فصل
قال ابن إسحاق : وفرغ الناس لقتلاهم ، فحدثني محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة المازني ، أخو بني النجار ؟ أفي الأحياء هو أم في الأموات ؟ فقال رجل من سعد بن الربيع الأنصار : أنا ، فنظر فوجده جريحا في القتلى وبه رمق ، قال : فقلت له : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني أن أنظر ، أفي الأحياء أنت أم [ ص: 424 ] في الأموات . فقال : إنا في الأموات ، فأبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم عني السلام ، وقل له : إن يقول لك : جزاك الله عنا خير ما جزى نبيا عن أمته . وأبلغ قومك عني السلام ، وقل لهم : إن سعد بن الربيع يقول لكم : إنه لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى نبيكم ، ومنكم عين تطرف . قال : ثم لم أبرح حتى مات . قال : فجئت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته خبره سعد بن الربيع . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من رجل ينظر لي ما فعل
قلت : كان الرجل الذي التمس سعدا في القتلى محمد بن مسلمة فيما ذكره ، وذكر أنه ناداه مرتين فلم يجبه ، فلما قال : إن رسول الله أمرني أن أنظر خبرك . أجابه بصوت ضعيف ، وذكره . وقال محمد بن عمر الواقدي الشيخ أبو عمر في " الاستيعاب " : كان الرجل الذي التمس سعدا أبي بن كعب . فالله أعلم . وكان من النقباء ليلة سعد بن الربيع العقبة رضي الله عنه ، وهو الذي آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين عبد الرحمن بن عوف .
قال ابن إسحاق : وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - يلتمس حمزة بن عبد المطلب فوجده ببطن الوادي ، قد بقر بطنه عن كبده ، ومثل به ; [ ص: 425 ] فجدع أنفه وأذناه ، فحدثني محمد بن جعفر بن الزبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين رأى ما رأى : لولا أن تحزن صفية وتكون سنة من بعدي ، لتركته حتى يكون في بطون السباع وحواصل الطير ، ولئن أظهرني الله على قريش في موطن من المواطن لأمثلن بثلاثين رجلا منهم . فلما رأى المسلمون حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وغيظه على من فعل بعمه ما فعل ، قالوا : والله لئن أظفرنا الله بهم يوما من الدهر لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب .
قال ابن إسحاق : فحدثني بريدة بن سفيان بن فروة الأسلمي ، عن محمد بن كعب وحدثني من لا أتهم ، عن ابن عباس أن الله عز وجل أنزل في ذلك : وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ، ولئن صبرتم لهو خير للصابرين واصبر وما صبرك إلا بالله الآية . [ النحل : 127 ، 126 ] قال : فعفا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصبر
قلت : هذه الآية مكية ، وقصة ونهى عن المثلة . أحد بعد الهجرة بثلاث سنين ، فكيف يلتئم مع هذا . فالله أعلم .
قال ابن إسحاق : وحدثني حميد الطويل ، عن الحسن ، عن سمرة قال : ما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقام قط ففارقه حتى يأمر بالصدقة ، وينهى عن [ ص: 426 ] المثلة . وقال ابن هشام : ولما وقف النبي صلى الله عليه وسلم على حمزة جبريل فأخبرني أن حمزة مكتوب في أهل السماوات السبع : حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله . قال قال : لن أصاب بمثلك أبدا ، ما وقفت موقفا قط أغيظ إلي من هذا . ثم قال : جاءني ابن هشام : وكان حمزة ، أخوي رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة ; أرضعتهم ثلاثتهم وأبو سلمة بن عبد الأسد ثويبة مولاة أبي لهب .
وقال : حدثنا الإمام أحمد سليمان بن داود الهاشمي أنبأنا ، عن عبد الرحمن ، يعني ابن أبي الزناد هشام ، عن عروة قال : أخبرني أبي الزبير أنه لما كان يوم أحد أقبلت امرأة تسعى ، حتى إذا كادت أن تشرف على القتلى . قال : فكره النبي صلى الله عليه وسلم أن تراهم ، فقال : " المرأة المرأة " . قال الزبير : فتوسمت أنها أمي صفية ، قال : فخرجت أسعى إليها ، فأدركتها قبل أن تنتهي إلى القتلى . قال : فلدمت في صدري ، وكانت امرأة جلدة ، قالت : إليك ، لا أرض لك . قال : فقلت : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عزم [ ص: 427 ] عليك . قال : فوقفت ، وأخرجت ثوبين معها ، فقالت : هذان ثوبان جئت بهما لأخي حمزة ، فقد بلغني مقتله ، فكفنوه فيهما . قال : فجئنا بالثوبين لنكفن فيهما حمزة ، فإذا إلى جنبه رجل من الأنصار قتيل ، قد فعل به كما فعل بحمزة . قال : فوجدنا غضاضة وحياء أن نكفن حمزة في ثوبين والأنصاري لا كفن له ، فقلنا : لحمزة ثوب وللأنصاري ثوب . فقدرناهما فكان أحدهما أكبر من الآخر ، فأقرعنا بينهما ، فكفنا كل واحد منهما في الثوب الذي طار له .