. تقدم تفسير مهين وما بعده في المفردات ، وجاءت هذه الصفات صفات مبالغة ، ونوسب فيها فجاء ( حلاف ) وبعده ( مهين ) لأن النون فيها مع الميم تواخ ، ثم جاء : هماز مشاء بنميم بصفتي [ ص: 310 ] المبالغة ، ثم جاء : مناع للخير معتد أثيم فمناع وأثيم صفتا مبالغة ، والظاهر أن الخير هنا يراد به العموم فيما يطلق عليه خير . وقيل : الخير هنا المال ، يريد ( مناع ) للمال عبر به عن الشح ، معناه : متجاوز الحد في الظلم . وفي حديث شداد بن أوس قلت : يعني لرسول الله ، صلى الله عليه وسلم . ولا تطع كل حلاف مهين . وقرأ وما العتل الزنيم ؟ قال : الرحيب الجوف ، الوتير الخلق ، الأكول الشروب ، الغشوم الظلوم الحسن : عتل برفع اللام ، والجمهور بجرها بعد ذلك . وقال : جعل جفاءه ودعوته أشد معايبه ; لأنه إذا جفا وغلظ طبعه قسا قلبه ، واجترأ على كل معصية ; ولأن الغالب أن النطفة إذا خبثت خبث الناشئ منها ، ومن ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الزمخشري . وبعد ذلك نظير ثم في قوله : ثم كان من الذين آمنوا . وقرأ لا يدخل الجنة ولد الزنا ولا ولده ولا ولد ولده الحسن : " عتل " رفعا على الذم ، وهذه القراءة تقوية لما يدل عليه بعد ذلك . انتهى . وقال ابن عطية : بعد ذلك أي : بعد أن وصفناه به ، فهذا الترتيب إنما هو في قول الواصف لا في حصول تلك الصفات في الموصوف ، وإلا فكونه عتلا هو قبل كونه صاحب خير يمنعه . انتهى . و " الزنيم " : الملصق في القوم وليس منهم ، قاله وغيره . وقيل : الزنيم ، المريب القبيح الأفعال ، وعن ابن عباس أيضا : الزنيم الذي له زنمة في عنقه كزنمة الشاة ، وما كنا نعرف المشار إليه حتى نزلت فعرفناه بزنمته . انتهى . وروي أن ابن عباس الأخفش بن شريف كان بهذه الصفة ، كان له زنمة . وروى ابن جبير عن أن الزنيم هو الذي يعرف بالشر ، كما تعرف الشاة بالزنمة . وعنه أيضا : أنه المعروف بالأبنة . وعنه أيضا : أنه الظلوم . وعن ابن عباس عكرمة : هو اللئيم . وعن مجاهد وعكرمة : أنه ولد الزنا الملحق في النسب بالقوم ، وكان الوليد دعيا في وابن المسيب قريش ليس من منحهم ، ادعاه أبوه بعد ثمان عشرة من مولده . وقال مجاهد : كانت له ستة أصابع في يده ، في كل إبهام أصبع زائدة ، والذي يظهر أن هذه الأوصاف ليست لمعين . ألا ترى إلى قوله : كل حلاف وقوله : إنا بلوناهم ؟ فإنما وقع النهي عن طواعية من هو بهذه الصفات .
قال ابن عطية ما ملخصه ، قرأ النحويان والحرميان و حفص و أهل المدينة : أن كان على الخبر ; وباقي السبعة والحسن وابن أبي إسحاق وأبو جعفر : على الاستفهام . وحقق الهمزتين حمزة ، وسهل الثانية باقيهم . فأما على الخبر ، فقال أبو علي الفارسي : يجوز أن يعمل فيها " عتل " وإن كان قد وصف . انتهى ، وهذا قول كوفي ، ولا يجوز ذلك عند البصريين . وقيل : ( زنيم ) لا سيما على قول من فسره بالقبيح الأفعال . وقال : متعلق بقوله : ولا تطع يعني ولا تطعه مع هذه المثالب ، لـ أن كان ذا مال أي : ليساره وحظه من الدنيا ، ويجوز أن يتعلق بما بعده على معنى لكونه متمولا مستظهرا بالبنين ، كذب آياتنا ولا يعمل فيه ، قال الذي هو جواب إذا ; لأن ما بعد الشرط لا يعمل فيما قبله ، ولكن ما دلت عليه الجملة من معنى التكذيب . انتهى . وأما على الاستفهام ، فيحتمل أن يفسر عامل يدل عليه ما قبله ، أي : أيكون طواعية لأن كان ؟ وقدره الزمخشري : أتطيعه لأن كان ؟ أو عامل يدل عليه ما قبله ، أي : أكذب أو جحد لأن كان ؟ وقرأ الزمخشري نافع في رواية اليزيدي عنه : إن كان بكسر الهمزة . قال : والشرط للمخاطب ، أي : لا تطع كل حلاف شارطا يساره ; لأنه إذا أطاع الكافر لغناه ، فكأنه اشترط في الطاعة الغنى ، ونحو صرف الشرط إلى المخاطب صرف الرجاء إليه في قوله : لعله يذكر . انتهى . وأقوال : أن كان شرط ، و إذا تتلى شرط ، فهو مما اجتمع فيه شرطان ، وليسا من الشروط المترتبة الوقوع ، فالمتأخر لفظا هو المتقدم ، والمتقدم لفظا هو شرط في الثاني ، كقوله : الزمخشري
فإن عثرت بعدها إن وألت نفسي من هاتا فقولا لا لا
لأن الحامل على ترك تدبر آيات الله كونه ذا مال وبنين ، فهو مشغول القلب ، فذلك غافل عن النظر [ ص: 311 ] والفكر ، قد استولت عليه الدنيا وأبطرته . وقرأ الحسن : أئذا على الاستفهام ، وهو استفهام تقريع وتوبيخ على قوله : القرآن أساطير الأولين ، لما تليت عليه آيات الله . ولما ذكر قبائح أفعاله وأقواله ، ذكر ما يفعل به على سبيل التوعد ، فقال : سنسمه على الخرطوم والسمة : العلامة . ولما كان الوجه أشرف ما في الإنسان ، والأنف أكرم ما في الوجه لتقدمه ، ولذلك جعلوه مكان العز والحمية ، واشتقوا منه الأنفة ، وقالوا : حمي الأنف شامخ العرنين . وقالوا في الذليل : جدع أنفه ، ورغم أنفه . وكان أيضا مما تظهر السمات فيه لعلو ، قال : سنسمه على الخرطوم وهو غاية الإذلال والإهانة والاستبلاد ، إذ صار كالبهيمة لا يملك الدفع عن وسمه في الأنف ، وإذا كان الوسم في الوجه شينا ، فكيف به على أكرم عضو فيه ؟ وقد قيل : الجمال في الأنف ، وقال بعض الأدباء :
وحسن الفتى في الأنف والأنف عاطل فكيف إذا ما الخال كان له حليا
وسنسمه فعل مستقبل لم يتعين زمانه . وقال : هو الضرب بالسيف ، أي : يضرب به وجهه وعلى أنفه ، فيجيء ذلك كالوسم على الأنف ، وحل به ذلك يوم بدر . وقال ابن عباس : ذلك في عذاب الآخرة في جهنم ، وهو تعذيب بنار على أنوفهم . وقال آخرون : ذلك يوم القيامة ، أي : نوسم على أنفه بسمة يعرف بها كفره وانحطاط قدره . وقال المبرد قتادة وغيره : معناه سنفعل به في الدنيا من الذم والمقت والاشتهار بالشر ما يبقى فيه ولا يخفى به ، فيكون ذلك كالوسم على الأنف ثابتا بينا ، كما تقول : سأطوقك طوق الحمامة ، أي : أثبت لك الأمر بينا فيك ، ونحو هذا أراد جرير بقوله :
لما وضعت على الفرزدق ميسمي
وفي الوسم على الأنف تشويه ، فجاءت استعارته في المذمات بليغة جدا . قال ابن عطية : وإذا تأملت حال أبي جهل ونظرائه ، وما ثبت لهم في الدنيا من سوء الأخروية ، رأيت أنهم قد وسموا على الخراطيم . انتهى . وقال أبو العالية ومقاتل ، واختاره الفراء : يسود وجهه قبل دخول النار ، وذكر الخرطوم ، والمراد الوجه ; لأن بعض الوجه يؤدي عن بعض . وقال أبو عبد الله الرازي : إنما بالغ الكافر في عداوة الرسول - صلى الله عليه وسلم - بسبب الأنفة والحمية ، فلما كان شاهد الإنكار هو الأنفة والحمية ، عبر عن هذا الاختصاص بقوله : سنسمه على الخرطوم . انتهى كلامه . وفي استعارة الخرطوم مكان الأنف استهانة واستخفاف ; لأن حقيقة الخرطوم هو للسباع . وتلخص من هذا أن قوله : سنسمه على الخرطوم أهو حقيقة أم مجاز ؟ وإذا كان حقيقة ، فهل ذلك في الدنيا أو في الآخرة ؟ وأبعد النضر بن شميل في تفسيره الخرطوم بالخمر ، وأن معناه سنحده على شربها .
ولما ذكر المتصف بتلك الأوصاف الذميمة ، وهم كفار قريش ، أخبر - تعالى - بما حل بهم من الابتلاء بالقحط والجوع بدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم : مضر ، واجعلها عليهم سنين كسني يوسف الحديث . كما بلونا أصحاب الجنة المعروف خبرها عندهم . كانت بأرض اللهم اشدد وطأتك على اليمن صنعاء لرجل كان يؤدي حق الله منها ، فمات فصارت إلى ولده ، فمنعوا الناس خيرها وبخلوا بحق الله تعالى ، فأهلكها الله - تعالى - من حيث لم يمكنهم دفع ما حل بهم . وقيل : كانت بصوران على فراسخ من صنعاء لناس بعد رفع عيسى - عليه السلام ، وكان صاحبها ينزل للمساكين ما أخطأه المنجل ، وما في أسفل الأكراس ، وما أخطاه القطاف من العنب ، وما بقي على السباط تحت النخلة إذا صرمت ، فكان يجتمع لهم شيء كثير ، فلما مات قال بنوه : إن فعلنا ما كان يفعل أبونا ضاق علينا الأمر ونحن أولو عيال ، فحلفوا ليصرمنها مصبحين في السدف خفية من المساكين ، ولم يستثنوا في يمينهم . و " الكاف " في كما بلونا في موضع نصب ، و " ما " مصدرية . وقيل : بمعنى [ ص: 312 ] الذي ، وإذ معمول لبلوناهم " ليصرمنها " جواب القسم لا على منطوقهم ، إذ لو كان على منطوقهم لكان لنصرمنها بنون المتكلمين ، والمعنى : ليجدن ثمرها إذا دخلوا في الصباح قبل خروج المساكين إلى عادتهم مع أبيهم . ولا يستثنون أي : ولا ينثنون عن ما عزموا عليه من منع المساكين . وقال مجاهد : معناه : لا يقولون إن شاء الله ، بل عزموا على ذلك عزم من يملك أمره . وقال ، متبعا قول الزمخشري مجاهد : ولا يقولون إن شاء الله . ( فإن قلت ) لم سمي استثناء ، وإنما هو شرط ؟ ( قلت ) : لأنه يؤدي مؤدى الاستثناء من حيث أن معنى قولك : لأخرجن إن شاء الله ، ولا أخرج إلا أن يشاء الله واحد . انتهى .
فطاف عليها طائف قرأ النخعي : طيف . قال الفراء : والطائف الأمر الذي يأتي بالليل ، ورد عليه بقوله : إذا مسهم طائف من الشيطان فلم يتخصص بالليل ، وطائف مبهم . فقيل : هو جبريل - عليه السلام - اقتلعها وطاف بها حول البيت ، ثم وضعها حيث مدينة الطائف اليوم ، ولذلك سميت بالطائف ، وليس في أرض الحجاز بلدة فيها الماء والشجر والأعناب غيرها . وقال : طائف من أمر ربك . وقال ابن عباس قتادة : عذاب من ربك . وقال : عنق خرج من وادي جهنم . فأصبحت كالصريم قال ابن جرير : كالرماد الأسود ، والصريم : الرماد الأسود بلغة خزيمة ، وعنه أيضا : الصريم رملة باليمن معروفة لا تنبت ، فشبه جنتهم بها . وقال ابن عباس الحسن : صرم عنها الخير ، أي قطع . فالصريم بمعنى مصروم . وقال : كالصبح من حيث ابيضت كالزرع المحصود . وقال الثوري مؤرج : كالرملة انصرمت من معظم الرمل ، والرملة لا تنبت شيئا ينفع . وقال الأخفش : كالصبح انصرم من الليل . وقال : كالنهار فلا شيء فيها . وقال المبرد شمر : الصريم : الليل ، والصريم : النهار ، أي : ينصرم هذا عن ذاك ، وذاك عن هذا . وقال الفراء والقاضي وجماعة : الصريم الليل من حيث اسودت جنتهم . ( فتنادوا ) دعا بعضهم بعضا إلى المضي إلى ميعادهم أن اغدوا على حرثكم . قال منذر بن سعيد : ( فإن قلت ) هلا قيل اغدوا إلى حرثكم وما معنى على ؟ ( قلت ) : لما كان الغدو إليه ليصرموه ويقطعوه كان غدوا عليه ، كما تقول : غدا عليهم العدو . ويجوز أن يضمن الغد ومعنى الإقبال ، كقولهم : يغدى عليه بالجفنة ويراح ، أي : فأقبلوا على حرثكم باكرين . انتهى . واستسلف الزمخشري أن غدا يتعدى بإلى ، ويحتاج ذلك إلى نقل بحيث يكثر ذلك ، فيصير أصلا فيه ويتأول ما خالفه ، والذي في حفظي أنه معدى بعلى ، كقول الشاعر : الزمخشري
بكرت عليه غدوة فرأيته قعودا عليه بالصريم عوادله
إن كنتم صارمين الظاهر أنه من صرام النخل . قيل : ويحتمل أن يريد : إن كنتم أهل عزم وإقدام على رأيكم ، من قولك سيف صارم . ( يتخافتون ) يخفون كلامهم خوفا من أن يشعر بهم المساكين . أن لا يدخلنها أي : يتخافتون بهذا الكلام وهو لا يدخلنها ، و " أن " مصدرية ، ويجوز أن تكون تفسيرية . وقرأ عبد الله : لا يدخلنها ، بإسقاط أن على إضمار يقولون ، أو على إجراء " يتخافتون " مجرى القول ، إذ معناه : يسارون القول ، والنهي عن الدخول نهي عن التمكين منه ، أي لا تمكنوهم من الدخول فيدخلوا . وغدوا على حرد قادرين أي : على قصد وقدرة في أنفسهم ، يظنون أنهم تمكنوا من مرادهم . قال معناه وابن أبي عبلة ، أي : قاصدين إلى جنتهم بسرعة ، قادرين عند أنفسهم على صرامها . قال ابن عباس أبو عبيدة والقتبي : على حرد على منع ، أي : قادرين في أنفسهم على منع المساكين من خيرها ، فجزاهم الله بأن منعهم خيرا . وقال الحسن : على حرد أي : حاجة وفاقة . وقال السدي وسفيان : على حرد على غضب ، أي : لم يقدروا إلا على حنق وغضب بعضهم على بعض . وقيل : على حرد : على انفراد [ ص: 313 ] أي : انفردوا دون المساكين . وقال الأزهري : " حرد " اسم قريتهم . وقال : اسم جنتهم ، أي : غدوا على تلك الجنة قادرين على صرامها عند أنفسهم ، أو مقدرين أن يتم لهم مرادهم من الصرام . قيل : ويحتمل أن يكون من التقدير بمعنى التضييق ; لقوله تعالى : ومن قدر عليه رزقه أي : مضيقين على المساكين ، إذ حرموهم ما كان أبوهم ينيلهم منها . فلما رأوها أي : على الحالة التي كانوا غدوها عليها ، من هلاكها وذهاب ما فيها من الخير قالوا إنا لضالون أي : عن الطريق إليها ، قاله قتادة . وذلك في أول وصولهم أنكروا أنها هي ، واعتقدوا أنهم أخطأوا الطريق إليها ، ثم وضح لهم أنها هي ، وأنه أصابها من عذاب الله ما أذهب خيرها . وقيل : لضالون عن الصواب في غدونا على نية منع المساكين ، فقالوا : بل نحن محرومون خيرها بخيانتنا على أنفسنا . السدي
قال أوسطهم أي : أفضلهم وأرجحهم عقلا ألم أقل لكم لولا تسبحون أنبهم ووبخهم على تركهم ما حضهم عليه من تسبيح الله ، أي ذكره وتنزيهه عن السوء ، ولو ذكروا الله وإحسانه إليهم لامتثلوا ما أمر به من مواساة المساكين ، واقتفوا سنة أبيهم في ذلك . فلما غفلوا عن ذكر الله - تعالى - وعزموا على منع المساكين ، ابتلاهم الله ، وهذا يدل على أن أوسطهم كان قد تقدم إليهم وحرضهم على ذكر الله تعالى . وقال مجاهد وأبو صالح : كان استثناؤهم سبحان الله . قال النحاس : جعل مجاهد التسبيح موضع إن شاء الله ; لأن المعنى تنزيه الله أن يكون شيء إلا بمشيئته . وقال : لالتقائهما في معنى التعظيم لله ; لأن الاستثناء تفويض إليه ، والتسبيح تنزيه له ، وكل واحد من التفويض والتنزيه تعظيم له . وقيل : لولا تسبحون : تستغفرون . ولما أنبهم ، رجعوا إلى ذكر الله تعالى ، واعترفوا على أنفسهم بالظلم ، وبادروا إلى تسبيح الله تعالى ، فقالوا : سبحان ربنا . قال الزمخشري أي : نستغفر الله من ذنبنا . ولما أقروا بظلمهم ، لام بعضهم بعضا ، وجعل اللوم في حيز غيره ، إذ كان منهم من زين ، ومنهم من قبل ، ومنهم من أمر بالكف ، ومنهم من عصى الأمر ، ومنهم من سكت على رضا منه . ثم اعترفوا بأنهم طغوا ، وترجوا انتظار الفرج في أن يبدلهم خيرا من تلك الجنة عسى ربنا أن يبدلنا أي : بهذه الجنة خيرا منها . وتقدم الكلام في الكهف ، والخلاف في تخفيف يبدلنا ، وتثقيلها منسوبا إلى القراء . ابن عباس
إنا إلى ربنا راغبون أي : طالبون إيصال الخير إلينا منه . والظاهر أن أصحاب هذه الجنة كانوا مؤمنين أصابوا معصية وتابوا . وقيل : كانوا من أهل الكتاب . وقال عبد الله بن مسعود : بلغني أن القوم دعوا الله وأخلصوا ، وعلم الله منهم الصدق فأبدلهم بها جنة ، وكل عنقود منها كالرجل الأسود القائم . وعن مجاهد : تابوا فأبدلوا خيرا منها . وقال القشيري : المعظم يقولون أنهم تابوا وأخلصوا . انتهى . وتوقف الحسن في كونهم مؤمنين وقال : أكان قولهم : إنا إلى ربنا راغبون إيمانا ، أو على حد ما يكون من المشركين إذا أصابتهم الشدة ؟ .
كذلك العذاب . هذا خطاب للرسول - صلى الله عليه وسلم - في أمر قريش . قال ابن عطية : والإشارة بذلك إلى العذاب الذي نزل بالجنة ، أي كذلك العذاب أي : الذي نزل بقريش بغتة ، ثم عذاب الآخرة بعد ذلك أشد عليهم من عذاب الدنيا . وقال كثير من المفسرين : العذاب النازل بقريش المماثل لأمر الجنة ، هو الجدب الذي أصابهم سبع سنين حتى رأوا الدخان وأكلوا الجلود . انتهى . وقال : مثل ذلك العذاب الذي بلونا به أهل مكة وأصحاب الجنة عذاب الدنيا . ولعذاب الآخرة أشد وأعظم منه . انتهى . وتشبيه بلاء الزمخشري قريش ببلاء أصحاب الجنة ، هو أن أصحاب الجنة عزموا على الانتفاع بثمرها وحرمان المساكين ، فقلب الله - تعالى - عليهم وحرمهم . وأن قريشا حين خرجوا إلى بدر حلفوا على قتل الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ، فإذا فعلوا [ ص: 314 ] ذلك رجعوا إلى مكة وطافوا بالكعبة وشربوا الخمور ، فقلب الله عليهم بأن قتلوا وأسروا . ولما عذبهم بذلك في الدنيا قال : ولعذاب الآخرة أكبر .