ملك الروم توفيل بن ميخائيل .
وكانت مدة ملكه ثنتي عشرة سنة فملكت بعده امرأته تدورة ، وكان ابنها ميخائيل بن توفيل صغيرا .
وفيها توفي :
بشر الحافي .
الزاهد المشهور ، وهو نزيل بشر بن الحارث بن عبد الرحمن بن عطاء بن هلال بن ماهان بن عبد الله المروزي أبو نصر الزاهد المعروف بالحافي بغداد .
[ ص: 290 ] قال ابن خلكان وكان اسم جده عبد الله بعبور ، أسلم على يدي علي بن أبي طالب قلت : وكان مولده ببغداد سنة خمسين ومائة ، وسمع بها شيئا كثيرا من حماد بن زيد ، وعبد الله بن المبارك ، وابن مهدي ، ومالك ، وغيرهم . وأبي بكر بن عياش ،
وعنه جماعة ؛ منهم وسري أبو خيثمة زهير بن حرب ، السقطي ، والعباس بن عبد العظيم ، ومحمد بن حاتم .
قال محمد بن سعد : سمع بشر كثيرا ، ثم اشتغل بالعبادة ، واعتزل الناس ولم يحدث ، وقد أثنى عليه غير واحد من الأئمة في عبادته وزهده وورعه ونسكه وتقشفه .
قال يوم بلغه موته : لم يكن له نظير إلا الإمام أحمد عامر بن عبد قيس ، ولو تزوج لكان قد تم أمره ، وقال ما أخرجت إبراهيم الحربي بغداد أتم عقلا ، ولا أحفظ للسانه منه ، ما عرف له غيبة لمسلم ، وكان في كل شعرة منه عقل ، ولو قسم عقله على أهل بغداد لصاروا عقلاء ، وما نقص من عقله شيء .
[ ص: 291 ] وذكر غير واحد : أن بشرا كان شاطرا في بدء أمره ، وأن سبب توبته أنه وجد رقعة فيها اسم الله عز وجل في أتون حمام فرفعها ورفع طرفه إلى السماء وقال : سيدي اسمك هاهنا ملقى يداس! ثم ذهب إلى عطار فاشترى بدرهم غالية وضمخ تلك الرقعة منها ، ووضعها حيث لا تنال فأحيا الله قلبه ، وألهمه رشده ، وصار إلى ما صار إليه من العبادة والزهادة .
ومن كلامه : من أحب الدنيا فليتهيأ للذل . وكان بشر يأكل الخبز وحده فقيل له : بماذا تأتدم ؟ فقال : أذكر العافية فأجعلها أدما . وكان لا يلبس نعلا بل يمشي حافيا ، طرق يوما بابا ، فقيل : من ؟ فقال بشر الحافي فقالت جارية صغيرة : أما وجد هذا دانقين يشتري بهما نعلا ويستريح من هذا الاسم . قالوا : وكان سبب تركه النعل أنه جاء إلى حذاء ، فطلب منه شراكا لنعله ، فقال له : ما أكثر كلفتكم على الناس ! فطرح النعل من يده ، وخلع الأخرى من رجله وحلف لا يلبس نعلا أبدا .
قال ابن خلكان : وكانت وفاته يوم عاشوراء . وقيل في رمضان [ ص: 292 ] ببغداد . وقيل : بمرو . قلت : الصحيح ببغداد في هذه السنة . وقيل : في سنة ست وعشرين . والأول أصح . والله أعلم .
وحين مات اجتمع في جنازته أهل بغداد عن بكرة أبيهم ، فأخرج من بعد صلاة الفجر ، فلم يستقر في قبره إلا بعد العتمة ، وكان وغيره من أئمة الحديث يصيح بأعلى صوته في الجنازة : هذا والله شرف الدنيا قبل شرف الآخرة . وروي أن الجن كانت تنوح عليه في بيته الذي كان يسكن فيه ، وأنه رآه بعضهم في المنام فقال له : ما فعل الله بك ؟ فقال : غفر لي ، ولكل من شهد جنازتي ، ولكل من أحبني إلى يوم القيامة . علي بن المديني ،
وذكر أنه كان له أخوات ثلاث ؛ وهن الخطيب البغدادي مخة ، ومضغة ، وزبدة ، وكلهن عابدات زاهدات مثله ، وأشد ورعا أيضا . ذهبت إحداهن فاستأذنت على رحمه الله ، فقالت : إني ربما طفئ السراج وأنا أغزل ، فإذا كان ضوء القمر غزلت فيه فعلي [ ص: 293 ] عند البيع أن أميز هذا من هذا ؟ فقال لها : إن كان بينهما فرق فأعلمي به المشتري ، وقالت له مرة إحداهن : ربما تمر بنا مشاعل أحمد بن حنبل ، بني طاهر في الليل ونحن نغزل فنغزل الطاق والطاقين والطاقات ، فخلصني من ذلك ، فأمرها أن تتصدق بذلك الغزل كله لما اشتبه عليها من معرفة ذلك المقدار . وسألته عن أنين المريض أفيه شكوى ؟ قال : لا ، إنما هو شكوى إلى الله عز وجل ، ثم خرجت . فقال لابنه عبد الله : يا بني اذهب خلفها فاعلم لي من هذه المرأة ؟ قال عبد الله : فذهبت وراءها فإذا هي قد دخلت دار بشر الحافي وإذا هي أخته .
وروى أيضا عن الخطيب البغدادي زبدة قالت : جاء ليلة أخي بشر ، فدخل برجله في الدار ، وبقيت الأخرى خارج الدار ، فاستمر كذلك ليلته حتى أصبح ، فقيل له : فيم تفكرت ليلتك ؟ قال : تفكرت في بشر النصراني ، وبشر اليهودي ، وبشر المجوسي ، وفي نفسي واسمي بشر فقلت : ما الذي سبق منك حتى خصك بالإسلام من بينهم ؟ فتفكرت في تفضله [ ص: 294 ] علي ، وحمدته على أن جعلني من خاصته ، وألبسني لباس أحبابه .
وقد ترجمه فأطنب وأطيب وأطال من غير ملال ، وقد ذكر الحافظ ابن عساكر أشعارا حسنة ، وذكر أنه كان يتمثل بهذه الأبيات : ابن عساكر
تعاف القذى في الماء لا تستطيعه وتكرع من حوض الذنوب فتشرب وتؤثر من أكل الطعام ألذه
ولا تذكر المختار من أين يكسب وترقد يا مسكين فوق نمارق
وفي حشوها نار عليك تلهب فحتى متى لا تستفيق جهالة
وأنت ابن سبعين بدينك تلعب
أحمد بن عبد الله بن يونس اليربوعي .
وإسماعيل بن عمرو البجلي .
. وسعيد بن منصور
صاحب السنن المشهورة التي لا يشاركه في [ ص: 295 ] مثلها إلا القليل .
. ومحمد بن الصباح الدولابي
وله سنن أيضا .
. وأبو الوليد الطيالسي
. وأبو الهذيل العلاف المتكلم المعتزلي