nindex.php?page=treesubj&link=33799ظهور إبراهيم بن المهدي بعد اختفائه
ولما كان ليلة الأحد لثلاث عشرة ليلة بقيت من ربيع الآخر منها اجتاز
إبراهيم بن المهدي وكان مختفيا مدة ست سنين وشهور منتقبا في زي امرأة ومعه امرأتان في بعض دروب
بغداد في أثناء الليل ، فقام الحارس فقال : إلى أين هذه الساعة ؟ ومن أين ؟ ثم أراد أن يمسكهن ، فأعطاه
إبراهيم خاتما كان في يده من ياقوت ، فلما نظر إليه الحارس استراب وقال : إنما هذا خاتم رجل كبير الشأن . فذهب بهن إلى متولي الليل ، فأمرهن أن يسفرن عن وجوههن ، فتمنع
[ ص: 177 ] إبراهيم فكشفوا عن وجهه فإذا هو هو ، فعرفه فذهب به إلى صاحب الحرس فسلمه إليه ، فرفعه الآخر إلى باب
المأمون فأصبح في دار الخلافة ونقابه على رأسه والملحفة في صدره ليراه الناس ، وليعلموا كيف أخذ . فأمر
المأمون بالاحتفاظ به والاحتراس عليه مدة ، ثم أطلقه ورضي عنه . هذا وقد صلب جماعة ممن كان سجنهم بسببه لكونهم أرادوا الفتك بالموكلين بالسجن ، فصلب منهم أربعة .
وقد ذكروا أن
إبراهيم بن المهدي لما أوقف بين يدي
المأمون شرع في تأنيبه ، فترقق له عمه
إبراهيم كثيرا ، وقال : يا أمير المؤمنين ، إن تعاقب فبحقك ، وإن تعف فبفضلك . فقال : بل أعفو يا
إبراهيم ، إن القدرة تذهب الحفيظة ، والندم توبة ، وبينهما عفو الله عز وجل ، وهو أكبر مما تسأله . فكبر
إبراهيم وسجد شكرا لله عز وجل .
وقد امتدح
إبراهيم بن المهدي ابن أخيه
المأمون بقصيدة بالغ فيها ، فلما سمعها
المأمون قال : أقول كما قال
يوسف لإخوته :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=92لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين [ يوسف : 92 ] وذكر الحافظ
nindex.php?page=showalam&ids=13359ابن عساكر أن
المأمون لما عفا عن عمه
إبراهيم أمره أن يغنيه شيئا ، فقال : إني تركته . فأمره فأخذ العود في حجره ، وقال :
هذا مقام مسود خربت منازله ودوره [ ص: 178 ] نمت عليه عداته
كذبا فعاقبه أميره
ثم عاد فقال :
ذهبت من الدنيا وقد ذهبت منى لوى الدهر بي عنها وولى بها عني
فإن أبك نفسي أبك نفسا عزيزة وإن أحتقرها أحتقرها على ضن
وإني وإن كنت المسيء بعينه بربي تعالى جده حسن الظن
عدوت على نفسي فعاد بعفوه علي فعاد العفو منا على من
فقال
المأمون : أحسنت يا أمير المؤمنين حقا . فرمى بالعود من حجره ، ووثب قائما فزعا من هذا الكلام ، فقال له
المأمون : اقعد واسكن ، مرحبا بك ، لم يكن ذلك لشيء تتوهمه ، ووالله لا رأيت طول أيامي شيئا تكرهه ، وتغتم به ، ثم أمر له برد جميع ما كان من الأموال والضياع والدور ، فردت إليه ، وأمر له بعشرة آلاف دينار وخلع عليه ، وخرج من عنده مكرما معظما .
nindex.php?page=treesubj&link=33799ظُهُورُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمَهْدِيِّ بَعْدَ اخْتِفَائِهِ
وَلَمَّا كَانَ لَيْلَةُ الْأَحَدِ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ لَيْلَةً بَقِيَتْ مِنْ رَبِيعٍ الْآخِرِ مِنْهَا اجْتَازَ
إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمَهْدِيِّ وَكَانَ مُخْتَفِيًا مُدَّةَ سِتِّ سِنِينَ وَشُهُورٍ مُنْتَقِبًا فِي زِيِّ امْرَأَةٍ وَمَعَهُ امْرَأَتَانِ فِي بَعْضِ دُرُوبِ
بَغْدَادَ فِي أَثْنَاءِ اللَّيْلِ ، فَقَامَ الْحَارِسُ فَقَالَ : إِلَى أَيْنَ هَذِهِ السَّاعَةَ ؟ وَمِنْ أَيْنَ ؟ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُمْسِكَهُنَّ ، فَأَعْطَاهُ
إِبْرَاهِيمُ خَاتَمًا كَانَ فِي يَدِهِ مِنْ يَاقُوتٍ ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ الْحَارِسُ اسْتَرَابَ وَقَالَ : إِنَّمَا هَذَا خَاتَمُ رَجُلٍ كَبِيرِ الشَّأْنِ . فَذَهَبَ بِهِنَّ إِلَى مُتَوَلِّي اللَّيْلِ ، فَأَمَرَهُنَّ أَنْ يُسْفِرْنَ عَنْ وُجُوهِهِنَّ ، فَتَمَنَّعَ
[ ص: 177 ] إِبْرَاهِيمُ فَكَشَفُوا عَنْ وَجْهِهِ فَإِذَا هُوَ هُوَ ، فَعَرَفَهُ فَذَهَبَ بِهِ إِلَى صَاحِبِ الْحَرَسِ فَسَلَّمَهُ إِلَيْهِ ، فَرَفَعَهُ الْآخَرُ إِلَى بَابِ
الْمَأْمُونِ فَأَصْبَحَ فِي دَارِ الْخِلَافَةِ وَنِقَابُهُ عَلَى رَأْسِهِ وَالْمِلْحَفَةُ فِي صَدْرِهِ لِيَرَاهُ النَّاسُ ، وَلِيَعْلَمُوا كَيْفَ أُخِذَ . فَأَمَرَ
الْمَأْمُونُ بِالِاحْتِفَاظِ بِهِ وَالِاحْتِرَاسِ عَلَيْهِ مُدَّةً ، ثُمَّ أَطْلَقَهُ وَرَضِيَ عَنْهُ . هَذَا وَقَدْ صَلَبَ جَمَاعَةً مِمَّنْ كَانَ سَجَنَهُمْ بِسَبَبِهِ لِكَوْنِهِمْ أَرَادُوا الْفَتْكَ بِالْمُوَكَّلِينَ بِالسِّجْنِ ، فَصَلَبَ مِنْهُمْ أَرْبَعَةً .
وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ
إِبْرَاهِيمَ بْنَ الْمَهْدِيِّ لَمَّا أُوقِفَ بَيْنَ يَدَيِ
الْمَأْمُونِ شَرَعَ فِي تَأْنِيبِهِ ، فَتَرَقَّقَ لَهُ عَمُّهُ
إِبْرَاهِيمُ كَثِيرًا ، وَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِنْ تُعَاقِبْ فَبِحَقِّكَ ، وَإِنْ تَعْفُ فَبِفَضْلِكَ . فَقَالَ : بَلْ أَعْفُو يَا
إِبْرَاهِيمُ ، إِنَّ الْقُدْرَةَ تُذْهِبُ الْحَفِيظَةَ ، وَالنَّدَمُ تَوْبَةٌ ، وَبَيْنَهُمَا عَفْوُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَهُوَ أَكْبَرُ مِمَّا تَسْأَلُهُ . فَكَبَّرَ
إِبْرَاهِيمُ وَسَجَدَ شُكْرًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ .
وَقَدِ امْتَدَحَ
إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمَهْدِيِّ ابْنَ أَخِيهِ
الْمَأْمُونَ بِقَصِيدَةٍ بَالَغَ فِيهَا ، فَلَمَّا سَمِعَهَا
الْمَأْمُونُ قَالَ : أَقُولُ كَمَا قَالَ
يُوسُفُ لِإِخْوَتِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=92لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [ يُوسُفَ : 92 ] وَذَكَرَ الْحَافِظُ
nindex.php?page=showalam&ids=13359ابْنُ عَسَاكِرَ أَنَّ
الْمَأْمُونَ لَمَّا عَفَا عَنْ عَمِّهِ
إِبْرَاهِيمَ أَمَرَهُ أَنْ يُغَنِّيَهُ شَيْئًا ، فَقَالَ : إِنِّي تَرَكْتُهُ . فَأَمَرَهُ فَأَخَذَ الْعُودَ فِي حِجْرِهِ ، وَقَالَ :
هَذَا مَقَامُ مُسَوَّدٍ خَرِبَتْ مَنَازِلُهُ وَدُورُهْ [ ص: 178 ] نَمَّتْ عَلَيْهِ عِدَاتُهُ
كَذِبًا فَعَاقَبَهُ أَمِيرُهْ
ثُمَّ عَادَ فَقَالَ :
ذَهَبْتُ مِنَ الدُّنْيَا وَقَدْ ذَهَبَتْ مِنِّى لَوَى الدَّهْرُ بِي عَنْهَا وَوَلَّى بِهَا عَنِّي
فِإِنْ أَبْكِ نَفْسِي أَبْكِ نَفْسًا عَزِيزَةً وَإِنْ أَحْتَقِرْهَا أَحْتَقِرْهَا عَلَى ضَنِّ
وَإِنِّي وَإِنْ كُنْتُ الْمُسِيءَ بِعَيْنِهِ بِرَبِّي تَعَالَى جَدُّهُ حَسَنُ الظَّنِّ
عَدَوْتُ عَلَى نَفْسِي فَعَادَ بِعَفْوِهِ عَلَيَّ فَعَادَ الْعَفْوُ مَنًّا عَلَى مَنِّ
فَقَالَ
الْمَأْمُونُ : أَحْسَنْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ حَقًّا . فَرَمَى بِالْعُودِ مِنْ حِجْرِهِ ، وَوَثَبَ قَائِمًا فَزِعًا مِنْ هَذَا الْكَلَامِ ، فَقَالَ لَهُ
الْمَأْمُونُ : اقْعُدْ وَاسْكُنْ ، مَرْحَبًا بِكَ ، لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِشَيْءٍ تَتَوَهَّمُهُ ، وَوَاللَّهِ لَا رَأَيْتَ طُولَ أَيَّامِي شَيْئًا تَكْرَهُهُ ، وَتَغْتَمُّ بِهِ ، ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِرَدِّ جَمِيعِ مَا كَانَ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالضِّيَاعِ وَالدُّورِ ، فَرُدَّتْ إِلَيْهِ ، وَأَمَرَ لَهُ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِينَارٍ وَخَلَعَ عَلَيْهِ ، وَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ مُكْرَمًا مُعَظَّمًا .