قال : قال لي يونس بن عبد الأعلى الصدفي المصري : هل رأيت الشافعي بغداد؟ قلت : لا . فقال : لم تر الدنيا .
[ ص: 401 ] وعن قال : ما دخلت بلدا قط إلا عددته سفرا ، إلا الشافعي بغداد فإني حين دخلتها عددتها وطنا .
وقال بعضهم : الدنيا بادية ، وبغداد حاضرتها .
وقال ما رأيت أعقل في طلب الحديث من ابن علية : أهل بغداد ولا أحسن رغبة .
وقال ابن مجاهد : رأيت أبا عمرو ابن العلاء في النوم فقلت : ما فعل الله بك؟ فقال لي : دعني من هذا ، من أقام ببغداد على السنة والجماعة ومات ، نقل من جنة إلى جنة .
وقال أبو بكر بن عياش : الإسلام ببغداد ، وإنها لصيادة تصيد الرجال ، ومن لم يرها لم ير الدنيا .
وقال أبو معاوية : بغداد دار دنيا وآخرة .
وقال بعضهم : من محاسن الإسلام يوم الجمعة ببغداد ، وصلاة التراويح بمكة ، ويوم العيد بطرسوس .
[ ص: 402 ] قال الخطيب : من شهد الجمعة بمدينة السلام عظم الله في قلبه محل الإسلام; لأن مشايخنا كانوا يقولون : يوم الجمعة ببغداد كيوم العيد في غيرها من البلاد .
وقال بعضهم : كنت أواظب على الجمعة بجامع المنصور ، فعرض لي شغل فصليت في غيره ، فرأيت في المنام كأن قائلا يقول لي : تركت الصلاة بالجامع وإنه ليصلي بالجامع كل جمعة سبعون وليا؟!
وقال آخر : أردت الانتقال من بغداد إلى غيرها ، فرأيت كأن قائلا يقول لي في المنام : أتنتقل من بلد فيه عشرة آلاف ولي لله عز وجل؟!
وقال بعضهم : رأيت كأن ملكين أتيا بغداد فقال أحدهما لصاحبه : اقلب بها فقد حق القول عليها . فقال الآخر : كيف أقلب ببلد ختم فيه القرآن الليلة خمسة آلاف ختمة؟!
وقال أبو مسهر ، عن سعيد بن عبد العزيز ، عن قال : إذا كان علم الرجل حجازيا ، وخلقه عراقيا ، وطاعته شامية فقد كمل . سليمان بن موسى
[ ص: 403 ] وقالت زبيدة لمنصور النمري : قل شعرا تحبب فيه بغداد إلى الرشيد ، فقد اختار سكنى الرافقة . فقال :
ماذا ببغداد من طيب الأفانين ومن منازل للدنيا وللدين تحيي الرياح بها المرضى إذا نسمت
وجوشت بين أغصان الرياحين
وقال الخطيب : وقرأت في كتاب طاهر بن مظفر بن طاهر الخازن بخطه من شعره :
سقى الله صوب الغاديات محلة ببغداد بين الكرخ فالخلد فالجسر
هي البلدة الحسناء خصت لأهلها بأشياء لم يجمعن مذ كن في مصر
هواء رقيق في اعتدال وصحة وماء له طعم ألذ من الخمر
ودجلتها شطان قد نظما لنا بتاج إلى تاج وقصر إلى قصر
ثراها كمسك والمياه كفضة وحصباؤها مثل اليواقيت والدر
وقد كان الفراغ من بناء بغداد في هذه السنة - أعني سنة ست وأربعين [ ص: 404 ] ومائة - وقيل : في سنة ثمان وأربعين . وقيل : إن سورها وخندقها كملا في سنة تسع وأربعين . ولم يزل المنصور يزيد فيها ، ويتأنق في بنائها حتى كان آخر ما بنى فيها قصر الخلد ، فعند كماله توفي ، كما سيأتي بيانه .
قال ابن جرير : وفي هذه السنة عزل المنصور سلم بن قتيبة عن البصرة ، وولى عليها محمد بن سليمان بن علي; وذلك لأنه كتب إلى سلم يأمره بهدم بيوت الذين بايعوا إبراهيم بن عبد الله بن حسن ، فتوانى في ذلك فعزله ، وبعث ابن عمه محمد بن سليمان بن علي فعاث فيها فسادا ، وهدم دورا كثيرة ، وعزل عبد الله بن الربيع عن إمرة المدينة ، وولى عليها جعفر بن سليمان ، وعزل عن مكة السري بن عبد الله وولاها عبد الصمد بن علي .
قال : وحج بالناس في هذه السنة عبد الوهاب بن إبراهيم بن محمد بن علي . قاله الواقدي وغيره . قال : وفيها غزا الصائفة من بلاد الروم جعفر بن حنظلة البهراني .
وفيها توفي من الأعيان : أشعث بن عبد الملك ، ومحمد بن السائب [ ص: 405 ] الكلبي ، وهشام بن عروة ، ويزيد ابن أبي عبيد في قول .