بشير بن سعد سرية أخرى مع
روى من طريق الواقدي بإسناده ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بشير بن سعد في ثلاثين راكبا إلى بني مرة في أرض فدك ، فاستاق نعمهم ، فقاتلوه وقتلوا عامة من معه ، وصبر هو يومئذ صبرا عظيما ، وقاتل قتالا شديدا ، ثم لجأ إلى فدك ، فبات بها عند رجل من اليهود ، ثم كر راجعا إلى المدينة .
قال الواقدي : ثم بعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم غالب بن عبد الله ومعه جماعة من كبار الصحابة ، فذكر منهم أسامة بن زيد ، وأبا مسعود البدري ، ثم ذكر مقتل وكعب بن عجرة ، أسامة بن زيد لمرداس بن نهيك حليف بني مرة ، وقوله حين علاه بالسيف : لا إله إلا الله . وأن الصحابة لاموه على [ ص: 361 ] ذلك حتى سقط في يده وندم على ما فعل . وقد ذكر هذه القصة ، يونس بن بكير عن ابن إسحاق ، عن شيخ من بني سلمة ، عن رجال من قومه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث غالب بن عبد الله الكلبي إلى أرض بني مرة ، فأصاب مرداس بن نهيك حليفا لهم من الحرقة ، قال : فقتله أسامة .
قال ابن إسحاق : فحدثني محمد بن أسامة بن محمد بن أسامة ، عن أبيه ، عن جده أسامة بن زيد قال : مرداس بن نهيك - فلما شهرنا عليه السلاح قال : أشهد أن لا إله إلا الله . فلم ننزع عنه حتى قتلناه ، فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرناه ، فقال : " يا أسامة ، من لك بلا إله إلا الله ؟ " فقلت : يا رسول الله ، إنما قالها تعوذا من القتل . قال : " فمن لك يا أسامة بلا إله إلا الله ؟ " فوالذي بعثه بالحق ما زال يرددها علي حتى تمنيت أن ما مضى من إسلامي لم يكن ، وأني أسلمت يومئذ ولم أقتله . فقلت : إني أعطي الله عهدا أن لا أقتل رجلا يقول لا إله إلا الله أبدا . فقال : " بعدي يا أسامة " . فقلت : بعدك . أدركته أنا ورجل من الأنصار - يعني
قال : حدثنا الإمام أحمد هشيم بن بشير ، أنبأنا حصين ، عن قال : سمعت أبي ظبيان أسامة بن زيد يحدث قال : بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة من جهينة . قال : فصبحناهم ، وكان منهم رجل إذا أقبل القوم كان من أشدهم [ ص: 362 ] علينا ، وإذا أدبروا كان حاميتهم . قال : فغشيته أنا ورجل من الأنصار ، فلما تغشيناه قال : لا إله إلا الله . فكف عنه الأنصاري وقتلته ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : " يا أسامة ، أقتلته بعد ما قال : لا إله إلا الله ؟ " قال : قلت : يا رسول الله ، إنما كان متعوذا من القتل . قال : فكررها علي حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت إلا يومئذ وأخرجه البخاري ومسلم من حديث هشيم به نحوه .
وقال ابن إسحاق : حدثني يعقوب بن عتبة ، عن مسلم بن عبد الله الجهني ، عن جندب بن مكيث الجهني قال : غالب بن عبد الله الكلبي ، كلب ليث ، إلى بني الملوح بالكديد ، وأمره أن يغير عليهم ، وكنت في سريته ، فمضينا حتى إذا كنا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقديد ، لقينا الحارث بن مالك بن البرصاء الليثي ، فأخذناه فقال : إني إنما جئت لأسلم . فقال له غالب بن عبد الله : إن كنت إنما جئت لتسلم ، فلا يضرك رباط يوم وليلة ، وإن كنت على غير ذلك استوثقنا منك . قال : فأوثقه رباطا وخلف عليه رويجلا أسود كان معنا ، وقال : امكث معه حتى نمر عليك ، فإن نازعك فاحتز رأسه . ومضينا حتى أتينا بطن الكديد ، فنزلنا عشية بعد العصر ، فبعثني أصحابي إليه ، فعمدت إلى تل يطلعني على الحاضر فانبطحت عليه ، وذلك قبل غروب الشمس ، فخرج [ ص: 363 ] رجل منهم ، فنظر فرآني منبطحا على التل ، فقال لامرأته : إني لأرى سوادا على هذا التل ما رأيته في أول النهار ، فانظري لا تكون الكلاب اجترت بعض أوعيتك ؟ فنظرت فقالت : والله ما أفقد منها شيئا . قال : فناوليني قوسي وسهمين من نبلي . فناولته ، فرماني بسهم في جبيني - أو قال : في جنبي - فنزعته فوضعته ولم أتحرك ، ثم رماني بالآخر فوضعه في رأس منكبي ، فنزعته فوضعته ولم أتحرك ، فقال لامرأته : أما والله لقد خالطه سهماي ، ولو كان ربيئة لتحرك ، فإذا أصبحت فابتغي سهمي فخذيهما ، لا تمضغهما علي الكلاب .
قال : فأمهلنا ، حتى إذا راحت روايحهم ، وحتى احتلبوا وعطنوا وسكنوا ، وذهبت عتمة من الليل ، شننا عليهم الغارة فقتلنا واستقنا النعم ، ووجهنا قافلين به ، وخرج صريخ القوم إلى قومهم بقربنا . قال : وخرجنا سراعا حتى نمر بالحارث بن مالك بن البرصاء وصاحبه ، فانطلقنا به معنا ، وأتانا صريخ الناس ، فجاءنا ما لا قبل لنا به ، حتى إذا لم يكن بيننا وبينهم إلا بطن الوادي من قديد ، بعث الله من حيث شاء ماء ، ما رأينا قبل ذلك مطرا ولا حالا ، وجاء بما لا يقدر أحد أن يقدم عليه ، فلقد رأيتهم وقوفا ينظرون إلينا ، ما يقدر أحد منهم أن يقدم عليه ونحن نجد بها أو نحدوها - شك [ ص: 364 ] النفيلي - فذهبنا سراعا حتى أسندنا بها في المسلك ، ثم حدرنا عنه حتى أعجزنا القوم بما في أيدينا . وقد رواه أبو داود من حديث محمد بن إسحاق ، فقال في روايته : عبد الله بن غالب . والصواب غالب بن عبد الله كما تقدم .
وذكر الواقدي هذه القصة بإسناد آخر ، وقال فيه : وكان معه من الصحابة مائة وثلاثون رجلا .
ثم ذكر من طريق البيهقي الواقدي سرية بشير بن سعد أيضا إلى ناحية خيبر ، فلقوا جمعا من العرب ، وغنموا نعما كثيرا ، وكان بعثه في هذه السرية بإشارة أبي بكر وعمر ، رضي الله عنهما ، وكان معه من المسلمين ثلاثمائة رجل ، ودليله حسيل بن نويرة ، وهو الذي كان دليل النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر . قاله الواقدي .