وقد توفي فيها من الأعيان :
، سلم بن سالم أبو محمد البلخي قدم بغداد وحدث بها عن إبراهيم بن طهمان . وعنه والثوري الحسن بن عرفة . وكان عابدا زاهدا ، مكث أربعين سنة لم نر له فراشا ، وصامها كلها إلا يوم عيد فطر أو أضحى ، ولم يرفع رأسه إلى السماء ، وكان داعية إلى الإرجاء ، ضعيف الحديث ، إلا أنه كان رأسا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وكان قد قدم بغداد فشنع على الرشيد ، فحبسه وقيده باثني عشر قيدا ، فلم يزل أبو معاوية يشفع فيه حتى تركوه في أربعة قيود ، ثم كان يدعو الله أن يرده إلى أهله . فلما توفي الرشيد أطلقته زبيدة [ ص: 59 ] فرجع إلى أهله وكانوا بمكة قد جاءوا حجاجا فمرض بمكة .
واشتهى يوما بردا ، فسقط في ذلك اليوم برد ، فأكل منه . ومات في ذي الحجة من هذه السنة .
، عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي كانت غلته في السنة قريبا من خمسين ألفا ينفقها كلها على أهل الحديث . توفي عن أربع وثمانين سنة .
المصاب أبو النصر الجهني ، كان مقيما بالمدينة النبوية بالصفة من المسجد في الحائط الشمالي منه ، وكان يطيل السكوت ، فإذا سئل أجاب بجواب حسن ، ويتكلم بكلمات مفيدة تؤثر عنه ، وتكتب ، وكان يخرج يوم الجمعة قبل الصلاة فيقف على مجامع الناس فيقول يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا [ لقمان : 33 ] و يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل [ البقرة : 48 ] ثم ينتقل من جماعة إلى جماعة حتى يدخل المسجد فيصلي فيه الجمعة ، ثم لا يخرج حتى يصلي [ ص: 60 ] العشاء الآخرة .
وقد وعظ مرة بكلام حسن فقال : اعلم أن الله سائلك عن أمة نبيه ، فأعد لذلك جوابا ، وقد قال هارون الرشيد عمر بن الخطاب لو ماتت سخلة بالعراق ضياعا لخشيت أن يسألني الله عز وجل عنها . فقال : إني لست كعمر ، وإن دهري ليس كدهره . فقال : ما هذا بمغن عنك شيئا . فأمر له بثلاثمائة دينار ، فقال : أنا رجل من أهل الصفة ، فمر بها فلتقسم عليهم وأنا واحد منهم .