تذييل للزواجر المتقدمة ، فالخطاب للمشركين الذين يسمعون القرآن على طريقة الالتفات من الغيبة بذكر الأسماء الظاهرة وهي من قبيل الغائب . وذكر ضمائرها ابتداء من قوله " إنك لا تسمع الموتى " وما بعده من الآيات إلى هنا . ومقتضى الظاهر أن يقال : هل تجزون إلا ما كنتم تعملون فكانت هذه الجملة كالتلخيص لما تقدم وهو أن الجزاء على حسب عقائدهم وأعمالهم وما العقيدة إلا عمل القلب فلذلك وجه الخطاب إليهم بالمواجهة .
ويجوز أن تكون مقولا لقول محذوف يوجه إلى الناس يومئذ ، أي لا يقال لكل فريق : " هل تجزون إلا ما كنتم تعملون " .
[ ص: 54 ] والاستفهام في معنى النفي بقرينة الاستثناء . وورود " هل " لمعنى النفي أثبته في مغني اللبيب استعمالا تاسعا قال : أن يراد بالاستفهام بها النفي ولذلك دخلت على الخبر بعدها ( إلا ) نحو " هل جزاء الإحسان إلا الإحسان " . والباء في قوله :
ألا هل أخو عيش لذيذ بدائم
وقال في آخر كلامه : إن من معاني الإنكار الذي يستعمل فيه الاستفهام إنكار وقوع الشيء وهو معنى النفي . وهذا تنفرد به ( هل ) دون الهمزة . قال الدماميني في الحواشي الهندية قوله : يراد بالاستفهام بـ ( هل ) النفي يشعر بأن ثمة استفهاما لكنه مجازي لا حقيقي اهـ .وأقول : هذا استعمال كثير ومنه قول لبيد :
هل أنا إلا من ربيعة أو مضر
وقول النابغة :وهل علي بأن أخشاك من عار
حيث جاء بـ ( من ) التي تدخل على النكرة في سياق النفي لقصد التنصيص على العموم وشواهده كثيرة . ولعل أصل ذلك أنه استفهام عن النفي لقصد التقرير بالنفي . والتقدير : هل لا تجزون إلا ما كنتم تعملون ، فلما اقترن به الاستثناء غالبا والحرف الزائد في النفي في بعض المواضع حذفوا النافي وأشربوا حرف الاستفهام معنى النفي اعتمادا على القرينة فصار مفاد الكلام نفيا وانسلخت ( هل ) عن الاستفهام فصارت مفيدة النفي . وقد أشرنا إلى هذه الآية عند قوله تعالى هل يجزون إلا ما كانوا يعملون في الأعراف .