قوله تعالى : ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا . ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن السماء تتشقق يوم القيامة بالغمام ، وأن الملائكة تنزل تنزيلا . وقال القرطبي : تتشقق السماء بالغمام أي عن الغمام . قال : والباء وعن يتعاقبان كقولك : رميت بالقوس ، وعن القوس انتهى . ويستأنس لمعنى عن بقوله تعالى : يوم تشقق الأرض عنهم سراعا الآية [ 50 \ 44 ] .
وهذه الأمور الثلاثة المذكورة في هذه الآية الكريمة من تشقق السماء يوم القيامة ووجود الغمام ، وتنزيل الملائكة كلها جاءت موضحة في غير هذا الموضع .
أما تشقق السماء يوم القيامة فقد بينه جل وعلا في آيات كثيرة من كتابه كقوله تعالى : فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان [ 55 \ 37 ] وقوله تعالى : فيومئذ وقعت الواقعة وانشقت السماء فهي يومئذ واهية [ 69 \ 15 - 16 ] وقوله : [ ص: 44 ] إذا السماء انشقت الآية [ 84 \ 1 ] وقوله تعالى : فإذا النجوم طمست وإذا السماء فرجت الآية [ 77 \ 8 - 9 ] فقوله : فرجت : أي شقت ، فكان فيها فروج أي شقوق كقوله ، إذا السماء انفطرت [ 82 \ 1 ] وقوله تعالى : وفتحت السماء فكانت أبوابا [ 78 \ 19 ] وأما الغمام ونزول الملائكة ، فقد ذكرهما معا في قوله تعالى : هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة الآية [ 2 \ 210 ] . وقد ذكر جل وعلا نزول الملائكة في آيات أخرى كقوله : وجاء ربك والملك صفا صفا [ 89 \ 22 ] وقوله تعالى : هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك الآية [ 6 \ 158 ] وقوله تعالى : ما ننزل الملائكة إلا بالحق وما كانوا إذا منظرين [ 115 \ 8 ] .
قال : والمعنى : أن السماء تنفتح بغمام يخرج منها ، وفي الغمام الملائكة ينزلون ، وفي أيديهم صحف أعمال العباد . انتهى منه . الزمخشري
وقرأ هذا الحرف نافع وابن كثير وابن عامر : ( تشقق ) بتشديد الشين ، والباقون بتخفيفها بحذف إحدى التاءين ، وقرأ ابن كثير : ( وننزل الملائكة ) بنونين الأولى مضمومة ، والثانية ساكنة مع تخفيف الزاي ، وضم اللام ، مضارع أنزل ، والملائكة بالنصب مفعول به ، والباقون بنون واحدة وكسر الزاي المشددة ماضيا مبنيا للمفعول ، والملائكة مرفوعا نائب فاعل نزل ، والأظهر أن يوم منصوب بـ اذكر مقدرا ، كما قاله القرطبي ، والعلم عند الله تعالى .