الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 458 ] قال : ( وبيع المزابنة وهو بيع التمر على النخيل بتمر مجذوذ مثل كيله خرصا ) لأنه عليه الصلاة والسلام نهى عن المزابنة والمحاقلة ; فالمزابنة ما ذكرنا والمحاقلة بيع الحنطة في سنبلها بحنطة مثل كيلها خرصا ولأنه باع مكيلا بمكيل من جنسه فلا تجوز بطريق الخرص كما إذا كانا موضوعين على الأرض وكذا العنب بالزبيب على هذا . [ ص: 459 ] وقال الشافعي رحمه الله يجوز فيما دون خمسة أوسق { لأنه عليه الصلاة والسلام نهى عن المزابنة ورخص في العرايا }وهو أن يباع بخرصها تمرا فيما دون خمسة أوسق . قلنا العرية العطية لغة ، وتأويله أن يبيع المعرى له ما على النخيل من المعري بتمر مجذوذ وهو بيع مجازا لأنه لم يملكه فيكون برا مبتدأ

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الحديث الرابع :

                                                                                                        روي { أنه عليه السلام نهى عن بيع المزابنة والمحاقلة }; قلت : روي من حديث جابر ; ومن حديث الخدري ; ومن حديث ابن عباس ; ومن حديث أنس ; ومن حديث أبي هريرة . فحديث جابر :

                                                                                                        أخرجه البخاري ، ومسلم عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله ، قال : { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزابنة ، والمحاقلة } ، زاد مسلم في لفظ : { وعن الثنيا ، إلا أن يعلم }انتهى .

                                                                                                        وزاد مسلم في لفظ : وزعم جابر أن المزابنة بيع الرطب في النخل بالتمر كيلا ، والمحاقلة في الزرع على نحو ذلك ، يبيع الزرع القائم بالحب كيلا ، وفي لفظ له ; قال : والمحاقلة أن يباع الحقل بكيل من الطعام معلوم ، والمزابنة أن يباع النخل [ ص: 459 ] بأوساق من التمر . وأما حديث الخدري : فأخرجه البخاري ، ومسلم ، عنه قال : { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزابنة والمحاقلة ، والمزابنة اشتراء التمر في رءوس النخل ، والمحاقلة كراء الأرض }

                                                                                                        انتهى .

                                                                                                        وأما حديث ابن عباس : فأخرجه البخاري عنه ، قال : { نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة ، والمزابنة }

                                                                                                        انتهى .

                                                                                                        وأما حديث أنس : فأخرجه البخاري أيضا عنه ، قال : { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة ، والمخابرة ، والملامسة ، والمنابذة ، والمزابنة }

                                                                                                        انتهى .

                                                                                                        وأما حديث أبي هريرة : فأخرجه مسلم عنه { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المزابنة ، والمحاقلة }انتهى .

                                                                                                        الحديث الخامس : روي { أنه عليه السلام نهى عن المزابنة ، ورخص في العرايا ، وهو أن تباع بخرصها تمرا ، فيما دون خمسة أوسق }; قلت : النهي عن المزابنة تقدم ; وأما العرايا فأخرجا في " الصحيحين " عن داود بن الحصين عن أبي سفيان عن أبي هريرة { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في بيع العرايا بخرصها فيما دون خمسة أوسق ، أو في خمسة أوسق } ، شك داود ، قال : دون خمسة ، أو في خمسة انتهى .

                                                                                                        وأخرج مسلم عن [ ص: 460 ] سهل بن أبي حثمة { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع التمر بالتمر ، وقال : ذلك الربا تلك المزابنة ، إلا أنه رخص في بيع العرية ، النخلة ، والنخلتين يأخذها أهل البيت بخرصها كيلا }. انتهى .

                                                                                                        وفي لفظ لمسلم : ذلك الزبن ، عوض : الربا ; والحديث في " البخاري " ليس فيه : تلك المزابنة ، ولا الزبن ، وأخرجا في " الصحيحين " عن ابن عمر عن زيد بن ثابت { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في بيع العرايا أن تباع بخرصها }; وفي لفظ رخص في العرية أن يؤخذ بمثل خرصها تمرا ، يأكلها أهلها رطبا . انتهى .

                                                                                                        قال صاحب " التنقيح " : ووافقنا الشافعي في صحة بيع العرايا ، إلا أنه خالفنا في إباحتها من غير ضرورة ، قال الإمام موفق الدين في " الكافي " : روى محمود بن لبيد ، قال : قلت لزيد بن ثابت : ما عراياكم هذه ؟ فسمى رجالا محتاجين من الأنصار شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الرطب يأتي ولا نقد بأيديهم يبتاعون به رطبا يأكلونه ، وعندهم فضول من التمر ، فرخص لهم أن يبتاعوا العرية بخرص من التمر ، يأكلونه رطبا ، قال : متفق عليه ، ووهم في ذلك ، فإن هذا ليس في " الصحيحين " ، ولا في " السنن " ، بل ولا في شيء من الكتب المشهورة ، ولم أجد له سندا بعد الفحص البالغ ، ولكن الشافعي ذكره في " كتابه في باب العرايا " بغير إسناد انتهى كلامه .




                                                                                                        الخدمات العلمية