الجاحظ المتكلم المعتزلي .
وإليه تنسب الجاحظية منهم ، وهو الفرقة البصري ، المعروف أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب الكناني الليثي لجحوظ عينيه ، ويقال له : الحدقي . وكان شنيع المنظر سيئ المخبر رديء الاعتقاد ينسب إلى البدعة ، وربما جاوز به بعضهم إلى الانحلال حتى يقال في المثل : يا ويح من كفره بالجاحظ ; والله أعلم بحاله . وكان بارعا فاضلا ، قد أتقن علوما كثيرة ، وصنف كتبا جمة تدل على قوة ذهنه وجودة تصرفه . ومن أجل كتبه كتاب " الحيوان " ، وكتاب " البيان والتبيين " . الجاحظ
قال ابن خلكان : وهما أحسن مصنفاته وأمتعها ، وقد أطال ترجمته بحكايات ذكرها عنه . وذكر : أنه أصابه الفالج في آخر عمره ، وحكى عنه أنه قال : أنا من جانبي الأيسر مفلوج ، لو قرض بالمقاريض ما علمت وجانبي [ ص: 515 ] الأيمن منقرس فلو مرت به ذبابة لألمت ، وبي حصاة وأشد ما علي ست وتسعون سنة . وكان ينشد :
أترجو أن تكون وأنت شيخ كما قد كنت أيام الشباب لقد كذبتك نفسك ليس ثوب
دريس كالجديد من الثياب
. ومحمد بن كرام
المتكلم الذي تنسب إليه الكرامية . وقد نسب إليهم جواز الفرقة وغيرهم ; وهو وضع الأحاديث على الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه محمد بن كرام - بفتح الكاف وتشديد الراء ، على وزن جمال - بن [ ص: 516 ] عراق بن حزابة بن البراء ، أبو عبد الله السجستاني العابد ، يقال : إنه من بني نزار . ومنهم من يقول : محمد بن كرام - بكسر الكاف وتخفيف الراء - جمع كريم . وفرق بينهما ، فجعل الذي ينسب إليه الكرامية - بفتح الكاف وتشديد الراء - وهو الذي سكن البيهقي بيت المقدس إلى أن مات بها ، وجعل الآخر شيخا من أهل نيسابور . والصحيح الذي يظهر من كلام الحاكم أبي عبد الله الحاكم ، أنهما واحد . والحافظ أبي القاسم ابن عساكر
وقد روى ابن كرام عن علي بن حجر وعلي بن إسحاق الحنظلي السمرقندي ، سمع منه التفسير عن محمد بن مروان عن الكلبي وإبراهيم بن يوسف الماكياني ومالك بن سليمان الهروي وأحمد بن حرب وعتيق بن محمد الجرشي وأحمد بن الأزهر النيسابوري وأحمد بن عبد الله الجويباري ومحمد بن تميم الفارياني - وكانا كذابين وضاعين - وغيرهم .
[ ص: 517 ] وعنه محمد بن إسماعيل بن إسحاق وأبو إسحاق بن سفيان وعبد الله بن محمد القيراطي وإبراهيم بن الحجاج النيسابوري .
وذكر : أنه حبس في حبس الحاكم فلما أطلقه ذهب إلى ثغور طاهر بن عبد الله ، الشام ثم عاد إلى نيسابور فحبسه محمد بن طاهر بن عبد الله فطال حبسه وكان يتأهب لصلاة الجمعة ، ويأتي إلى السجان فيقول : دعني أخرج إلى الجمعة . فيمنعه السجان ، فيقول : اللهم إنك تعلم أن المنع من غيري . وقال غيره : أقام ببيت المقدس أربع سنين ، وكان يجلس للوعظ عند العمود الذي عند مشهد عيسى عليه السلام ، واجتمع عليه خلق كثير ثم تبين لهم أنه يقول : إن الإيمان قول بلا عمل . فتركه أهلها ونفاه متوليها إلى غور زغر فمات بها ، ونقل إلى بيت المقدس وكانت وفاته في صفر من هذه السنة .
وقال : توفي الحاكم ببيت المقدس ليلا ودفن بباب أريحا عند قبور الأنبياء عليهم السلام ، وله ببيت المقدس من الأصحاب نحو من عشرين ألفا . والله أعلم .