[ ص: 247 ] خروج الدابة
قال الله تعالى : وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون [ النمل : 82 ] . وقد تكلمنا على ما يتعلق بهذه الآية الكريمة ، في كتابنا " التفسير " ، وأوردنا هنالك من الأحاديث المتعلقة بذلك ما فيه كفاية ، ولو كتبت مجموعها هاهنا كان حسنا كافيا .
قال ابن عباس ، والحسن ، وقتادة : تكلمهم ، أي تخاطبهم مخاطبة . ورجح ابن جرير : تخاطبهم فتقول لهم : أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون وحكاه عن علي ، وفي هذا نظر . وعن وعطاء ، ابن عباس : تكلمهم : تجرحهم . يعني تكتب على جبين الكافر : " كافر " وعلى جبين المؤمن : " مؤمن " . وعنه : تخاطبهم وتجرحهم . وهذا القول ينتظم المذهبين ، وهو قوى حسن جامع لهما ، والله أعلم .
وقد تقدم الحديث الذي رواه أحمد ، ومسلم ، وأهل السنن ، عن أبي سريحة حذيفة بن أسيد ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يأجوج [ ص: 248 ] ومأجوج ، وخروج عيسى ابن مريم ، والدجال ، وثلاثة خسوف : خسف بالمغرب ، وخسف بالمشرق ، وخسف بجزيرة العرب ، ونار تخرج من قعر عدن ، تسوق الناس - أو تحشر الناس - تبيت معهم حيث باتوا ، وتقيل معهم حيث قالوا " . لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات : طلوع الشمس من مغربها ، والدخان ، والدابة ، وخروج
ولمسلم من حديث العلاء ، عن أبيه ، عن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أبي هريرة ، الدجال ، أو الدابة ، أو خاصة أحدكم ، أو أمر العامة " . بادروا بالأعمال ستا : طلوع الشمس من مغربها ، أو الدخان ، أو
وله أيضا عن : " أبي هريرة الدجال ، والدخان ، ودابة الأرض ، وطلوع الشمس من مغربها ، وأمر العامة ، وخويصة أحدكم " . بادروا بالأعمال ستا :
وروى ابن ماجه ، عن حرملة ، عن ابن وهب ، عن عمرو بن الحارث ، وابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن سنان بن سعد ، عن أنس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : والدجال ، وخويصة أحدكم ، وأمر العامة " . تفرد به " بادروا بالأعمال ستا : طلوع الشمس من مغربها ، والدخان ، ودابة الأرض ، ابن ماجه من هذا الوجه .
وقال : عن أبو داود الطيالسي طلحة بن عمرو ، فأما [ ص: 249 ] وجرير بن حازم; طلحة فقال : أخبرني عبد الله بن عبيد بن عمير ، أن أبا الطفيل حدثه عن حذيفة بن أسيد الغفاري أبي سريحة ، وأما جرير فقال : عن عبد الله بن عبيد ، عن رجل من آل . وحديث عبد الله بن مسعود طلحة أتم وأحسن ، قال : مكة - ثم تكمن زمانا طويلا ، ثم تخرج خرجة أخرى دون تلك ، فيعلو ذكرها في أهل البادية ، ويدخل ذكرها القرية " . يعني مكة . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ثم بينما الناس في أعظم المساجد على الله حرمة وأكرمها; المسجد الحرام ، لم يرعهم إلا وهي ترغو بين الركن والمقام ، تنفض عن رأسها التراب ، فارفض الناس عنها شتى ومعا ، وثبتت عصابة من المؤمنين ، وعرفوا أنهم لن يعجزوا الله ، فبدأت بهم ، فجلت وجوههم حتى جعلتها كالكوكب الدري ، وولت في الأرض ، لا يدركها طالب ، ولا ينجو منها هارب ، حتى إن الرجل ليتعوذ منها بالصلاة فتأتيه من خلفه ، فتقول : يا فلان ، الآن تصلي؟! فيقبل عليها ، فتسمه في وجهه ، ثم تنطلق ، ويشترك الناس في الأموال ، ويصطحبون في الأمصار ، يعرف المؤمن من الكافر ، حتى إن المؤمن ليقول : يا كافر ، اقضني حقي . وحتى إن الكافر ليقول : يا مؤمن ، اقضني حقي " . هكذا رواه مرفوعا من هذا الوجه بهذا السياق ، وفيه [ ص: 250 ] غرابة . ورواه ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدابة ، فقال : لها ثلاث خرجات في الدهر ، فتخرج خرجة من أقصى البادية ، ولا يدخل ذكرها القرية - يعني ابن جرير من طريقين ، عن حذيفة بن أسيد موقوفا ، ورواه أيضا عن حذيفة بن اليمان مرفوعا ، وفيه أن ذلك في زمان عيسى ابن مريم وهو يطوف بالبيت ، ولكن في إسناده نظر ، فالله أعلم .
وقد قال ابن ماجه : حدثنا أبو غسان محمد بن عمرو ، حدثنا أبو تميلة حدثنا خالد بن عبيد ، حدثنا عبد الله بن بريدة ، عن أبيه ، قال : بالبادية قريب من مكة ، فإذا أرض يابسة حولها رمل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تخرج الدابة من هذا الموضع " . فإذا فتر في شبر . قال ابن بريدة : فحججت بعد ذلك بسنين ، فأرانا عصا له ، فإذا هو بعصاي هذه ، هكذا وهكذا . يعني أنه كلما له يتسع حتى يكون وقت خروجها ، والله أعلم . ذهب بي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى موضع
وقال عبد الرزاق عن معمر ، عن قتادة ، أن ابن عباس ، قال : هي دابة ذات زغب ، لها أربع قوائم ، تخرج من بعض أودية تهامة . ورواه عن سعيد بن منصور ، عثمان بن مطر ، عن قتادة ، عن ابن عباس ، بنحوه " .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عبد الله بن رجاء ، حدثنا عن فضيل بن مرزوق ، عطية ، قال : قال عبد الله : تخرج الدابة من صدع من الصفا ، [ ص: 251 ] كجري الفرس ثلاثة أيام ، لا يخرج ثلثها .
وعن عبد الله بن عمرو ، أنه قال " تخرج الدابة من تحت صخرة بشعب أجياد ، فتستقبل المشرق ، فتصرخ صرخة تنفذه ، ثم تستقبل الشام ، فتصرخ صرخة تنفذه ، ثم تستقبل المغرب ، فتصرخ صرخة تنفذه ، ثم تستقبل اليمن ، فتصرخ صرخة تنفذه ، ثم تروح من مكة ، فتصبح بعسفان . قيل له : ثم ماذا؟ قال : ثم لا أعلم . وعنه أنه قال : تخرج الدابة ليلة جمع . وعن أنه حكى عن وهب بن منبه ، عزير النبي ، أنه قال : تخرج الدابة من تحت سدوم . يعني مدينة قوم لوط ، فهذه أقوال متعارضة ، فالله أعلم .
وعن أنه قال : تخرج الدابة من أبي الطفيل ، الصفا أو المروة . رواه ثم ساق من حديث البيهقي ، : حدثنا يحيى بن معين هشام بن يوسف ، حدثنا رباح بن عبيد الله بن عمر ، عن سهيل ، عن أبيه ، عن قال : قال رسول [ ص: 252 ] الله صلى الله عليه وسلم : " أبي هريرة ، " . بئس الشعب شعب جياد " . مرتين ، أو ثلاثا ، قالوا : ولم ذاك يا رسول الله؟ قال : " تخرج منه الدابة ، فتصرخ ثلاث صرخات ، فيسمعها من بين الخافقين
ثم روى من حديث فرقد بن الحجاج : سمعت عقبة بن أبي الحسناء : سمعت يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أبا هريرة تخرج دابة الأرض من جياد ، فيبلغ صدرها الركن ، ولم يخرج ذنبها بعد " . قال : " وهي دابة ذات وبر وقوائم " .
وقد روى عن الإمام أحمد ، يزيد بن هارون ، وبهز بن أسد ، عن وعفان بن مسلم ، حماد بن سلمة ، عن عن علي بن زيد بن جدعان ، أوس بن خالد ، عن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أبي هريرة ، موسى ، وخاتم سليمان ، فتخطم أنف الكافر بالخاتم ، وتجلو وجه المؤمن بالعصا ، حتى إن أهل الخوان الواحد ليجتمعون ، فيقول هذا : يا مؤمن . ويقول هذا : يا كافر " . ورواه تخرج دابة الأرض ومعها عصا ابن ماجه ، عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن يونس بن محمد المؤدب ، عن حماد بن سلمة ، به ، ورواه عن أبو داود الطيالسي ، حماد بن سلمة ، فذكره مثله ، إلا أنه قال : " " . وهذا أنسب ، والله أعلم . فتخطم أنف الكافر بالعصا ، [ ص: 253 ] وتجلو وجه المؤمن بالخاتم
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبو صالح كاتب الليث ، حدثني معاوية بن صالح ، عن أبي مريم ، أنه سمع يقول : إن الدابة فيها من كل لون ، ما بين قرنيها فرسخ للراكب . وعن أمير المؤمنين أبا هريرة علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، أنه قال : إنها دابة لها ريش وزغب وحافر ، وما لها ذنب ، ولها لحية ، وإنها لتخرج حضر الفرس الجواد ثلاثا ، وما خرج ثلثاها . رواه ابن أبي حاتم .
وقال عن ابن جريج أنه وصف الدابة ، فقال : رأسها رأس ثور ، وعينها عين خنزير ، وأذنها أذن فيل ، وقرنها قرن إيل ، وعنقها عنق نعامة ، وصدرها صدر أسد ، ولونها لون نمر ، وخاصرتها خاصرة هر ، وذنبها ذنب كبش ، وقوائمها قوائم بعير ، بين كل مفصلين اثنا عشر ذراعا ، يخرج معها عصا أبي الزبير ، موسى ، وخاتم سليمان ، فلا يبقى مؤمن إلا نكتت في وجهه بعصا موسى نكتة بيضاء ، فتفشو تلك النكتة حتى يبيض لها وجهه ، ولا يبقى كافر إلا نكتت في وجهه نكتة سوداء بخاتم سليمان ، فتفشو تلك النكتة حتى يسود لها وجهه ، حتى إن الناس يتبايعون في الأسواق : بكم ذا يا مؤمن؟ بكم ذا يا كافر؟ وحتى إن أهل البيت ليجلسون على مائدتهم ، فيعرفون مؤمنهم من كافرهم ، ثم تقول [ ص: 254 ] لهم الدابة : يا فلان ، أبشر ، أنت من أهل الجنة . و : يا فلان ، أنت من أهل النار . فذلك قوله تعالى : وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون [ النمل : 82 ] . وقد ذكرنا فيما تقدم عن ابن مسعود أن الدابة تقتل إبليس الرجيم ، وذلك فيما رواه نعيم بن حماد في كتاب " الفتن والملاحم " ، تصنيفه ، والله أعلم بصحته .
وقال مسلم : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا محمد بن بشر ، عن عن أبي حيان ، أبي زرعة ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا لم أنسه بعد : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " " . أي أول الآيات التي ليست مألوفة ، وإن كان إن أول الآيات خروجا طلوع الشمس من مغربها ، وخروج الدابة على الناس ضحى ، فأيتهما ما كانت قبل صاحبتها ، فالأخرى على إثرها قريبا الدجال ، ونزول عيسى ، عليه السلام ، من السماء قبل ذلك ، وكذلك خروج يأجوج ومأجوج ، فكل ذلك أمور مألوفة ، لأنهم بشر ، مشاهدتهم وأمثالهم معروفة مألوفة ، فأما خروج الدابة على شكل غير مألوف ، ومخاطبتها الناس ، ووسمها إياهم بالإيمان والكفر ، فأمر خارج عن مجاري العادات ، وذلك أول الآيات الأرضية ، كما أن طلوع الشمس من مغربها أول الآيات السماوية فإنها تطلع على خلاف عادتها المألوفة . والله سبحانه أعلم .