nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=91nindex.php?page=treesubj&link=28998_19696إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء وأمرت أن أكون من المسلمين nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=92وأن أتلو القرآن فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين أتت هذه السورة على كثير من مطاعن المشركين في القرآن وفيما جاء به من
[ ص: 55 ] 1 أصول الإسلام من التوحيد والبعث والوعيد بأفانين من التصريح والتضمن والتعريض بأحوال المكذبين السالفين مفصلا ذلك تفصيلا ابتداء من قوله تعالى "
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=1تلك آيات القرآن وكتاب مبين nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=2هدى وبشرى للمؤمنين " ( إلى هنا ، فلما كان في خلال ذلك إلحافهم على الرسول صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم بما وعدهم أو أن يعين لهم أجل ذلك ويقولون
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=71متى هذا الوعد إن كنتم صادقين .
وأتت على دحض مطاعنهم وتعللاتهم وتوركهم بمختلف الأدلة قياسا وتمثيلا ، وثبت الله رسوله بضروب من التثبيت ابتداء من قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=7إذ قال موسى لأهله إني آنست نارا وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=79فتوكل على الله إنك على الحق المبين ، وما صاحب ذلك من ذكر ما لقيه الرسل السابقون . بعد ذلك كله استؤنف الكلام استئنافا يكون فذلكة الحساب ، وختاما للسورة وفصل الخطاب ، أفسد به على المشركين ازدهاءهم بما يحسبون أنهم أفحموا الرسول صلى الله عليه وسلم بما ألقوه عليه ويطير غراب غرورهم بما نظموه من سفسطة ، وجاءوا به من خلبطة ، ويزيد الرسول تثبيتا وتطمينا بأنه أرضى ربه بأداء أمانة التبليغ وذلك بأن أمر الرسول عليه الصلاة والسلام أن يقول لهم
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=91إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها فهذا تلقين للرسول صلى الله عليه وسلم . والجملة مقول قول محذوف دل عليه ما عطف عليه في هذه الآية مرتين وهو
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=92فقل إنما أنا من المنذرين nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=93وقل الحمد لله فإن الأول مفرع عليه فهو متصل به ، والثاني معطوف على أول الكلام .
وافتتاح الكلام بأداة الحصر لإفادة حصر إضافي باعتبار ما تضمنته محاوراتهم السابقة من طلب تعجيب الوعيد ، وما تطاولوا به من إنكار الحشر .
والمعنى : ما أمرت بشيء مما تبتغون من تعيين أجل الوعيد ولا من اقتلاع إحالة البعث من نفوسكم ولا بما سوى ذلك إلا بأن أثبت على عبادة رب واحد وأن أكون مسلما وأن أتلو القرآن عليكم ، ففيه البراهين الساطعة والدلالات القاطعة فمن اهتدى فلا يمن علي اهتداءه وإنما نفع به نفسه ; ومن ضل فما أنا بقادر على اهتدائه ، ولكني منذره كما أنذرت الرسل أقوامها فلم يملكوا لهم هديا حتى أهلك الله الضالين . وهذا في معنى قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=20فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن [ ص: 56 ] وقد أدمج في خلال هذا تنويها بشأن مكة وتعريضا بهم بكفرهم بالذي أسكنهم بها وحرمها فانتفعوا بتحريمها ، وأشعرهم بأنهم لا يملكون تلك البلدة فكاشفهم الله بما تكنه صدورهم من خواطر إخراج الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين من
مكة وذلك من جملة ما اقتضاه قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=74وإن ربك ليعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون .
فلهذه النكت أجرى على الله صلة حرم تلك البلدة ، دون أن يكون الموصول للبلدة فلذا لم يقل : التي حرمها الله ، لما تتضمنه الصلة من التذكير بالنعمة عليهم ومن التعريض بضلالهم إذ عبدوا أصناما لا تملك من البلدة شيئا ولا أكسبتها فضلا ومزية ، وهذا كقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=106&ayano=3فليعبدوا رب هذا البيت .
والإشارة إلى البلدة التي هم بها ؛ لأنها حاضرة لديهم بحضور ما هو باد منها للأنظار . والإشارة إلى البقاع بهذا الاعتبار فاشية قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=60وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة وقال
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=31إنا مهلكو أهل هذه القرية .
nindex.php?page=treesubj&link=31577والعدول عن ذكر مكة باسمها العلم إلى طريقة الإشارة لما تقتضيه الإشارة من التعظيم .
وتبيين اسم الإشارة بالبلدة ؛ لأن البلدة بهاء التأنيث اسم لطائفة من الأرض معينة معروفة محوزة فيشمل
مكة وما حولها إلى نهاية حدود الحرم . ومعنى حرمها جعلها حراما ، والحرام الممنوع ، والتحريم المنع . ويعلم متعلق المنع بسياق ما يناسب الشيء الممنوع . فالمراد من تحريم البلدة تحريم أن يدخل فيها ما يضاد صلاحها وصلاح ما بها من ساكن ودابة وشجر . فيدخل في ذلك منع غزو أهلها والاعتداء عليهم وظلمهم وإخافتهم ومنع صيدها وقطع شجرها على حدود معلومة . وهذا التحريم مما أوحى الله به إلى
إبراهيم عليه السلام إذ أمره بأن يبني بيتا لتوحيده وباستجابته لدعوة
إبراهيم إذ قال
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=126رب اجعل هذا بلدا آمنا .
فالتحريم يكون كمالا للمحرم ويكون نقصا على اختلاف اعتبار سبب التحريم وصفته ، فتحريم المكان والزمان مزية وتفضيل ، وتحريم الفواحش والميتة والدم والخمر تحقير لها ، والمحرمات للنسل والرضاع والصهر زيادة في الحرمة .
[ ص: 57 ] فتحريم المكان : منع ما يضر بالحال فيه . وتحريم الزمان ، كتحريم الأشهر الحرم : منع ما فيه ضر للموجودين فيه .
وتعقيب هذا بجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=91وله كل شيء احتراس لئلا يتوهم من إضافة ربوبيته إلى البلدة اقتصار ملكه عليها ليعلم أن تلك الإضافة لتشريف المضاف إليه لا لتعريف المضاف بتعيين مظهر ملكه .
وتكرير " أمرت " في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=91وأمرت أن أكون من المسلمين للإشارة إلى الاختلاف بين الأمرين فإن الأول أمر يعمله في خاصة نفسه وهو أمر إلهام إذ عصمه الله من عبادة الأصنام من قبل الرسالة . والأمر الثاني أمر يقتضي الرسالة وقد شمل دعوة الخلق إلى التوحيد . ولهذه النكتة لم يكرر " أمرت " في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=92وأن أتلو القرآن ؛ لأن كلا من الإسلام والتلاوة من شئون الرسالة .
وفي قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=91أن أكون من المسلمين تنويه بهذه الأمة إذ جعل الله رسوله آحادها ، وذلك نكتة عن العدول عن أن يقول : أن أكون مسلما .
والتلاوة : قراءة كلام معين على الناس ، وقد تقدم في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=121الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته ، وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان في سورة البقرة .
وحذف متعلق التلاوة لظهوره ، أي أن أتلو القرآن على الناس .
وفرع على التلاوة ما يقتضي انقسام الناس إلى مهتد وضال ، أي منتفع بتلاوة القرآن عليه وغير منتفع مبينا أن من اهتدى فإنما كان اهتداؤه لفائدة نفسه . وهذا زيادة في تحريض السامعين على
nindex.php?page=treesubj&link=28328الاهتداء بهدي القرآن ؛ لأن فيه نفعه كما آذنت به اللام .
وإظهار فعل القول هنا لتأكيد أن
nindex.php?page=treesubj&link=32026_32028حظ النبيء صلى الله عليه وسلم من دعوة المعرضين الضالين أن يبلغهم الإنذار فلا يطمعوا أن يحمله إعراضهم على أن يلح عليهم قبول دعوته . والمراد بالمنذرين : الرسل ، أي إنما أنا واحد من الرسل ما كنت بدعا من الرسل وسنتي سنة من أرسل قبلي وهي التبليغ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=35فهل على الرسل إلا البلاغ المبين .
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=91nindex.php?page=treesubj&link=28998_19696إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=92وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ أَتَتْ هَذِهِ السُّورَةُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ مُطَاعِنِ الْمُشْرِكِينَ فِي الْقُرْآنِ وَفِيمَا جَاءَ بِهِ مِنْ
[ ص: 55 ] 1 أُصُولِ الْإِسْلَامِ مِنَ التَّوْحِيدِ وَالْبَعْثِ وَالْوَعِيدِ بِأَفَانِينَ مِنَ التَّصْرِيحِ وَالتَّضَمُّنِ وَالتَّعْرِيضِ بِأَحْوَالِ الْمُكَذِّبِينَ السَّالِفِينَ مُفَصَّلًا ذَلِكَ تَفْصِيلًا ابْتِدَاءً مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى "
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=1تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٌ مُبِينٌ nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=2هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ " ( إِلَى هُنَا ، فَلَمَّا كَانَ فِي خِلَالِ ذَلِكَ إِلْحَافُهُمْ عَلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْتِيَهُمْ بِمَا وَعَدَهُمْ أَوْ أَنْ يُعَيِّنَ لَهُمْ أَجَلَ ذَلِكَ وَيَقُولُونَ
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=71مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ .
وَأَتَتْ عَلَى دَحْضِ مَطَاعِنِهِمْ وَتَعَلُّلَاتِهِمْ وَتَوَرُّكِهِمْ بِمُخْتَلِفِ الْأَدِلَّةِ قِيَاسًا وَتَمْثِيلًا ، وَثَبَّتَ اللَّهُ رَسُولَهُ بِضُرُوبٍ مِنَ التَّثْبِيتِ ابْتِدَاءً مِنْ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=7إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّيَ آنَسْتُ نَارًا وَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=79فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ ، وَمَا صَاحَبَ ذَلِكَ مِنْ ذِكْرِ مَا لَقِيَهُ الرُّسُلُ السَّابِقُونَ . بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ اسْتُؤْنِفَ الْكَلَامُ اسْتِئْنَافًا يَكُونُ فَذْلَكَةَ الْحِسَابِ ، وَخِتَامًا لِلسُّورَةِ وَفَصْلِ الْخِطَابِ ، أَفْسَدَ بِهِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ازْدِهَاءَهُمْ بِمَا يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ أَفْحَمُوا الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا أَلْقَوْهُ عَلَيْهِ وَيَطِيرُ غُرَابُ غُرُورِهِمْ بِمَا نَظَمُوهُ مِنْ سَفْسَطَةٍ ، وَجَاءُوا بِهِ مِنْ خَلْبَطَةٍ ، وَيَزِيدُ الرَّسُولَ تَثْبِيتًا وَتَطْمِينًا بِأَنَّهُ أَرْضَى رَبَّهُ بِأَدَاءِ أَمَانَةِ التَّبْلِيغِ وَذَلِكَ بِأَنَّ أُمِرَ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=91إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا فَهَذَا تَلْقِينٌ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَالْجُمْلَةُ مَقُولُ قَوْلٍ مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ مَا عُطِفَ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَرَّتَيْنِ وَهُوَ
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=92فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=93وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَإِنَّ الْأَوَّلَ مُفَرَّعٌ عَلَيْهِ فَهُوَ مُتَّصِلٌ بِهِ ، وَالثَّانِي مَعْطُوفٌ عَلَى أَوَّلِ الْكَلَامِ .
وَافْتِتَاحُ الْكَلَامِ بِأَدَاةِ الْحَصْرِ لِإِفَادَةِ حَصْرٍ إِضَافِيٍّ بِاعْتِبَارِ مَا تَضَمَّنَتْهُ مُحَاوَرَاتُهُمُ السَّابِقَةُ مِنْ طَلَبِ تَعْجِيبِ الْوَعِيدِ ، وَمَا تَطَاوَلُوا بِهِ مِنْ إِنْكَارِ الْحَشْرِ .
وَالْمَعْنَى : مَا أُمِرْتُ بِشَيْءٍ مِمَّا تَبْتَغُونَ مِنْ تَعْيِينِ أَجَلِ الْوَعِيدِ وَلَا مِنِ اقْتِلَاعِ إِحَالَةِ الْبَعْثِ مِنْ نُفُوسِكُمْ وَلَا بِمَا سِوَى ذَلِكَ إِلَّا بِأَنْ أَثْبُتَ عَلَى عِبَادَةِ رَبٍّ وَاحِدٍ وَأَنْ أَكُونَ مُسْلِمًا وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ عَلَيْكُمْ ، فَفِيهِ الْبَرَاهِينُ السَّاطِعَةُ وَالدَّلَالَاتُ الْقَاطِعَةُ فَمَنِ اهْتَدَى فَلَا يَمُنُّ عَلَيَّ اهْتِدَاءَهُ وَإِنَّمَا نَفَعَ بِهِ نَفْسَهُ ; وَمَنْ ضَلَّ فَمَا أَنَا بِقَادِرٍ عَلَى اهْتِدَائِهِ ، وَلَكِنِّي مُنْذِرُهُ كَمَا أَنْذَرَتِ الرُّسُلُ أَقْوَامَهَا فَلَمْ يَمْلِكُوا لَهُمْ هَدْيًا حَتَّى أَهْلَكَ اللَّهُ الضَّالِّينَ . وَهَذَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=20فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ [ ص: 56 ] وَقَدْ أُدْمِجَ فِي خِلَالِ هَذَا تَنْوِيهًا بِشَأْنِ مَكَّةَ وَتَعْرِيضًا بِهِمْ بِكُفْرِهِمْ بِالَّذِي أَسْكَنَهُمْ بِهَا وَحَرَّمَهَا فَانْتَفَعُوا بِتَحْرِيمِهَا ، وَأَشْعَرَهُمْ بِأَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ تِلْكَ الْبَلْدَةَ فَكَاشَفَهُمُ اللَّهُ بِمَا تُكِنُّهُ صُدُورُهُمْ مِنْ خَوَاطِرِ إِخْرَاجِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ مِنْ
مَكَّةَ وَذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ مَا اقْتَضَاهُ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=74وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ .
فَلِهَذِهِ النُّكَتِ أَجْرَى عَلَى اللَّهِ صِلَةَ حَرَّمَ تِلْكَ الْبَلْدَةَ ، دُونَ أَنْ يَكُونَ الْمَوْصُولُ لِلْبَلْدَةِ فَلِذَا لَمْ يَقُلْ : الَّتِي حَرَّمَهَا اللَّهُ ، لِمَا تَتَضَمَّنُهُ الصِّلَةُ مِنَ التَّذْكِيرِ بِالنِّعْمَةِ عَلَيْهِمْ وَمِنَ التَّعْرِيضِ بِضَلَالِهِمْ إِذْ عَبَدُوا أَصْنَامًا لَا تَمْلِكُ مِنَ الْبَلْدَةِ شَيْئًا وَلَا أَكْسَبَتْهَا فَضْلًا وَمَزِيَّةً ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=106&ayano=3فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ .
وَالْإِشَارَةُ إِلَى الْبَلْدَةِ الَّتِي هُمْ بِهَا ؛ لِأَنَّهَا حَاضِرَةٌ لَدَيْهِمْ بِحُضُورِ مَا هُوَ بَادٍ مِنْهَا لِلْأَنْظَارِ . وَالْإِشَارَةُ إِلَى الْبِقَاعِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ فَاشِيَةٌ قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=60وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَقَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=31إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ .
nindex.php?page=treesubj&link=31577وَالْعُدُولُ عَنْ ذِكْرِ مَكَّةَ بِاسْمِهَا الْعَلَمِ إِلَى طَرِيقَةِ الْإِشَارَةِ لِمَا تَقْتَضِيهِ الْإِشَارَةُ مِنَ التَّعْظِيمِ .
وَتَبْيِينُ اسْمِ الْإِشَارَةِ بِالْبَلْدَةِ ؛ لِأَنَّ الْبَلْدَةَ بَهَاءِ التَّأْنِيثِ اسْمٌ لِطَائِفَةٍ مِنَ الْأَرْضِ مُعَيَّنَةٍ مَعْرُوفَةٍ مَحُوزَةٍ فَيَشْمَلُ
مَكَّةَ وَمَا حَوْلَهَا إِلَى نِهَايَةِ حُدُودِ الْحَرَمِ . وَمَعْنَى حَرَّمَهَا جَعَلَهَا حَرَامًا ، وَالْحَرَامُ الْمَمْنُوعُ ، وَالتَّحْرِيمُ الْمَنْعُ . وَيَعْلَمُ مُتَعَلِّقُ الْمَنْعِ بِسِيَاقِ مَا يُنَاسِبُ الشَّيْءَ الْمَمْنُوعَ . فَالْمُرَادُ مِنْ تَحْرِيمِ الْبَلْدَةِ تَحْرِيمُ أَنْ يَدْخُلَ فِيهَا مَا يُضَادُّ صَلَاحَهَا وَصَلَاحَ مَا بِهَا مِنْ سَاكِنٍ وَدَابَّةٍ وَشَجَرٍ . فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَنْعُ غَزْوِ أَهْلِهَا وَالِاعْتِدَاءِ عَلَيْهِمْ وَظُلْمِهِمْ وَإِخَافَتِهِمْ وَمَنْعُ صَيْدِهَا وَقَطْعِ شَجَرِهَا عَلَى حُدُودٍ مَعْلُومَةٍ . وَهَذَا التَّحْرِيمُ مِمَّا أَوْحَى اللَّهُ بِهِ إِلَى
إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِذْ أَمَرَهُ بِأَنْ يَبْنِيَ بَيْتًا لِتَوْحِيدِهِ وَبِاسْتِجَابَتِهِ لِدَعْوَةِ
إِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=126رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا .
فَالتَّحْرِيمُ يَكُونُ كَمَالًا لِلْمُحَرَّمِ وَيَكُونُ نَقْصًا عَلَى اخْتِلَافِ اعْتِبَارِ سَبَبِ التَّحْرِيمِ وَصَفْتِهِ ، فَتَحْرِيمُ الْمَكَانِ وَالزَّمَانِ مَزِيَّةٌ وَتَفْضِيلٌ ، وَتَحْرِيمُ الْفَوَاحِشِ وَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَالْخَمْرِ تَحْقِيرٌ لَهَا ، وَالْمُحَرَّمَاتُ لِلنَّسْلِ وَالرَّضَّاعِ وَالصِّهْرِ زِيَادَةٌ فِي الْحُرْمَةِ .
[ ص: 57 ] فَتَحْرِيمُ الْمَكَانِ : مَنْعُ مَا يَضُرُّ بِالْحَالِّ فِيهِ . وَتَحْرِيمُ الزَّمَانِ ، كَتَحْرِيمِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ : مَنْعُ مَا فِيهِ ضُرٌّ لِلْمَوْجُودِينَ فِيهِ .
وَتَعْقِيبُ هَذَا بِجُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=91وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ احْتِرَاسٌ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ مِنْ إِضَافَةِ رُبُوبِيَّتِهِ إِلَى الْبَلْدَةِ اقْتِصَارُ مُلْكِهِ عَلَيْهَا لِيُعْلَمَ أَنَّ تِلْكَ الْإِضَافَةَ لِتَشْرِيفِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ لَا لِتَعْرِيفِ الْمُضَافِ بِتَعْيِينِ مَظْهَرِ مُلْكِهِ .
وَتَكْرِيرُ " أُمِرْتُ " فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=91وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لِلْإِشَارَةِ إِلَى الِاخْتِلَافِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فَإِنَّ الْأَوَّلَ أَمْرٌ يَعْمَلُهُ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ وَهُوَ أَمْرُ إِلْهَامٍ إِذْ عَصَمَهُ اللَّهُ مِنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ مِنْ قَبْلِ الرِّسَالَةِ . وَالْأَمْرُ الثَّانِي أَمْرٌ يَقْتَضِي الرِّسَالَةَ وَقَدْ شَمِلَ دَعْوَةَ الْخَلْقِ إِلَى التَّوْحِيدِ . وَلِهَذِهِ النُّكْتَةِ لَمْ يُكَرِّرْ " أُمِرْتُ " فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=92وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنَ الْإِسْلَامِ وَالتِّلَاوَةِ مِنْ شُئُونِ الرِّسَالَةِ .
وَفِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=91أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ تَنْوِيهٌ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ إِذْ جَعَلَ اللَّهُ رَسُولَهُ آحَادَهَا ، وَذَلِكَ نُكْتَةٌ عَنِ الْعُدُولِ عَنْ أَنْ يَقُولَ : أَنْ أَكُونَ مُسْلِمًا .
وَالتِّلَاوَةُ : قِرَاءَةُ كَلَامٍ مُعَيَّنٍ عَلَى النَّاسِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=121الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ ، وَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ .
وَحُذِفَ مُتَعَلِّقُ التِّلَاوَةِ لِظُهُورِهِ ، أَيْ أَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ عَلَى النَّاسِ .
وَفُرِّعَ عَلَى التِّلَاوَةِ مَا يَقْتَضِي انْقِسَامَ النَّاسِ إِلَى مُهْتَدٍ وَضَالٍّ ، أَيْ مُنْتَفِعٍ بِتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ عَلَيْهِ وَغَيْرِ مُنْتَفِعٍ مُبَيِّنًا أَنَّ مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا كَانَ اهْتِدَاؤُهُ لِفَائِدَةِ نَفْسِهِ . وَهَذَا زِيَادَةٌ فِي تَحْرِيضِ السَّامِعِينَ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=28328الِاهْتِدَاءِ بِهَدْيِ الْقُرْآنِ ؛ لِأَنَّ فِيهِ نَفْعَهُ كَمَا آذَنَتْ بِهِ اللَّامُ .
وَإِظْهَارُ فِعْلِ الْقَوْلِ هُنَا لِتَأْكِيدٍ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=32026_32028حَظَّ النَّبِيءِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ دَعْوَةِ الْمُعْرِضِينَ الضَّالِّينَ أَنْ يُبَلِّغَهُمُ الْإِنْذَارَ فَلَا يَطْمَعُوا أَنْ يَحْمِلَهُ إِعْرَاضُهُمْ عَلَى أَنْ يُلِحَّ عَلَيْهِمْ قَبُولَ دَعْوَتِهِ . وَالْمُرَادُ بِالْمُنْذِرِينَ : الرُّسُلُ ، أَيْ إِنَّمَا أَنَا وَاحِدٌ مِنَ الرُّسُلِ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَسُنَّتِي سُنَّةُ مَنْ أُرْسِلَ قَبْلِي وَهِيَ التَّبْلِيغُ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=35فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ .