( بسم الله الرحمن الرحيم )
الحاقة ما الحاقة وما أدراك ما الحاقة كذبت ثمود وعاد بالقارعة فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية فهل ترى لهم من باقية وجاء فرعون ومن قبله والمؤتفكات بالخاطئة فعصوا رسول ربهم فأخذهم أخذة رابية إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة فيومئذ وقعت الواقعة وانشقت السماء فهي يومئذ واهية والملك على أرجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه إني ظننت أني ملاق حسابيه فهو في عيشة راضية في جنة عالية قطوفها دانية كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه ولم أدر ما حسابيه يا ليتها كانت القاضية ما أغنى عني ماليه هلك عني سلطانيه خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه إنه كان لا يؤمن بالله العظيم ولا يحض على طعام المسكين فليس له اليوم ها هنا حميم ولا طعام إلا من غسلين لا يأكله إلا الخاطئون فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون إنه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون تنزيل من رب العالمين ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين وإنه لتذكرة للمتقين وإنا لنعلم أن منكم مكذبين وإنه لحسرة على الكافرين وإنه لحق اليقين فسبح باسم ربك العظيم . الحسوم ، قال الفراء : من حسم الداء ، أي : تابع [ ص: 319 ] بالمكواة عليه ، قال الشاعر :
ففرق بين جمعهم زمان تتابع فيه أعوام حسوم
وقال : حسمت الشيء : فصلته عن غيره ، ومنه الحسام . قال الشاعر : المبرد
فأرسلت ريحا دبورا عقيما فدارت عليهم فكانت حسوما
وقال الليث : الحسوم ، الشؤم . يقال : هذه ليالي الحسوم أي : تحسم الخير عن أهلها ، وقاله في الصحاح . صرعى : هلكى ، الواحد صريع ، وهي الشيء ضعف وتداعى للسقوط . قال ابن شجرة : من قولهم وهي السقاء إذا انحرق ، ومن أمثالهم قول الراجز :
خل سبيل من وهي سقاؤه ومن هريق بالفلاة ماؤه
الأرجاء : الجوانب ، واحدها رجا ، أي : جانب من حائط أو بئر ونحوه ، وهو من ذوات الواو ، ولذلك برزت في التثنية . قال الشاعر :
كأن لم ترا قبلي أسيرا مقيدا ولا رجلا يرمي به الرجوان
( وقال الآخر ) :
فلا يرمي به الرجوان إني أقل اليوم من يغني مكاني
هاء بمعنى خذ ، فيها لغات ذكرناها في شرح التسهيل . وقال الكسائي : العرب تقول : هاء يا رجل ، وللاثنين رجلين أو امرأتين : هاؤما ، وللرجل هاؤم ، وللمرأة هاء بهمزة مكسورة من غير ياء ، وللنساء هاؤن . قيل : ومعنى هاؤم ، خذوا ، ومنه الخبر في الربا إلا هاء وهاء أي : يقول كل واحد لصاحبه خذ . وقيل : تعالوا ، وزعم وابن السكيت القتبي أن الهمزة بدل من الكاف ، وهذا ضعيف إلا إن كان عنى أنها تحل محلها في لغة من قال : هاك وهاك وهاكما وهاكم وهاكن ، فيمكن أنه بدل صناعي ; لأن الكاف لا تبدل من الهمزة ولا الهمزة منها . وقيل : هاؤم كلمة وضعت لإجابة الداعي عند الفرح والنشاط . وفي الحديث ، ، بصولة صوته . وزعم قوم أنها مركبة في الأصل ، والأصل هاء أموا ، ثم نقله التخفيف والاستعمال . وزعم قوم أن هذه الميم ضمير جماعة الذكور . القطوف جمع قطف : وهو ما يجتنى من الثمر ويقطف . السلسلة معروفة ، وهي حلق يدخل في حلق على سبيل الطول . الذراع مؤنث ، وهو معروف ، وقال الشاعر : أنه - عليه الصلاة والسلام - ناداه أعرابي بصوت عال ، فجاوبه - عليه الصلاة والسلام : " هاؤم "
أرمي عليها وهي فرع أجمع وهي ثلاث أذرع وأصبع
حض على الشيء : حمل على فعله بتوكيد . الغسلين ، قال اللغويون : ما يجري من الجراح إذا غسلت . الوتين : عرق يتعلق به القلب ، إذا انقطع مات صاحبه . وقال الكلبي : عرق بين العلباء والحلقوم ، والعلباء : عصب العنق ، وهما علباوان بينهما العرق . وقيل : عرق غليظ تصادفه شفرة الناحر ، ومنه قول الشماخ :
إذا بلغتني وحملت رحلي عرابة فاشرقي بدم الوتين
[ ص: 320 ] الحاقة ما الحاقة وما أدراك ما الحاقة كذبت ثمود وعاد بالقارعة فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية فهل ترى لهم من باقية وجاء فرعون ومن قبله والمؤتفكات بالخاطئة فعصوا رسول ربهم فأخذهم أخذة رابية إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة فيومئذ وقعت الواقعة وانشقت السماء فهي يومئذ واهية والملك على أرجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية .
هذه السورة مكية . ومناسبتها لما قبلها : أنه لما ذكر شيئا من أحوال السعداء والأشقياء ، وقال : ذرني ومن يكذب بهذا الحديث ذكر حديث القيامة وما أعد الله تعالى لأهل السعادة وأهل الشقاوة ، وأدرج بينهما شيئا من أحوال الذين كذبوا الرسل ، كعاد وثمود و فرعون ، ليزدجر بذكرهم وما جرى عليهم الكفار الذين عاصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانت العرب عالمة بهلاك عاد وثمود 73 و فرعون ، فقص عليهم ذلك .
( الحاقة ) : المراد بها القيامة والبعث ، قاله وغيره ; لأنها حقت لكل عامل عمله . وقال ابن عباس وغيره : لأنها تبدي حقائق الأشياء . وقيل : سميت بذلك لأن الأمر يحق فيها ، فهي من باب ليل نائم . والحاقة اسم فاعل من حق الشيء : إذا ثبت ولم يشك في صحته . وقال ابن عباس الأزهري : حاققته فحققته أحقه أي : غالبته فغلبته . فالقيامة حاقة ; لأنها تحقق كل محاق في دين الله بالباطل ، أي كل مخاصم فتغلبه . وقيل : الحاقة مصدر كالعاقبة والعافية ، والحاقة مبتدأ ، ( وما ) مبتدأ ثان ، والحاقة خبره ، والجملة خبر عن الحاقة ، والرابط تكرار المبتدأ بلفظه نحو : زيد ما زيد ، ( وما ) استفهام لا يراد حقيقته بل التعظيم ، وأكثر ما يربط بتكرار المبتدأ إذا أريد ، يعني التعظيم والتهويل . وما أدراك ما الحاقة : مبالغة في التهويل ، والمعنى أن فيها ما لم يدر ولم يحط به وصف من أمورها الشاقة وتفصيل أوصافها . ( وما ) استفهام أيضا مبتدأ ( وأدراك ) الخبر ، والعائد على ( ما ) ضمير الرفع في ( أدراك ) ( وما ) مبتدأ ، والحاقة خبر ، والجملة في موضع نصب بأدراك ، و " أدراك " معلقة . وأصل درى أن يعدى بالباء ، وقد تحذف على قلة ، فإذا دخلت همزة النقل تعدى إلى واحد بنفسه ، وإلى الآخر بحرف الجر ، فقوله : [ ص: 321 ] ما الحاقة بعد أدراك في موضع نصب بعد إسقاط حرف الجر . و " القارعة " من أسماء القيامة ; لأنها تقرع القلوب بصدمتها . وقال : تقرع الناس بالأقراع والأهوال ، والسماء بالانشقاق والانفطار ، والأرض والجبال بالدك والنسف ، والنجوم بالطمس والانكدار . فوضع الضمير ليدل على معنى القرع في الحاقة زيادة في وصف شدتها . ولما ذكرها وفخمها ، أتبع ذلك ذكر من كذب بها وما حل بهم بسبب التكذيب ; تذكيرا لأهل مكة وتخويفا لهم من عاقبة تكذيبهم . انتهى . وقرأ الجمهور : ( فأهلكوا ) رباعيا مبنيا للمفعول . و الزمخشري : ( فهلكوا ) مبنيا للفاعل . قال زيد بن علي قتادة : " بالطاغية " بالصيحة التي خرجت عن حد كل صيحة . وقال مجاهد وابن زيد : بسبب الفعلة الطاغية التي فعلوها . وقال ابن عباس وابن زيد أيضا ، وأبو عبيدة ما معناه : الطاغية مصدر كالعاقبة ، فكأنه قال : بطغيانهم ، ويدل عليه كذبت ثمود بطغواها . وقيل : الطاغية عاقر الناقة ، والهاء فيه للمبالغة ، كرجل راوية ، وأهلكوا كلهم لرضاهم بفعله . وقيل : بسبب الفئة الطاغية . واختار وغيره أن الطاغية هي الصيحة ، وترجيح ذلك مقابلة سبب الهلاك في الطبري ثمود بسبب الهلاك في عاد ، وهو قوله : بريح صرصر وتقدم القول في ( صرصر ) في سورة القمر ( عاتية ) : عتت على خزانها فخرجت بغير مقدار ، أو على عاد فما قدروا على أن يتستروا منها ، أو وصفت بذلك استعارة لشدة عصفها ، والتسخير هو استعمال الشيء باقتدار عليه . فمعنى سخرها عليهم أي : أقامها وأدامها سبع ليال : بدت عليهم صبح الأربعاء لثمان بقين من شوال إلى آخر الأربعاء تمام الشهر ( حسوما ) قال ابن عباس وعكرمة ، و مجاهد وقتادة وأبو عبيدة : تباعا لم يتخللها انقطاع . وقال الخليل : شؤما ونحسا . وقال ابن زيد : ( حسوما ) جمع حاسم ، أي : تلك الأيام قطعتهم بالإهلاك ، ومنه حسم العلل والحسام . وقال : وإن كان مصدرا ، فإما أن ينتصب بفعل مضمر ، أي : تحسم حسوما بمعنى تستأصل استئصالا ، أو تكون صفة ، كقولك : ذات حسوم ، أو تكون مفعولا له ، أي : سخرها عليهم للاستئصال . وقرأ الزمخشري : حسوما بالفتح ، حالا من الريح ، أي : سخرها عليهم مستأصلة . وقيل : هي أيام العجز ، وهي آخر الشتاء . وأسماؤها : الصن والصنبر والوبر والآمر والمؤتمر والمعلل ومطفئ الجمر . وقيل : مكفي الطعن . السدي