قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=16ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=16ألم يأن للذين آمنوا أي : يقرب ويحين ، قال الشاعر :
ألم يأن لي يا قلب أن أترك الجهلا وأن يحدث الشيب المبين لنا عقلا
وماضيه أنى - بالقصر - يأني . ويقال : آن لك - بالمد - أن تفعل كذا يئين أينا أي : حان ، مثل : أنى لك وهو مقلوب منه . وأنشد
ابن السكيت :
ألما يئن لي أن تجلى عمايتي وأقصر عن ليلى بلى قد أنى ليا
فجمع بين اللغتين . وقرأ
الحسن " ألما يأن " وأصلها " ألم " زيدت " ما " فهي نفي لقول القائل : قد كان كذا ، و " لم " نفي لقوله : كان كذا . وفي صحيح
مسلم عن
ابن مسعود قال : ما كنا بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية
nindex.php?page=treesubj&link=29028ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم [ ص: 225 ] لذكر الله إلا أربع سنين . قال
الخليل : العتاب مخاطبة الإدلال ومذاكرة الموجدة ، تقول عاتبته معاتبة
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=16أن تخشع أي : تذل وتلين
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=16قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق روي أن المزاح والضحك كثر في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لما ترفهوا
بالمدينة ، فنزلت الآية ، ولما نزلت هذه الآية قال صلى الله عليه وسلم :
إن الله يستبطئكم بالخشوع فقالوا عند ذلك : خشعنا . وقال
ابن عباس : إن الله استبطأ قلوب المؤمنين ، فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة سنة من نزول القرآن . وقيل : نزلت في المنافقين بعد الهجرة بسنة . وذلك أنهم سألوا
سلمان أن يحدثهم بعجائب التوراة فنزلت :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=1الر nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=1تلك آيات الكتاب المبين إلى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=3نحن نقص عليك أحسن القصص الآية ، فأخبرهم أن هذا القصص أحسن من غيره وأنفع لهم ، فكفوا عن
سلمان ، ثم سألوه مثل الأول فنزلت :
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=16ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق فعلى هذا التأويل يكون الذين آمنوا في العلانية باللسان . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي وغيره :
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=16ألم يأن للذين آمنوا بالظاهر وأسروا الكفر
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=16أن تخشع قلوبهم لذكر الله . وقيل : نزلت في المؤمنين . قال
سعد : قيل يا رسول الله لو قصصت علينا فنزل :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=3نحن نقص عليك فقالوا بعد زمان : لو حدثتنا فنزل :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=23الله نزل أحسن الحديث فقالوا بعد مدة : لو ذكرتنا فأنزل الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=16ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ونحوه عن
ابن مسعود قال : ما كان بين إسلامنا وبين أن عوتبنا بهذه الآية إلا أربع سنين ، فجعل ينظر بعضنا إلى بعض ويقول : ما أحدثنا ؟ قال
الحسن : استبطأهم وهم أحب خلقه إليه . وقيل : هذا الخطاب لمن آمن
بموسى وعيسى دون
محمد عليهم السلام لأنه قال عقيب هذا :
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=19والذين آمنوا بالله ورسله أي : ألم يأن للذين آمنوا بالتوراة والإنجيل أن تلين قلوبهم للقرآن ، وألا يكونوا كمتقدمي قوم
موسى وعيسى ، إذ طال عليهم الأمد بينهم وبين نبيهم فقست قلوبهم .
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=16ولا يكونوا أي : وألا يكونوا فهو منصوب عطفا على
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=16أن تخشع .
[ ص: 226 ] وقيل : مجزوم على النهي ، مجازه ولا يكونن ، ودليل هذا التأويل رواية
رويس عن
يعقوب " لا تكونوا " بالتاء ، وهي قراءة
عيسى nindex.php?page=showalam&ids=12563وابن إسحاق . يقول : لا تسلكوا سبيل
اليهود والنصارى ، أعطوا التوراة والإنجيل فطالت الأزمان بهم . قال
ابن مسعود : إن
بني إسرائيل لما طال عليهم الأمد قست قلوبهم ، فاخترعوا كتابا من عند أنفسهم استحلته أنفسهم ، وكان الحق يحول بينهم وبين كثير من شهواتهم ، حتى نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون ، ثم قالوا : أعرضوا هذا الكتاب على
بني إسرائيل ، فإن تابعوكم فاتركوهم وإلا فاقتلوهم . ثم اصطلحوا على أن يرسلوه إلى عالم من علمائهم ، وقالوا : إن هو تابعنا لم يخالفنا أحد ، وإن أبى قتلناه فلا يختلف علينا بعده أحد ، فأرسلوا إليه ، فكتب كتاب الله في ورقة وجعلها في قرن وعلقه في عنقه ثم لبس عليه ثيابه ، فأتاهم فعرضوا عليه كتابهم ، وقالوا : أتؤمن بهذا ؟ فضرب بيده على صدره ، وقال : آمنت بهذا - يعني المعلق على صدره - فافترقت
بنو إسرائيل على بضع وسبعين ملة ، وخير مللهم
أصحاب ذي القرن . قال
عبد الله : ومن يعش منكم فسيرى منكرا ، وبحسب أحدكم إذا رأى المنكر لا يستطيع أن يغيره أن يعلم الله من قلبه أنه له كاره . وقال
مقاتل بن حيان : يعني مؤمني
أهل الكتاب طال عليهم الأمد واستبطئوا بعث النبي صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=16فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون يعني : الذين ابتدعوا الرهبانية أصحاب الصوامع . وقيل : من لا يعلم ما يتدين به من الفقه ويخالف من يعلم . وقيل : هم من لا يؤمن في علم الله تعالى . ثبتت طائفة منهم على دين
عيسى حتى بعث النبي صلى الله عليه وسلم فآمنوا به ، وطائفة منهم رجعوا عن دين
عيسى وهم الذين فسقهم الله . وقال
محمد بن كعب : كانت الصحابة
بمكة مجدبين ، فلما هاجروا أصابوا الريف والنعمة ، ففتروا عما كانوا فيه ، فقست قلوبهم ، فوعظهم الله فأفاقوا . وذكر
ابن المبارك : أخبرنا
مالك بن أنس ، قال : بلغني أن
عيسى عليه السلام قال لقومه : لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله تعالى فتقسو قلوبكم ، فإن القلب القاسي بعيد من الله ولكن لا تعلمون . ولا تنظروا في ذنوب الناس كأنكم أرباب وانظروا فيها - أو قال في ذنوبكم - كأنكم عبيد ، فإنما الناس رجلان : معافى ومبتلى ، فارحموا أهل البلاء ، واحمدوا الله على العافية . وهذه الآية
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=16ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله كانت سبب توبة
الفضيل بن عياض nindex.php?page=showalam&ids=16418وابن المبارك رحمهما الله تعالى . ذكر
أبو المطرف عبد الرحمن بن مروان القلانسي قال : حدثنا
أبو [ ص: 227 ] محمد الحسن بن رشيق ، قال حدثنا
علي بن يعقوب الزيات ، قال حدثنا
إبراهيم بن هشام ، قال حدثنا
زكريا بن أبي أبان ، قال حدثنا
الليث بن الحارث قال حدثنا
الحسن بن داهر ، قال سئل
nindex.php?page=showalam&ids=16418عبد الله بن المبارك عن بدء زهده قال : كنت يوما مع إخواني في بستان لنا ، وذلك حين حملت الثمار من ألوان الفواكه ، فأكلنا وشربنا حتى الليل فنمنا ، وكنت مولعا بضرب العود والطنبور ، فقمت في بعض الليل فضربت بصوت يقال له راشين السحر ، وأراد سنان يغني ، وطائر يصيح فوق رأسي على شجرة ، والعود بيدي لا يجيبني إلى ما أريد ، وإذا به ينطق كما ينطق الإنسان - يعني العود الذي بيده - ويقول :
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=16ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق قلت : بلى والله ! وكسرت العود ، وصرفت من كان عندي ، فكان هذا أول زهدي وتشميري . وبلغنا عن الشعر الذي أراد
ابن المبارك أن يضرب به العود :
ألم يأن لي منك أن ترحما وتعص العواذل واللوما
وترثي لصب بكم مغرم أقام على هجركم مأتما
يبيت إذا جنه ليله يراعي الكواكب والأنجما
وماذا على الصب لو أنه أحل من الوصل ما حرما
وأما
الفضيل بن عياض فكان سبب توبته أنه عشق جارية فواعدته ليلا ، فبينما هو يرتقي الجدران إليها إذ سمع قارئا يقرأ :
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=16ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله فرجع القهقرى وهو يقول : بلى والله قد آن ، فآواه الليل إلى خربة وفيها جماعة من السابلة ، وبعضهم يقول لبعض : إن
فضيلا يقطع الطريق . فقال
الفضيل : أواه أراني بالليل أسعى في معاصي الله ، قوم من المسلمين يخافونني ! اللهم إني قد تبت إليك ، وجعلت توبتي إليك جوار بيتك الحرام .
nindex.php?page=treesubj&link=29028قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=17اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها أي : يحيي الأرض الجدبة بعد موتها بالمطر . وقال
صالح المري : المعنى : يلين القلوب بعد قساوتها . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15639جعفر بن محمد : يحييها بالعدل بعد الجور . وقيل : المعنى فكذلك يحيي الكافر بالهدى إلى الإيمان بعد موته بالكفر والضلالة . وقيل : كذلك يحيي الله الموتى من الأمم ، ويميز بين الخاشع قلبه وبين القاسي قلبه .
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=17قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون أي : إحياء الله الأرض بعد موتها دليل على
nindex.php?page=treesubj&link=33679قدرة الله ، وأنه لمحيي الموتى .
[ ص: 228 ]