الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      الفرع الثاني : في حكم ما قال لها : أنت علي كظهر أبي أو ابني أو غيرهما من الرجال ، لا أعلم في ذلك نصا من كتاب ولا سنة ، والعلماء مختلفون فيه . فقال بعضهم : لا يكون مظاهرا بذلك ، قال ابن قدامة في " المغني " : وهو قول أكثر العلماء ، لأنه شبيه بما ليس بمحل للاستمتاع ، فأشبه ما لو قال : أنت علي كمال زيد ، وهل فيه كفارة ؟ على روايتين :

                                                                                                                                                                                                                                      إحداهما : فيه كفارة ، لأنه نوع تحريم فأشبه ما لو حرم ماله .

                                                                                                                                                                                                                                      والثانية : ليس فيه شيء ، ونقل ابن القاسم عن أحمد ، فيمن شبه امرأته بظهر الرجل ، لا يكون ظهارا ، ولم أره يلزم فيه شيء ، وذلك لأنه تشبيه لامرأته بما ليس بمحل للاستمتاع ، أشبه التشبيه بمال غيره . وقال بعضهم : يكون مظاهرا بالتشبيه بظهر الرجل . وعزاه في " المغني " لابن القاسم صاحب مالك ، وجابر بن زيد . وعن أحمد روايتان ، كالمذهبين المذكورين ، وكون ذلك ظهارا هو المعروف عند متأخري المالكية .

                                                                                                                                                                                                                                      قال مقيده عفا الله عنه وغفر له : الذي يظهر جريان هذه المسألة على مسألة أصولية فيها لأهل الأصول ثلاثة مذاهب ، وهي في حكم ما إذا دار اللفظ بين الحقيقة العرفية والحقيقة اللغوية ، على أيهما يحمل ؟ والصحيح عند جماعات من الأصوليين : أن اللفظ يحمل على الحقيقة الشرعية أولا إن كانت له حقيقة شرعية ، ثم إن لم تكن شرعية حمل على العرفية ، ثم اللغوية .

                                                                                                                                                                                                                                      وعن أبي حنيفة : أنه يحمل على اللغوية قبل العرفية ، قال : لأن العرفية ، وإن ترجحت بغلبة الاستعمال فإن الحقيقة اللغوية مترجحة بأصل الوضع .

                                                                                                                                                                                                                                      والقول الثالث : أنهما لا تقدم إحداهما على الأخرى بل يحكم باستوائهما ، فيكون اللفظ مجملا لاستواء الاحتمالين فيهما ، فيحتاج إلى بيان المقصود من الاحتمالين بنية أو دليل خارج ، وإلى هذه المسألة أشار في " مراقي السعود " ، بقوله :


                                                                                                                                                                                                                                      واللفظ محمول على الشرعي إن لم يكن فمطلق العرفي     فاللغوي على الجلي ولم يجب
                                                                                                                                                                                                                                      بحث عن المجاز في الذي انتخب     ومذهب النعمان عكس ما مضى
                                                                                                                                                                                                                                      والقول بالإجمال فيه مرتضى



                                                                                                                                                                                                                                      وإذا علمت ذلك ، فاعلم أن قول الرجل لامرأته : أنت علي كظهر أبي مثلا لا ينصرف [ ص: 196 ] في الحقيقة العرفية إلى الاستمتاع بالوطء أو مقدماته ; لأن العرف ليس فيه استمتاع بالذكور ، فلا يكون فيه ظهار . وأما على تقديم الحقيقة اللغوية ، فمطلق تشبيه الزوجة بمحرم ولو ذكرا يقتضي التحريم ، فيكون بمقتضى اللغة له حكم الظهار ، والظاهر أن قوله : أنت علي كالميتة والدم ، وكظهر البهيمة ، ونحو ذلك ; كقوله : أنت علي كظهر أبي ، فيجري على حكمه ، والعلم عند الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية