيْهِ وَيُرَاحُ بِخَيِّرَاتِ مَا حَوْلَهُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ، وَهُوَ مُحَصَّنٌ بِدِجْلَةَ وَالْفُرَاتِ ، لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَتَوَصَّلَ إِلَى مَوْضِعِ الْخَلِيفَةِ إِلَّا عَلَى جِسْرٍ ، وَقَدْ بَاتَ بِهِ
الْمَنْصُورُ قَبْلَ بِنَائِهِ ، فَرَأَى الرِّيَاحَ لَيْلًا وَنَهَارًا ، وَطِيبَ الْهَوَاءِ فِي تِلْكَ الْمَحَلَّةِ ، وَقَدْ كَانَ مَوْضِعُهَا قُرًى وَدُيُورَةً لِعُبَّادِ
النَّصَارَى وَغَيْرِهِمْ - ذَكَرَ ذَلِكَ مُفَصَّلًا بِأَسْمَائِهِ وَتَعْدَادِهِ أَبُو جَعْفَرٍ ابْنُ جَرِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ - فَحِينَئِذٍ أَمَرَ
الْمَنْصُورُ بِاخْتِطَاطِهَا ، فَرَسَمُوهَا لَهُ بِالرَّمَادِ ، فَمَشَى فِي طُرُقِهَا وَمَسَالِكِهَا ، فَأَعْجَبَهُ ذَلِكَ ، ثُمَّ سَلَّمَ كُلَّ رُبْعٍ مِنْهَا لِأَمِيرٍ يَقُومُ
[ ص: 388 ] عَلَى بِنَائِهِ ، وَأَحْضَرَ مِنْ كُلِّ الْبِلَادِ فُعَّالًا وَصُنَّاعًا وَمُهَنْدِسِينَ ، فَاجْتَمَعَ عِنْدَهُ أُلُوفٌ مِنْهُمْ ، ثُمَّ كَانَ هُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=33800أَوَّلَ مَنْ وَضَعَ لَبِنَةً فِيهَا بِيَدِهِ ، وَقَالَ : بِسْمِ اللَّهِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَالْأَرْضُ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ، وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ . ثُمَّ قَالَ : ابْنُوا عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ .
nindex.php?page=treesubj&link=33758_33800وَأَمَرَ بِبِنَائِهَا مُدَوَّرَةً ، سُمْكُ سُورِهَا مِنْ أَسْفَلِهِ خَمْسُونَ ذِرَاعًا ، وَمِنْ أَعْلَاهُ عِشْرُونَ ذِرَاعًا ، وَجَعَلَ لَهَا ثَمَانِيَةَ أَبْوَابٍ فِي السُّورِ الْبَرَانِيِّ ، وَمِثْلَهَا فِي الْجَوَّانِيِّ ، وَلَيْسَ كُلُّ وَاحِدٍ تُجَاهَ الْآخَرِ ، وَلَكِنِ أَزْوَرُ عَنِ الَّذِي يُقَابِلُهُ ، وَلِهَذَا سُمِّيَتْ
بَغْدَادُ الزَّوْرَاءَ ، وَقِيلَ : سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِازْوِرَارِهَا بِسَبَبِ انْحِرَافِ دِجْلَةَ عِنْدَهَا . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَبَنَى قَصْرَ الْإِمَارَةِ فِي وَسَطِ الْبَلَدِ لِيَكُونَ النَّاسُ مِنْهُ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ ، وَاخْتَطَّ الْمَسْجِدَ الْجَامِعَ إِلَى جَانِبِ الْقَصْرِ ، وَكَانَ الَّذِي وَضَعَ قِبْلَتَهُ
الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ . وَقَالَ
ابْنُ جَرِيرٍ : وَيُقَالُ : إِنَّ فِي قِبْلَتِهِ انْحِرَافًا يَحْتَاجُ الْمُصَلِّي فِيهِ أَنْ يَنْحَرِفَ إِلَى نَاحِيَةِ بَابِ
الْبَصْرَةِ . وَذَكَرَ أَنَّ مَسْجِدَ الرُّصَافَةِ أَقْرَبُ إِلَى الصَّوَابِ مِنْهُ; لِأَنَّهُ بُنِيَ قَبْلَ الْقَصْرِ ، وَجَامِعُ الْمَدِينَةِ بُنِيَ عَلَى الْقَصْرِ . فَاخْتَلَّتْ قُبْلَتُهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ .
وَذَكَرَ
ابْنُ جَرِيرٍ ، عَنْ
سُلَيْمَانَ بْنِ مَجَالِدٍ ، أَنَّ
الْمَنْصُورَ أَرَادَ
أَبَا حَنِيفَةَ النُّعْمَانَ بْنَ ثَابِتٍ عَلَى الْقَضَاءِ فَامْتَنَعَ ، فَحَلَفَ
الْمَنْصُورُ أَنْ يَتَوَلَّى لَهُ ، وَحَلَفَ
أَبُو حَنِيفَةَ أَنْ لَا يَفْعَلَ ، فَوَلَّاهُ الْقِيَامَ بِأَمْرِ الْمَدِينَةِ وَضَرْبِ اللَّبِنَ وَعَدِّهِ ، وَأَخْذِ الرِّجَالِ بِالْعَمَلِ ، فَكَانَ
أَبُو حَنِيفَةَ الْمُتَوَلِّيَ لِذَلِكَ ، حَتَّى فَرَغَ مِنَ اسْتِتْمَامِ حَائِطِ الْمَدِينَةِ مِمَّا
[ ص: 389 ] يَلِي الْخَنْدَقَ ، وَكَانَ اسْتِتْمَامُهُ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ .
قَالَ
ابْنُ جَرِيرٍ : وَذُكِرَ عَنِ
الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ nindex.php?page=treesubj&link=33791أَنَّ الْمَنْصُورَ عَرَضَ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ الْقَضَاءَ وَالْمَظَالِمَ فَامْتَنَعَ ، فَحَلَفَ أَنْ لَا يُقْلِعَ عَنْهُ حَتَّى يَعْمَلَ ، فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ
أَبُو حَنِيفَةَ ، فَدَعَا بِقَصَبَةٍ ، فَعَدَّ اللَّبِنَ لِيُبِرَّ بِذَلِكَ يَمِينَ
أَبِي جَعْفَرٍ ، وَمَاتَ
أَبُو حَنِيفَةَ بِبَغْدَادَ .
وَذَكَرَ أَنَّ
خَالِدَ بْنَ بَرْمَكَ هُوَ الَّذِي أَشَارَ عَلَى
الْمَنْصُورِ بِبِنَائِهَا ، وَأَنَّهُ كَانَ مُسْتَحِثًّا فِيهَا ، وَقَدْ شَاوَرَ
الْمَنْصُورُ الْأُمَرَاءَ فِي نَقْلِ الْقَصْرِ الْأَبْيَضِ مِنَ
الْمَدَائِنِ إِلَى
بَغْدَادَ لِأَجْلِ قَصْرِ الْإِمَارَةِ بِهَا ، فَقَالَ : لَا تَفْعَلْ فَإِنَّهُ آيَةٌ فِي الْعَالَمِ ، وَفِيهِ مُصَلَّى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ
عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَخَالَفَهُ وَنَقَلَ مِنْهُ شَيْئًا كَثِيرًا ، فَلَمْ يَفِ مَا تَحَصَّلَ مِنْهُ بِأُجْرَةِ مَا يُصْرَفُ فِي حَمْلِهِ ، فَتَرَكَهُ ، وَنَقَلَ أَبْوَابَ
وَاسِطَ إِلَى أَبْوَابِ
بَغْدَادَ ، وَقَدْ كَانَ
الْحَجَّاجُ نَقَلَهَا مِنْ مَدِينَةٍ هُنَاكَ كَانَتْ مِنْ بِنَاءِ
سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ ، وَكَانَتِ الْجِنُّ قَدْ عَمِلَتْ تِلْكَ الْأَبْوَابَ .
وَقَدْ كَانَتِ الْأَسْوَاقُ قَرِيبًا مِنْ قَصْرِ الْإِمَارَةِ ، فَكَانَتْ أَصْوَاتُ الْبَاعَةِ وَهَوْشَاتُ الْأَسْوَاقِ تُسْمَعُ مِنْهُ ، فَعَابَ ذَلِكَ بَعْضُ بَطَارِقَةِ
النَّصَارَى مِمَّنْ قَدِمَ فِي بَعْضِ الرَّسَائِلِ مِنَ
الرُّومِ ، فَأَمَرَ
الْمَنْصُورُ بِنَقْلِ الْأَسْوَاقِ مِنْ هُنَاكَ إِلَى مَوْضِعٍ آخَرَ ، وَأَمَرَ
[ ص: 390 ] بِتَوْسِعَةِ الطُّرُقَاتِ أَرْبَعِينَ ذِرَاعًا ، وَمَنْ بَنَى فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ هُدِمَ .
قَالَ
ابْنُ جَرِيرٍ : وَذُكِرَ عَنْ
عِيسَى ابْنِ الْمَنْصُورِ أَنَّهُ قَالَ : وَجَدْتُ فِي خَزَائِنِ
الْمَنْصُورِ فِي الْكُتُبِ أَنَّهُ أَنْفَقَ عَلَى
مَدِينَةِ السَّلَامِ وَمَسْجِدِهَا الْجَامِعِ وَقَصْرِ الذَّهَبِ بِهَا وَالْأَسْوَاقِ وَالْفُصْلَانِ وَالْخَنَادِقِ وَقِبَابِهَا وَأَبْوَابِهَا أَرْبَعَةَ آلَافِ أَلْفٍ وَثَمَانِمِائَةٍ وَثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ دِرْهَمًا ، وَكَانَ أُجْرَةُ الْأُسْتَاذِ مِنَ الْبَنَّائِينَ فِيهَا كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَ فِضَّةٍ ، وَأُجْرَةُ الصَّانِعِ مِنَ الْحَبَّتَيْنِ إِلَى الثَّلَاثِ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14231الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ : وَقَدْ رَأَيْتُ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ . وَحَكَى عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَالَ : أَنْفَقَ عَلَيْهَا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفَ أَلْفٍ . فَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَذَكَرَ
ابْنُ جَرِيرٍ أَنَّ
الْمَنْصُورَ نَاقَصَ أَحَدَ الْمُهَنْدِسِينَ الَّذِي بَنَى لَهُ بَيْتًا حَسَنًا فِي قَصْرِ الْإِمَارَةِ ، فَنَقَصَهُ دِرْهَمًا عَمَّا سَاوَمَهُ ، وَأَنَّهُ حَاسَبَ بَعْضَ الْمُسْتَحَثِّينَ عَلَى الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ ، فَفَضَلَ عِنْدَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا ، فَحَبَسَهُ حَتَّى أَحْضَرَهَا .
وَقَالَ الْحَافِظُ
أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ فِي " تَارِيخِ بَغْدَادَ " : وَبَنَاهَا مُدَوَّرَةً ،
[ ص: 391 ] وَلَا يُعْرَفُ فِي أَقْطَارِ الدُّنْيَا كُلِّهَا مَدِينَةٌ مُدَوَّرَةٌ سِوَاهَا ، وَوَضَعَ أَسَاسَهَا فِي وَقْتٍ اخْتَارَهُ لَهُ
نُوبَخْتُ الْمُنَجِّمُ . ثُمَّ رَوَى عَنْ بَعْضِ الْمُنَجِّمِينَ قَالَ : قَالَ لِي
الْمَنْصُورُ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بِنَاءِ
بَغْدَادَ : خُذِ الطَّالِعَ . فَنَظَرْتُ فِي طَالِعِهَا ، وَكَانَ الْمُشْتَرِي فِي الْقَوْسِ ، فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ النُّجُومُ مِنْ طُولِ زَمَانِهَا ، وَكَثْرَةِ عِمَارَتِهَا وَانْصِبَابِ الدُّنْيَا إِلَيْهَا ، وَفَقْرِ النَّاسِ إِلَى مَا فِيهَا . قَالَ : ثُمَّ قُلْتُ لَهُ : وَأُبَشِّرُكُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِبِشَارَةٍ أُخْرَى; وَهِيَ أَنَّهُ لَا يَمُوتُ فِيهَا أَحَدٌ مِنَ الْخُلَفَاءِ أَبَدًا . قَالَ : فَرَأَيْتُهُ يَبْتَسِمُ ثُمَّ قَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ ، ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ، وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ .
وَذَكَرَ عَنْ بَعْضِ الشُّعَرَاءِ أَنَّهُ قَالَ فِي ذَلِكَ شِعْرًا مِنْهُ :
قَضَى رَبُّهَا أَنْ لَا يَمُوتَ خَلِيفَةٌ بِهَا إِنَّهُ مَا شَاءَ فِي خَلْقِهِ يَقْضِي
وَقَدْ قَرَّرَهُ عَلَى هَذَا الْخَطَأِ
الْخَطِيبُ ، وَسَلَّمَ ذَلِكَ وَلَمْ يَنْقُضْهُ بِشَيْءٍ ، مَعَ اطِّلَاعِهِ وَمَعْرِفَتِهِ .
قَالَ : وَزَعَمَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ الْأَمِينَ قُتِلَ بِدَرْبِ
الْأَنْبَارِ مِنْهَا ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلْقَاضِي
nindex.php?page=showalam&ids=13961أَبِي الْقَاسِمِ عَلِيِّ بْنِ الْمُحْسِنِ التَّنُوخِيِّ فَقَالَ :
nindex.php?page=showalam&ids=13739مُحَمَّدٌ الْأَمِينُ أَيْضًا لَمْ يُقْتَلْ بِالْمَدِينَةِ ، وَإِنَّمَا قَدْ نَزَلَ فِي سَفِينَةٍ إِلَى دِجْلَةَ لِيَتَنَزَّهَ ، فَقُبِضَ عَلَيْهِ فِي وَسَطِ
[ ص: 392 ] دِجْلَةَ ، وَقُتِلَ هُنَاكَ ، وَذَكَرَ ذَلِكَ الصُّولِيُّ وَغَيْرُهُ .
وَذَكَرَ عَنْ بَعْضِ مَشَايِخِ
بَغْدَادَ أَنَّهُ قَالَ : اتِّسَاعُ
بَغْدَادَ مِائَةٌ وَثَلَاثُونَ جَرِيبًا ، وَذَلِكَ يَعْدِلُ مِيلَيْنِ فِي مِيلَيْنِ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12251الْإِمَامُ أَحْمَدُ :
بَغْدَادُ مِنَ
الصَّرَاةِ إِلَى
بَابِ التِّبْنِ .
وَذَكَرَ
الْخَطِيبُ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ بَيْنَ كُلِّ بَابَيْنِ مِنْ أَبْوَابِهَا الثَّمَانِيَةِ مِيلًا ، وَقِيلَ : أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ . وَذَكَرَ
الْخَطِيبُ nindex.php?page=treesubj&link=33758صِفَةَ قَصْرِ الْإِمَارَةِ ، وَأَنَّ فِيهِ الْقُبَّةَ الْخَضْرَاءَ طُولُهَا ثَمَانُونَ ذِرَاعًا ، عَلَى رَأْسِهَا تِمْثَالُ فَرَسٍ عَلَيْهِ فَارِسٌ فِي يَدِهِ رُمْحٌ يَدُورُ بِهِ ، فَإِلَى أَيِّ جِهَةٍ اسْتَقْبَلَهَا وَاسْتَمَرَّ مُسْتَقْبِلَهَا ، عُلِمَ أَنَّ فِي تِلْكَ الْجِهَةِ قَدْ وَقَعَ حَدَثٌ ، فَيَنْظُرُ فِي أَمْرِهِ الْخَلِيفَةُ . وَهَذِهِ الْقُبَّةُ عَلَى مَجْلِسٍ فِي صَدْرِ إِيوَانِ الْمَحْكَمَةِ ، وَطُولُهُ ثَلَاثُونَ ذِرَاعًا ، وَعَرْضُهُ عِشْرُونَ ذِرَاعًا ، وَقَدْ سَقَطَتْ هَذِهِ الْقُبَّةُ فِي لَيْلَةِ بَرْدٍ وَمَطَرٍ وَرَعْدٍ وَبَرْقٍ ، لَيْلَةَ الثُّلَاثَاءِ لِسَبْعٍ خَلَوْنَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ ، سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ .
وَذَكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=14231الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ أَنَّهُ كَانَ يُبَاعُ فِي أَيَّامِ
الْمَنْصُورِ بِبَغْدَادَ الْكَبْشُ بِدِرْهَمْ ، وَالْحَمَلُ بِأَرْبَعَةِ دَوَانِقَ ، وَيُنَادَى عَلَى لَحْمِ الْغَنَمِ كُلُّ سِتِّينَ رِطْلًا بِدِرْهَمٍ ، وَلَحْمُ الْبَقَرِ كُلُّ تِسْعِينَ رِطْلًا بِدِرْهَمٍ ، وَالتَّمْرُ كُلُّ سِتِّينَ رِطْلًا بِدِرْهَمٍ ، وَالزَّيْتُ كُلُّ
[ ص: 393 ] سِتَّةَ عَشَرَ رِطْلًا بِدِرْهَمٍ ، وَالسَّمْنُ كُلُّ ثَمَانِيَةِ أَرْطَالٍ بِدِرْهَمٍ ، وَالْعَسَلُ كُلُّ عَشَرَةِ أَرْطَالٍ بِدِرْهَمٍ .
وَلِهَذَا الْأَمْنِ وَالرُّخْصِ كَثُرَ سَاكِنُوهَا ، وَعَظُمَ أَهْلُوهَا ، حَتَّى كَانَ الْمَارُّ فِيهَا لَا يَكَادُ يَجْتَازُ فِي الْأَسْوَاقِ; لِكَثْرَةِ أَهْلِهَا . قَالَ بَعْضُ الْأُمَرَاءِ وَقَدْ رَجَعَ مِنَ السُّوقِ : طَالَمَا طَرَدْتُ خَلْفَ الْأَرَانِبِ فِي هَذَا الْمَكَانِ .
وَذَكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=14231الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ ، أَنَّ
الْمَنْصُورَ جَلَسَ يَوْمًا فِي قَصْرِ الْإِمَارَةِ وَعِنْدَهُ بَعْضُ رُسُلِ الرُّومِ ، فَسَمِعَ ضَجَّةً عَظِيمَةً ، ثُمَّ أُخْرَى ، ثُمَّ أُخْرَى ، فَقَالَ
لِلرَّبِيعِ الْحَاجِبِ : مَا هَذَا؟ فَكَشَفَ فَإِذَا بَقَرَةٌ قَدْ نَفَرَتْ مِنْ جَازِرِهَا هَارِبَةً فِي الْأَسْوَاقِ ، فَقَالَ
الرُّومِيُّ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِنَّكَ بَنَيْتَ بِنَاءً لَمْ يَبْنِهِ أَحَدٌ قَبْلَكَ ، وَفِيهِ ثَلَاثَةُ عُيُوبِ; بُعْدُهُ مِنَ الْمَاءِ ، وَقُرْبُ الْأَسْوَاقِ مِنْهُ ، وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ خُضْرَةٌ ، وَالْعَيْنُ خَضِرَةٌ تُحِبُّ الْخُضْرَةَ . فَلَمْ يَرْفَعْ بِهَا
الْمَنْصُورُ رَأْسًا ، ثُمَّ أَمَرَ بِتَغْيِيرِ ذَلِكَ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَسَاقَ إِلَيْهِ الْمَاءَ ، وَبَنَى عِنْدَهُ الْبَسَاتِينَ ، وَحَوَّلَ الْأَسْوَاقَ مِنْ ثَمَّ إِلَى الْكَرْخِ .
قَالَ
يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ : كَمُلَ بِنَاءُ
بَغْدَادَ فِي سَنَةِ سِتِّ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ ، وَفِي سَنَةِ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ حَوْلَ الْأَسْوَاقِ إِلَى
بَابِ الْكَرْخِ وَبَابِ الشَّعِيرِ وَبَابِ الْمُحَوَّلِ ،
[ ص: 394 ] وَأَمَرَ بِتَوْسِعَةِ الْأَسْوَاقِ أَرْبَعِينَ ذِرَاعًا . وَبَعْدَ شَهْرٍ مِنْ ذَلِكَ شَرَعَ فِي بِنَاءِ قَصْرِهِ الْمُسَمَّى بِالْخُلْدِ ، فَكَمُلَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ ، كَمَا سَيَأْتِي ، وَجَعَلَ أَمْرَ ذَلِكَ إِلَى رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ :
nindex.php?page=showalam&ids=12118الْوَضَّاحُ ، فَبَنَى قَصْرَ الْوَضَّاحِ ، وَبَنِي لِلْعَامَّةِ جَامِعًا لِصَلَاةِ الْجُمْعَةِ; لَا يَدْخُلُونَ إِلَى جَامِعِ مَدِينَةِ
الْمَنْصُورِ .
فَأَمَّا دَارُ الْخِلَافَةِ الَّتِي كَانَتْ
بِبَغْدَادَ فَإِنَّهَا كَانَتْ أَوَّلًا
لِلْحَسَنِ بْنِ سَهْلٍ ، فَانْتَقَلَتْ مِنْ بَعْدِهِ إِلَى ابْنَتِهِ
بَوَرَانَ الَّتِي كَانَ تَزَوَّجَهَا
الْمَأْمُونُ ، فَطَلَبَهَا مِنْهَا
الْمُعْتَضِدُ - وَقِيلَ :
الْمُعْتَمِدُ - فَأَنْعَمَتْ لَهُ بِهَا ، وَاسْتَنْظَرَتْهُ أَيَّامًا حَتَّى تَنْتَقِلَ مِنْهَا ، ثُمَّ شَرَعَتْ فِي تَرْمِيمِهَا وَتَبْيِيضِهَا وَتَحْسِينِهَا ، ثُمَّ فَرَشَتْهَا بِأَنْوَاعِ الْفُرُشِ ، وَعَلَّقَتْ فِيهَا أَنْوَاعَ السُّتُورِ ، وَأَرْصَدَتْ فِيهَا مَا يَنْبَغِي لِلْخَلِيفَةِ مِنَ الْجَوَارِي وَالْخَدَمِ ، بِأَنْوَاعِ الْمَلَابِسِ ، وَجَعَلَتْ فِي الْخَزَائِنِ مَا يَنْبَغِي مِنْ أَنْوَاعِ الْأَطْعِمَةِ وَالْمَآكِلِ ، ثُمَّ بَعَثَتْ بِمَفَاتِيحِهَا إِلَيْهِ ، فَلَمَّا دَخَلَهَا وَجَدَ فِيهَا مَا أَرْصَدَتْهُ بِهَا ، فَهَالَهُ ذَلِكَ وَاسْتَعْظَمَهُ جِدًّا ، فَكَانَ أَوَّلَ خَلِيفَةٍ سَكَنَهَا ، وَبَنَى عَلَيْهَا سُورًا . ذَكَرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14231الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ .
وَأَمَّا التَّاجُ فَبَنَاهُ الْمُكْتَفِي عَلَى
دِجْلَةَ ، وَحَوْلَهُ الْقِبَابُ وَالْمَجَالِسُ وَالْمَيْدَانُ وَالثُّرَيَّا وَحَيْرُ الْوُحُوشِ .
وَذَكَرَ
الْخَطِيبُ صِفَةَ دَارِ الشَّجَرَةِ الَّتِي كَانَتْ فِي زَمَنِ
الْمُقْتَدِرِ [ ص: 395 ] بِاللَّهِ ، وَمَا فِيهَا مِنَ الْفُرُشِ وَالسُّتُورِ وَالْخَدَمِ وَالْمَمَالِيكِ ، وَالْحِشْمَةِ الْبَاذِخَةِ ، وَأَنَّهُ كَانَ بِهَا أَحَدَ عَشَرَ أَلْفَ طَوَاشِيٍّ ، وَسَبْعُمِائَةِ حَاجِبٍ ، وَأَمَّا الْمَمَالِيكُ فَأُلُوفٌ لَا يُحْصَوْنَ كَثْرَةً ، وَسَيَأْتِي ذِكْرُ ذَلِكَ مُفَصَّلًا فِي مَوْضِعِهِ بَعْدَ سَنَةِ ثَلَاثِمِائَةٍ .
وَذَكَرَ
الْخَطِيبُ دَارَ الْمُلْكِ الَّتِي بِالْمُخَرَّمِ ، وَذَكَرَ الْجَوَامِعَ الَّتِي تُقَامُ فِيهَا الْجُمُعَاتُ ، وَذَكَرَ الْأَنْهَارَ وَالْجُسُورَ الَّتِي بِهَا ، وَمَا كَانَ فِي ذَلِكَ فِي زَمَنِ
الْمَنْصُورِ ، وَمَا أُحْدِثَ بَعْدَهُ إِلَى زَمَانِهِ . وَأَنْشَدَ لِبَعْضِ الشُّعَرَاءِ فِي جُسُورِ
بَغْدَادَ الَّتِي عَلَى
دِجْلَةَ :
يَوْمٌ سَرَقْنَا الْعَيْشَ فِيهِ خِلْسَةً فِي مَجْلِسٍ بِفِنَاءِ دِجْلَةَ مُفْرَدِ
رَقَّ الْهَوَاءُ بِرِقَّةٍ قُدَّامَهُ فَغَدَوْتُ رِقًّا لِلزَّمَانِ الْمُسْعِدِ
فَكَأَنَّ دِجْلَةَ طَيْلَسَانٌ أَبْيَضُ وَالْجِسْرُ فِيهَا كَالطِّرَازِ الْأَسْوَدِ
وَقَالَ آخَرُ :
أَيَا حَبَّذَا جِسْرٌ عَلَى مَتْنِ دِجْلَةٍ بِإِتْقَانِ تَأْسِيسٍ وَحُسْنٍ وَرَوْنَقِ
جَمَالٌ وَحَسَنٌ لِلْعِرَاقِ وَنُزْهَةٌ وَسَلْوَةُ مَنْ أَضْنَاهُ فَرْطُ التَّشَوُّقِ
[ ص: 396 ] تَرَاهُ إِذَا مَا جِئْتَهُ مُتَأَمِّلًا كَسَطْرِ عَبِيرٍ خُطَّ فِي وَسْطِ مُهْرَقِ
أَوِ الْعَاجُ فِيهِ الْآبِنُوسُ مُرَقَّشٌ مِثَالُ فَيُولٍ تَحْتَهَا أَرْضُ زِئْبَقِ
وَذَكَرَ
الصُّولِيُّ قَالَ : ذَكَرَ
أَحْمَدُ ابْنُ أَبِي طَاهِرٍ فِي كِتَابِ " بَغْدَادَ " أَنَّ ذَرْعَ
بَغْدَادَ مِنَ الْجَانِبَيْنِ ثَلَاثَةٌ وَخَمْسُونَ أَلْفَ جَرِيبٍ وَسَبْعُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ جَرِيبًا ، وَأَنَّ الْجَانِبَ الشَّرْقِيَّ سِتَّةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفَ جَرِيبٍ وَسَبْعُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ جَرِيبًا ، وَأَنَّ عَدَدَ حَمَّامَاتِهَا سِتُّونَ أَلْفَ حَمَّامٍ ، وَأَقَلُّ مَا فِي كُلِّ حَمَّامٍ مِنْهَا خَمْسَةُ نَفَرٍ حَمَّامِيٌّ وَقَيِّمٌ وَزَبَّالٌ وَوَقَّادٌ وَسَقَّاءٌ ، وَأَنَّ بِإِزَاءِ كُلِّ حَمَّامٍ خَمْسَةَ مَسَاجِدَ ، فَذَلِكَ ثَلَاثُمِائَةِ أَلْفِ مَسْجِدٍ ، وَأَقَلُّ مَا يَكُونُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ خَمْسَةُ أَنْفُسٍ . يَعْنِي إِمَامًا وَقِيَمًا وَمُؤَذِّنًا وَمَأْمُومَيْنِ . ثُمَّ تَنَاقَصَتْ بَعْدَ ذَلِكَ ، ثُمَّ دُثِرَتْ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى صَارَتْ كَأَنَّهَا خَرِبَةٌ; صُورَةً وَمَعْنًى . عَلَى مَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي مَوْضِعِهِ .
وَقَالَ
الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ : لَمْ يَكُنْ
لِبَغْدَادَ فِي الدُّنْيَا نَظِيرٌ فِي جَلَالَةِ قَدْرِهَا ، وَفَخَامَةِ أَمْرِهَا ، وَكَثْرَةِ عُلَمَائِهَا وَأَعْلَامِهَا ، وَتَمَيُّزِ خَوَاصِّهَا وَعَوَامِّهَا ، وَعِظَمِ أَقْطَارِهَا ، وَسِعَةِ أَطْرَارِهَا ، وَكَثْرَةِ دُورِهَا وَمَنَازِلِهَا ، وَدُرُوبِهَا وَشَوَارِعِهَا ، وَمَحَالِّهَا وَأَسْوَاقِهَا ، وَسِكَكِهَا وَأَزِقَّتِهَا ، وَمَسَاجِدِهَا ، وَحَمَّامَاتِهَا ، وَخَانَاتِهَا ، وَطِيبِ هَوَائِهَا ، وَعُذُوبَةِ مَائِهَا ، وَبَرْدِ ظِلَالِهَا وَأَفْيَائِهَا ،
[ ص: 397 ] وَاعْتِدَالِ صَيْفِهَا وَشِتَائِهَا ، وَصِحَّةِ رَبِيعِهَا وَخَرِيفِهَا ، وَأَكْثَرُ مَا كَانَتْ عِمَارَةً وَأَهْلًا فِي أَيَّامِ
الرَّشِيدِ . ثُمَّ ذَكَرَ تَنَاقُصَ أَحْوَالِهَا بَعْدَ ذَلِكَ ، وَهَلُمَّ جَرَّا إِلَى زَمَانِهِ .
قُلْتُ : وَكَذَا مِنْ بَعْدِهِ إِلَى زَمَانِنَا هَذَا ، وَلَا سِيَّمَا فِي
nindex.php?page=treesubj&link=33800أَيَّامِ هُولَاكُو بْنُ تَوْلَى بْنِ جِنْكِزْ خَانَ التُّرْكِيِّ الَّذِي وَضَعَ مَعَالِمَهَا ، وَقَتَلَ خَلِيفَتَهَا وَعَالِمَهَا ، وَخَرَّبَ دُورَهَا ، وَهَدَمَ قُصُورَهَا ، وَأَبَادَ الْخَوَاصَّ وَالْعَوَامَّ مِنْ أَهْلِهَا فِي ذَلِكَ الْعَامِ ، وَأَخَذَ الْأَمْوَالَ وَالْحَوَاصِلَ ، وَنَهَبَ الذَّرَارِيَّ وَالْأَصَائِلَ ، وَأَوْرَثَ بِهَا حُزْنًا يُعَدَّدُ بِهِ فِي الْبَكَرَاتِ وَالْأَصَائِلِ ، وَصَيَّرَهَا مُثْلَةً فِي الْأَقَالِيمِ ، وَعِبْرَةً لِكُلِّ مُعْتَبِرٍ عَلِيمٍ ، وَتَذْكِرَةً لِكُلِّ ذِي عَقْلٍ مُسْتَقِيمٍ ، وَبُدِّلَتْ بَعْدَ تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ ، بِالنَّغَمَاتِ وَالْأَلْحَانِ ، وَإِنْشَادِ الْأَشْعَارِ وَكَانَ وَكَانَ ، وَبَعْدَ سَمَاعِ الْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ ، بِدَرْسِ الْفَلْسَفَةِ الْيُونَانِيَّةِ ، وَالْمَنَاهِجِ الْكَلَامِيَّةِ ، وَالتَّأْوِيلَاتِ الْقُرْمَطِيَّةِ ، وَبَعْدَ الْعُلَمَاءِ بِالْحُكَمَاءِ ، وَبَعْدَ الْخَلِيفَةِ الْعَبَّاسِيِّ ، بَشَرِّ الْوُلَاةِ مِنَ الْأَنَاسِيِّ ، وَبَعْدَ الرِّيَاسَةِ وَالنَّبَاهَةِ ، بِالْخَسَاسَةِ وَالسَّفَاهَةِ ، وَبَعْدَ الْعُبَّادِ بِالْأَنْكَادِ ، وَبَعْدَ الطَّلَبَةِ الْمُشْتَغِلِينَ ، بِالظَّلَمَةِ وَالْعَيَّارِينَ ، وَبَعْدَ الِاشْتِغَالِ بِفُنُونِ الْعِلْمِ مِنَ التَّفْسِيرِ وَالْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ وَتَعْبِيرِ الرُّؤْيَا ، بِالزَّجَلِ وَالْمُوَشَّحِ وَدُوبِيتَ وَمَوَالِيَا ، وَمَا أَصَابَهُمْ ذَلِكَ إِلَّا بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ ، وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ .
وَالتَّحَوُّلُ مِنْهَا فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ - لِكَثْرَةِ مَا فِيهَا مِنَ الْمُنْكَرَاتِ الْحِسِّيَّةِ وَالْمَعْنَوِيَّةِ - وَالِانْتِقَالُ عَنْهَا إِلَى بِلَادِ
الشَّامِ الَّذِي تَكَفَّلَ اللَّهُ بِأَهْلِهِ ، أَفْضَلُ وَأَكْمَلُ وَأَجْمَلُ .
[ ص: 398 ] وَقَدْ رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=12251الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي " مَسْنَدِهِ " عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=481أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ أَنَّهُ قَالَ : لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَحَوَّلَ خِيَارُ
أَهْلِ الْعِرَاقِ إِلَى
الشَّامِ ، وَشِرَارُ
أَهْلِ الشَّامِ إِلَى
الْعِرَاقِ .