قارئ إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري ، أهل المدينة ، وقد أقام [ ص: 605 ] مدة ببغداد يؤدب حتى توفي في هذه السنة . عليا ابن المهدي ،
وفيها كانت علي ابن المهدي ، وقد ولي إمرة الحج غير مرة ، كما تقدم ، وكان أسن من وفاة الرشيد بشهور .
حسان بن سنان
حسان بن سنان بن أوفى بن عوف التنوخي الأنباري ، ولد سنة ستين ، ورأى أنس بن مالك ودعا له ، فجاء من نسله قضاة ووزراء وصلحاء ، وأدرك الدولتين ، وكان نصرانيا فأسلم وحسن إسلامه ، وكان يكتب بالعربية والفارسية والسريانية ، وكان يعرب الكتب بين يدي ربيعة لما ولاه السفاح الأنبار .
وفيها توفي أحد الثقات . عبد الوارث بن سعيد التنوري ،
القاضي وعافية بن يزيد بن قيس ، للمهدي على الجانب الشرقي من بغداد هو وكانا يحكمان بجامع الرصافة ، وكان وابن علاثة ، عافية عابدا زاهدا ورعا ، دخل يوما على المهدي في وقت الظهيرة فقال : يا أمير المؤمنين ، أعفني . فقال : [ ص: 607 ] لم؟ أعترض عليك أحد من الأمراء؟ فقال : لا ، ولكن كان بين اثنين خصومة عندي ، فعمد أحدهما إلى رطب السكر ، وكأنه سمع أني أحبه ، فأهدى إلي منه طبقا لا يصلح إلا لأمير المؤمنين ، فرددته عليه ، فلما أصبحا وجلسا للحكومة ، لم يستويا عندي في قلبي ولا نظري ، ومال قلبي إلى المهدي منهما ، هذا وما قبلت منه ، فكيف لو قبلت منه؟! فأعفني يا أمير المؤمنين ، عفا الله عنك . فأعفاه .
وقال الأصمعي : كنت عند الرشيد يوما وعنده عافية القاضي ، وقد أحضره لأن قوما استعدوا عليه إلى الرشيد ، فجعل الرشيد يوقفه على ما قيل عنه ، وهو يجيب الخليفة عما يسأله ، وطال المجلس ، فعطس الخليفة ، فشمته الناس ولم يشمته عافية ، فقال له : لم لم تشمتني مع الناس؟ فقال : لأنك لم تحمد الله . واحتج بالحديث في ذلك ، فقال له الرشيد : ارجع إلى عملك ، فوالله ما كنت لتفعل ما قيل عنك ، وأنت لم تسامحني في عطسة . ورده ردا جميلا إلى ولايته .
وفيها إمام النحاة ، سيبويه واسمه توفي عمرو بن عثمان بن قنبر أبو بشر ، المعروف بسيبويه النحوي ، مولى بني الحارث بن كعب ، وقيل : مولى آل الربيع بن زياد . وإنما سمي لأن أمه كانت ترقصه وتقول له ذلك ، ومعنى [ ص: 607 ] سيبويه; رائحة التفاح . وقد كان في ابتداء أمره يصحب المحدثين والفقهاء ، وكان يستملي على سيبويه : حماد بن سلمة ، فلحن يوما ، فرد عليه قوله ، فأنف من ذلك ، فلزم الخليل بن أحمد ، فبرع في النحو ، ودخل بغداد وناظر الكسائي .
وكان شابا جميلا نظيفا ، تعلق من كل علم بسبب ، وضرب في كل أدب بسهم ، مع حداثة سنه وبراعته في النحو . وقد صنف في النحو كتابا لا يلحق شأوه ، وشرحه أئمة النحاة بعده ، فانغمروا في لجج بحره ، واستخرجوا من جواهر حاصله ، ولم يبلغوا إلى قعره . وقد زعم سيبويه ثعلب أنه لم ينفرد بتصنيفه ، وقد تساعد جماعة في تصنيفه نحو من أربعين نفسا ، هو أحدهم . قال : وهو أصول الخليل ، فادعاه لنفسه ، وقد استبعد ذلك سيبويه السيرافي في كتاب " طبقات النحاة " قال : وقد أخذ اللغات عن سيبويه أبي الخطاب الأخفش وغيره ، وكتابه المشهور " بالكتاب " لم يسبق إلى مثله ، ولا يلحقه فيه أحد .
وكان يقول : سيبويه والعروبة يوم الجمعة . وكان يقول : من قال : عروبة . فقد أخطأ . فذكر ذلك سعيد بن أبي العروبة ، ليونس فقال : أصاب ، لله دره .
[ ص: 608 ] وقد ارتحل إلى خراسان ليحظى عند طلحة بن طاهر ، فإنه كان يحب النحو ، فمرض هناك مرضه الذي توفي فيه ، فتمثل عند الموت :
يؤمل دنيا لتبقى له فمات المؤمل قبل الأمل حثيثا يروي أصول الفسيل
فعاش الفسيل ومات الرجل
وكنا جميعا فرق الدهر بيننا إلى الأمد الأقصى فمن يأمن الدهرا
عفيرة العابدة ، كانت طويلة الحزن كثيرة البكاء ، قدم قريب لها من سفر ، فجعلت تبكي ، فقيل لها : ليس هذا وقت بكاء! فقالت : لقد ذكرني قدوم هذا الفتى يوم القدوم على الله ، فمن مسرور ومثبور . وفيها توفيت
وفيها مسلم بن خالد الزنجي شيخ الشافعي ، كان من مات أهل مكة ولقد تكلموا فيه لسوء حفظه .