فيها قبض يوسف بن محمد بن يوسف نائب أرمينية على البطريق الكبير بها وبعثه إلى نائب الخليفة ، واتفق بعد بعثه إياه أن سقط ثلج عظيم على تلك البلاد ، فتحزب أهل ذلك البطريق ، وجاءوا فحاصروا البلد التي بها يوسف بن محمد ، فخرج إليهم ; ليقاتلهم ، فقتلوه وطائفة كبيرة من المسلمين الذين معه ، وهلك كثير من الناس في الثلج من شدة البرد ، ولما بلغ المتوكل ما وقع من هذا الأمر الفظيع ; أرسل إلى أهل تلك الناحية بغا الكبير من جيش كثيف جدا ، فقتل من أهل تلك الناحية ممن حاصر المدينة وقتل الأمير نحوا من ثلاثين ألفا وأسر منهم طائفة كبيرة ، ثم سار إلى بلاد الباق من كورة البسفرجان ، وسلك إلى مدن كثيرة كبار ، ومهد الممالك ، ووطد البلاد والنواحي .
وفي صفر من هذه السنة غضب المتوكل على وكان على المظالم فعزله عنها ، واستدعى أحمد بن أبي دؤاد القاضي المعتزلي ، بيحيى بن أكثم فولاه قضاء [ ص: 349 ] القضاة والمظالم أيضا .
وفي ربيع الأول أمر الخليفة بالاحتياط على ضياع وأخذ ابنه ابن أبي دؤاد ، أبا الوليد محمد بن أحمد بن أبي دؤاد ، فحبسه في يوم السبت لثلاث خلون من ربيع الآخر ، وأمر بمصادرته فحمل مائة ألف دينار وعشرين ألف دينار ، ومن الجواهر النفيسة ما يقوم بعشرين ألف دينار ، ثم صولح على ستة عشر ألف ألف درهم وكان قد أصابه الفالج كما ذكرنا ثم نفى أهله من ابن أبي دؤاد سامرا إلى بغداد مهانين .
قال ابن جرير فقال في ذلك أبو العتاهية :
لو كنت في الرأي منسوبا إلى رشد وكان عزمك عزما فيه توفيق لكان في الفقه شغل لو قنعت به
عن أن تقول كتاب الله مخلوق ماذا عليك وأصل الدين يجمعهم
ما كان في الفرع لولا الجهل والموق
وجعل المتوكل في كل يوم يرسل إليه من طعامه الخاص يظن أنه يأكل منه ، وكان الإمام أحمد لا يأكل لهم طعاما ، بل كان صائما مواصلا يطوي تلك الأيام كلها ; لأنه لم يتيسر له شيء يرتضي أكله ، ولكن كان ابناه صالح وعبد الله يقبلان تلك الجوائز ، وهو لا يشعر بشيء من ذلك ، ولولا أنهم أسرعوا الأوبة إلى بغداد لخشي على أحمد أن يموت جوعا .
وارتفع شأن السنة جدا في أيام المتوكل عفا الله عنه وكان لا يولي أحدا إلا بعد مشورة الإمام وكانت ولاية أحمد بن حنبل ، قضاء القضاة موضع يحيى بن أكثم عن مشورته أيضا ، وقد كان ابن أبي دؤاد هذا من أئمة السنة وعلماء الناس ، ومن المعظمين للكتاب والسنة والفقه والحديث واتباع الأثر ، وكان قد ولى من جهته يحيى بن أكثم حيان بن بشر قضاء الشرقية ، وسوار بن [ ص: 351 ] عبد الله العنبري قضاء الجانب الغربي ، وكلاهما كان أعور ، فقال في ذلك بعض أصحاب : ابن أبي دؤاد
رأيت من الكبائر قاضيين هما أحدوثة في الخافقين
هما اقتسما العمى نصفين قدا كما اقتسما قضاء الجانبين
وتحسب منهما من هز رأسا لينظر في مواريث ودين
كأنك قد وضعت عليه دنا فتحت بزاله من فرد عين
هما فأل الزمان بهلك يحيى إذ افتتح القضاء بأعورين
وحج بالناس فيها علي بن عيسى بن جعفر ابن أبي جعفر المنصور ، أمير الحجاز .