الباذرائي
واقف المدرسة الباذرائية التي بدمشق ، كما تقدم بيانه .
والشيخ تقي الدين عبد الرحمن بن أبي الفهم اليلداني
بها في ثامن ربيع الأول ، ودفن بها ، وكان شيخا صالحا مشتغلا بالحديث سماعا وكتابة وإسماعا ، إلى أن توفي وله نحو مائة سنة .
قلت : وأكثر كتبه ومجاميعه التي بخطه موقوفة بخزانة الفاضلية من الكلاسة ، وقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم فقال له : يا رسول الله ، ما أنا رجل جيد؟ قال : بلى ، أنت رجل جيد . رحمه الله وأكرم مثواه .
الشيخ شرف الدين محمد بن أبي الفضل المرسي
وكان شيخا فاضلا [ ص: 351 ] مفتيا محقق البحث ، كثير الحج ، له مكانة عند الأكابر ، وقد اقتنى كتبا كثيرة ، وكان أكثر مقامه بالحجاز ، وحيث حل عظمه رؤساء تلك البلدة ، وكان مقتصدا في أموره ، وكانت وفاته - رحمه الله - بالزعقة بين العريش والداروم في منتصف ربيع الأول من هذه السنة ، رحمه الله تعالى .
الناصر داود بن المعظم عيسى بن العادل الملك
ملك دمشق بعد أبيه ثم انتزعت من يده ، وأخذها عمه الأشرف ، واقتصر على الكرك ونابلس ، ثم تنقلت به الأحوال ، وجرت له خطوب طوال حتى لم يبق معه شيء من المحال ، وأودع وديعة تقارب مائة ألف دينار عند الخليفة المستعصم ، فأنكره إياها ، ولم يردها عليه ، وقد كان له فصاحة وشعر جيد ، ولديه فضائل جمة ، واشتغل في علم الكلام على الشمس الخسروشاهي تلميذ الفخر الرازي ، وكان يعرف علوم الأوائل جيدا ، وقد حكوا عنه أشياء تدل - إن صحت - على سوء عقيدته ، فالله أعلم .
وذكر أنه حضر أول درس ذكر بالمستنصرية في سنة ثنتين وثلاثين وستمائة ، وأن الشعراء أنشدوا المستنصر مدائح كثيرة ، فقال بعضهم في جملة قصيدة له :
[ ص: 352 ]
لو كنت في يوم السقيفة شاهدا كنت المقدم والإمام الأعظما
فقال الناصر داود للشاعر : اسكت ، فقد أخطأت ، قد كان جد أمير المؤمنين العباس شاهدا يومئذ ، ولم يكن المقدم ، وما الإمام الأعظم إلا أبو بكر الصديق . فقال الخليفة : صدق . فكان هذا من أحسن ما نقل عنه ، رحمه الله تعالى .وقد تقاصر أمره إلى أن رسم عليه الناصر بن العزيز بقرية البويضا التي لعمه مجير الدين يعقوب حتى توفي بها في هذه السنة ، فاجتمع الناس بجنازته ، وحمل منها ، فصلي عليه ، ودفن عند والده بسفح قاسيون .
المعز عز الدين أيبك التركماني الملك
كان من أكبر مماليك أول ملوك الأتراك ، الصالح نجم الدين أيوب بن الكامل ، وكان دينا صينا عفيفا كريما ، مكث في الملك نحوا من سبع سنين ، ثم قتلته زوجته شجر الدر أم خليل ، وقام في الملك من بعده ولده نور الدين علي ، ولقب بالملك المنصور ، وكان مدبر مملكته مملوك أبيه سيف الدين قطز ، ثم عزله واستقل بالملك بعده نحوا من سنة ، وتلقب بالمظفر ، فقدر الله كسر التتار على يديه بعين جالوت ، وقد بسطنا هذا كله في الحوادث فيما تقدم وما سيأتي ، ولله الحمد .
شجر الدر بنت عبد الله ، أم خليل التركية
كانت من حظايا الملك الصالح نجم الدين أيوب ، وكان ولدها منه خليل من أحسن الصور ، فمات [ ص: 353 ] صغيرا ، وكانت تكون في خدمته ، لا تفارقه حضرا ولا سفرا من شدة محبته لها ، وقد ملكت الديار المصرية بعد مقتل ابن زوجها المعظم تورانشاه ، فكان يخطب لها ، وضربت السكة باسمها ، وعلمت على المناشير مدة ثلاثة أشهر ، ثم تملك المعز كما ذكرنا ، ثم تزوجها بعد تملكه الديار المصرية بسنوات ، ثم غارت عليه لما بلغها أنه يريد أن يتزوج بنت صاحب الموصل فعملت عليه حتى قتلته كما تقدم ذكره ، فتمالأ عليها مماليكه المعزية ، فقتلوها وألقوها على مزبلة ثلاثة أيام ، ثم نقلت إلى تربة لها بالقرب من قبر الست بدر الدين لؤلؤ ، نفيسة - رحمها الله تعالى - وكانت قوية النفس; لما علمت أنه قد أحيط بها أتلفت شيئا كثيرا من الجواهر واللآلئ ، كسرته في الهاون ، لا لها ولا لغيرها ، وكان وزيرها في دولتها الصاحب بهاء الدين علي بن محمد بن سليم المعروف بابن حناء ، وهو أول مناصبه .
الأسعد هبة الله بن صاعد شرف الدين الفائزي الشيخ
لخدمته قديما الملك الفائز سابق الدين إبراهيم بن الملك العادل ، وكان نصرانيا فأسلم ، وكان كثير البر والصدقات والصلات ، استوزره المعز ، وكان حظيا عنده جدا ، لا يفعل شيئا إلا بعد مراجعته ومشاورته ، وكان قبله في الوزارة القاضي تاج الدين ابن بنت الأعز ، وقبله القاضي بدر الدين السنجاري ، ثم صارت بعد ذلك كله إلى هذا الشيخ الأسعد المسلماني ، وقد كان الفائزي يكاتبه المعز بالمملوك ، ثم لما قتل المعز أهين الأسعد حتى صار شقيا ، وأخذ الأمير سيف الدين [ ص: 354 ] قطز خطه بمائة ألف دينار ، وقد هجاه بهاء الدين زهير بن علي ، فقال :
لعن الله صاعدا وأباه فصاعدا
وبنيه فنازلا واحدا ثم واحدا
ابن أبي الحديد العراقي الشاعر : عبد الحميد بن هبة الله بن محمد بن محمد بن الحسين ، أبو حامد بن أبي الحديد ، عز الدين المدائني
الكاتب الشاعر المطبق الشيعي الغالي ، له شرح نهج البلاغة في عشرين مجلدا ، ولد بالمدائن سنة ست وثمانين وخمسمائة ، ثم صار إلى بغداد فكان أحد الكتاب والشعراء بالديوان الخليفتي ، وكان حظيا عند الوزير ابن العلقمي ، لما بينهما من المناسبة والمقاربة والمشابهة في التشيع والأدب والفضيلة ، وقد أورد له ابن الساعي أشياء كثيرة من مدائحه وأشعاره الفائقة الرائقة ، وكان أكثر فضيلة وأدبا من أخيه أبي المعالي موفق الدين أحمد بن هبة الله ، وإن كان الآخر فاضلا بارعا أيضا ، وقد ماتا في هذه السنة ، رحمهما الله تعالى .
المشد الشاعر ، الأمير سيف الدين علي بن عمر بن قزل
مشد الديوان [ ص: 355 ] بدمشق ، وكان شاعرا مطبقا ، له ديوان مشهور ، وقد رآه بعضهم بعد موته ، فسأله عن حاله ، فأنشده :
نقلت إلى رمس القبور وضيقها وخوفي ذنوبي أنها بي تعثر
فصادفت رحمانا رءوفا وأنعما حباني بها نفيا لما كنت أحذر
ومن كان حسن الظن في حال موته جميلا بعفو الله فالعفو أجدر
مولى شبل الدولة المعظمي ، سمع الكندي وغيره ، وكان يكتب خطا جيدا ، وأسند إليه مولاه النظر في أوقافه ، وجعله في ذريته ، فهم إلى الآن ينظرون في الشبليين ، وكانت وفاته في النصف من رمضان من هذه السنة .
القاضي تاج الدين أبو عبد الله محمد بن قاضي القضاة جمال الدين المصري
ناب عن أبيه ، ودرس بالشامية ، وله شعر فمنه قوله :
صيرت فمي لفيه باللثم لثام عمدا ورشفت من ثناياه مدام
فازور وقال أنت في الفقه إمام ريقي خمر وعندك الخمر حرام